المسافرون على رحلة الحياة الدنيا

المسافرون على رحلة الحياة الدنيا
ايها المسافرون على هذه الرحلة من الحياة الدنيا قريبا تنتهي الرحلة وتصلون على المحطة النهائية والتي فيها موقعين فقط للسكن، فتختار منها مسبقا اما ان اخترت المساكن الطيبة الحسنة او ستنقل الى الاخرى رغم انفك لانه لا يبقى موقع ثالث، وكل منها فروع على درجات او دركات، فاحجز لنفسك فيها قصور بها حدائق عامرة تخرج اغصانها من فوق السور ( مدهامتنان) ونعيما ملكا كبيرا وجميلات من نساء الدنيا زيادة على حور ان اراد، واما السكن الاخر فهو اودية في نيران بها دركات دائمة لا يمكن الخروج منها ومنه قوله تعالى: ( كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها) .
فاسرع بالحجز في الجنة لانها لها ثمن وتشتريها من الان تبيع شيئا من الدنيا والله تعالى يشتري ويعطي من لدنه اجرا عظيما، قال تعالى عن الشراء: ( ان الله اشترى من المؤمنين اموالهم وانفسهم بان لهم الجنة).
وان لم تشتري بيت الجنة فاعلم ان هناك مقعد بديل في النار فاحذره، كما قيل:
لا دار للمرء بعـد الموت يسكنهــا *** إلا التي كان قبل الموت يبنيهـا
وهي ضمن ابيات حكم في الزهد قيل انها للامام علي رضي الله عنه، وان لم يؤكد نسبتها له، وهناك من نسبها لعلي زين العابدين وقيل لابن المبارك وقيل لبعض الحكماء، وهي انه: قال لرجل اراد ان يعظه لما راه اغرته مساكن الدينا : فقال لرجل قال له: يا امام لقد أشتريت دارا وأريد أن تكتب لى عقد الشراء بيديك نظر الامام على وجه الرجل، وأراد الامام أن يلقنه درسا يذكره فيه بالله فأمسك الامام بالقلم و كتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد أشترى ميت من ميت دارا فى بلد المذنبين و سكة الغافلين لها أربعة حدود الأول ينتهى الى الموت و الحد الثانى ينتهى الى القبر و الحد الثالث ينتهى الى الاخرة و الحد الرابع اما الى الجنة و اما الى النار أتدرى يا أبن أدم ماذا يقول لك الملك وأنت على خشبة الغسل و تكون عاريا حافيا وأنت لا حول ولا قوة ؟ ان كنت لا تدرى فاسمع : يقول لك يا أبن أدم أين لسانك ما أسكتك ؟ أين صوتك الشجى ما أخرسك ؟ يا أبن أدم أين مالك ما افقرك ؟ فاذا وضعت فى الكفن قال لك الله فى أذنك : أبن أدم أين الأمانة التى أمرتك بصيانتها ؟ لماذا ضيعتها؟ فاذا ما وضعوك على خشبتك قلت لأبنائك و أهلك و أنت تودع الدنيا يا أهلى يا أبنائى يا من سكنتم ديارنا وأخذتم أمولنا و لبستم ثيابنا . لا تغرنكم الدنيا كما غرتنا و لا تلعبن بكم كما لعبت بنا . لقد جمعت المال من حله و حرامه وتركته لكم تستمتعون به ، وسأسأل عنه أمام الله وحدى يوم القيامة . فاذا سار بك المشيعون ووضعت أمام قبرك وأخرجوك من خشبتك ووضعوك فى القبر فيقول لك القبر : يا أبن أدم : جمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك تركت الدنيا أم هى تركتك أعاجلتك المنية أم أستعدت لها ؟ يا أبن أدم خرجت من التراب وجئت الى التراب خرجت من التراب بلا ذنب ، وجئت الى التراب وكلك ذنوب ، فاذا ما جن عليك الليل و ناداك مالك الملك، و ملك الملوك، يا أبن أدم رجعوا وتركوك وفى التراب دفنوك ولو ظلوا معك ما نفعوك ولم يبق لك الا انا الحى الذى لا أموت . نبكى على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الاكاسرة الجبابرة الاولى جمعوا الكنوز فما بقينا و ما بقوا من ذا الذى ضاق الفضا بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق خرس اذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق. وعندما قرأ الرجل عقد شراء البيت الذى كتبه الامام على بخط يده ، حزن وقال له يا أمير المؤمنين : جئتك لتكتب لى عقد شراء بيت فكتبت لى عقد شراء مقبرة. فقال له الامام : يا هذا .
النفس تبكى على الدنيا و قد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها الا التى كان قبل الموت يبنيها
فأن بناها بخير طاب مسكنه وان بناها بشر خاب بانيها
أين الملوك التى كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوى الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن فى الافاق قد بنيت أمست خرابا وأفنى الموت أهليها
ان المكارم أخلاق مطهرة الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها و الحلم رابعها و الجود خامسها و الفضل سادسها
و البر سابعها و الشكر ثامنها و الصبر تاسعها و اللين باقيها
لا تركنن الى الدنيا وفيها فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
أعمل لدار غدا رضوان خازنها و الجار أحمد و الرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها و الزعفران حشيش نابت فيها.
فقال الرجل: يا امير المؤمنين: أُشهد الله أني قد تصدَّقت بداري على أبناء السبيل.
وايا كانت صحة القصة فالمراد الحكمة وعبارات الزهد والتذكير بالعمل للاخرة، فالموضوع احرص على شراء بيت الجنة، والنجاة من النار وخسارة النفس وان ربحت في الدنيا المال الكثير، فقد بين القرءان خسارة الانسان الا من استثناهم بصفات فاحرص ان تكون منهم: ( ان الانسان في خسر* الا الذين امنوا وعملوا الصالحات). وهنا الشرط الاخر( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ويعني النجاة فقط لمن يذّكر بعضهم بعضا بالدعوة للحق والصبر عليه. لان النفس ان لم تسمع مواعظ تهلك سواء في شهوات او اهواء، ولن يسلم الا من اعتاد على سماع التذكرة قال تعالى: ( فان الذكرى تنفع المؤمنين). فطريق النجاة مجالس العلم التي تنير الطريق وتبين الحق وتبعد عن الفتن التي ترد في الحياة.
واما الحق الموصى به فهو التوحيد والسنة وليس الانتماء لحركات سياسية تتجار بالدين، بل العلم بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس اتباع من دعوا الناس الى المساجد وهم دخلوا الاسواق، وقالوا للناس اربطوا البطون ثم تكشف انهم يمتلكون عدة مليارات من الدولارات والابراج والفلل، واما الشعب المسكين جائع وان تكلم قمع وقتل، ليس ذلك مجتمع اهل الدين الذي ترجو النجاة بالانتماء اليه، بل عليك بمن يعلمك سنة النبي الذي يبين الطريق الى الله، وليس صاحب الهوى الذي ترشده، ومن لا يحتاجك ولا يطلب منك بل من يعطيك واقله ان يزهد فيما عندك، فهو يريد ان يبلغك ما اراد الاسلام منك وينصحك بما يبعدك على المعصية فهو من يهديك الى ربك فتخشى. طريق النجاة مجالس العلم الشرعي وكما في الحديث: من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له طريقا الا الجنة.
النفس التي لا تسمع النصائح الدينية على طريق الهلاك، واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى.
ادرك نفسك بحلقات العلم تعينك على مقاومة الهوى.
قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16). هود.