حقيقة الاسلام وجوهر الدين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حقيقة الاسلام وجوهر الدين

حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:39 am



ألجمـاعـة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة

    عـلى فهــم سلـف الامة


عثمان حسن بابكر
(كُــرقُـس)      

الطبعة الثانية  مايو 2020
للتواصل مع الكاتب: curguss@hotmail.com
                                               
الفهرس
المقدمة
الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة
ملازمة الجماعة شعيرة من الشعائر
دعوة القرءان الى للجماعة
الآثار في الامر بالجماعة
الجماعة لتمام الايمان والصلاة
قول البخاري في الجماعة
قول القرطبي في الجماعة  
قول النووي في الجماعة
قول ابن بطال في الجماعة
من ترك السنة الخروج من الجماعة
الحكمة من الجماعة واقوال اهل العلم فيها
من اقوال ابن تيمية في الجماعة
قول عمر لا اسلام بلا جماعة
جماعة ابن تيمية
وصية ابن تيمية بالجماعة
قول الشاطبي في الجماعة
من هي الجماعة المرادة
لماذا سمو بالجماعة
معنى اهل السنة والجماعة
ملاحظة حول فهم العامة لاهل السنة
ليس كل منتسبي السنة من اهل السنة
العامة ليسو هم الجماعة
مقالة لابن القيم في الجماعة
معنى اهل الجماعة
من دعى من الاسلاف الى الجماعة
رسالة ابن تيمية الى جماعة في عصره
اقوال شيوخ السلفية في القرون الاخيرة
صفات اهل الجماعة
تعدد اسماء الجماعة
تنبيه حول اسم السلفية
كيفية المعية او اللزوم للجماعة
موقف اهل السنة والجماعة عند الخلاف
حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين
الفرق بين مشاركة الافراد والجماعة
اباحة الأحزاب غير الدينية، أي السياسية
الفصل الثاني
اشكالات في فهم الجماعة
الفئات السنية في العالم هم جماعة واحدة
من اسباب قيام الجماعة
حتى لا يساء الهدف من الجماعة
من واجبات الجماعة الامارة  
اقوال ابن تيمية في الامارة
تعريف مكانة ابن تيمية العلمية
من يرده الحرج او الكبر عن الحق واتباع الجماعة
حكم الخروج من الجماعة
الخلاصة


مقـدمـــة
 الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى آثارهم الى يوم الدين.                          
   وبعد
لاجل الطاعة والاتباع، وسلوك سبيل خير متبوع مطاع، وتميزا لاهل الحق عن الرعاع، وإصلاحا لذات البين لاجل الاجتماع، وحرقا لبذور الشك والعنف المشاع، وتسليطا للضوء على الزيف والخداع، وعلى سلف الأمة كيف كان الاتباع، لما طلّ نور من ثنيات الوداع، ولا تعجل علي أخي القارئ بالتحزب او ابتداع، وتابع معي متجردا حتى آخر رقاع، ستجدني في كتابي ضيفا على اهل السنة خير اتباع.
اخوة الأيمان تجئ هذه الرسالة البسيطة للإسهام في حملة التأليف والتقريب، والدعوة الى الاجتماع، ونبذ العنف والصراع، حتى نقيم الدين لله مجتمعين، غير متفرقين، وكي لا نكون من المشركين، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.
 والبحث يورد بعد الكتاب والسنة أقوال كثير من الأئمة بدءا من عصر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والى عصرنا هذا، وجميعهم يرون وجوب الجماعة للمسلمين اهل التوحيد، القائمة من اهل السنة على قرار الفرقة الناجية، ثم بينا صورة هذا الاجتماع من غير حزبية، وصفات الفرقة الناجية وأهلها.
ومن الدوافع للبحث ما سمعناه من بعض المنتسبين للدعوة والسلفية يقولون بعدم جواز الجماعة فضلا عن وجوبها، بل منهم من لا يرى جواز اللجنة او الجمعية التي تدير ابسط الأمور للمسلمين، والأعجب انهم يستدلون على ذلك بأقوال فهموها خطأ عن مشايخ الدعوة السلفية، الذين هم يأمرون بالجماعة ويحضون عليها، وينظمون إداراتها بل ويقودون الجماعة حول العالم، ويدعون لها، وحفلت فتاواهم وكتبهم بالدعوة اليها، اما إذا شذ عنهم داعية بزلة، او أشكل على طلبة العلم فهم كلامه، كان الواجب عليهم عند ذلك لزوم السواد الأعظم من علماء السنة.
كما بينا اقوال السلف الصالح في توضيح من هم السواد الاعظم، ونصل الى ان هناك جماعة مشروعة، بل مأمور بها، ولزوم اهلها بلا بيعات او معاهدات ان لم يكن لها امام سلطان، فان كان لهم امام دولة فالبيعة له، وكذلك بيّنا حالات ومراحل تمر بها الجماعة على صفة الطائفة المنصورة المذكورة في الاحاديث النبوية والتي وصفت بأنها لا تزال حتى تقوم الساعة.
ان البحث يركز على النصوص والاثار ثم الاستنباطات التي وردت من اعلام اهل السنة، واحيانا وضمنها اجعل خط تحت كلمة او جملة معينة اريد بها ان يركز القارئ على مدلولها ووضوحها في امر الجماعة، وعلينا جميعا ان نراجع ما حصلنا من الأدلة وننظر في فهم سلف الامة لها حتى لا نكون من الذين فرحوا بما عندهم من العلم ويصدنا ذلك عن اتباع الحق بسبب التعصب او الكبر والحسد او الحرج من التراجع عن خطأ ظن البعض انه حق او اتبع فيه زلّات اخرين وثق بهم، ولا ندري لعلّ الله ابتلى البعض ان يطيعوه ام من وثقوا فيهم وتعصبوا لفتواهم، وقد كان في الأمم السابقة من اتبعوا معلميهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا كما وصفهم الله تعالى، فلنتأمل ادلة الاخرين، فاما كانت صحيحة فنرجع لها او زاد البعض يقينا على ادلته، لكن بعد بذل الجهد في طلب الحق والتجرد، والاطلاع على فتوى من أجمع السواد الأعظم من الامة على عدالتهم، ولنقف على النصوص واقوال السلف والأئمة في فهم الجماعة، والحمد لله رب العالمين.
                             تم بحمد الله في يوم
                             07 ذو الحجة 1420 ه
                             الموافق 13 مارس 2007 م
                                      عثمان حسن بابكر

الجمـاعـة
وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة
عـلى فـهـم السلـف الصـالـح

 ان الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن اصحابه اجمعين وتابعيهم ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
  يقول ربنا جلّ وعلا:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.119التوبة.
فبدأ تعالى بالتذكير بالخشية والخوف منه في تنفيذ هذا الامر الهام، وهو معية اهل الصدق والالتزام ومرافقتهم، الذين كانوا يتّبعون النبي صلى الله عليه وسلم في كل شئونهم، ومع ان الاية نزلت في كعب بن مالك رضي الله عنه وبعض المخلّفون من الاعراب، الا ان السياق جاء امرا عاما يشمل جميع المؤمنين، آمرا لهم بمعية الصادقين ولزوم جماعتهم.
كما امر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على معية اهل التوحيد، في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). 28 الكهف.  
 وقد امرنا تعالى ان نقيم الدين مجتمعين غير متفرقين، كما امر الانبياء من قبلنا، في قوله تعالى:  شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ . 13 الشورى.

ملازمة الجماعة شعيرة من الشعائر    ان معية اهل الايمان الصادقين، وملازمة جماعتهم هي شعيرة في ذاتها، احيانا تقترن بشعيرة اخرى، واحيانا عامة يراد بها لزوم الجماعة ومناصرتهم، كقول الله تعالى:  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. آل عمران. ومع شعيرة اخرى كقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ .3 البقرة.
فمع الامر بالصلاة كذلك امر بالاجتماع عليها، وكذلك قوله تعالى:  ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. أي ليس منفردا وانما مع الجماعة وتوقيتها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتماع على ايام رمضان قال: صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون. أي اليوم المعتمد لكم هو ما عليه الجماعة، وهذا يعني ولو خالف ذلك توقيت الشهر لعدم وضوح الرؤيا، فتقدير الجماعة رضيه الشارع، وجعله هو اليوم المفروض للصيام، فجعلت شعائر من حكمتها الاجتماع والائتلاف.   وقد اخبرنا جلّ وعلا ان الناس كانوا امة واحدة، أي جماعة واحدة، وبسبب عدوانهم على بعضهم فرقوا دينهم، الا اهل التوحيد أي الايمان الصحيح دلهم وهداهم الى السبيل الموافق للحق، وذلك في قوله تعالى:  كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم. 213 البقرة.
 فرغب تعالى في الاجتماع وحض عليه، ونهى عن ضده التفرق وحذر منه، لكن الاجتماع على الحق، الذي هدى له اهل الايمان والتوحيد لأنهم وافقوا ما قامت عليه الجماعة الأولى، وهو الدين الخالص اتباع السنة من بين الفرق المنحرفة.
وهداهم الى سبيل الفرقة الناجية منهم، كما هدى رسوله الى ذلك السبيل بعدما رجع الناس الى الشرك قبل البعثة، قال تعالى:  قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.161 الأنعام.
دعوة القرءان الى الجماعة  
ان من تدبر القرءان لوجد وجوب الجماعة في غاية الجلاء، بل من ابرز مقاصد الشريعة ومعالم الدين، وسنورد الكثير من النصوص والآثار ومن ذلك قوله تعالى:  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  .105 آل عمران.   دعاهم الى الاجتماع ثم نهاهم عن التفرق، ولكي يؤكد ان المطلوب منهم الاجتماع على العمل قال تعالى:  ولتكن منكم امة يدعون الى الخير  أي لتكن منكم جماعة تقوم بذلك، وليس تدعوا لوحدك، الا اذا لم يقدر على الاجتماع، فدعاهم للاجتماع على الدعوة وان تكون منهم فرقة لذلك، وسياتي بيانه.  وفي تفسير ذلك روى الشعبي عن عبد الله بن مسعود انه قال: في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا..)، قال: ( الجماعة ).
وروى ابن جرير الطبري، عن ثابت بن قطبة المدني عن عبد الله انه
قال: "يا ايها الناس: عليكم بالطاعة والجماعة، فانها حبل الله الذي امر به، وان ما تكرهون في الجماعة والطاعة، هو خير مما تستحبون في الفرقة "، وذكر ابو جعفر: " يعني ـ جلّ ثناؤه ـ بقوله تعالى: ( و لا تفرقوا ): ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد اليكم في كتابه، من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم  والانتهاء الى أمره"   وروي عن قتادة: "( ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم )، ان الله عزّ وجلّ قد كره لكم الفرقة، وقدم لكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لانفسكم ما رضي الله لكم ان استطعتم، ولا حول ولا قوة الا بالله ".     وروي عن ابن عباس قوله: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا )  ونحو هذا في القرءان، امر الله ـ جلّ ثناؤه ـ المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة واخبرهم انما هلك من كان قبلهم، بالمراء والخصومات في دين الله. انتهى.
فتامل كلامه رضي الله عنه " امر الله "، والأمر يقتضي الوجوب ويعني عدم القيام بها مع القدرة والامكان معصية.
وقد فاضت السنة والآثار في الامر بالجماعة، بما يبطل شبه اهل الاعتزال، ومنها ما رواه الامام احمد رحمه الله، ( 4/278 ) عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ).
وروى في (4/ 130 ) عن الحارث الاشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ان الله امر يحي بن ذكريا بخمس كلمات، فذكر الحديث بطوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وانا آمركم بخمس كلمات امرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فمن خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من راسه الا ان يرجع ).
والربق حبل ممدود تتفرع منه حبال قصيرة يربط فيها البهم صغار الغنم الرضيعة، فتصير مثل العقد في حبل واحد، وبالنسبة لمثل المسلم يضعها في عنقه بقبوله الإسلام وجماعته، ليكون الجميع في ربق واحد، فمن رفض الجماعة فقد اخرج ربقة الاسلام من عنقه وخرج من رابطة المسلمين، تلك التي تجمع كل اهل التوحيد، فمن اراد معيّتهم فليرجع اليهم، ويضع ربقة الجماعة في عنقه.
 وروى ابن جرير عن انس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ان بني اسرائيل افترقوا على احدى وسبعين فرقة، وان امتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة ، كلهم في النار الا واحدة، قال: فقيل: يارسول الله، وما هذه الواحدة؟ قال: فقبض يده وقال: (الجماعة، واعتصموا بحبل الله جميعا ).
 فدل بهذا الوصف على ان المراد بالاعتصام هو الجماعة، كما فسرها بقبض يده دلالة على ترابط الجماعة وتماسك افرادها.    وقال ابو جعفر: " يعني بذلك ـ جلّ ثناؤه ـ ( ولتكن منكم ) ايها المؤمنون ( امة ) يقول: جماعة" .
يفيد: ولتكن منكم امة، أي ولتكن منكم جماعة.
والامة معناه: جماعة، كقوله تعالى: (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)، أي جماعة من الناس يسقون.
(منهم امة مقتصدة ) أي: جماعة مقتصدة.
( ان ابراهيم كان امة ) أي: كان جماعة بشخصه يواجه قومه لعدم وجود اتباع له آنذاك قبل ان يجد الأولاد بعد ان كبر.
فكان ممثل جماعة الحق المطلوب قيامها حين غياب اتباع لها.
وقوله تعالىSad وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ). أي جماعة يهدون بالحق.    وقال ابو جعفر في التفسير:" ( ويعني ـ جلّ ثناؤه ـ بقوله : (امة قائمة ): جماعة ثابتة على الحق .
 فقوله تعالى: ( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر) أي: لتكن منكم جماعة تقوم بذلك.    وقال ابو جعفر في قوله تعالى: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا )، يقول ـ جلّ ثناؤه: فلا تتفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم، تفرق هؤلاء في
دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنون في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من
عذاب الله العظيم مثل الذي لهم). انتهى.
 وروى الامام احمد 5/ 233: عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الشيطان ذئب الانسان، كذئب الغنم، يأخذ السيرة، والقاصية، والناحية، فإياكم والشيطان، وعليكم بالجماعة، والعامة، والمسجد.
وهذا تحذير للمنفرد او المتنحي اي المبتعد عن جماعة التوحيد، وبين له ان السلامة في جماعتهم ومجتمعهم.

الآثار في الجماعة
 وروى ابن بطة عن ابن مسعود قال: عليكم بتقوى الله وهذه الجماعة، فان الله لا يجمع امة محمد على ضلالة ابدا، عليكم بالصبر حتى يستريح بر او يستراح من فاجر.
الجماعة لتمام الايمان والصلاة
 روى الدارمي عن حسان بن عطية، انه سمع عطاء الخرساني يقول: ثلاثة لا تنفع اثنان دون الثالثة، الايمان، والصلاة، والجماعة.
وهذا ما يؤكد ان اعتقاد السلف الصالح في الجماعة انه الوجوب الذي تركه معصية، بل ولا ينفع الايمان بلا ملازمة الجماعة المؤمنة، باعتبار ان ذلك من تمام الايمان ولوازمه، أي من باب الولاء والبراء، اذ انه لم يوالي المؤمنين من هجر جماعتهم او اعتزلهم.
وروى عن عامر بن ثابت بن قطبة قال: كان عبد الله بن مسعود يذكر كل عشية خميس، فيحمد الله ويثني عليه ويقول: ان احسن الحديث كلام الله، واحسن الهدي هدي محمد، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وشر الرواية رواية الكذب. وسمعته يقول: ياايها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فانها حبل الله الذي امر به، وان ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة.
وقوله ما تكهرون يشير الى اجتهادات لا يراها البعض او يظنها خطأ فعليه لزوم الجماعة ولا يفارقها لسبب ما يراه خطأ منهم لان خطا مفارقتها اكبر من خطأ اجتهاد الجماعة ان أخطأت.  
 وروى عن الحسن، ان ابي بن كعب قال:  هلك العقدة ورب الكعبة، هلكوا واهلكوا كثيرا، والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على ما يهلكون من امة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني بالعقدة: الذين يعمدون على الآراء والاهواء، والمفارقين للجماعة . انتهى.
 وقد بوب البخاري في لزوم الجماعة قوله: وما امر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم اهل العلم، يقول شارح عمدة القارئ: هذا عطف على ما قبله، تقديره وفيما امر النبي صلى الله عليه وسلم: بلزوم الجماعة. والمراد بالجماعة: اهل الحل والعقد في كل عصر . انتهى.
وهنا يعني اهل الحل والعقد من علماء الشريعة الاسلامية.
قال الكرماني: مقتضى الامر بلزوم الجماعة، انه يلزم المكلف متابعة ما اجتمع عليه المجتهدون، وهو مراد البخاري بقوله، اهل العلم.
 وهذا ايضا يفيد انها ليس جماعة الناس العامة وانما فئة اهل العلم والدراية وهذا في منهج الجماعة وشعائرها وسبيلها وهو احد معنيي الاجتماع، واما في المعنى الاخر للّزوم وتقارب الافراد فهو لزوم المعية والاجتماع لأفرادها والذي وصف تاركه بالغنم القاصية، اي لزوم الجماعة في منهجها والمرافقة في جماعتها. ولا يبتعد عنهم كالغنم التي فارقت القطيع فيتلقاه الشيطان وهذا يعني ان المبتعد عن الجماعة معرض للفتنة والمعاصي.
اذن الجماعة لها معنيان الاول منهج وفكر ومعتقد يؤمن به، والثاني الجماعة اتباع واناس مجتمعون على هذا المعتقد والمنهج، فان ذكرت شريعتها هي ما اشار اليه: (ما اجتمع عليه المجتهدون)، وهو المنهج والمسلك العلمي العقدي.
وان ذكر اتباعها ومجتمعها اشير الى صفات المجتمعين على التوحيد والسنة، فان ورد ذكر احدها في موضع ما لا يعني هذا نفي المعنى الاخر. فاحينا تذكر بهذا واحيانا بالوصف الثاني. وهذا ما اخطأ فيه بعض الفضلاء الذين اخذوا فقط الاجتماع على شريعتهم والمذكور بما عليه المجتهدون، ولكن تركوا الاجتماع الذي يعني المرافقة لاهل الحق وتألف بعضهم ببعض وهو ما يقابله معنى الاية: ( ولا تفرقوا). أي افرادكم.
وقال ابن حجر في فتح الباري: ( فعرف ان المراد بالوصف اهل السنة والجماعة وهم: اهل العلم الشرعي، ومن سواهم - ولو نسب للعلم - فهي نسبة صورية لا حقيقية ) انتهى.
وقال القرطبي في التفسير ص 1406: فاوجب تعالى علينا، التمسك بكتابه، وسنة نبيه، والرجوع اليهما عند الاختلاف، وامرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات، الذي تتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وامر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لاهل الكتابين. انتهى.
وتأمّل اشارته الى امرين، الاول التمسك بالكتاب والسنة وهذا منهجها والثاني قال: وامرنا بالاجتماع على الاعتصام. يعني الجماعة.
 وقال الامام النووي في شرح صحيح مسلم ( 12/11 )  واما قوله صلى الله عليه وسلم ( ولا تفرقوا): هو امر بلزوم جماعة المسلمين، وتألف بعضهم ببعض، وهذه احدى قواعد الاسلام، واعلم الثلاثة المرضية: ( احداها ان يعبدوه، الثانية ان لا يشركوا به شيئا، الثالثة ان يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا ).
 ذكر ابو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الالكائي المتوفي سنة 418 هجرية عن الاوزاعي يقول: ( كان يقال: خمس عليها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون باحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرءان، والجهاد في سبيل الله).
 وذكر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: ( واني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى )، قال ( ثم اهتدى ): قال: لزوم السنة والجماعة .
وذلك يعني ربما يتوب البعض عن المعاصي لكنه لا يهتدي الى فئة الحق فيتبع جماعة ضالة او حتى لا يهتدي الى اهل الحق فيكون تايه لم يتبع الفرقة الناجية التي على الحق.
فالسنة هي المنهج، والجماعة هي الفئة العاملة به والمطلوب السير معها، وذلك يعني بعد الايمان (اهتدى الى الجماعة الحقة التي على السبيل الصحيح ). يعني انتمى ولزم لجماعة الحق.
لان البعض يؤمن بالاسلام، او يتوب عن المعاصي، لكنه لا يهتدي الى الجماعة الحقة، بل ينضم الى فرقة او جماعة مبتدعة في دينها او متطرفة فيكون لم يهتدي الى الحق، أي ترك معاصي كان يفعلها لكنه لم يهتدي الى الفرقة المعتدلة التي على جماعة السنة والفرقة الناجية، وتلك المغفرة الموعودة في الاية لمن (اهتدى) الى اهل الحق والجماعة التي عليه وهي الفرقة الناجية.
وذكر عن ابن عباس في قوله تعالى: ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه). 106 آل عمران. " فاما الذين ابيضت وجوههم": فاهل السنة والجماعة وأولو العلم.
فانظر عبارة الجماعة في حديثه تفيد الجماعة معلومة منذ عهد الصاحبة رضي الله عنهم، فهم يحدثون بما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم عما سيقع في الامة وما هو الموقف الاسلم عند ذلك.
 وروي عن اسامة بن شريك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: يد الله على الجماعة، فاذا شذ الشاذ منهم، اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم. قال الالباني رحمه الله: صحيح بشواهده.
وهذا يفيد ان المراد من الجماعة هو الاجتماع لمن يحملون هذا المنهج النبوي، اذ لو كان المراد لزوم المنهج فقط، لكان للمفارق الجماعة ان يكون على منهجها في انفراده، ولما كان المراد الاجتماع معهم، شبهه بالغنمة المبتعدة عن رفيقاتها، وذلك دعوة منه صلى الله عليه وسلم  للرجوع الى مرافقة الجماعة.
 وروى الترمذي مصححا من حديث الحارث الاشعري، وذكر حديثا مطولا، فيه: وانا آمركم بخمس امرني الله بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فان من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه. وذكر حديثا آخر، فيه: ومن اراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة .
وقال ابن بطال: مراد الباب: الحض على الاعتصام بالجماعة، الى ان قال: والمراد بالجماعة: اهل الحل والعقد.
 والمراد بلزوم الجماعة: أي ابقاء النفس فيها واجبارها على ذلك، وفرض المداومة بها على النفس، جاء في المعجم الوسيط: لزم الشيء لزوما: ثبت وداوم، لازمه، ولزاما: داوم عليه. التزم الشيء او الامر: اوجبه على نفسه.
والمراد بلزوم الجماعة، ان يفرض العبد على نفسه المداومة فيها والثبات على الجماعة، في منهجها، وفي مجالسها ومجتمعها، ومرافقة اتباعها، وان يصبر نفسه معهم كما جاء في قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). 28 الكهف.  
وقول ابن بطال في الاعتصام بالجماعة، يعني الاحتماء بها من الفتن، والهوى، والشيطان، ومن فرق الضلال وشبهاتهم، حتى لا يخرج عن الجادة، خاصة في عصر الفتن والبدع، وغربة الاسلام، وتعدد الفرق الضالة من حول اهل الحق الصادقين، الذين يتمسكون بالسنة وعلى نهج السلف الصالح - رضوان الله عليهم أجمعين، وألئك المتمسكون هم الفرقة الناجية التي وصفها صلى الله عليه وسلم ب ما انا عليه واصحابي، ووصفها:  الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي.
وروى الامام ابن بطة عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل لله في الجماعة فاصاب تقبل الله منه، وان اخطا غفر الله له، ومن عمل لله في الفرقة فان أصاب لم يقبل منه، وان اخطأ فليتبوأ مقعده من النار).
وهذا يوضح لمن ترك الجماعة باجتهاد يرى انه في موقف محق وتصرف صواب فهذا يفيد حتى لو ان فعله سليم او لا يخالف الحق لكنه لاجله ترك الجماعة فهذا يكفيه سوء لانه مخالف للجماعة التي هي أولى باللزوم وافضل له البقاء فيها من فعل خير يراه لكن يبعده عن الجماعة، خاصة من يقول يعمل في عمل خيري من خارج الجماعة ويتركها بسبب خلاف على الاعمال الخيرية التي أصبحت عنده هي الدين يوالي فيها ويعادي فيها، وهذا من هواه.
 وروى ايضا عن سعد بن حزيفة عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة شبرا فارق الاسلام، وهذا يفسر خلع ربقة الاسلام بالخروج منه.
 وروى الامام ابن بطة عن المسيب بن واضح قال: سمعت يوسف بن اسباط يقول: اصل البدع اربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، ثم تشعب كل فرقة ثماني عشرة طائفة، فتلك اثنان وسبعون فرقة، والثالثة والسبعون، الجماعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها الناجية.
واخرج الترمذي والطبري، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فقال: اني قمت فيكم كمقام رسول الله فينا، فقال: اوصيكم باصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشفوا الكذب، حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد ولا يستشهد، عليكم بالجماعة، واياكم والفرقة، لا يخلو رجل بامرأة، فانه لا يخلوا رجل بامرأة الا كان ثالثهما الشيطان، الشيطان مع الواحد، وهو عن الاثنين ابعد، ومن اراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلك هو المؤمن.
من ترك السنة الخروج من الجماعة
وروى الترمذي في التهذيب 3 / 318: عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ترك السنة الخروج من الجماعة.
والخروج من الجماعة يكون بمعنيين، اما الخروج على اجتماعهم ووحدتهم وفرقتهم الناجية، وذلك ما يفيد الفرقة والتشتت، او الخروج على ما عليه الجماعة من الحق وهو المنهج.
كما روي عن علي رضي الله عنه ذكر ان الخروج من الجماعة من الكبائر. وذلك في الاثر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا علي بن صالح، عن عثمان بن المغيرة ، عن مالك بن جوين، عن علي، رضي الله عنه، قال : الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، والسحر، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة
ان مما ذكر في شأن الجماعة ووجوبها ولزومها، لا يتردد فيه الا من طمست بصيرته، وسيطر عليه الهوى فأعمى قلبه، واصم اذنه، وان في هذا لبلاغا لقوم عابدين، وان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد.
وللجماعة ذكر آخر وتفاصيل سترد في مواضع اخرى قادمة خلال تعريفها وصفات اهلها ومناقشة الشبهات وتفنيدها، مع ذكر اقوال اهل العلم من السلف الصالح رضي الله عنهم واتباعهم اجمعين.

الحكمة من الجماعة وأقوال اهل العلم فيها
  ان الحياة كلها ومصالح بني آدم لا تقوم ولا تكتمل الا بالاجتماع والتعاون، سواء في الدنيا او الدين، وفي اختلاف طبائع الناس وقواهم العقلية والبدنية ورغباتهم المتفاوتة حكم عظيمة، منها: ليحتاج كل شخص الى الاخر، وذلك يكون سببا في تقريبهم ليكمل كل منهم الاخر ويصبح له فيه حاجة تجبره على التقارب، ويؤدون ما طلب منهم ويحصل التكاثر واستمرارية الحياة، وغير ذلك من الحكم في السنة الكونية، وحتى الحيوانات ملهمة في تقاربها، وغيرها من المخلوقات مثل الحشرات، فنجد النمل مملكة منظمة ولها ادارة دقيقة، وتجمع قوتها في اجحارها، وتقوم جماعتها بكسر الحب حتى لا ينبت اذا جاء المطر. والنحل كذلك مملكة دقيقة.
 كما نجد ان الطيور جماعة تسير خلف قائد وتتبعه حيث دار. وبأشكالها المختلفة تكون جماعات يحكي حالها السنة الكونية والحكمة الربانية، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم). 38 الانعام ، أي جماعات امثالكم.
 فكيف لهذا الانسان المدعي للعلم والمعرفة ان يدعو الى الاعتزال والفرقة؟ ويظن انه من المصلحين، في حين انه من المفسدين، في الدنيا والدين.
وندعو تارك الجماعة الى سياحة قصيرة في مؤلفات الائمة المصلحين ومنهم اعلم الامة بعد الصحابة بالدين، شيخ الاسلام ابو العباس احمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله وطيب الله ثراه.
من اقوال ابن تيمية في الجماعة
 فمن اقواله ما جاء في مجموع الفتاوى  ج 28 ص 62: ( وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الاخرة الا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال الانسان مدني بالطبع. فاذا اجتمعوا فلا بد لهم من امور يفعلونها، يجتلبون بها المصلحة، وامور يجتنبونها، لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للامر بتلك المقاصد ، والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه. انتهى كلامه.
 وقال في ص 390: فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع، لحاجة بعضهم الى بعض. انتهى. فتراه بعد بيانه لحاجتهم للاجتماع اشار الى للآمر فيهم ويعني ضرورة الامارة عليهم والرآسة فيهم وسياتي لها فقرة خاصة.
وقال ايضا شيخ الاسلام ص 168: وبنو آدم لا يعيشون الا باجتماع بعضهم مع بعض، واذا اجتمع اثنان فصاعد، فلابد ان يكون بينهما ائتمار بامر وتناه عن امر.
 كما يتضح من كلام الشيخ الآتي المطول، ان الجماعة امر للوجوب وليس للاستحباب حيث قال: ص 285: هذا مع ان الله امر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال: ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة فان يد الله مع الجماعة، وقال: (الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين ابعد. انتهى كلام شيخ الاسلام.
 وقال ايضا  ص51: وتعلمون ان من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين، تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، فان الله تعالى يقول: ( فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ). ويقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ). ويقول: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ). وامثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف، واهل هذا الاصل هم اهل الجماعة، كما ان الخارجين عنه هم اهل الفرقة) .انتهى.
 فانظر الى قول الشيخ ( تامر بالجماعة ) وقوله ( اهل الجماعة ) تتبين ان منهج السلف الذي عرفوه هو وجوب الجماعة ومامور بها. وايضا قوله: (هم اهل الجماعة)، وقوله: ( الخارجين عنه هم اهل الفرقة). يشير الى من تركوا الجماعة او لم يدخلوها هم اهل الفرقة. اي ليس على سبيل الفرقة الناجية.
كما ان القاعدة العظيمة التي ذكرها هي اصول قيام الجماعة من، اجتماع الكلمة وتأليف القلوب، واصلاح ذات البين.
 وقال شيخ الاسلام في 19/117 بعد ذكر الآيات: قال: فهذه النصوص وما كان في معناها، توجب علينا الاجتماع في الدين، كاجتماع الانبياء قبلنا في الدين.
ولاحظ الاشارة الى الوجوب في قوله: توجب علينا.
 وقال ايضا 3/ 419 -420 بعد ذكر الآيات التي تآمر بالجماعة: فكيف يجوز لامة محمد صلى الله عليه وسلم ان تتفرق وتختلف، حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى، وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كانوا هكذا. فهذا فعل اهل البدع، كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين، واستحلوا دماء من خالفوهم .واما اهل السنة والجماعة، فهم معتصمون بحبل الله .. الى قوله: وان يكون المسلون يدا واحدة. انتهى.
وقوله يدا واحدة يشير لاجتماع الاشخاص والمرافقة والمعاونة ووحدة الصف، وليس فقط لمجرد اتباعهم لما عليه الجماعة. يدا واحدة يريد الجماعة ولو كان القصد ما عليه الجماعة من منهج فقط لكان يمكن ان يكون دون جمعهم يدا واحدة لكنه يريد جماعتهم وقوتهم لمواصلة نصرة الدين سويا وبقوة الجماعة.
والوصف بقوله يدا واحدة يفيد جليا انه لا يتكلم عن منهجهم وشعائرهم وانما يعني وحدتهم وقوتهم في كونهم يدا واحدة قد اجتمعوا سواء للدعوة او للتعمير او الدفاع او الجهاد، فهم جماعة متّحدون.
وقال ص 421: فمتى ترك الناس بعض ما امرهم الله به، وقعت بينهم العداوة والبغضاء، واذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وان اجتمعوا صلحوا وملكوا، فان الجماعة رحمة، والفرقة عذاب. الى ان قال بعد ذكر الاية ( ولتكن منكم امة ): فمن الامر بالمعروف، الامر بالائتلاف والاجتماع، والنهي عن الفرقة والاختلاف. انتهى .
 فهذا مع الترغيب في الاجتماع والوحدة، ويبيّن ترغيب شيخ الاسلام في الدعوة الى الاجتماع بل هي من الامر بالمعروف الذي تشمله الاية المذكورة، عليك رحمات الله تترى يا شيخ الاسلام، وما اعلمك بالدين وما اجهل من خالفوك.
وقال رحمه الله في منهاج السنة ( 3/ 467 ): ( فان الله امر بالجماعة والائتلاف، وذمّ التفرق والاختلاف، ثم ذكر الاية: (واعتصموا بحبل الله ). انتهى .  

قول عمر لا اسلام الا بجماعة
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنن الدارمي، قال: انه لا اسلام الا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا امارة الا بطاعة. وذلك ما يفيد وجوب الجماعة، وانها من تمام الاسلام وموالاة اهله ولا كمال له الا بها.
وقال ابن كثير في قوله تعالى: ( ولا تفرقوا ): امرهم بالجماعة ونهاهم عن الفرقة). وقال في قوله تعالى: ( يدعون الى الخير ): المقصود من هذه الاية: ان تكون فرقة من هذه الامة متصدية لهذا الشأن. انتهى.
وقال في الاية: ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه  (يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه اهل السنة والجماعة، وتسود وجوه اهل البدعة والفرقة، قال ابن عباس رضي الله عنهما. انتهى.
  وجاء في اعلام الموقعين ج 1 ص 258: قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه اهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه اهل الفرقة والاختلاف.  
وقد بين شيخ الاسلام حال الجماعة بين طلبة العلم وشيوخهم، فقال في 28 / 18: واذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعاونوا على البر والتقوى، لم يكن احد مع احد في كل شيء، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله، بل يتعاونون على الصدق والعدل والاحسان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله، الى قوله : بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة.  انتهى.
فكل ما ذكره الشيخ لا يكون الا باناس مجتمعين ومنظّمين لادارة شئونهم واموالهم ونصرة ضعفائهم، وكل منهم في المكان المناسب له.
جماعة ابن تيمية
ومن ما يؤكد انها جماعة تميز مجتمعها عن عوام المسلمين والفساق والمجرمين، ما جاء في وصايا الشيخ في المرجع السابق حيث قال: وعليهم ان يامروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر ولا يدعون بينهم من يظهر فحشا، ولا يدعون صبيا امردا يتبرج، او يظهر ما يفتن به الناس، ولا يعاشر من يتهم بعشرته، ولا يكرم لغرض فاسد. انتهى.
فتتميز جماعتهم عن العامة، حتى ترفض وجود الفساق بينهم والمشهور عنهم الفواحش من المسلمين، ليكون مجتمع من اهل العلم والاستقامة في جماعة مميّزة.  ومع ترغيب شيخ الاسلام في الجماعة نجد في كتاباته انه كانت له جماعة متميزة عن اهل البدع، يراسلها ويدعوا لها ويشتاق اليها، مع انه كان في عصره سلطان للمسلمين يغزو معه وينصحه، ولم يخرج عليه. ولكن يتميز في مجتمعه الخاص على نهج الفرق الناجية التي وصفها بانها جماعة اهل السنة وطريق السلف الصالح من غير خروج على الحاكم وانما جماعة اهل العلم والدعوة والاستقامة، فعندما وشى به المنافسون من علماء السوء وسجن بسبب هذا التميّز والاجتماع ظنا منهم انه يريد منافسة السلطان، فكان رحمه الله يراسل الجماعة من داخل سجنه الذي اعتبره فرصة لتدوين علمه، والشاهد قوله ج 28 ص 30 :والذي اعرف به الجماعة احسن الله اليهم في الدنيا والاخرة ...الخ  .
ويقول ص 44: والمقصود أخبار الجماعة بان نعم الله علينا فوق ماكنا بكثير كثير ونحن بحمد الله في زيادة من نعم الله .وان لم تكن خدمة الجماعة باللقاء، فانا داع لهم بالليل والنهار قياما ببعض الواجب في حقهم، وتقربا الى الله تعالى في معاملته فيهم.  انتهى.
 ان اهل الحق واتباع السلف الصالح، اصحاب الطائفة المنصورة المبشرة بانها الفرقة الناجية، فانهم ليسوا كالاحزاب المبتدعة كما يرى البعض، فقط ان هناك ثمة تشابه في اللفظ من حيث انهم جماعة لكنها تختلف في المعنى والمضمون، وانها على الحق الذي هدى الله له اهل الايمان والانقياد، وضل عنه اهل الاهواء الا من رجع منهم، اما اهل التوحيد المتبعون، فمؤسس جماعتهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتسب اليها المتبعون له، بينما تلك الفرق المبتدعة اسسها مبتدعة وازوا  بها الجماعة الحقة وعليها اتباعهم العوام والجهلة.
 كذلك نهى الله عن السبل: ) ولا تتبعوا السبل )، لكنه امر بسبيل واحد، نسبه لنفسه وقال تعالى: (عن سبيله)، فالنهي عن السبل كي لا يخرجون عن السبيل الذي امر به، كما اعاب على الاحزاب التي فرحت بباطلها، لكنه اقر حزبا واحدا ونسبه لنفسه ووصف اهله بالفلاح في قوله تعالى) : أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).22 المجادلة. فيقول هذا الحزب مفلح، ويقول البعض كلها احزاب باطلة ولم يستثنوا منها حزب الله، وهذا رد على الله ورسوله من حيث لا يشعرون.
 وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الفرق وقال: كلها في النار، لكنه استثنى منها فرقة وقال: الا واحدة، وهي الجماعة. فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .لا يسثنون جماعة الحق فينهون عن جماعة امر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
مما ورد يتبين ان هناك حزبا وصف بالنصوص: انه فرقة، وطائفة، وجماعة، وعلى المسلم الايمان بها والبحث عنها بالمواصفات التي وصفت بها وصفات أهلها،  والانتساب لها.
اما من هلك عند الامور المتشابهة، ورفض الجماعة خوفا من الفرقة المنحرفة فكان كالذي فرّ من التشبيه في الصفات، فوقع في التعطيل، أي جحد ما أثبتته النصوص، لهذا كان منهج اهل السنة والجماعة هو التوسط في كل الامور، يثبت ما اثبت الشارع وينفي ما نفى الشارع، فكانت هذه الامة مميزة بهذا الاعتدال في قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم امة وسطا ).
 ان العارف بمقاصد الشريعة لا يرى الفرقة وترك الجماعة هو الصواب، ولا يكون الخير في هجر جماعة الموحدين من اهل السنة والاستقامة، مع ان الله تعالى امر حتى رسوله صلى الله عليه وسلم بمعية الموحدين والصبر معهم في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ). 28 الكهف.
 حتى انه صلى الله عليه وسلم كان اذا راى جماعة من اصحابه مجتمعين قال: مرحبا بمن امري ربي ان اصبر نفسي معهم.
كما يوصي شيخ الاسلام بالجماعة فيقول ص 423 : فالله، الله عليكم بالجماعة والائتلاف على طاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله، يجمع الله قلوبكم، ويكفر عنكم سيئاتكم، ويحصل لكم خير الدنيا والآخرة. انتهى. .
فهذه وصية اعرف اهل العلم بالسلفية، وجامع اصولها يوصي بالجماعة، وعلى من خالف اهل الاستنباط ان يقف مع نفسه كي لا تزل قدم بعد ثبوتها.
قول الشاطبي في الجماعة
ومن علماء السلف المشاهير في القرن السادس الهجري الامام الشاطبي رحمه الله فقد قال مرغبا في الجماعة، في كتابه الاعتصام قال :الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ولا سنة ولا قياس، وانما تكون الغفلة في الفرقة.
علما بان في عصر الشاطبي امام للمسلمين ومع هذا يرى الدعوة للجماعة المتميزة، غير العامة، بل بين انه يخالف العامة حتى رموه بمخالفة الجماعة التي عليها العوام، وسياتي كلامه بطوله في ذلك.
 ان المسلم سليم القلب، لا يغل قلبه على لزوم الجماعة، كما في الحديث الذي رواه اهل السنن عنه :ثلاثة لا يغل عليهن قلب مسلم: اخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الامور، ولزوم جماعة المسلمين.
[/justify][/justify]


عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 8:23 pm عدل 9 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:47 am

من هي الجماعة المرادة؟
 الجماعة هي: الفرقة المكونة من المتمسكين بالاسلام المحض الخالص من الشوائب، المجتمعون على ذلك، ولم يفرقوا دينهم ولم يكونوا شيعا، فهم على سبيل المؤمنين، والصراط المستقيم، وسميت بالفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وغير ذلك من الصفات التي هي لذات واحدة، والتي تحكي حال اهل السنة والجماعة، ولو كانوا قلة او كثرة، او فردا واحدا كان هو الجماعة، أي من يمثلها وعلى سبيلها، ولكل جملة من تلك الصفات نصوص وآثار تبين ذلك، وتبين معنى علميا ماثورا، غير المعنى الذي يتوهمه العوام .
فسبيل المؤمنين الاوائل والذين اتبعوهم باحسان، اوجبه الله علينا، ونهانا عن اتباع  غير سبيلهم، بل جعل اتّباع غيره مشاققة للرسول  صلى الله عليه وسلم الذي دلهم على هذا السبيل، واسس تلك الجماعة التي عليها اتباعه الى يوم الدين، قال تعالى عن سبيل المؤمنين: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).115 النساء  .
وتبيّن له الهدى: أي عرف هذا السبيل الذي هدى له رسوله كما قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). 161 الانعام.  
ثم تحول الى سبيل اخر غير سبيل المؤمنين أي فارق جماعتهم، فالسبيل هو المنهج الديني، والسالكون عليه هم الفرقة العاملة به.
فمفارقتهم: هي ترك لسبيلهم.
وهذا السبيل شيخه ومعلمه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن تبعه وسار مع اتباعه وناصرهم فهو المفلح، السائر على نهج سلفه الصالح، وهو والمجتمعون معه يمثلون تلك الجماعة، وكثيرا ما يرمز لها او يشار اليها بالفرقة الناجية، وانها هي الجماعة المعنية.
قال شيخ الاسلام رحمه الله في ج 24 ص 172:  فوصف الفرقة الناجية بانهم المتمسكون بسنته وانهم هم الجماعة. انتهى.

لماذا سمو بالجماعة
والجماعة المعرفة بالألف والّلام هي الجماعة وقت الاخبار، تلك التي اسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليها اصحابه حتى وقوع الفتن في القرن الاول للاسلام، عندما ظهرت البدع وكان المبتدعة اناس قلة شواذ، وكانت العامة على السنة وفي الجماعة، ثم كثرت البدع حتى تساوى اهلها مع السنة، ثم توسعت البدعة وكثرت الفرق حتى صار اهل الحق والسنة قلة وغرباء، وعامة الناس خالفوا السنة والجماعة، عند ذلك دعى المتمسكون بالسنة الى الجماعة التي تعمل بمنهج الفرقة الناجية.
اما من اقام جماعة ولها منهج محدث فانه لا يمثل تلك الجماعة المعنية، بل هو مشاقق للرسول صلى الله عليه وسلم، كما ان من اعتزل الجماعة الحقة لانكاره على انهم جماعة فهو ليس من اهل السنة والجماعة الذين من اصولهم الجماعة وعلى سبيل الفرقة الناجية، بل هو من الفرق الاخرى شاء ام ابى وامره الى الله.
اما وصف اهل هذا السبيل بالجماعة، لانهم مع التوحيد والدعوة له، يرون وجوب الاجتماع على ذلك في جماعة مميزة، للتواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه، واقامة الحجة.
وبين شيخ الاسلام انهم لهذا الاجتماع سمو اهل الجماعة وذلك في ج 3 ص 157  قال: وسمو اهل الجماعة، لان الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وان كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين. انتهى.
وذلك ما يفيد ان اسم الجماعة جاء في من تجمعوا  فصاروا جماعة لذلك، وليس فقط توافقهم على نهج واحد، وقد اشار الشيخ لهذا في منهاج السنة بقوله: والجماعة هم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا خارجون عن الجماعة، وقد براء الله رسوله نبيه منهم. انتهى وسياتي كلامه بطوله.
ومن كلامه ايضا في من هي الجماعة والفرقة الناجية ما جاء في الفتاوى ج 3 ص 347: وبهذا يتبين ان احق الناس بان تكون هي الفرقة الناجية، اهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اعلم الناس باقواله واحواله، واعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، واهل معرفة بمعانيها، واتباعا لها تصديقا وقولا وحبا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذين يروون المقالات المجملة، الى ما جاء من الكتاب والحكمة، فلا يتعصبون لمقالة ويجعلونها من اصول دينهم، وجمل كلامهم ان لم تكن ثابتة فبما جاء به الرسول ويجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الاصل الذي يعتقدونه، ويعتمدونه. انتهى.
واهل الحديث الذين اشير اليهم، هم الذين لا يعملون بشي من العبادات في دينهم الا اذا كان لها ذكر ومشروعية بالاحاديث النبوية بعد القرءان ولا يفسرون القرءان الا بالسنة، ولا يقلدون الاباء في دينهم، وانما يتقيدون بالسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد.
معنى اهل السنة والجماعة
والقول اهل السنة :يراد به العاملون والمتمسكون بها، المتقيّدون بها فهم احق الناس بها واهلها، وغيرهم يدّعونها ولا يتمسكون بها، فلم يكونوا  من اهلها، وان كانوا من عوام اهل القبلة، وبعدهم في الضلال حسب بدعتهم.
ملاحظـة حول فهم العامة لاهل السنة
وسبق اشرت اليها في كتاب اخر، فهناك مفهوم خاطئ في تعريف اهل السنة والجماعة عند كثير من المسلمين، حيث يرى العوام ان كل من هو ليس من الشيعة يعني ذلك انه من اهل السنة والجماعة، ولكن هذا التصنيف الذي اعتمدوه : سني فقط، يعني انه خلافا للشيعة الذين من اصولهم مخالفة اهل السنة .
ليس كل منتسبي السنة من اهل السنة
والقول :مسلم سنة، لا يعني مصطلح، اهل السنة والجماعة، بل يعني انه ليس شيعي فقط، الا ان مخالفة الشيعة وحدها لا تكفي ليكون الشخص من اهل السنة والجماعة، فهذا الاسم عندما اطلق: اهل السنة والجماعة، يراد به فئة معينة من بين المسلمين السنة، تتميز عن عامة المسلمين السنة، حيث ان الخوارج والمعتزلة والمرجئة ليسو من الشيعة، بل يحسبون على فرق السنة، لكنهم لا يدخلون في مسمى اهل السنة والجماعة، بل ما كان هذا الاسم في تلك العصور الا للتميز عنهم، وعن غيرهم من المبتدعة وغلاة المتصوفة من وحدة الوجود او الحلوليين، الذين ابتدعوا في الدين وشرعوا من عندهم ما لم ياذن به الله، وقالوا بحلول الخالق في المخلوق، ووحدة الوجود الذين قالوا بان المخلوقات وحدة من ذات الله ومجموع الوجود هو الله على زعمهم الباطل. فهؤلاء ما هم من اهل السنة في تلك العصور.
وحتى خليفة المسلمين وعلماءه في عصر الامام احمد، عندما قالوا جميعا بخلق القرآن، في تلك الفترة، لم يحسبهم اهل العلم والسنة انذاك من الجماعة التي عليها اهل السنة، ومن جاءوا بعدهم من اهل العلم قالوا عن الامام احمد المخالف لخليفة المسلمين في مسألة خلق القرءان، قالوا هو امام اهلة السنة والجماعة، وان الخليفة وعلماءه انهم: هم الشاذون والامام احمد ومن معه هم الجماعة، التي عليها اهل السنة . كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله.
واهل السنة: هم المتمسكون بها، العاملون بها في العلم والقول والعمل، بعد التوحيد والاسلام المحض.
وكما يخرج المسلم من الاسلام بالشرك الاكبر والكفر اذا فعله، مع انه ما زال ينتسب الى الاسلام، فكذلك ربما يخرج المسلم من جماعة اهل السنة والفرقة الناجية ببدع يفعلها ومخالفته للسنة وبنقض اصولها، مع ادعاءه انه عليها.
فليس كل مسلم غير شيعي هو من اهل السنة والجماعة، فالمخالف لاهل التوحيد الخالص وخارج على جماعتهم فهو ليس من اهل السنة والجماعة، وبعده عنها حسب بعد من وافقهم من الفرق الهالكة، والهلاك درجات.
فاهل السنة، العاملون بها، ولا يعملون بغيرها في الدين، ويرون وجوب الجماعة والفرقة المتميزة بالسنة عن اهل البدع .
وقوله صلى الله عليه وسلم: كلها هالكة الا واحد. لا يعني كفرها جميعا، ولكنها من اهل الوعيد بالنار ببدعتها، وفيها ما هو دون الشرك والكفر مثل الوعيد لعصاة المسلمين وكذلك المبتدعة، ومنها ما هو مخرج من الملة كالشرك وفعل الكفر بجحود بعض الفرائض وغيره.
بين ذلك شيخ الاسلام في منهاج السنة ج 5 ما بين 248 الى 250 منه: فمن كفر الثنتين والسبعين كلهم فقد خالف الكتاب والسنة واجماع الصحابة والتابعين ولهم باحسان. وهذا يعني كفر بعضهم، والبعض الاخر هالك أي استحق النار لكن دون الكفر، وامره تحت المشيئة.انتهى.
العامة لسيو هم الجماعة المعنية
ومما يشار به الى الجماعة وصف: السواد الاعظم، ويتوهم البعض بان السواد الاعظم هم غالبية المسلمين عموما، الا ان الغالبية المعنية هنا غالبية من اهل العلم من اهل السنة، اذ ان العوام لا يعتد بهم، وهذه موازنة داخل مجتمع العلماء ولو كانوا ثلاثة.
قال الامام الشاطبي في الاعتصام 226: وذلك ان الجميع اتفقوا على اعتبار اهل العلم والاجتهاد سواء ضموا اليهم العوام او لا، فان لم يضموا العوام اليهم فلا اشكال اذ الاعتبار انما بالسواد الاعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذ عنهم فمات، فميتته جاهلية، وان ضموا اليهم العوام، فبحكم التبع لانهم غير عارفين بالشريعة، فلا بد من رجوعهم في دينهم الى العلماء، فانهم لو تمالئوا على العلماء فيما حدوا لهم، لكانوا هم الغالب والسواد الاعظم في ظاهر الامر، لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول احد :ان اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وان العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل العكس، وان العلماء هم السواد الاعظم وان قلوا، والعوام هم المفارقون للجماعة، فان وافقوا فهو الواجب عليهم .انتهى.
وايضا قال: واعلم ان الاجماع والجحة والسواد الاعظم، هو العالم صاحب الحق ولو كان وحده، وان خالفه اهل الارض. وسياتي ذكره بكامله.
وهذا لا يعني في حالة وجود الجماعة وهو معتزل لها كان لوحده الجماعة، وانما هذا فرض جدلي، أي حتى لو كان وحده اذا لم يكن هناك معه آخرين كان هو الجماعة ايضا، لانه لم تكن هناك جماعة فكان هو ممثلها، وهو إصرار على الجماعةحتى لم تكن هناك مجموعة من الناس فكان هو اساس الجماعة ايمانا بمشروعيتها ووجوب لزومها.
فهو على عكس ما فهمه البعض من اعتزال كل الجماعات بما فيها اهل الحق والفرقة الناجية، بل يؤكد على الجماعة حتى ان لم يوجد مجتمعون، فكيف اذا كان هناك اهل توحيد متمسكون فهل يعتزلهم او يرفض جماعتهم؟ فالاظهر هو الاجتماع واهل السنة صفتهم الاخرى هي الجماعة.
لكن ان خالفها وهي قائمة فهذا حكم اخر، وقدح في علمه فلم يكن ذلك العالم المعني بالجماعة ولو كان وحده، ويدل على هذا ما سياتي عن ابن القيم عن نعيم بن حماد، وكلام إسحاق.  
وقال شيخ الاسلام في ج 3 ص 345: ولهذا وصف اهل السنة، بالجمهور الاكبر والسواد الاعظم، اما الفرق الباقية فانهم اهل الشذوذ والتفرق والبدع والاهواء .. الخ  .انتهى .
وقال ايضا في منهاج السنة ج 3 ص 4: فاذا كان وصف الفرقة الناجية: اتباع الصحابة على عهد رسول الله وذلك شعار السنة والجماعة، كانت الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة، والسنة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو واصحابه في عهده، وامرهم به، او اقرهم عليه، او فعله هو. والجماعة، هم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، خارجون عن الجماعة، وقد برأ الله نبيه منهم، فعلم ان هذا وصف اهل السنة والجماعة، لا وصف الرافضة، وان هذا الحديث وصف الرفقة الناجية، اتباع سنته التي كان عليها هو واصحابه، وبلزوم جماعة المسلمين. انتهى.
فقد اشار شيخ الاسلام الى شيئين احدها اتباع السنة ليكون من اهلها حقيقة، والاخر لزوم الجماعة ليكون من اهلها حقيقة ، فمن ترك احد الاصلين لم يكن من اهل السنة والجماعة لان الجماعة من الاجتماع.
وقال شيخ الاسلام في ج 3 ص 368:  لهذا امتاز اهل الحق من هذه الامة والسنة والجماعة :عن اهل الباطل الذين يزعمون انهم يتبعون الكتاب، ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين، فان الله امر في كتابه باتباع سنة رسوله ولزوم سبيله، وامر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف . الى قوله ص 369: وهذا الصراط المستقيم: هو دين الله الاسلام المحض وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو السنة والجماعة، فان السنة المحضة هي دين الاسلام المحض، فان النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه وجوه متعددة رواها اهل السنن والاسانيد كالامام احمد وابي داود والترمذي وغيرهم، أنه قال : ستفترق هذه الامة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة، وهي الجماعة ) وفي رواية  Sad من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) . وهذه الفرقة الناجية  اهل السنة  وهم وسط النحل. انتهى كلام شيخ الاسلام.
تتحسس في السياق والاستشهاد وذكر الفرق ثم الفرقة الناجية، انه يريد الدعوة لتلك الفرقة التي قال عنها "الجماعة" ، ومما يبين انه يريد الاجتماع والترابط ما جاء في ص 409 : وقد نهى الله في كتابه عن التفرق والتشتت وامر بالاعتصام بحبله. فهذا موضع يجب على المؤمن ان يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله.  انتهى.
وهنا رواية طويلة وثرة بين اجلاء من شيوخ السنة، تتضمن عدة وجوه في الجماعة تصلح للاستدلال في كل فقراتها، منها موقع الجماعة بين عامة المسلمين، وذلك ما جاء في اعلام الموقعين، للعلامة الامام ابن القيم رحمه الله، وقد فهمها البعض خطا بتعجل فليراجعها بتامل يجد فيها الاقرار بالجماعة وذكر روموزها بين الناس في عصرهم. ص  397 قوله: واعلم ان الاجماع والحجة والسواد الاعظم، هو العالم صاحب الحق ولو كان وحده، وان خالفه اهل الارض " قال عمرو بن ميمون الاودي: صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده افقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فان يد الله مع الجماعة. ثم سمعته يوما من الايام يقول: سيولى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فانها نافلة، قال: قلت يا اصحاب محمد ما ادري ما تحدثون، قال:  وما ذلك؟ قلت تامرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول لي صلي الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة؛ قال: يا عمر بن ميمون قد كنت اظنك من افقه اهل هذه القرية، اتدري ما الجماعة؟ قلت:لا؛ قال : ان جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة. الجماعة؛ ما وافق الحق وان كنت وحدك؛ وفي لفظ:  فضرب على فخذي وقال: ويحك ان جمهور الناس فارقوا الجماعة، وان الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى". انتهى .
ومنه يتضح ان مصطلح الجماعة لا يراد به غالبية المسلمين وانما من وافق تلك الجماعة الاولى سواء كانوا جماعة او فرد هو تلك الفرقة التي على الحق، فمن كان على ذلك الحق بما فيه وجوب الجماعة كان منها، والا فلا .
وقوله: ما وافق الحق وان كنت وحدك، لا يعني الواحد المفارق للجماعة المعتزل لها مع وجودها، وانما للذي لم يجد جماعة وكان وحده، واشارة : ما وافق الحق، تعنى الذين على الحق، فان فرض كان واحد فهو ايضا تلك الجماعة. اي الجماعة حتى ان لم يكن هناك اخرين يقر بالجماعة ويكون هو من يمثلها حتى يوجد غيره.
واحيانا الاشارة للجماعة في منهاجها واحيانا في تجمعها وطائفتها، ولما كان لا مفر من الجماعة، فحتى حينما كان وحده امره  بان يكون تلك الجماعة اعترافا بها واحياء لها.
وايضا ذكر ابن القيم : وقال نعيم بن حماد : " اذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل ان تفسد، وان كنت وحدك، فأنك انت الجماعة حينئذ " ذكره البيهقي وغيره. وقال ايضا: وقال بعض ائمة الحديث وقد ذكر له السواد الاعظم، فقال: اتدري ما السواد الاعظم؟ هم محمد بن اسلم الطوسي واصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الاعظم والحجة هم الجمهور، وجعلوهم عيارا على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكرا، لقلة اهله، وتفرقهم في الاعصار الامصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرفوا المختلفون ان الشاذ ما خالف الحق وان كان الناس كلهم عليه - الا واحدا منهم - فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن الامام احمد بن حنبل الا نفرا يسيرا، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ، والمفتون، والخليفة واتباعه كلهم، هم الشاذون، وكان الامام احمد وحده هو الجماعة، ولما لم يحتمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يامير المؤمنين، اتكون انت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل، واحمد وحده على الحق؟ فلم يسع علمه لذلك؛ فأخذه بالسياط، والعقوبة، بعد الحبس الطويل. فلا اله الا الله، ما اشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المهيع لاهل السنة والجماعة، حتى يلقون ربهم، مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم، من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) .ولا حول ولا قوة الا بالله).  انتهى كلامه رحمه الله .
وهنا تأمل في عبارته: (اذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل ان تفسد)، يفيد الأصل ان تكون مع الجماعة، واذا غابت وغاب أهلها لفسادهم وكنت انت وحدك تواصل على ماكانت عليه ولا مجال ان تتركها او تقول لا جماعة بل انت هذه الجماعة حتى تجد من يشاركك ما كانت عليه، وقوله: ( وان كنت وحدك، فأنك انت الجماعة) يؤكد ان الجماعة لا مفر لك منها ان كنت على الحق فلا تقول باعتزال الجماعة او عدم مشروعيتها بل لك ان تطعن في من هم خالفوا ولا تتبرأ من الجماعة بل تسعى لها وانت هي وهي انت أي الذي يمثلها ويدعوا لها. وهي كانت من قبل وانت تحبها وليست مسألة سياسية تتركها او تفعلها وإنما هي أصل دين تحيه سعيا لإحياء الفرقة والطائفة المنصورة التي تحي السنة التي اماتها اهل البدع.
وقال الامام الشاطبي: وذكر اسحاق بن راهويه مرفوعا: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله لم يكن يجمع امة محمد على ضلالة، فاذا رايتم الخلاف، فعليكم بالسواد الاعظم، فقال رجل :ياابا يعقوب من السواد الاعظم؟ فقال: محمد بن اسلم واصحابه ومن معهم، ثم قال سال رجل عبد الله بن المبارك: من السواد الاعظم؟ قال: ابو حمزة السكري، ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان، (يعني ابو حمزة) : وفي زماننا محمد بن اسلم ومن تبعه، ثم قال إسحاق: لو سال الجهال عن السواد الاعظم؟ لقالوا جماعة الناس. ولا يعلمون ان الجماعة عالم متمسك باثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة. ( ثم قال الشاطبي) :فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن ان الجماعة هي الناس وان لم يكن فيهم عالم، وهو وهم العوام، لا فهم العلماء. فليثبت الموفق في هذه المنزلة قدمه، لئلا يضل عن سواء السبيل.  انتهى.
 وفي هذا تاملات، فذكرهم لاناس بأسمائهم، يفيد جواز التصنيف عندهم، وان الجماعة الحقة هي التي على منهجها المذكورين من العلماء والمشايخ ومن تبعهم، كما انه يتحدث عن السواد الاعظم، بانه يمكن ان يكون في الموازنة مع العامة، وايضا يمكن ان يكون حتى داخل الجماعة المعنية اذا اختلف اهل السنة بينهم في شيء، فكذلك يكون لزوم السواد الاعظم من بينهم.
وذكر الشاطبي: وسال ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم فاجاب بان قال: ابو بكر وعمر، قال:  فلم يزل يحسب حتى انتهى الى محمد بن ثابت، والحسن بن واقد. انتهى.
فيشير الى صفوة اهل العلم اتباع السنة، وكانما غيرهم لا يمثل الجماعة ولو كانوا عامة الناس، لوقوعهم في البدع ومخالفة السنة ومخالفة الجماعة الحقة.
ولم يقل هؤلاء من على الحق ولكن قال الجماعة، وفيه الاقرار بالجماعة.
وقال الشاطبي: وتارة نسبت الي مخالفة السنة والجماعة بناء على ان الجماعة التي امر باتباعها، ما عليه العوام، ولم يعلموا ان الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه والتابعون لهم باحسان.
وايضا ياخذ منه ان من كانوا متبعون للنبي صلى الله عليه وسلم هم جماعة ويوصفوا بها. خلاف لمن ظن لاجماعة للمتبعين.
كما قال: فلا تجتمع الفرق كلها- على كثرتها - على مخالفة السنة بل لا بد ان تثبت جماعة اهل السنة حتى ياتي امر الله.
  فانظر في ذكره اهل السنة قال: جماعة اهل السنة،  ) لانهم فرقة وطائفة وجماعة يشار اليها بالبنان، واسماء اهلها حتى يتميز الحق عن الباطل فيقصده من يريده.
كما ذكر الامام الشاطبي ما يفيد انه يريد الجماعة قوله: الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب ولا سنة، ولا قياس انما تكون الغفلة في الفرقة). انتهى.

معنى اهل الجماعة
وفي القول اهل الجماعة، كلمة ( اهل ) يعني: اولى الناس بتلك الجماعة المعنية، واحق الناس بها لانهم اتبعوها حقيقة التزموا بها، وغيرهم انما يدعيها، كقوله تعالىSmile إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ).68 آل عمران.
 ولما كانوا في عصر تابع التابعين من اصولهم الايمان بوجوب الجماعة، واشتهروا بها لتميزهم عن عامة المسلمين المبتدعة، ولا يرون ان العامة من تلك الجماعة، لانهم خالفوها ثم لم يؤمنوا بوجوب الجماعة، لذا دعى اولئك المتمسكون بالسنة الى الجماعة المتميزة المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالجماعة)، حتى صار امر الدعوة للجماعة مشهورا عنهم، فصار لهم وصفا فعروا)  باهل الجماعة) .
كما اشتهروا بالاهتمام بالسنة ووجوب اتباعها في كل شيء، ويرون ان العامة ليسوا على السنة، لانهم يدّعونها فقط ويتركون اكثرها ولا يلتزمون بها، واما ألئك المتمسكون يلتزمون بها في كل شيء، فعرفوا أيضا (باهل السنة)، فصارت لهم صفتان، يذكروا احيانا باهل السنة، واحيانا باهل الجماعة، واحيانا معا (اهل السنة والجماعة)  فصار ذلك الاسم لمن اوجبوا الالتزام بالسنة واوجبوا التميز بجماعتهم عن الفرق الاخرى.
ان الدعوة للسنة والجماعة ليست حركة او جماعة حديثة وانما هي دعوة اهل العلم منذ عصر تابع التابعين والقرون الخيرة، وكلما بعد الناس عن عصر النبوة زادت الاهمية في الدعوة لها ولزومها، فقد قال فيها مشاهير اهل العلم والسنة امثال عبد الله بن المبارك، واسحاق بن راهويه، ثم امام اهل السنة والجماعة الامام احمد بن حنبل رحمهم الله جميعا، ونعيم بن حماد، والامام ابن بطة وغيرهم.
فبعد ان كثرت البدع وزادت الفرقة واستغرب الناس الجماعة وشعائرها السنية، فرأى الامام ابن بطة ضرورة جمع كتابا يبين لطالب الحق والعلم وجوب الجماعة والمنهج الذي تكون عليه فكتب فيها رسالة اسمها Sad الابانة عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرق المذمومة)، وعرفت بالابانة الكبرى، وله الابانة الصغرى.
كما كتب فيها امام اهل السنة والجماعة في القرن الرابع، الامام ابو محمد الحسن بن علي خلف البربهاري، وقد عرف عصره بكثرة البدع وغربة الاسلام (في ذلك الزمان فكيف بنا الان) وعرف عصره بالدعوة لغير سبيل الحق والجماعة مع غربة اهل الحق في ديارهم فألف كتابا اسمه (شرح السنة) وجاء منه في ص 40 و 41: كان الامر مستقيما حتى كانت الطبقة الرابعة زمن خلافة فلان، انقلب الزمان، وتغير الناس جدا، وفشت البدع، وكثر الدعاء الى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحنة في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد من أصحابه. ودعوا الى الفرقة، وقد نهى الله عزّ وجلّ عن الفرقة، وكفر بعضهم بعضا، وكل دعا الى رأيه والى تكفير من خالفه، فضل الجهال الرعاع ومن لا علم له، واطمعوا الناس شيئا من امر الدنيا، وخوفوهم عقاب الدنيا، فأتبعهم الخلق على خوف في دينهم، ورغبة في دنياهم، فصارت السنة واهل الكتاب مكتومين، وظهرت البدعة وفشت، وحملوا قدرة الرب وآياته، واحكامه وامره ونهيه على عقولهم وآرائهم فما وافق عقولهم قبلوا، وما خالف عقولهم ردوه، فصار الاسلام غريبا والسنة غريبة واهل السنة غرباء في جوف ديارهم). انتهى.
ذلك الواقع ما يدفع اهل السنة والجماعة لبيان سبيل الحق وجماعته المتميزة عن الفرق الضالة، وان يجمعوا اهل الإسلام المحض كما كانوا قبل ان يفترق المسلمون.  
فهم يرون وجوب اتباع السنة، ووجوب الاجتماع عليها، أي ان يكونوا جماعة على السنة، فمن لم يرى وجوب الجماعة، او التقيد بالسنة في كل شيء، فهو ليس من اهل السنة والجماعة، وان كان من عوام المسلمين، وفرقهم الاخرى، والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: (ضالة وفي النار)، أي استحقت العقاب والوعيد بالنار على اقلهم، ومنهم من هو في الضلال البعيد حسب بدعته او النفاق او الشرك الذي يخرج من الملة.
والهلاك المذكور في الحديث درجات، منه مثل الوعيد لاهل الكبائر، ومنه ما هو هو اشد، ويصل الى الشرك المخرج من الملة، وترك الجماعة فهو من بدع الخوارج والمعتزلة، لكن اهل السنة من اصولهم ان يكونوا جماعة متميزة، ظاهرين على الحق ، وذلك للوجوب .
وكذلك قال البربهاري في شرح السنة  ص21   : والاساس الذي بينا عليه الجماعة هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمهم الله اجمعين ـ وهم اهل السنة والجماعة.
كما كتب فيها العلامة عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بابي شامة في كتابه ( الباعث على انكار البدع والحوادث) ) قال : ( وحيث جاء الامر الامر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه وان كان المتمسك به قليل، والمخالف له كثير، لان الحق الذي كانت عليه الجماعة الاولى من النبي صلى الله عليه وسلم  واصحابه رضي الله عنهم ـ ولا نظر الى كثرة الباطل بعدهم. انتهى.
وقوله: كانت عليه الجماعة الاولى، يشير الى انه يريد الجماعة التي عليها اهل الحق، على قرار تلك الاولى، خاصة وان موضوع الحديث ووجه الاستدلال (هو الجماعة).
والاشارات المختلفة للجماعة تكون احيانا الاشارة لافرادها وصفاتهم واحيانا لمنهجها، واحيانا لمن يمثلها في الزمن المعني، وكل ذلك متوافق حيث يشير الى صفات جهة واحدة وهي الجماعة، واي وصف من ذلك لا ينافي وجود الصفات الاخرى. لانها صفات او أسماء لذات واحدة وهي الجماعة الحقة.
 ومن المواضع والرسائل التي تبين اقرار شيخ الاسلام ابن تيمية للجماعة والثناء عليهم في ذلك الوقت، وهم كانوا جماعة في منطقة اخرى يراسلهم ثم يعمم لكل من شابههم، وذلك ما جاء في  3 / 363 ):  من احمد بن تيمية الى من يصل اليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين الى السنة والجماعة المنتمين الى جماعة الشيخ العارف القدوة ابي البركات، عدي بن مسافر الاموي ـ رحمه الله ـ ومن نحى نحوهم، وفقهم الله الى سلوك سبيله، واعانهم على طاعته وطاعة رسوله وجعلهم معتصمين بحبله المتين). انتهى.
فوصفهم بجماعة الشيخ فلان، بل قال ( المنتمين الى جماعة الشيخ) ولم يرى في تسمية تلك الجماعة حرج او بدعة كما يظن بعض الاخوة في ذكر انهم جماعة، وقال: (ومن نحى نحوهم)، وكانه يرغب في ذلك ويثني عليه، فمن راجعه وتدبره وجد موقف الشيخ في غاية الجلاء من هذه المسالة والله يهدي الى سواء السبيل.
ومن اقوال شيوخ المدرسة السلفية ايضا ما جاء في ( مجموعة التوحيد الرسالة الرابعة) ) للشيخ محمد بن عبد الوهاب) رحمه الله وطيب الله ثراه، في  ص 349 ( الاصل الثاني، امر الله بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق، فبين الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام، ونهانا ان نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا، وذكر انه امر المسلمين بالاجتماع في الدين، ونهاهم عن التفرق فيه، ويزيده وضوحا ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك، ثم صار الامر بالاجتماع لا يقوله الا زنديق او مجنون. الاصل الثالث، ان من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تامر علينا ولو كان عبدا حبشيا فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا بكل وجه من انواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الاصل لا يعرف عند اكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به ؟ )  انتهى.
ومن اقوال اهل السنة المعاصرين، نذكر تعليقا للشيخ رضا بن نعسان مطيعي، اثابه الله، في تلخيصه لابواب رسالة: الابانة عن شريعة الفرقة الناجية ، للامام بن بطة، وجاء في التعليق ص 18 وهي مقالة طويلة قال: ذكرنا في نهاية الباب السابق انه والذي بين ايدينا يكمل كل منهم الاخر في تحقيق ما يهدف اليه المصنف، بايراد الايات والاحاديث التي فيها الحض على الائتلاف ونبذ الفرقة في الدين بالتحذير منها ومن نتائجها، ويزيد هذا الباب التاكيد على لزوم الجماعة، وعدم الخروج عليها، سواء كانت الجماعة تعبيرا عن اجتماع المسلمين على امام واحد، او كانت تعبيرا عن اجتماع المسلمين على عقيدة واحدة، فلزوم الجماعة باي معنى من هذين المعنيين، وعدم الخروج عليها او الشذوذ عنها اتباعا لهوى النفس وتأثرا بما بقع وسط الجماعة من اخطاء وهنات، وكذلك لزومها وعدم الخروج عليها والشذوذ عنها باتباع البدع والاهواء، كل ذلك هو مقتضى ما يذكره المصنف من الاحاديث وآلا ثار في هذا الباب . وقد تضمنت تلك الاحاديث والآثار من المعاني ما يؤكد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى التمسك بالجماعة الاسلامية في حكمها وفكرها، مما يكشف عن فقه الصحابة رضي الله عنهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ذلك، فلزوم الجماعة اتباع للسنة، اما الخروج عنها فترك للسنة، وموت على جاهلية، ولزوم الجماعة عصمة من الشيطان، ورحمة من الله للعبد، ومعه يكون النعيم في بحبوحة الجنة، اما الشذوذ والفرقة فمع الانفراد يسهل تأثير الشيطان، ويكون مع الانسان المنفرد كالذئب مع الغنة القاصية، ومع الفرقة يكون العذاب في الاخرة، ومع الجماعة يكون تأييد الله لمن تمسك بها، اما من شذ عنها فلا يبالي الله يه، والعمل في الجماعة يقبل من صاحبه ان اصاب، اما ان اخطا فليتبوأ مقعده من النار، والجماعة حبل الله الذي امر بالتمسك به ، وما يكره في الجماعة خير مما يحب في الفرقة، ومع لزوم الجماعة يكون الصراط المستقيم، اما الاختلاف فانما يكون باتباع البدع والشهوات، ان صراط الله واحد، اما ما عداه في سبل متفرقة، يقوم على راس كل شيطان يدعو اصحابه اليه. ومن هذه المعاني والمقابلات بين ما يكون من لزوم الجماعة ومن الخروج عليها مما تضمنته الاحاديث وآلاثار التي اوردها المصنف. من هذه المعاني نفهم ما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أتاكم وامركم جميع فاضربوا عنقه كائنا ما كان) . وحتى يبرأ الله ورسوله ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من فارق الجماعة شيرا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه الا ان يرجع) ان الامة لا تجتمع على ضلالة، فلا بد من التمسك بالجماعة اتباعا لما تكون عليه من الحق، وعند وقوع الاختلافات، على المؤمن ان يلزم السواد الاعظم من المسلمين، ان يكون بذلك ابعد عن الضلال. انتهى.
ومن اقوال اهل العلم في هذا العصر، وشيخ الجماعة الرابط بين فروعها، القائم باصولها والداعم لرموزها، ناصر السنة وناشر الدعوة السلفية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله  بن باز رحمه الله وطيب الله ثراه ( وانا لله وانا اليه راجعون) فقد كنت أعددت هذه الرسالة لكي يعلق عليها، وكنت قد اتصلت عليه في شأن مماثل، ولكن لم اتمكن من ذلك لغيابنا عن المنطقة، حتى انتقل الى دار خير من داره، فنسال الله ان يجزيه خير ما جزى به النبيين، وان يعوضنا جهده في خلفه ومن حفظ الله بهم الدين بعده من علماء وامراء خدموا الدين والحرمين الشريفين.  
فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله في رد له على من اعترض على السلفيين ضمن كلامه عن الفرق الاخرى وكان ذلك الشخص يريد الطعن في السلفيين، فبين الشيخ ردا عليه ان الطائفة السلفية ليست ضمن الفرق المحذور بل انها على الحق، جاء ذلك ضمن مقالة طويلة في مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 59/3 حيث قال: ( ثم نعى الكاتب الشيخ محمد علي الصابوني في مقاله الثاني ـ على المسلمين تفرقهم الى سلفي وأشعري وصوفي وماترودي .. الخ . لا شك ان هذا التفرق يؤلم كل مسلم، ويجب على المسلمين ان يجتمعوا على الحق، ويتعاونوا على البر والتقوى، لكن الله سبحانه وتعالى قدر ذلك على الأمة لحكم عظيمة، وغاية محمودة، يحمد عليها سبحانه، ولا يعلم تفاصيلها سواه، ومن تلك التمييز بين أوليائه وأعدائه، والتمييز بين المجتهد في طلب الحق والمعرضين عنه، المتبعين لاهوائهم، الى حكم اخرى، وفي ذلك تصديق لنبيه صلى الله عليه وسلم ودليل على انه رسول الله حقا لكونه صلى الله عليه وسم  قد اخبر عن هذا التفرق قبل وقوعه، فوقع كما اخبر حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( ستفترق امتي على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار الا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال: هي الجماعة، وفي رواية اخرى ( ما انا عليه واصحابي ) . وهذا يوجب على المسلمين ان يجتمعوا على الحق، وان يردوا ما تنازعوا فيه الى الله والى الرسول، لقول الله عزّ وجلّ: ( فأن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خيرا وحسن تاويلا). وقوله سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله). وهاتان الآيتان الكريمتان تدلان على ان الواجب على المسلمين رد ما تنازعوا فيه من العقيدة وغيرها الى الله سبحانه والى الرسول صلى الله عليه وسلم . وبذلك يتضح الحق لهم ، وتجتمع كلمتهم عليه، ويتحد صفهم ضد اعدائهم. اما بقاء كل طائفة على ما لديها من الباطل وعدم التسليم للطائفة الاخرى فيما عليه من الحق، فهذا هو المحذور والمنهي عنه، وهو سبب تسليط الاعداء على المسلمين، واللوم كل اللوم على من تمسك بالباطل وأبى ان ينصاع الى الحق، اما من تمسك بالحق ودعا اليه واوضح بطلان من خالفه، فهذا لا لوم عليه، بل هو مشكور وله اجران، اجر اجتهاده، واجر اصابته للحق.). انتهى.
وشكره رحمه الله لواحدة من الفرق يعني به السلفية كما هو واضح.
وقد نقل ايضا عن الشيخ في بعض الاشرطة الصوتية قول اشكل على البعض وفهمه او اراد ان يلوي عنقه ليفيد اعتراض الشيخ على الجماعة، في حين ان كلامه من اوضح الاقوال على دعوته الى الجماعة، وقد كان اعتراض الشيخ على الانتساب الى  جماعات ذكرت باسمها في السؤال: جماعة الاخوان، جماعة التبليغ، جماعة الجهاد)  فدعا للاجتماع في جماعة واحدة، ولم ينكر الجماعة مطلقا حيث قال: بان يكونوا كتلة واحدة، وجماعة واحدة، يتواصون بالحق والصبر عليه، وينتسبون لاهل السنة والجماعة.
اذن هو ينهى عن التعدد وليس عن الجماعة الواحدة التي على الحق.
 كما كتب في الجماعة والتي تقوم على نهج السلف الصالح،  الشيخ ربيع بن هادي المدخلي رحمه الله، في بيان المنهج السلفي ونصرة السنة، رسالة بعنوان: ( جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات). وهي رسالة قيمة تبدوا فيها الدعوة لقيام الجماعة التي على الحق بل وامارتها وادارتها، من غير ارهاب ولا تجارة بالدين ولا خروج على حكّام المسلمين، كما ذكر امثلة لها وجواز العمل الجماعي والتنظيم الاداري. فهو من الداعين للجماعة، عكس ما فهمه المعتزلون لها مستدلين بقوله الذي فهموهةخطا.
ورقم وضوح الدعوة للجماعة في كتابه، نجد بعض طلبة العلم ممن يعتبرون الشيخ هو الموثوق في المنهج السلفي، الا انهم خالفوه، وفي هذه المسألة وابعدوا النجعة، ولعل تباعد البلدان زاد من التعصب لرأيهم شدة، فنسأل الله لهم متابعة اهل السنة منهجا واجتماعا، واحسن الظن انهم سيرجعون عن هذا الاجتهاد المخالف للسواد الأعظم من السلفيين وعلماء السنة.
 وايضا من علماء السنة الاجلاء الذين اشاروا للامر بالجماعة الواحدة، فقد قال الشيخ صالح الفوزان اجزل الله له الثواب، في لقاء مع مجلة السلفية العدد الثالث قال: ( التفرق ليس من الدين، لان الدين يامرنا بالاجتماع، ونكون جماعة واحدة، وامة واحدة، على عقيدة التوحيد، وعلى متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، الى قوله: فتعدد الجماعات هذا ليس من الدين، لان الدين يأمرنا ان نكون جماعة واحدة. الى قوله:  فلابد من الاجتماع وان نكون جماعة واحدة. انتهى.
ان جمهور علماء المنهج السلفي والسواد الاعظم منهم، لا ينكرون قيام الجماعة السلفية، بل هي عندهم من الواجبات واصول اهل السنة، واما من شذ وخالفهم من اهل العلم واعترض على الجماعة وقال ان ذلك حزبية كأهل الباطل، فاذا نظرنا في سيرته وفتواه نجده اصلا يختلف معهم في الكثير وان منهجه يشذ في كثير من الامور عن السواد الاعظم الذي امرنا به، وبعضهم رجع عن ذلك، وان الخطأ مع السواد الأعظم ان اخطأوا اخف من مشاققة الجماعة وسبيل المؤمنيين.
كما انه ليس كل من كتب او رأى رأيا فهو محق، فعلى طالب العلم ان يوطن نفسه ويراجع ادلته، وينظر في موقع الاقوال من السنة، وطرق اخراج الاحكام، حتى لا يجعل من زلّات الاخرين له دين، اذا ان كل مفتون له ادلته، حتى من خاضوا في الصفات لهم ادلة لكنها ليست تدل على ما فهموا، ومخالفة للسنة ولإجماع اهل العلم، وقال الله في من يتبع المتشابه رغبة في الخصومة والتنة والتاويل على ما يهوى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)، مثال المعتزلة والخوارج وغيرهم، رجحوا الامور برأيهم وما تهوى الانفس، لكن السنة تبين للناس ما نزل اليهم، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سياتي اناس يجادلوكم بشبهات القرآن فجادوهم بالسنن فان اصحاب السنن اعلم بكتاب الله  .
كما اننا نستعين على تفسير السنة باقوال الصحابة رضي الله عنهم لانهم عاشوها وروها وشرحت لهم حتى وعوها، وان اشكل عليهم شيء منها سألوا عنه حتى يدركوا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وما مات حتى بين لهم كل شيء في دينهم حتى تقوم الساعة، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ). (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ). ثم ختم الرسالة برضاه عن ذلك: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). 3 المائدة.
فعلى التائهين خلف آراء الرجال عملا بزلاتهم، ويتعصبون لآرائهم، ويجعلونها من اصول دينهم، حتى انهم يوالون ويعادون فيها، ويفرون من السنن الواضحة والاقوال الموضحة من السواد الاعظم من اهل السنة، فعليهم مراجعة موقفهم، والتنقيب في السنة والآثار، يجدون الدواء الشافي، اما من قاسوا الامور برأيهم، وتوكلوا على انفسهم، وفرحوا بما عندهم من العلم الملتبس، فانهم يهلكون انفسهم وما يشعرون .
وخلاصة ما سبق في من هي تلك الجماعة؟:  فهي الفئة ذات العلم بالسنة قائمة بها قولا وعملا، متمسكة بها، وهي على ذلك فرقة وطائفة وليس فقط مجرد منهج وتوجه ديني يسيرون عليه افرادا، بل هم يجتمعون على السنة وليس فقط العمل بها في الشعائر، بل ويرون الجماعة من واجبهم الديني واصل من اصولهم، كما ذكر شيخهم شيخ الاسلام سابقا.
واما عن من يملثها من الافراد، فذلك يتبين من صفاتهم الموافقة لما وصف به اهل السنة واهل الجماعة، اذ لهم عدة صفات يوصفون او يسمون  بها او ببعضها احيانا، وان اختلفت بهم البلدان فهم يرون انهم جماعة واحدة لا جماعات كما كتب شيخنا ربيع رحمه الله، وبيان صفاتهم في الفقرة التالية ..


عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة مارس 05, 2021 10:30 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:52 am

صفـات اهل الجمـاعة
ورد في عون المعبود شرح ابي داوود، نقل عن الحرازي في المغني قوله في الجماعة ، قال: أي اهل القرآن والحديث والفقه والعلم الذين اجتمعوا على اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاحوال كلها، ولم يبتدعوا بالتحريف والتغير، ولم يبدلوا بالآراء الفاسدة.
وهذا من الآثار التي فهمها البعض خطاء، يعتقد ان مجرد الانشغال بالحديث او الفقه يكفي لان يكون من الجماعة المعنية، غير ان هذا كمثل القول من توضا صحت صلاته، أي بما يتضمن احكام الصلاة وليس مجرد الوضوء.
واذا تأملنا الاثر نجده يفيد بالجماعة من اهل العلم المذكورين، اذ انه لم يكتفي بقوله: اهل القرآن والحديث والفقه والعلم، وانما اضاف صفة اخرى: ( الذين اجتمعوا على اتباع آثار النبي).
أي ان لم يجتمعوا فليسوا كذلك، خاصة اصل موضوع الحديث كان عن الجماعة، أي من هم المجتمعون؟ ، فكانه يقول الجماعة التي تكونت من هؤلاء .
وحتى لا يظن نوع ضيق من الاجتماع او فقط موافقة ما عليه المجتمعون في التوحيد، قال: في جميع الامور كلها. أي كل ما هو من شان الجماعة، سواء لزوم منهجها، او لزوم مجالس فرقتها، والانتماء لها ومؤازرة اهلها في كل حال، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناصرة ضعفاءهم. فهو يتحدث عن الجماعة التي هؤلاء افرادها، بانها هي الحقة المعرفة بالالف والام.
ويتضح ايضا من قوله وما سياتي: ان الجماعة لا يراد بها عامة المنتسبون الى الاسلام، وانما هم فرقة من بين فرق المسلمين الثلاثة وسبيعين، وهذه الفرقة هي التي يتصف اهلها بالتمسك بالدين على السنة وطريقة السلف الصالح الذين كانوا افراد الجماعة الاولى، واجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فالفرقة التي احيتها من جديد واستنت بسنتها هي الجماعة والفرقة الناجية، والسالكون عليها المتمسكون بالدين حقا هم الطائفة المذكورة المنصورة القائمة بالحق حتى تقوم الساعة.
قال شيخ الاسلام رحمه الله 3 / 159 : : صار المتمسكون بالاسلام المحض الخالص عن الشوائب هم اهل السنة والجماعة. ) الى قوله: ( وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة. فنسأل الله ان يجعلنا منهم. انتهى.
فنجده يرجو الله ان يجعله من هذه الجماعة، "ولم يرى بها شبهة التحزب المتوهم من الذين شمل هجرهم حتى جماعة الموحدين.
كما عرف ابن تيمية بانه شيخ هذه الطائفة في زمانه، واما هؤلاء الفارون من الجماعة، فنجدهم في الواقع على هذا الفهم قد صاروا جماعة لكنها ليس على الحق، حتى يؤمنوا بوجبها ليكونوا منها.
كما ورد قول شيخ الإسلام: فوصف الفرقة الناجية بانهم المتمسكون بسنته وانهم هم الجماعة.
وايضا من صفاتاهم الصدق والاستقامة على الدين، وهؤلاء الذين اشارة اليهم الاية التي كانت بداية موضوع الكتاب وتامر بالاجتماع مع الصادقين: ( وكونوا مع الصادقين).
وان الصادقين من ميزاتهم انهم ينصرون الله في دينه وينصرون رسوله في سنته والدفاع عنها، كما وصفهم الله تعالى من ينصرون الرسول بالصدق في قوله تعالى: (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). 8 الحشر.
فدعاة السنة المحمدية وانصارها الذين يحيون السنة بعد اندثارها، فهم يحملون صفات اهل هذه الجماعة المعنية والفرقة الناجية. وقوله (الناجية) يراد به الفرقة التي تحمل صفات من ذكروا في حديث عكاشة الذي شهد لصنف من الناس يدخلون الجنة بغير حساب، أي هم الناجون من العذاب المعنيون في الباب.
وجاء في حديث الغرباء وصفهم بعد ان قال صلى الله عليه وسلم : وا شوقاه لاخواني: قالوا او لسنا اخوانك يارسول الله : قال بل انتم اصحابي ولكن اخواني الذين لم يأتوا بعد، قالوا منهم؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها. وفي رواية للترمذي: الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي. ايضا قوله صلى الله عليه وسلم: وودت اني قد رايت خلفائي؛ قالوا: ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يحيون سنتي، يعلمونها الناس.
والوصف الشامل لفروع ومجموعات هذا الجماعة، والتي توصف في كل بلد باحد اوصاف هذه الجماعة، فالوصف الجامع لهم المعروف في هذا العصر هو اسم: السلفيّون، وهؤلاء السلفيين في كل بلد يعرفون باسم او صفة هي اصلا من صفات هذه الفرقة الواحدة، مثل اهل السنة، وانصار السنة المحمدية، او اهل الحديث، واهل التوحيد، واهل الاثر، وغير ذلك مما هو وصف لحالهم، كالقول: المهاجرين، والانصار. ينسبوا الى صفة او حدث كان منهم.
ومن صفاتهم ان دعوتهم الى الله، أي الى توحيده والاخلاص له، وليست الى الشيوخ وتعظيمهم والاعتقاد فيهم، ولا للاحزاب السياسية ولو كانت باسم الدين.
ومع ذلك فهم على علم وبصيرة بهذا التوحيد وتفاصيله ونواقضه ولوازمه وشروطه، اما من جعل البصيرة في التوحيد مؤخرا سوف يدعوا له بعد ما يجد السلطة فليس من اهل السنة، وربما لا يرجع اليه لانه ما كان يعلمه، ولانه لم يدرّس له حينما كان مشغولا بالامور السياسية، فان ذلك الذي يؤجل تعلم التوحيد ليس من اهل هذا السبيل، والفرقة التي تقوم على مثله ولا تهتم بالتوحيد فليست هي الناجية.
واما اتباعه صلى الله عليه وسلم افراد تلك الجماعة هم على سبيله المتبصر بالتوحيد أولا، ويدعون الى الله بذلك التوحيد، وليسو من اهل الشرك، كما قال تعالى: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). 108 يوسف.
ومن هذا التوحيد والبراء من المشركين ان يهجروا الطاغوت ويجتنبوا عبادته سواء بدعاءه من دون الله او السجود له او الغلو في تعظيمه، والانابة الى الله، حيث قال الله في صفاتهم: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَاب). 17-18 الزمر.
واهل هذه الانابة امر الله باتباع سبيلهم، أي طريقتهم وجماعتهم، قال تعالى: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ). 15 لقمان.
ومن لم يتبع سبيل الفرقة التي هذه صفاتها، فلينظر الى من عصى، فقد عصى من امر باتباع سبيلهم وهو الله تعالى الذي شرع هذا السبيل ودعى اليه ونهى عن السبل غيره.
تعدد أسماء الجماعة
وردا على ما يقول بعض المغرضين، لماذا تتعدد اسماء السلفيين؟ تارة اهل الحديث، وتارة انصار السنة وغيرها؟
ان اسماء السلفيين المتعددة هي اسماء وصفات لذات واحدة، ومنهج واحد وجماعة واحدة، وليس جماعات متعددة ولا مختلفة، كما ان تعدد الاسماء والصفات لا يعني تعدد الذات، بل كثير من الاشياء والبلدان والحيوانات والطيور لها عدة اسماء، وان سلفنا الصالح واتباعهم لهم صفات حسنة يشتهرون بها، وافعال مشروعة ينسبون اليها، مثل اهل الحديث، فما الحرج في ان يوصف المسلم بانه من العاملين بالحديث النبوي الشريف.
وما الحرج في ان يقال انصار سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الم يسمي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالمهاجرين نسبة لهجرتهم الشريفة، وسمى اسلافنا اهل المدينة بالانصار نسبة لنصرتهم وايوائهم له، كما وصف من نصروه بالايمان الحق في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا). 74 الانفال.
وطالب الله جميع المؤمنين بنصرة دينه في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ). 14 الصف.
وتعدد الأسماء حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت له عدة اسماء وصفات حميدة، فما الحرج في تعدد الأسماء لاهل السنة واتباع السلف، فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا.
ومن جهة اخرى فان المعترضين لتعدد الاسماء، غرضهم ان تمحى هذه الاسماء، حتى يتثنى لهم تجنيد هذه القواعد السلفية، وغيرها من عوام المسلمين، خلف احزابهم السياسية المتسترة بالدين، لكن العقبة امامهم جماعة الحق الظاهرة، وأسماءها المضيئة، واسماء مشايخها اللامعة، القدوة المستقيمون، مصابيح الدّجى، الذين لا تصبر على نورهم خفافيش الظلام .
وبشرانا ان النبي صلى الله عليه وسلم وعد بقيامهم على الحق حتى تقوم الساعة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وقال تعالى في من يريدون اسكات هذه الاصوات واطفاء نور التوحيد: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ). 32 التوبة.
ومما يفضح هؤلاء المعترضين، ادعياء الاصلاح وتحكيم الشريعة الاسلامية، ومما يفقدهم الموضوعية والمصداقية، انهم يزاحمون حكام المسلمين الذين هم اكثر منهم التزاما بالشريعة، خاصة التوحيد، فما معنى حملاتهم المغرضة والفاشلة ضد حكّام المملكة العربية السعودية في هذا العصر، الذين اقاموا الدين بدا من اصوله، والعمل على سنة رسوله، وهو المنهج الرسمي الذي لا يسمح بغيره.
وكان منهجهم على نهج السلف الصالح وعلى شريعة الفرقة الناجية، وجماعة الفرقة الناجية، وناصروا المسلمين في كل بلاد العالم، وخدموا الحرمين الشريفين خير خدمة، وانفقوا عليها ما لم يحدث منذ عصر التابعين، وناصروا منهج السلف ونشروه ومولوه في كل انحاء العالم، ونشروا الحق والتوحيد بما يرضي كل غيور.
ومن خصائص تلك البلاد، بل ذلك من علامات النبوة، وميزة خص الله بها الحرمين ثم الحجاز، وما حولها، ان أهلها يحمون الدين ويدافعون عنه، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي، عن عمر بن عوف المدني: ان الدين ليأرز الى المدينة كما تأرز الحية الى جحرها، وليعقلن من الحجاز معقل الاروية من رأس الجبل، ان الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي.
ومعقل الاروية من الجبل: فالاروية نوع من الغزال عندما تطاردها الوحوش او الانسان، تفر الى قمة الجبل وتعتصم به مما يلاحقها ، فكذلك الدين عندما يطارده اهل البدع والتحريف والمضلين، يعتصم باهل الحجاز فيحموه بفضل الله وعونه .
وصدق الله اذ يقول: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). 124 الانعام. فكما اختار نبي، فكذلك اختار بلاد واناس خصهم وشرفهم بخدمة دينه حتى يرفع القرءان.
واما الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله، فنجدهم جاءوا ليفسدوا في الارض بعد اصلاحها، فبعد ان قامت الطائفة المنصورة في الجزيرة العربية بمحو مظاهر الشرك والبدع، على يد الامامين الجليلين الامام محمد بن سعود، والامام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله وطيب الله ثراهما وجعل الجنة مثواهما.
ثم جددها الملك عبد العزيز رحمه الله وطيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، فأحيى السنة واقام الحدود وفتح الله على يديه كنوز الدنيا، ثم جاء من بعد ذلك أدعياء الدين من جماعات متطرفة، ليفسدوا في الارض بعد اصلاحها، تحت اسم الاصلاح او الاخوان المسلمون، وكأن غيرهم الاخوان الكافرون، وهذا الصنف من ادعياء الاصلاح المفسدين، يذّكرنا بقوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ). 11 البقرة.
فمن جاء ليزاحم اهل التوحيد، لا على حلقات العلم، ولا على النفقة على المساكين، وانما على السلطة، ولاجل التحكم في المسلمين والخروج على من اقاموا الدين، فما هو الا فتنة كمثل الخوارج المارقين، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : من اتاكم وامركم جميع فاضربوا عنقه كائنا من كان.
فادعياء الشريعة يحاربون حكام الشريعة وانصار السنة النبوية، في حين يوالون الشيعة واعداء السنة، وتارة البعثيين، فما الذي يريدون؟ انها الدنيا والسلطة التي جعلتهم يصدون عن سبيل الله، ويطالبون باسقاط اسماء اهل السنة، لتختلط الاوراق على العوام، ويصطادوا هم في الماء العكر.
يحاربون علماء السنة، لان ادعياء الاصلاح يريدون احزابا سياسية، ولكن والحمد لله كما قال ابن كثير عن هؤلاء الخوارج : كلما نبت لهم عرق قصمه الله. والفرقة الناجية سائرة حتى ياتي امر الله.
اما عن ما يقوله بعض اهل العلم والحديث، وشيوخ السلفيين في هذا العصر عن جواز تعدد الاسماء، منه ما قال الشيخ الالباني رحمه الله وطيب الله ثراه، في مجلة السلفية: واذا فرضنا ان هناك جماعات متفرقة في البلاد الاسلامية على هذا المنهج، فهذه ليست احزابا، وانما هي جماعة واحدة، ونهجها واحد، فتفرقهم في البلاد، ليس تفرقا فكريا عقديا منهجيا، وانما تفرق بتفرقهم في البلاد، بخلاف الجماعات الاحزاب التي تكون في بلد واحد. انتهى.. ذلك لان الاسماء هي اصلا من صفاتهم، وجميع اتباع السلف يتصفون بكل تلك الاسماء الاخرى، التي عند اخوانهم في بلد اخر، فاهل الحديث واهل السنة والسلفيون وانصار السنة واهل التوحيد واهل الاثر، فالكل من السلفيين يقول بانه من هذه الفئات اذا ذكرت.
لهذا يختار اهل كل بلد من هذه الاسماء ما يعرفون به بين الفرق الاخرى لاجل ان يعرف الحق واهله حتى يتبعه من يطلبه.
تنـبيـه حول اسم السلفيين وما شابه
يجب علينا وقفة بل وقفات عند اسم" السلفييون" فقد ظهر اخير منتسبون للسلفية، وما هم عليها ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس، وبعضهم لا يريدونها ولا يلتزمونها ولا يرغبون الناس في فيها، بل يسترون بها، بعد ما عرف المسلمون اصلهم ومنهجهم واعمالهم الإرهابية.
فقد لجأت احدى اجنحة جماعة الاخوان المسلمين الى ادعاء السلفية كاستراتيجية جديدة في عام 1977م من جماعة الاخوان المسلمين لمخادعة المجتمع الذي رفضهم، ثم لكسب ثقة الحكام، حتى لا يواجهوهم، لعلمهم ان الجميع يعرف ان السلفيين لا ينشغلون بالسياسة، ولا يفعلون الاعمال الارهابية، ولا يخرجون على حكام المسلمين ولا يخرجون من الملة الحاكم الذي يترك الحدود او بعضها من غير ان يجحد ذلك.
فلجأ الاخوانيون للاحتماء بثوب السلفية، ومن ثم يسيطرون على اموال من يدعمون السلفية، سواء بعمل فردي او بالجمعيات السلفية المزعومة، والتي سيطرون بها حتى على تمويل من بعض الجهات الحكومية، سواء لا تدري عن اخوانيتهم السرية او بها رموز يستغلونها في دعم جماعة الاخوان المسلمين بطرق خفية، ويسخرون مواقعهم لخدمة اعمالهم السياسية باسم الدين مع مصالحهم الشخصية.
كما يريدون مع ذلك تعطيل المسيرة السلفية التي تحارب التطرف، وللايقاع بينهم وتفريق جماعتهم سواء بالشبهات او الفتن، مما يحتم الدراسة الدقيقة عن كل مدعي السلفية خاصة الانشطة الخيرية، لاجل السلامة من افخاخ الحركة الاخوانية التي ارتدت ثوب السلفية، لكنهم لا يحسنون ارتداه، فكثيرا ما يسقط عنهم الثوب وتبدوا سوءتهم الحرورية المتطرفة.
ومع هذا الادعاء فهم شاهدون على انفسهم بمخالفة السلفية، حيث انهم يقولون سلفيون في العقيدة، واخوانيون في المنهج او سموا غيره، فهم يشهدون بانهم ليسو سلفيين في كل شيء، بل منهم من يقول: نختلف مع السلفيين حتى في العقيدة، كما ورد ذلك في محاضرة في مقديشو، تحدث فيها احد الاخوانيين، واقره على ذلك السروري العقيد حسن طاهر اويس ) القائد العسكري ( للاتحاد الاسلامي الصومالي سابقا، والذي غير اسمه للاعتصام، ولكن الاسم الاول مازال يذكر.
ان من جعل لدعوته منهجا جديدا، ويراه اسرع في الوصول، فانه راد على الشارع، فلسان حاله يقول: بان منهج الشارع غير صالح لهذه المرحلة، ولهذا شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
كما ان الهدف المراد الوصول اليه عند هؤلاء، قد اختلف مع مراد الشارع، فمراد الشارع تعريف الناس بربهم، وكيف تكون الالوهية، وهؤلاء يريدون السلطة والدنيا وكيف تؤول لهم الحاكمية، لذا بحثوا عن وسائل جديدة ابتدعوها ولم يقل بها علماء سلف الامة، ذلك لان وسائل الشارع توصل الى ما يريد من تحقيق العبودية لله وطاعته، وما يريد هؤلاء في اتجاه اخر معاكس، فساروا في طريق مشاقق للرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوا غير سبيل المؤمنيين الأوائل.
واما السير في مدارج السالكين المخلصين لله الدين، المبحرون في بحر علم التوحيد والعبودية الحقة، فان سبيلهم الموصل الى الله جعل الله له سفينة نجاة وهي السنة وجماعتها، فمن ركب وسيلة اخوانية او قطبية او حرورية او تجديدة ترابية، فانه لم يتخذ الوسيلة الموصلة مع اهل الحق الى بر النجاة، وكما قال الشاعر :
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها - ان السفينة لا تجري على اليبس.
ان من ظن ان هناك منهجا جديدا اسرع او اسلم في اقامة الدين من منهج السلف الصالح، فانه يتهم الشارع من حيث لا يدري، بانه بعث رسالة بغير منهج، او قد انتهت صلاحيته .
واما السلفية الحقة وجماعتها السنية فهي اتباع سلف الامة في كل شيء، وليس فقط في جزء من العقيدة ولكنهم في المنهج يفعلون ما يشاءون، علما بان الله تعالى قد وضع منهجا لدينه في كل الرسالات، ولم يقل بلغوه او أقيموه كما تريدون، بل قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). 48 المائدة.
أي كل الرسل ومن بينهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد ذكر لهم: شرعة ومنهاجا كلاهما. لا توجد شريعة بلا منهج، وهؤلاء السروريين وامثالهم تركوا منهج الله، وهم يقولون ان الحكم الا لله، فلماذا لم يحكّموا الكتاب والسنة في المنهج ؟ والله تعالى يقول: ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون ). 50 المائدة.
فاي حكم يريد هولاء ؟ افحكم السرورية يبغون؟ او منهج القطبية يبغون ؟ او منهج الحرورية يبغون ؟
لماذا افتتنوا وتركوا بعضا من الشرع والمنهج؟ والله تعالى حذّر عن ترك بعض ما انزل وقال تعالى: ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ). 49 المائدة.
فالواجب اتباع سبيل المؤمنيين الأوائل وهم السلف في كل الامور لانهم الذين أشار لهم القرءان آنذاك وامرنا باتباع سبيلهم ومن تبعهم باحسان.
فالتنبيه من ادعياء السلفية وهذه الفئة السرورية نسبة لشيخهم بن سرور وهي تدعي السلفية، واما السلفيون الحقيقيون فاهل اعتدال وتوسط في كل شيء، ومن السهل التعرف عليهم ومن طلب الحق خالصا مخلصا من قلبه وبذل جهدا في ذلك، يوفقه الله له ويهديه اليه بمشيئته، ولمعرفة سبل الخير كلها كما وعد الله بذلك في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). 69 العنكبوت.
كيفية المعية او اللزوم للجماعة
لزوم الجماعة نوعان: لزوم المنهج وهو ما عليه الجماعة من الدين الحق وموافقتها في عقيدتها ومنهجها، وذلك يشمل الايمان بقلبه والاتباع بفعله، حتى لو خرج من بلده فهو على ذلك لا يتبع منهج البلاد التي هو فيها مسايرة لهم ان كانوا على غير الحق، وان وجد من يمثلون الجماعة الحقة في أي بلد وجب عليه العمل بما يجمعون عليه في الامور الاجتهادية، ويعتزل منهج العوام وان كثروا، ويناصر الحق الذي عليه الجماعة، وهذه معية تأييد، وموافقة ومناصرة، كالذي يؤيد مواقف امام بلده او مذهبه ويدافع عنه ويقول انا مع فلان او جهة كذا، مع انه غائب، او مثلا الذي يؤيد فريقه المتباري في بلد اخر، ويقول انا مع فريق كذا، وهو لم يشارك معه، انما يشجعه ويدافع عنه ويثني عليه، فهذا من معية الموافقة والتايد، وكذلك الذي مع الفرقة الناجية، وحزب الله، والطائفة المنصورة، يوافقهم ويمدحهم ويرفع من قدرهم ويؤيدهم، لتكون كلمة الله هي العليا، فهو معهم ولو كان في بلد اخر، كما قيل في الذين حبسهم العذر عن الجهاد على عصر النبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيهم كما في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرة، او قطعتم واديا، الا كانوا معكم، قالوا وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.
فهذه المعية بالقلوب، يناصرنهم وان كان غائب عنهم، يؤيدوهم ويوافقوهم على ما هم عليه، وقال عنهم شيخ الإسلام في منهاج السنة: فهؤلاء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الغزاة، فلهم معنى صحبة الغزاة، فالله معهم بحسب تلك الصحبة المعنوية. انتهى.
واما المعنى الاخر للزوم هو التالي
2- لزوم المرافقة او المعية:
اي المجالسة والبقاء معهم وصحبة الصادقين وملازمة مجتمع اهل الحق وهو الجماعة، أي مرافقتهم ومصاحبتهم ومجالستهم ومساندتهم، وعكس ذلك الانفراد الذي وصف صاحبه بالغنم الغاصية، وحذر من الشيطان الذي وصف بالذئب الآكل للغنم الغاصية. وايضا ما يخالف المعية الاجتماع مع اهل البدع او اهل الهوى.
فهذا اللزوم هو الاجتماع لاهل الحق، لانه يبعد عن الشيطان كما في الحديث: الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين ابعد.
وكلما كثر العدد كان الشيطان ابعد، لمعية الله لهم وان يد الله مع الجماعة، ثم لكثرة اهل العلم فيهم والتواصي بالحق، وردودهم على شبهات اهل البدع والباطل، وعلى الوساوس وزخارف القول التي يوحي بها الشياطين في قلوب الدجالين والملبسين، ولان تناصح المؤمنين وتذكرتهم فيما بينهم تحي القلوب ومشاهدتهم ترفع الهمم كما قيل في الصالحين: من اذا رأيتهم ذكر الله، وذلك لما عليهم من بهجة القرآن ونور الوجوه، الى غفران الذنوب للجلساء في حلق العلم، ودعاءهم مما ورد في الآثار حري بالاستجابة، ويكفيهم ان الله سمى جماعتهم حزبه فقال تعالى: ( أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). 22 المجادلة. لانهم يوالون في الله ويعادون في الله، واجتمعوا عليه.
وهذه المعية او هذا اللزوم للجماعة، وهو الاجتماع، يبعد العبد عن الغفلة والهوى، ويحي في النفس الاهتمام بشؤون المسلمين، وفيه طاعة لله ورسوله، والمحبة في الله التي اوجب الله على نفسه محبة المتحابين فيه والمتجالسين فيه، يريدون بها وجهه، والتارك لهذا اللزوم تارك لواجب، اوجبه الله حتى على رسوله صلى الله عليه وسلم اذ امره الله تعالى بمعية اهل التوحيد والصبر على ذلك كما في قوله تعالى: (اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). 28 الكهف.
وقال الامام النووي في رياض الصالحين 6: باب فضل حلق الذكر والندب الى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر.
وذكر حديثا عن ابي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، اذ اقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاما احدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، واما الاخر فجلس خلفهم، واما الثلث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: الا اخبركم عن النفر الثلاثة، اما احدهما فأوى الى الله، فآواه الله، واما الاخر فاستحيا، فاستحيا الله عنه، واما الاخر فاعرض، فاعرض الله عنه. متفق عليه.
وذكر الامام النووي: واما قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تفرقوا)، فهو امر بلزوم جماعة المسلمين وتأليف بعضهم ببعض، وقد استدل النووي بحديث حزيفة المذكور على وجوب لزوم الجماعة وقال في ذلك: (باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة، ومفارقة الجماعة).
وفي الكلام احوال عديدة لكل منها حكمه، وقوله في كل حال، تفيد ان اللزوم على الدوام.
واما الدعوة لهذه المجالسة مع اهل التوحيد وحلقات العلم فهي مشهورة ولكن لا يدرك البعض انها واجبة، مع انها امرا يشمل حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها، كما في الحديث الذي رواه الطبراني في الصغير، عن ابن عباس رضي الله عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة، وهو يذكر اصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما انكم الملأ الذين امرني الله ان اصبر نفسي معكم، اما انه ما جلس عدتكم، الا جلس معهم عدتهم من الملائكة … الحديث.
ولهذا كانوا يحرصون على هذه الحلق، طاعة لله بلزموا اهل الحق، ولتقوى عزائمهم، ويزداد ايمانهم.
روى الامام احمد باسناد حسن عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان عبد الله بن رواحة اذا لقي الرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله الا ترى الى ابن رواحة يرغب عن ايمانك، الى ايمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :يرحم الله ابن رواحة، انه يحب المجالس التي تتباها بها الملائكة.
وهذه المجالس تتجسد فيها معية اهل الحق، واحتسابها طاعة لله تعالى، ومحبة له ومحبة فيه، وقد ورد في فضائلها ما لا يعرض عنه الا غالف او جاهل، منه ما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عزّ وجلّ، لا يريدون الا وجهه، الا ناداهم مناد من السماء، ان قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات. رواه احمد وابو يعلي، والبزار والطبراني، والبيهقي من حديث عبدالله بن مغفل.
وروى الامام مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال: ما اجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما اجلسكم الا ذلك؟ قالوا: ما اجلسنا الا ذلك، قال: اما اني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان احد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم اقل عنه حديثا مني: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من اصحابه فقال: ما اجلسكم؟ قالوا: نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للاسلام، ومنّ به علينا. قال: آلله ما اجلسكم الا ذلك؟ قالوا: آلله ما اجلسنا الا ذلك. قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم، ولكنه اتاني جبريل، فاخبرني ان الله يباهي بكم الملائكة.
وكذلك ورد في فضل الاجتماع مع اهل الحق، ما رواه الطبراني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن يمين الله الرحمن. وكلتا يديه يمين ـ رجال ليسوا بانبياء ولا شهداء، يغشي بياض وجوههم نظر الناظرين، يغبطهم النبيّون والشهداء، بمقعدهم وقربهم من الله عزّ وجلّ، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم جمّاع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر الله، فينتقون اطايب الكلام، كما ينتقي آكل التمر اطايبه.
فهذه معية الصادقين ومصاحبة ومرافقة ومعاونتهم عند فراغ الشخص من واجبات اهله، ليلزم مجتمع اهل العلم، أي جماعتهم، كما ان مفارقتهم مع القدرة على ذلك هي نقص في الولاء تضر بدين العبد، وذلك ما اشار اليه عطاء الخرساني رضي الله عنه في حديثه السابق : " ثلاثة لا تقبل اثنان دون الثالثة، الايمان والصلاة والجماعة." والتقصير في هذه المعية احوال حسب بعده او اعراضه وامره الى الله، والعبد لا يدري ما فعل به التقصير في الجماعة من ضرر في دينه، وليتذكر الموقف الذي يفصل بين المؤمنين وبعضا من الذين افتتنوا وغرتهم الاماني والشيطان في الدنيا، حيث شذوا عن رفاقهم من غير معية حقيقية وتسببت في الغفلة، فبينما هم يوم القيامة يسيرون مع المؤمنين فجأة يفصل بينهم ويعزلوا عن المؤمنين الصادقين، فينادون المؤمنين كما قال الله عنهم: ( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ). 14 الحديد.
فالمرافقة الجزئية وعدم اللزوم الكامل للجماعة والفتن التي خاضوا فيها جعلتهم يفارقونهم يوم القيامة.
فليحرص العبد على السلامة من هوى النفس وحظوظ الدنيا والمكابرة، وان يخلص دينه لله، حتى لا يطفأ نوره وهو على الصراط.
موقف اهل السنة والجماعة عند الخلاف
واما عن السلف وهم الجماعة الاولى ومن تبعهم باحسان، فقد كانوا عند الخلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم يتابعون السواد الاعظم من اهل العلم في جماعة اهل السنة وليس جماعة العوام، وايضا ذلك عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشار لذلك الامام الشاطبي في كتابه الاعتصام فقال: وذكر اسحاق بن راهويه مرفوعا: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله لم يكن يجمع امة محمد على ضلالة، فاذا رأيتم الخلاف، فعليكم بالسواد الاعظم، فقال رجل: يا ابا يعقوب من السواد الاعظم؟ فقال: محمد بن اسلم واصحابه ومن معهم (يعني بهم الجماعة في زمانه) ثم قال سال رجل عبد الله بن المبارك: من السواد الاعظم؟ قال: ابو حمزة السكري، ثم قال اسحاق: في ذلك الزمان، ( يعني ابو حمزة ): وفي زماننا محمد بن اسلم ومن تبعه، ثم قال اسحاق: لو سال الجهال عن السواد الاعظم؟ لقالوا جماعة الناس. ولا يعلمون ان الجماعة عالم متمسك باثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ). ثم قال الشاطبي : ( فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن ان الجماعة هي الناس وان لم يكن فيهم عالم، وهو وهم العوام، لا فهم العلماء. فليثبت الموفق في هذه المنزلة قدمه، لئلا يضل عن سواء السبيل. انتهى.
وهذا في ان الجماعة لا يراد بها عامة المسلمين، وانما اهل العلم المذكورين ان اجتمعوا وصاروا جماعة تلك الفرقة الناجية فالسواد الاعظم منهم عند الخلاف هو المراد من الحديث، وان لم تجد جماعتهم في مكان ما الا اشخاص قلة فهم السواد الاعظم اذ ان الحق لا يوجد الا فيهم. وغيرهم من اهل الباطل لا يعتد بهم.
وفي كلام ألئك تاملات، فذكرهم لاناس بأسمائهم بانهم هم الجماعة والسواد الاعظم، يفيد جواز التصنيف عندهم والتميز بالجماعة، وان الجماعة الحقة هي التي على منهجها من ذكروا من العلماء والمشايخ ومن تبعهم، كما انه يتحدث عن السواد الاعظم، بانه يمكن ان يكون في الموازنة مع العامة ، وايضا يمكن ان يكون حتى داخل الجماعة المعنية اذا اختلف اهل السنة فيما بينهم في شيء، فكذلك يكون السواد الاعظم من بينهم. وقوله: عليكم يفيد توجيهه وامره بعدم اتباع القلة الشواذ من اهل العلم المخالفين لاكثر علماء السنة باجتهاد خاطئ .
وبيان ذلك لانه يتوهم البعض بان السواد الاعظم هم غالبية المسلمين عموما، الا ان الغالبية المعنية هنا: غالبية من اهل العلم من اهل السنة، اذ ان العوام لا يعتد بهم، وهذه موازنة داخل مجتمع العلماء ولو كانوا ثلاثة. والمراد السواد الاعظم من العلماء في جماعة اهل السنة.
ويتضح خطأ فهم العوام اذ يرون ان من هو ليس شيعي يعني من اهل السنة والجماعة، فالصواب هو مسلم سنيأ أي غير شيعي، لكن عبارة اهل السنة والجماعة يراد بها تلك المدرسة السنية التي اشتهرت لها الدعوة بعد القرون الثلاثة المذكرة سابقا ومنهم الامام احمد بن حمبل وغيره ومن تبعهم من الذين لا يفعلون شيء في حياتهم الا بالسنة لانهم اوجبوا التقييد بها فسميوا بها لكن المعرضون عن السنة هم من عامة المسلمين الغافلين، وليس الدجالين والكهان والسحرة من اهل السنة وان كان اسمه محمد، وليس المبتدع والطائف بالقبور من اهل السنة، بل هم من اهل البدع والفرق الاسلامية الاثنين وسبعين المذكورة في الاحاديث النبوية.
ولا يطلق اسم اهل السنة والجماعة عند علماء السنة الا على من سلك منهج السنة وجماعتها الموصوفة بالفرقة الناجية التي احيت السنة بعد اندثارها والتزمت بها في كل شئونها، والجماعة هي الفئة الملتزمة بها او حتى فردا كان على منهجها فهو منها.
وجاء في الحديث المشهور: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"، قيل ومن هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس. اخرجه الامام احمد وابنه عبد الله في المسند 1/ 184، وابو يعلي في المسند 2/ 99/ رقم 756، ولمسلم دون ذكر: من هم الغرباء.
ورواه الترمذي عن عمر بن عوف المزني وجاء في اخره: فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي.
فاقول للذين اعتزلوا جماعة اهل العلم الشرعي وقالوا لا نقول جماعة وان ذلك حزبية، أقول ان الجماعات العديدة نهى الله ورسوله عنها لكنه امر بواحدة التي على الحق، ونهى عن الفرق والتفرق لكنه امر بفرقة واحدة وهي جماع اهل الحق، وكذاك نهى عن التحزب والأحزاب الدينية الكثيرة لكنه اثنى على حزب واحد بل نسبه اليه وسماه حزب الله وهم اهل الولاء في الله والبراء لاجل الله، الذين تميزوا عن اهل الباطل والبدع، ولم يوادوهم ولو كانوا ابناءهم كقوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ). 22 المجادلة.
فمن هجر هذا الحزب المتميز لاجل الله فهو معطل لحزب الله فرارا من موالاة الظلمة فعطل معية اهل الايمان ووقع في تعطيل ما امر به الله ورسوله، كالذين فروا من تشبيه الصفات لكنهم وقعوا في تعطيل ما وصف الله به نفسه. وهؤلاء فروا من أحزاب الشيطان وواصلوا العصيان والهجر حتى شمل حزب الله والفرقة او الطائفة المنصورة.
فالجماعة التي تدعو الى التوحيد المتبعة للسنة المستقيمة عليها هي تلك الطائفة المعنية وهي حزب لله وليس تنظيم سياسي لكنهم اجتمعوا لاجل نصرة دين الله واتباعه ودعوة الناس اليه، فهم الذين امر الله بمعيتهم وليس الابتعاد عنهم كما ورد في قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) الكهف.
فهذه الفئة امرنا بالمعية معها بل نجبر انفسنا معهم وحتى رسوله امره بذلك معهم لانهم حزب الله، فاين تفر يا من هجرت جماعة اهل العلم خوفا من التحزب البدعي المتوهّم.
ولا يشغل بالك مشابهة تلك الأحزاب المنحرفة فليس كل وصف عليه الاخرون محذور، ربما فعل اهل البدع بعض الحق، فاذا فعلوا شيئا فيه حق هل تترك ذلك الحق؟ فاذا صلوا تتركها لان اهل الباطل صلوا؟ فاذا اكلوا هل تترك الاكل فان اجتمعوا على الباطل هل يترك اهل الحق الاجتماع على الحق؟ بل يجتمعون لكن الفرق بينهم انهم يجتمعون على الحق وأولئك اجتمعوا على بدعة او معصية.
[justify][justify][justify][justify][justify][justify][justify][justify]
[/justify][/justify][/justify][/justify][/justify][/justify][/justify][/justify]


عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 7:57 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:53 am


حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين
وعن المشارك في العمل العام ومن لا يمكنه فعل كل الواجبات ولا ترك كل المحرمات سواء مع عصاة المسلمين او حتى مع غير المسلمين، فان ما يعجز عنه المسلم ولم يستطيعه لم يكن الفعل في حقه واجب، ولم يكن تارك لواجب اذا اتقى الله ما استطاع، كمثال المعطل المعذور لبعض الاحكام لانه لا يستطيع تحكيمها في الناس لعدم القدرة او المفسدة الراجحة، وكذلك الجاهل بحكم ذلك، فقد بين ذلك شيخ الإسلام حيث قال في المجلد 19 من الفتاوى: فدلت هذه النصوص على انه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه.
ومنه قوله ص 216: وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من امام وحاكم وناظر وغير ذلك: فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله اياه وهو مطيع لله مستحق للثواب اذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى انه مطيع لله ) الى قوله: وكذلك الكافر: من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم انه رسول فأمن به وامن بما انزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره، ولم تمكنه الهجرة الى دار الإسلام ولا التزم شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من اظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من اهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع اهل مصر فانهم كانوا كفار ولم يمكنه ان يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فانه دعاهم الى التوحيد والايمان فلم يجيبوه، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) وكذلك النجاشي هو وان كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في دخول الإسلام بل انما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين الى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه واخبر بموته يوم مات وقال: ان اخا لكم صالحا من اهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام او اكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روي انه لم يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لان ذلك كان يظهر عند قومه فينكرون عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا انه لم يكن يمكنه ان يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه انه اذا جاءه اهل الكتاب لم يحكم بينهم الا بما انزل الله اليه وحذره ان يفتنوه عن بعض ما انزل الله اليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع والنفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك.
والنجاشي ما كان يمكنه ان يحكم بحكم القرآن فان قومه لا يقرونه على ذلك. وكثيرا ما يولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل واماما. وفي نفسه امور من العدل يريد ان يعمل بها فلا يمكنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما اقام من العدل بانه سم على ذلك. فالنجاشي وامثاله سعداء في الجنة وان كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالاحكام التي يمكنهم الحكم بها - الى قوله عن الذين تخلفوا في مكة عن الهجرة قال : فأولئك كانوا عاجزين عن اقامة دينهم فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه. انتهى كلامه.
كما قال شيخ الإسلام ص 227: وهذا يطابق الاصل الذي عليه السلف والجمهور: ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها : فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون الا على ترك مأمور او فعل محظور بعد قيام الحجة. انتهى.
فالحاكم او المسئول العاجز عن تحكيم الشرع او بعضه فانه لم يكن اصلا مكلف بما لا يطيق، اذ ان التكليف معلوم انه يكون بعد الاستطاعة بل والسعة في ذلك، لقوله تعالى: ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) فمن لم يكن مستطيعا لفعل أمر ما لم يقم الوجوب في حقه الا عند الاستطاعة وان كان قائما في الشرع وفي حق غيره، بل لا يقال عنه مغفور ذنبه لانه لم يكن ذنب، وانما يقال سقط عنه الوجوب والتكليف، اذ ان الوجوب مقرون بالاستطاعة، ومن عجز عن شئ لم يجب عليه الفعل.
اما عدم القدرة شيء نسبي يختلف من شخص لاخر فلا يمكن الجزم
بان ذلك حاكم او مسئول قادر على الفعل ولم يفعل، ربما هناك امور لا يدريها العامة خاصة المسائل السياسية والامنية والعسكرية، فيها أسرار لا يمكن شرحها لعامة الناس فربما فيها عجز يجعل الحاكم يترك امرا شرعيا وهو كاره لذلك، كما ترك على رضي الله عنه المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه لامور يهدف منها لاستقرار الوضع العام وهو محل ثقة ولا يتهم في دينه وهو من المبشرين بالجنة.
وقد عطل عمر رضي الله عنه حد السرقة في عام الرمادة، للظروف التي طرأت على المجتمع حيث يجد بعض الناس ان قطع اليد اقل من شر موت الأطفال بالجوع.
ومن ذلك ان عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة في الحج وهو يعلم القصر لكن الوقت كان بعد حروب الردة والناس الجدد والبعيدين من العوام في شكوك فخشي ان يقال عثمان غير في الصلاة فلم يقصر درءا لتلك المفسدة المحتملة.
اما ما يعجز عنه حكام المسلمين والعاملون عندهم اليوم فهو كثير، ومعلوم بانه لا يمكنهم فعل الكثير ونحن في اخر الزمان، كما جاء في ذلك احاديث تفيد النجاة لكثير ممن عجزوا عن اقامة دينهم.
 ففي الحديث الذي رواه الترمذي : مخاطبا اصحابه صلى الله عليه وسلم قال : انكم في زمان من ترك فيه عشر ما امر به هلك، ثم ياتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما امر به نجا. حديث رقم 2218 .
وايضا حديث: واشوقاه لاخواني قالوا: اولسنا اخوانك يا رسول الله، قال: بل انتم اصحابي ولكن اخواني الذين لم يأتوا بعد، للعامل منهم اجر خمسين، قالوا منا ام منهم، قال بل منكم قالوا لم او بم يارسول الله، قال: فانكم تجدون على الخير اعوانا ولا يجدون على الخير اعوانا. ذكرها الشاطبي في الاعتصام، وورد في جامع الاصول بعدة روايات.
و كلام شيخ الإسلام السابق يبين خلاصة فهم مشايخ اهل السنة في عذرهم للحاكم العاجز عن اقامة احكام الشريعة سواء بعضها او غالبها، والله حسيبه في ذلك، كما ان الموضع الهام بيانه هو اشارته الى انهم يحكمون بما يمكنهم من الاحكام في حالة العجز عن امور شرعية.
وايضا في بيانه لحكم العامل مع التتار من القضاة وغيرهم فيه رد على من يحرمون العمل مع حكام المسلمين الذين لم يقيموا الحدود، وان غالب حكام المسلمين اليوم فيهم من الخير ما يفضلهم على التتار بل وبعضهم من اهل الاحسان ومفاتيح للخير، ومن اهل التوحيد والسنة ومع هذا فان ادعياء الدين يدعون الى الخروج عليهم سرا او علنا مما يفيد بانهم جهلاء بانزال الاحكام على الافعال.
وقال شيخ الإسلام في موضع اخر ص 55 ج 20: اذا كان المتولي للسلطان العام او بعض فروعه كالامارة والولاية والقضاء ونحو ذلك، اذا كان لا يمكنه اداء واجباته وترك محرماته، ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة: جازت له الولاية، وربما وجبت وذلك من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها، من جهاد العدو، وقسم الفئ، واقامة الحدود، وأمن السبيل: كان فعلها واجبا . فاذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق، واخذ بعض ما لا يحل واعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك: صار هذا من باب ما لا يتم الواجب الا به، فيكون واجبا او مستحبا اذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب او المستحب، بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم، ومن تولاها اقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع اكثره باحتمال ايسره كان ذلك حسنا مع هذه النية، وكان فعله مما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو اشد منها جيدا الى قوله: ومن هذا الباب تولى يوسف الصديق على خزائن الارض لملك مصر. بل ومسالته ان يجعله على خزائن الارض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى: ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به، الاية ، وقال تعالى عنه: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ) الاية ومعلوم انه مع كفرهم لا بد ان يكون لهم عادة وسنة في قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك واهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الانبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه ان يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فان القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والاحسان، ونال بالسلطان من اكرام المؤمنين من اهل بيته ما لم يكن ان يناله بدون ذلك. وهذا كله داخل في قوله ( واتقوا الله ما استطعتم). فاذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الاخر في هذه الحالة واجبا، ولم يكن تاركه لاجل فعل الاوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك اذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما الا بفعل ادناهما، لم يكن فعله الادنى في هذه الحالة محرما في الحقيقة وان سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الاطلاق لم يضر، ويقال في هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، او دفع الضرر او لدفع ما هو احرم. وهذا كما يقال لمن نام عن الصلاة او نسيها، انه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء. هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها. فان ذلك وقتها. لا كفارة لها الا ذلك. ( المقارنة هنا في انه يقال صلى في غير الوقت وذلك حقيقة لكنه في حكم الشرع ذلك هو الوقت بالنسبة له كما بين صلى الله عليه وسلم . فالحكم الخاص على هذا المعين غير الحكم العام، فيجب تأمل ذلك : وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة . فان هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من اسباب الفتنة بين الامة فانه اذا اختلطت الحسنات والسيئات وقع الاشتباه والتلازم. فأقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة، واقوام قد نظروا الى السيئات فيرجحون الجانب الاخر وان ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الى الامرين، قد لا يتبين لهم او لاكثرهم مقدار المنفعة والمضرة او يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الاهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: ان الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. فينبغي للعالم ان يتدبر انواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضهاـ كما بينته فيما تقدم العفو عند الامر والنهي في بعض الاشياء. لا التحليل والاسقاط. مثل ان يكون في امره بطاعة فعلا لمعصية اكبر منها، فيترك الامر بها دفعا لوقوع تلك المعصية. مثل ان ترفع مذنبا الى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون اعظم من ذنبه. ومثل ان يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو اعظم منفعة من ترك المنكرات. فيسكت عن النهي خوفا ان يستلزم ترك ما امر الله به ورسوله مما هو عنده اعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يامر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الامر بالصلاح الخالص او الراجح او النهي عن الفساد الخالص او الراجح. وعند التعارض يرجح الراجح، كما تقدم ـ بحسب الامكان، فاما اذا كان المامور والمنهي لا يتقيد بالممكن: اما لجهله او لظلمه، ولا يمكن ازالة ظلمه او جهله، فربما الاصلح الكف والامساك عن امره ونهيه. كما قيل ان من المسائل مسائل جوابها السكوت. كما سكت الشارع في اول الامر عن الامر باشياء، حتى علا الإسلام وظهر. الى قوله ص60: فكذلك المجدد لدينه والمحي لسنته، لا يبلغ الا ما امكن علمه والعمل به، كما ان الداخل في الإسلام لا يمكنه حين دخوله ان يلغن جميع شرائعه، ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد ، لا يمكن في اول الامر ان يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم ، فانه لا يطيق ذلك، واذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال. واذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم وامير ان يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الامر والنهي، بما لا يمكن علمه وعمله الى وقت الامكان. كما عفى الرسول عما عفى عنه الى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب اقرار المحرمات وترك الواجبات. لان الوجوب والتحريم مشروط بامكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط فتدبر هذا الاصل فانه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الاشياء وان كانت واجبة او محرمة في الاصل، لعدم امكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب او التحريم. فان العجز مسقط للامر والنهي وان كان واجبا في الاصل. والله اعلم. انتهى
كما قال ص61: ومما يدخل في هذه الامور الاجتهادية علما وعملا ان ما قاله العالم او الامير او فعله باجتهاد او تقليد، فاذا لم ير العالم الاخ او الامير مثل راي الاول لا يامر به، او لا يامر الا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه. ( وهذا يفيد ان الامور الاجتهادية ان كان للاخرين فيها فهم اخر لا يجبروا على فعلها وترك امرهم الى الله ، كما ليس لهم ان يطلبوا من الاخرين التنازل عن رايهم خاصة اذا كانوا السواد الاعظم منهم ويتسايرون معا للتعاون على بقية الواجبات ولا يعتبر هذا افتراق وانما سعة للشرع وفقه للخلاف). اذا ليس له ان ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا ان يوجب عليه اتباعه، فهذه الامور في حقه من الاعمال المعفوة ولا يامر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الاباحة والعفو. وهذا باب واسع جدا فتدبروه. انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله.  
ويستفاد من كلام شيخ الإسلام ضرورة المشاركة في العمل العام وهي ما بين الواجب والمستحب، والدافع الاول لاجل تقليل شرهم لانه اذا حل مكانه فاسد زاد الناس فسادا وظلما، وفتح الفرصة لاهل الشر مفسدة يجب درأها بصاحب خير يشغلها كيوسف عليه السلام.
وقد قال شيخ الإسلام في ترك العمل العام او السلطان بحجة الورع، قال ص 139 – 140-ج 20: لكن يقع الغلط في الورع من ثلاثة جهات: احدها: اعتقاد كثير من الناس انه من باب الترك، فلا يرون الورع الا في ترك الحرام، لا في اداء الواجب. وهذا يبتلى به كثير من المتدينة المتورعة. ترى احدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة، وعن الدرهم فيه شبهة، لكونه من مال ظالم او معاملة فاسدة، ويتورع عن الركون الى الظلمة ( أي ترك العمل مع الحكام). من اجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا، ومع هذا يترك امورا واجبة عليه اما عينا او كفاية ( أي يعترض الشيخ على تركه للسلطان او العمل معه). وقد تعينت عليه، من صلة رحم، وحق جار ومسكين، وصاحب ويتيم وابن سبيل، وحق مسلم وذي سلطان. وذي علم، وامر بمعروف ونهي عن منكر، وعن الجهاد في سبيل الله، الى غير ذلك مما فيه نفع الخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، او يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى . بل من جهة التكليف ونحو ذلك. وهذا الورع قد يقع صاحبه في البدع الكبار ( مثل بدعة الخوارج الخروج من الجماعة وهو يدعي الورع)، فان ورع الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس، يتورعون عن الظلم وعن ما اعتقدوه ظلما من مخالطة الظلمة في زعمهم. حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة والحج والجهاد، ونصيحة المسلمين والرحمة لهم، واهل هذا الورع ممن انكر عليهم الائمة كالائمة الاربعة وصار حالهم يذكر في اعتقاد اهل السنة والجماعة.(يشير الى انها مسالة عقائدية)، الى قوله ص 141 - 142: ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيح، لما ترخص في اشياء فبلغه ان اقواما يتنزهوا عنها فقال: ما بال رجال يتنزهون عن اشياء اترخص فيها؟ والله اني لارجو ان اكون اعلمهم بالله واخشاهم" وفي رواية" احشاهم واعلمهم بحدوده له" وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع الى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين والا فقد يفسد تورعه اكثر مما يصلحه كما فعله الكفار واهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم. الثالثة جهة المعارض الراجح وهذا اصعب من الذي قبله. فان الشئ قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع، ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح. (قلت: بمعنى يتورع عما فيه شبهة ويترك مصلحة عظيمة للمسلمين ضياعها اكبر ضررا على المسلمين من الوقوع في ذلك الشيء المتروك فكيف اذا كان المتروك محتملا ضرره وليس محقق). (ونواصل حديث الشيخ) : وبالعكس فهذا هذا: وقد تبين ان من جعل الورع الترك فقط. وادخل في هذا الورع افعال قوم ذوى مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم، واعرض عما ما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة. فان الذي فاته من دين الإسلام اعظم مما ادركه فانه قد يعيب اقواما هم الى النجاة والسعادة اقرب. وهذه القاعدة منفعتها لهذا الضرب وامثاله، فانه ينتفع بها اهل الورع الناقص او الفاسد، وكذلك اهل الزهد الناقص او الفاسد فان الزهد المشروع الذي امر الله ورسوله هو عدم الرغبة فيما لا ينفع من فضول المباح، فترك فضول المباح الذي لا ينفع في الدين زهد وليس ورع . ولا ريب ان الحرص والرغبة في الحياة الدنيا وفي الدار الدنيا والمال والسلطان مضر، كما روى الترمذي: " ما ذئبان جائعان ارسلا في زريبة غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه . قال الترمذي حسن صحيح. فزم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال والشرف، وهو الرياسة والسلطان. واخبر ان ذلك يفسد الدين مثل او فوق فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم).
الى قول الشيخ ص 143: وكذلك الانسان اذا اختار السلطان لنفسه بغير العدل والحق لا يحصل الا بفساد وظلم. واما نفس وجود السلطان والمال الذي يبتغي به وجه الله والقيام بالحق والدار الاخرة. ويستعان به على طاعة الله. ولا يفتر القلب من محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر ولا يصده عن ذكر الله. فهذا من اكبر نعم الله على عبده اذا كان كذلك. ولكن قل ان ذي سلطان ومال الا وهو مبطئ عن طاعة الله ومحبته متبع لهواه فيما اتاه الله. وفيه نكول حال الحرب والقتال في سبيل الله. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه الحال تكسب المهانة والذم دنيا واخرى. انتهى
فقد ذكر الشيخ حالتين من السلطان الممدوح والمذموم ما يفيد جوازه واستحبابه بل رغب فيه وان يكون المؤمنون اهل السلطان والعلو على اهل الباطل كما قال ص 144: وقد قال تعالى لنبيه واصحابه ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون) فاخبر انهم هم الاعلون وهم مع ذلك لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا. وقال تعالى: ( ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) وقال. ( ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما) فالشرف والمال لا يحمد مطلقا ولا يزم مطلقا بل يحمد منه ما اعان على طاعة الله، وقد يكون ذلك واجبا وهو ما لا بد منه في فعل الواجبات وقد يكون مستحبا. وانما يحمد اذا كان بهذه النية ويزم ما استعين به على معصية اللهاو صد عن الواجبات فهذا محرم. انتهى.
علما بان هناك امور معقدة واشتباه على البعض في الاحكام وتقديم الراجح على المرجوح وفي التعارض بين فعل الواجبات وترك المحرمات حيث يترك البعض مصلحة كبرى للمسلمين لان فعلها يستلزم فعل معصية ويظن ان ذلك لا يجوز بحال لكن ذلك يدخل من ابواب مختلفة منها الاضطرار والقاعدة المعلومة: الضروريات تبح المحذورات، وهذا ليس اجتهاد وانما احكام الدين تفيد بانها تسمح بذلك، وقد سبق في هذا التعارض حالة قتل المشركين في الحرم والاشهر الحرم، حتى ان المشركين اعابوا بذلك على المسلمين، واستفسر بعضهم عن ذلك فرد القرءان مبينا ان القتل في الاشهر الحرم من كبائر الذنوب الا انه في هذه الحالة ابيح لان المشركين فعلوا اكبر منه وهو فتنة المسلمين وردهم عن دينهم بالقوة واخراجهم لهم من البيت الحرام ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)191 البقرة. لهذا ابيح للمسلمين فعل المحظور من القتل في الاشهر الحرم لتحقيق مصلحة راجحة ودفع مفسدة اكبر. ومثال ان استعانت امرأة برجل من الحريق او الغرق فان مد يده لإنقاذها او حملها على كتفه فأنقذها، لم يكن حكمه كمس جسد امرأة لا تحل له. بل فعله للمصلحة يستلزم وقوع معصية في الظاهر ولكن بالنسبة له لم يكن في الحقيقة فاعل لمعصية، وعلى هذا ترد كثير من الامور السياسية فيشارك البعض فيها بنية تقليل الشر، لكن يعيب عليه شخص يتكلف الورع لكنه لم يدرك مصلحة المسلمون في ذلك.
وقد بين شيخ الإسلام: فصل جامع في تعارض الحسنات والسيئات او هما جميعا اذا اجتمعا ومنها قوله في ص 50 ج 20 : اذا ثبت ان الحسنات لها منافع وان كانت واجبة، كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار، وفي المكروه بعض حسنات، فالتعارض اما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم احسنهما بتفويت المرجوح، واما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال ادناهما، واما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما، بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة، فيرجح الارجح في منفعة الحسنة ومضرة السيئة. فالاول كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع .ـ الى قوله: والثاني كتقديم المرأة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحربـ الى قوله: كذلك مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء، فان الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل بها من المضرة ما هو دونها ولهذا اتفق الفقهاء على انه متى لم يكن دفع الضرر على المسلمين الا بما يفضي الى قتل ألئك المتترس بهم جاز ذلك . ـ الى قوله: واما الرابعة فمثل اكل الميتة عند المخمصة فان الاكل حسنة واجبة لا يمكن الا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة. ـ الى قوله فتبين ان السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو اسواء منها اذا لم تدفع الا بها. وتحصل بما هو انفع من تركها اذا لم يحصل الا بها والحسنة تترك في موضعين اذا كانت مفوتة لما هو احسن منها، او مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على على منفعة الحسنة هذا فيما يتعلق بالموازنات الدنيوية.
واما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا، واباحة المحرم لحاجة في الدنيا كسقوط الصيام لاجل السفر وسقوط محظورات الاحرام واركان الصلاة لاجل المرض، فهذا باب اخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي تختلف فيه الشرائع . بخلاف الباب الاول، فان جنسه مما لا يمكن اختلاف الشراع فيه وان اختلفت في اعيانه . بل ذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العقل الذي يعلم الخير من الشر. وانما العاقل الذي يعلن خير الخيرين وشر الشرين، وينشد:
ان اللبيب اذا بدى من جسم         مرضان مختلفان داوى الاخطر
وهذا ثابت في ثائر الامور. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
و بعد ان ذكر جواز تولي السلطان وفيه سيئة وقد ذكرنا بعضه سابقا حيث يشير الى فعل تلك السيئة في تولي السلطان قد تكون فعل حسنا لدفعه ما هو اشد، في قوله: ودفع اكثره باحتمال ايسره كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ماهو اشد منها جيدا . انتهى
وكانت بداية الباب قاعدة عظيمة ص 48 حيث قال: وفي ان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وانما ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل اعظم المصلحتين بتفويت ادناهما ودفع اعظم المفسدتين باحتمال ادناهما. انتهى  
ويؤخذ من كل ذلك ترغيبه رحمه الله في المشاركة في العمل العام ولا نفوت مصلحة المسلمين بالورع الفاسد، وان تلك السيئات المحتملة في حق المصلح العارف بقواعدها تكون مما لا يتم الواجب الا به، بمعنى المعاصي التي تقع اثناء وجوده في العمل العام او الوزارة ولا يمكن الخلو منها، فلا يترك العمل لاجلها لانه على الاقل يقلل شرهم ويدفع شرورا كثيرة مع مصلحة أخرى احتمال فعل خيرات كثيرة.
واما الترجيح يمكن التشاور فيه مع اهل العلم وهذا محل اجتهاد ويختلف فيه التقدير للمصالح والمفاسد فعلينا احيانا بما يقرّه الامير واحيانا بما يرجحه السواد الاعظم من علماء اهل السنة، واسوأ الحالات موقفا اذا رأى حكمهم بعيدا ان لا ينازعهم ويعمل بما تطمئن له نفسه والله حسيبه.
كما فعل بعض الصحابة في اتمام صلاة القصر في الحج مع عثمان رضي الله عنهم وكان رأيهم خلافه، ثم لم يخالفوه بل قال احدهم  اكره الخلاف. كما ان من توقفوا عن المشاركة مع علي رضي الله عنهم في القتال في الفتنة، لم يعتزلوهم في غير القتال ولم يرغمهم رضي الله عنه على القتال معه بل قبل منهم تحفظهم لان الامر دين، علما بان ابن عمر رضي الله عنه رجع عن موقفه في المشاركة مع علي واعرب عن ندمه على اعتزاله كما هو معلوم في البداية رضي الله عنهم اجمعين.
الفرق بين مشاركة الفرد والجماعة
فاذا تقرر مما سبق امر جواز المشاركة في العمل العام عند الامارة او السواد الأعظم، فيجب ان نفرق بين جواز المشاركة للفرد وبين المصالحة الكاملة باسم الجماعة، او الاندماج في تنظيم سياسي واحد، اذ ان مشاركة الفرد لا تحمّل الجماعة أي تبعات كما ان ابتعاد اسم الجماعة من المشاركة يحميها في المستقبل من رد فعل الاحزاب المنافسة للسلطان ايا كان اذ انهم لو حسبوهم على النظام سيعاملونهم معاملة سدنة النظام وتجر الدعوة لصراع سياسي كانت في غنى عنه ومن المعلوم انها كجماعة دينية لها حقوق تحميها حتى بقوانينهم الوضعية، لكن المشاركة السياسية باسمها احيانا تزج بها كحزب وتضر بمصالح الاخرين السياسية فيحاربون الجماعة لموقفها السياسي وليس لدينها. وعلى عامة افرادها ان لا يعيبون على الجماعة بسبب مشاركة افرادها في السلطة او شغلوا وظائف في العمل العام.
اما مشاركة الافراد من الجماعة وهي تساندهم كاحسن من تراه بين الاحزاب او العناصر. ويشارك احدهم كغيره في هذه الجزء من المجتمع الذي نحن جزء منه ولنا حق في ادارته كما ان المجتمع ليس مملوكا للاخرين فيديرونه وحدهم ونحن نتفرج عليهم كضيوفا عندهم فيقررون على الجميع ما يضره في غياب اهل الخير. فالاشخاص يشاركون بحق المواطنة وليس باسم الجماعة وذلك من امور الدنيا المباحة من جانب، ومن باب تقليل المفاسد من الناحية الشرعية وغير ذلك. ومع هذا فالجماعة يكون لها موقفها وتايدها او اعتراضها على ما يحصل وتقديم الفتوى والنصيحة وتساند الاقل سواءا لتجاوز الاسواء وان وجد خيرا تقف معه.
وهناك ملاحظة اخرى للبعض الذين يرون عدم جواز الحزب السياسي او مشاركة الفرد في بعض الاحزاب ظنا منهم انه من التحزب المحظور فنقول ان اهل السنة قديما وحديثا لم يحرموا العمل السياسي ان لم يكن تفرق عقدي في الدين وهذه فقرة حول ذلك.



عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 8:19 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:54 am

اباحة الاحزاب غير الدينية ( أي السياسية )
ولما كان عند البعض شبهات حول جواز الاحزاب غير الدينية وجب الوقوف عندها لبيان الفرق بين التحزب المحظور، وما هو مباح منه، وقد يتناول المتعجل لكلمة الحزب وما اشتق منها فيجعل منها معصية وجرما دون النظر في القواعد والاصول، ومدلول الكلمة او موقع ورودها، فالاحزاب منها دينية، ومنها دنيوية سياسية، فالتعدد المحظور في الاحزاب هو التعدد في الدين، ولان الدين منهج واحد، يريد الشارع الاجتماع عليه في جماعة واحدة، وحزب واحد، فوصفه الرب جلّ وعلا ب( حزب الله ) ونهى عن مفارقته والاختلاف وقال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). 105 أل عمران. كما بين ان ذلك التفرق المحظور هو في جانب الدين: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء).159 الانعام. فهذا تفرق ديني عقائدي منهجي، ومن فارق حزب الله في منهجهم وجماعتهم كان من الشيع المحظورة.
اما التعدد الحزبي في امور الدنيا والسياسة، فهو تعدد في فنون الادارة واجتهادات الناس في تسهيل مصاعب الحياة، وما يحقق لهم الرفاهية والوصول اليها باقل جهد وتكلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: انتم ادرى بامور دنياكم.
والناس قد يختلفون في ترجيح الاولويات، وتحديد الضروريات، ومع ازدياد كثافة الناس، وكثرة الفنون، وكل يرى ان الافضل البدء من هنا، وكل يريد ان ينفذ برامجه ومقترحاته، فبدلا من كبت فئة، وفرض ما عند فئة اخرى دون الاستماع لغيرهم، يكون في التعدد الحزبي السياسي سعة للمزاحمة بالافكار والاراء والمقترحات، ولكل فئة ان تختار من يمثلها في تقديم برامجها.
واذا نظرنا لسعة الإسلام ويسره حتى في الناحية الدينية هناك مجال للخلاف، اذ ان اهل العلم متفقون على ان الخلاف في الاجتهاد السائغ يجعل كل منهم له ان يعمل بما تطمئن له نفسه، ولا يفرض على الاخرين اجتهاد غيرهم من اهل العلم، ووقع ذلك حتى بين اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وكل عند نفسه مصيب، ومن هذا الباب جاءت المذاهب والخلاف في الاجتهاد عند اهل العلم، فمنهم من ينزل في الصلاة على اليدين ومنهم من ينزل على الركبتين، ولم يجعلوا من ذلك مشكلة، بل هم جماعة واحدة، فاذا كان ذلك التعدد المذهبي في الدين، فمن باب اولى ان يكون هناك سعة في الخلاف حول امور الدنيا، التي تسمح بالتعدد في الاراء ومن ثم كان اصحابها على ذلك التعدد مذاهب لكنها سياسية وليست دينية، ومجالها الدنيوي الذي اصله الاباحة يجعلها اكثر حرية لانه خلاف حول امور دنياهم، وكل منهم يريد ان يحمي حقوقه، ومصالح من خلفه ممن قدموه نقيبا عنهم في أمور الدنيا.
علما بان ابتعاد الناس عن الدين وقلة الامانة والورع، والميل والتحيّـز عند البعض لمن يواليهم، وتجاهله لمن يخالفهم، او تعمده لحرمان بعض المناطق والفئات من حقها، ادى ذلك لعدم الثقة من المتضررين في من يتجاهلهم ويتعمد ضياع حقوقهم، سواء لتعصب قبلي او جهوي او ديني او مشاكل شخصية او الحقد والحسد، يجعله يتعمد الاضرار بهم، او يجعلهم لا يثقون به، فلهذا كان من التعددية السياسية اعطاء الفرصة لكل فئة من الناس ان تختار وتقدم للقيادة من تثق به ويحفظ حقوقها، وينوب عنها في تنفيذ ما تراه من وسائل تخدم دنياهم.
 ويكون من يمثلونهم كمستشارين ومندوبين عند الحاكم، سواء لمساعدته او حتى مبايعته، كما فعل اصحاب رسول رضي الله عنهم عندما اختاروا سبعة عشرة نقيبا عن قبائل المدينة يمثلونهم وجاءوا لمبايعته صلى الله عليه وسلم في العقبة، لحمايته عندما يذهب الى المدينة، واقرهم القرءان بل قال عنهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ). الفتح. فكان هؤلاء النقباء، يمثلون المسلمين في المدينة واقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فاذا جازت النيابة عن المسلمين في الدين، فمن باب اولى ان تكون النيابة السياسية في امور الدنيا التي هي في اصلها مباحة، لمتابعة مصالحهم، فما اجلاها، وما ابعد عن الصواب من حرّمها.
 فهذا التعدد الحزبي في امور الدنيا، اصبح حماية للبعض من كيد من يتعمد تجاهلهم او يضيع حقوقهم .
 وتبدو سعة الدين والحكمة في اباحة ذلك، كما ان التمثيل والتعدد الحزبي (السياسي) يسكت الغضب عند المبعدين، وحضور ممثليهم يشعرهم بالمشاركة وعدم التجاهل، ويقلل من حدة النزاع والصراع عند محاولة كل فئة الوصول الى السلطة، كما ان التعدد الحزبي يمنع من استغلال البعض للادارة ، وهنا يبدو واضحا ان الترخيص في التعدد الحزبي في امور الدنيا فيه حكم عظيمة، جاءت لتعالج علل وخلل في المجتمع تحتاج الى سعة لمجاراة ما يحدث الناس من الظلم والاعتداء على بعضهم .
ومن ادلة الاباحة، فأصلا لم يرد في تحريم تعدد احزاب السياسة وامور الدنيا نص، وانما النصوص المانعة هي في الاحزاب الدينية، واما بالنسبة لامور الدنيا عموما فحسب القواعد: الاصل في الاشياء الاباحة، ولا يحرم الشيء الا بدليل .
وهذا لا يمنع ان الاجتماع على راي واحد هو الافضل، وكلما حدث الاجتماع والتقارب كان حسنا، لكن ذلك لا يعني تحريم تعدد الآراء أو الاحزاب السياسية ان احتاج الناس اليها.
والاسلام لا يرغّب في التعدد، بل في التقارب والاجتماع، الا انه لم يحرمه في امور الدنيا، وهناك امور عدة غير محببة ولا يرغب فيها ولكن لم يحرمها، مثال الطلاق ، واذا اضطر الناس له فهو مباح، الا انه لم يدعوهم اليه، وأيضا الكي بالنار، نهى عن فعله من غير تحريم، واباحه في نفس الحديث، فقال صلى الله عليه وسلم: شفاء امتي في ثلاث، شرطة محجم، وجرعة عسل، وكية من نار، واني انهى امتي عن الكي. فذلك سعة وترخيص للامة ان اضطروا او احتاجوا اليه.
فكون الشي ليس مرغوبا فيه لا يعني التحريم في كل حال، وتعدد الاحزاب الدنيوية مباح لانه ليس تفرق في الدين، ولكن الاجتماع افضل، وفي حالات الخلاف في الآراء والسياسة يكون التعدد الحزبي السياسي مطلوبا لمنع انفراد فئة من الناس في تقرير مصير الاخرين والتحكم في مصالحهم الدنيوية.
  ونقول للذي يريد ان لا يكون الناس احزبا في الدنيا، ويريدهم حزبا واحدا، في حين هو حتى في امور الدين يقف بعيدا عن الجماعة، ويراها حزبا، اذا فأي اجتماع يريد؟، بل هو بلسان حاله دعاهم للفرقة.
فكان الواجب على من اراد الا يكون تفرق، ان يلحق بالجماعة الحقة حتى لا يفرقهم، ثم ينادي الاخرين للاجتماع معها، وان يلزم جماعة اهل الحق لاجل تكثير سوادهم، ويثقّل كفتهم، واما جلوسه بعيدا يتفرج ويطالبهم بلسانه بالاجتماع، وبحاله بالتفرق فهذا خلافا لما زعم.
 وعلى من لا يرى الاجتماع الا بالامام للجماعة، كان عليه ايضا الاجتماع معهم للعمل على بناء الاساس الذي يضع عليه السقف الذي يريد، وللتعاون على البر والتقوى والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يرقى بها الى مرحلة الامام الذي يريد، وذلك بالتربية والوسائل الشرعية، واعداد الفرد واللبنات السليمة لبناء مجتمع وسطي، والربط بينها لبناء هيكل المجتمع المسلم، حتى يكتمل البناء، وليعلم ان الحاجة اليه في الجماعة قبل الامام، اهم واولى منها في حالة وجود الامام، لان الحاجة له في وقت ضعفها، اشد من الحاجة له في وجود الامام وقوتها.
 ونضف الى ذلك ان المشاركة في العمل العام لخدمة نفسك ومجتمعك الخاص وحماية حقوقك، وليس من الصواب ان تعتزل العمل العام وتنتظر الاخرين ان يحفظوا لك حقوقك ويحموا عقيدتك وحرماتك، كما انه لا ينتظر حدوث الخير واهل الخير معتزلون العمل العام، فان امرت اهل الخير والعلم باعتزال المجتمع فكيف تنتظر اهل الشر والجهل ان يحققوا الخير.
 كما ان المشاركة في امور الدنيا مع العامة لا تمنعه من ممارسة شعائره الدينية الخاصة، لان مشاركته ادارية وليست عقائدية.



عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 8:18 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 6:58 am


(الفـصـل الثاني)
أشكالات في فهم الجماعة وواجباتها

ربما اختلط الامر على البعض واشكل عليهم ورود ذكر الطاعة مع الجماعة، وبهذا يعتقدون ان لا جماعة الا بامام، كما هو قول حزب التحرير، وهذا مثل تنظير الخوارج، يضعون قاعدة تحلو لهم ثم يحتكمون اليها ولا اصل لها، ومن ابرز اخطاء هذا القول، انه يوجب عليهم السعي لايجاد الامام اولا، فيجعل ذلك همهم الاول الرئاسة والسلطة التي تصرفهم عن التوحيد والتربية، وتجعل منهم حزب سياسي يصارع لاجل الحكم والسلطة، شاءوا ام ابوا، ويصبح البناء عندهم يبدأ من السقف قبل الاساس، وهذا ما لا يكون الا ان يضعوه على قواعد لا تناسبه، وسينهار عليهم السقف من فوقهم كما حدث لفرق حركة الاخوان المسلمين، وغيرهم من المتعجلين المتطرفين.
 اما عن ورود ذكر الأمام مع الجماعة أحيانا، واعتقاد البعض ان الجماعة لا تكون الا مع الأمام او الحاكم، فهذا ينافي الشرع والواقع إذ ان الناس يجتمعون أولا ولو كانوا اثنين على عقيدة واحدة ومنهج واحد، ثم تتوسع دعوتهم حتى يكونوا مجتمع ثم دولة وأمام، ومعلوم ان لم يكن هناك مأمومين لم يكن امام آمر، ومن الذين يؤمهم الامام؟ ان لم تكن هناك جماعة من الناس، الا ان يؤم لغير الدين.
 ولما بين الرب جلّ وعلا صفات من يستحقون التمكين والامامة وصفهم بانهم على صفات معينة قبل التمكين، يرجى منهم تحقيقها ان تمكنوا لأنهم فعلوها قبل التمكين فكانوا مظنة ذلك بعد التمكين، قال تعالى: ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). 41 الحج  .
 كما ان ذكر الجماعة مع الإمام يزيد من أهميتها ويفيد بانها امرا مطلوبا سواء مع الامام او قبل الامام او بعده.، إذ انه لم يستغن عنها حتى عند وجود الإمام، بل هو جزء منها ورأسها والامر والناهي فيها، وهي قاعدته واذرعه التي يحكم ويتسلط بها، ومع ان الامام هو ممثلها، الا انها ادرجت معه في الذكر، لان هناك امرا اخر لا يقوم به الامام، وهو الاجماع، أي الحكم الثالث بعد الكتاب والسنة، ولا يجوز مخالفة الاجماع حتى للامام، وان حدثت منه المخالفة تكون بفعل القوة لا بالجواز الشرعي، وعندما ذكرت مفارقة الاسلام وميتة الجاهلية في الحديث كانت لهذه الحالة التي تجتمع فيها مخالفة الجماعة مع مخالفة الامام، لان مخالفة الجماعة خروج على اجماع الامة، وخروج عن الحق الذي عليه الجماعة، اما مخالفة الامام وحدها معصية وجاهلية، ولكن مخالفة الاجماع اكبر معصية وتصل الى الردة ان كان خروجا على عقيدتها الاسلامية.
واحيانا يخالف الامام في المنهج او بعض العقائد من غير خروج عليه، ويتابع المسلم اجماع اهل العلم، كما حدث لاهل السنة والجماعة زمن الامام احمد عندما خالفوا الامام الذي يقول بخلق القرآن، ومن اجابه منهم اجاب بالتقية او للاكراه فهو متابع للجماعة، لكن لم يخرجوا عليه لانه متأول يرجى اقناعه ورجوعه، مع انهم في قلة وضعف تكون عاقبة الخروج اسوأ عليهم.
كما ان هناك تداخل في الاحكام وموازنات يجب التنبه اليها، وحالات تختلف من بلد الى اخر، فكل مجتمع للمسلمين بل كل شخص يمكن له احكام مختلفة لاختلاف الطاقات والقدرات في الالتزام بالدين والمنهج الواحد.
اما عند ذكر اللزوم يقال: فالزم جماعة المسلين وامامهم، فقدمت الجماعة على الامام، وفي الغالب فقط لزوم الجماعة لانها تتعلق بالمنهج والدين وهو ما يلازم الشخص وفي كل لحظة يتعامل معه، كما ان الجماعة احيانا تكون بلا امام، بل قلة، وفي مجتمعات غير المسلمين، او غربة الدين في اخر الزمان، ويعجزون عن اقامة الدين كله، لكثرة من يعصيهم، وقلة من يطيعهم، كما ان احاديث الفرقة الناجية تشير الى قلة وطائفة منصورة لم يذكر فيها الامام، فهل ينكرون الطائفة الفرقة الناجية لعدم وجود امام في مجتمع ما.
واحيانا يكون لها امام يزيد من حقوقها، وان لم يكن لها امام فحقها لا يسقط اذ ان الامام غير مقدور عليه، مثل الامر بالصلاة. ( واركعوا مع الراكعين)، امر بالصلاة، ثم الامر بالجماعة عليها، فاذا لم توجد جماعة الراكعين لا يسقط الامر بالركوع والصلاة لانه لا توجد جماعة للصلاة.
فكذلك ان لم يوجد هناك امام لجماعة المسلمين، لا يعني ذلك ان تسقط حقوقهم او يسقط حكم اجماعهم، ولا يؤمروا بالتفرق وترك الجماعة لانه لا امام لهم.
كما ان الشيء الطبيعي تكون الجماعة قبل الامام، علما بان الجماعة الحقة من اهل التوحيد امر امامهم بلزوم جماعتهم في مجالسها، وعدم الالتفات لغيرهم من اهل الدنيا، وذلك لاجل تعظيم شأنها وعدم الاستهانة بها، وذلك يشمل حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد امره ربه بذلك كما ذكر في قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ). فاذا كان هذا اللزوم للامام الرسول فمن باب اولى لغيره من الائمة ان يصبر نفسه مع الجماعة ويلزمها.
واذا نظرنا الى قوة الجماعة في كل العصور نجدها هي التي تصنع الامام بمشورتها، او بقوتها احيانا، وان الشخص ولو كان عادلا لا يستطيع الحكم بمفرده مالم تكن له جماعة تمكنه من ذلك، فهي صاحبة الفضل عليه بعد الله، وذلك عند كل الناس حتى غير المسلمين لا يكون لهم سلطان الا بجماعة تمكنهم من ذلك، مما يؤكد ضرورتها، فالجماعة هي الاساس، وورود ذكر الامام معها احيانا لا يعني عدم لزومها بغير امام.
واذا نظرنا الى مجتمعات بعض المسلمين في غير الدول الاسلامية حيث لا يوجد امام مسلم، فهل يأمر هؤلاء بالتفرق؟ وان لا جماعة لهم الا بالامام الغائب؟ لا يقول بهذا الا من ابعد النجعة في الخطأ، بل هولاء من اوجب الواجبات عندهم ان تكون لهم جماعة ترعى شئونهم وتحمى حقوقهم، ويلزمونها ليحتمون بها من الغواية والفتن والضلال والشبهات، وللتعاون على البر والتقوى.
واذا كان الشخص لوحده كان هو تلك الجماعة التي على الحق، كما في الأثر: )كن مع الحق تكن انت الجماعة)، ويعني انه لا مفر من الجماعة حتى لو كان وحده كان هو من يمثلها ويحيي شعائرها، ويدعو لها.
 اما من اشكل عليهم فهم حديث حزيفة الذي جاء فيه: ( ان تعتزل كل تلك الفرق)، وظن ان الاعتزال يشمل حتى جماعة الحق من اهل العلم، فانه يقيس الامور برأيه الى درجة انه رفض الحق وجماعة الحق لوجود باطل في جماعات أخرى.
كما ان الحديث من اوضح الادلة على الجماعة ولزومها اذا تأمله جيدا، لوجد الحديث يامر بها، ولكن صاحب الهوى اصبح كمسترق السمع يخطف الكلمة فيكذب معها مائة كذبة، وهذا من تعجله وضحالة علمه وعدم تمكنه من اصول الدين وقواعده وما جاءت به الشريعة.
 واذا تأملنا نصيحته صلى الله عليه وسلم بعد ان سأله حزيفة رضي الله عليه: فما تأمرني؟. قال: فالزم جماعة المسلمين وامامهم. ) فقدم الجماعة قبل الامام، ولأنها لا تجتمع على ضلالة مما يؤكد له انه على الحق، ثم كأن حزيفة يحس ربما في زمان يوجد احدهما، الامام، او الجماعة، فقال بما يفيد في حالة عدم وجود أي منها. فقال: فان لم يكن لهم جماعة ولا امام. ) أي في مجتمع خلا من كلاهما، حيث لا توجد جماعة للمسلمين ولا يوجد امام سلطان، وهذا يعني انه لا توجد غير احزاب وفرق الباطل او المبتدعة، ففي هذه الحالة قال صلى الله عليه وسلم: ان تعتزل كل تلك الفرق ..الخ. تأمل عبارة: تلك الفرق.) فامره باعتزال فرق الباطل المشار اليها فقط، لانها لا توجد فيها جماعة المسلمين الحقة، ولا يشمل هذا الاعتزال جماعة اهل الحق التي لم تكن موجودة في ذلك المجتمع الافتراضي، الذي يشير اليه حديث حزيفة رضي الله عنه.
اذا الاعتزال المعني في الحديث يكون عند تطابق الحال المذكور في الحديث:  لم يكن لهم جماعة ولا امام. وليس في كل حال.
و يبين لزوم جماعة معينة في وجود جماعات منحرفة كلام ابن مسعود السابق عندما قال: ان جمهور الناس قد فارقوا الجماعة. فيفيد هناك جمهور مفارقين، وهناك جماعة، ومع هذا كان يقول: عليكم بالجماعة ان يد الله مع الجماعة. لانه ما زالت في مجتمعهم جماعة على الحق.
كما انه لا يعني اتباع العوام الذين فارقوا الجماعة، ولكنه يعني جماعة الحق كما قال:  ولو كنت وحدك تكن انت الجماعة.
 كما ان ذلك الاعتزال لا يعني الخروج من المجتمع، اذا كان يستطيع العمل بدينه في نفسه، والمراد عدم مشاركتهم في شعائرهم وعقائدهم الباطلة، لكن اذا امكن البقاء ودعوة هؤلاء المنحرفين الى الحق كان ذلك افضل لقوله صلى الله عليه وسلم: الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم خير من
الذي لا يخالط الناس ولا يصب على اذاهم.
اما من اشكل عليه كلام ابن جرير الطبري:  وفي الحديث انه متى لم يكن للناس امام، فافترق الناس احزابا، فلا يتبع احد في الفرقة، ويعتزل الجميع ان استطاع ذلك، خشية من الوقوع في الشر.  فالكلام هنا عن الائمة المختلفين، وليس عن الجماعة ولا حتى عامة الناس، ولكن يعني لا يتبع احد من المتنازعين على الامامة، ولا يبايعه ولا يتبعه طالما الامر فيه صراع، حتى لا يقع في القتل، ولم يقل، ولا يتبع الجماعة وانما قال: ولا يتبع أحد، يعني واحد من الأئمة المتصارعين، وليس في كلامه ما يمنع من لزوم جماعة اهل العلم والحق في أي حال، سواء بوجود امام او بغيره.
 فهذا جانب لزوم الجماعة، سواء من ناحية ما عليه من الحق ومنهجها، أو لزوم مجالس اهلها، وموضوع الامام حالة اخرى من هذا المجتمع.
واذا تأملنا حال الصحابة رضي الله عنهم عند وقوع الفتنة الكبرى، فهناك من الصحابة من لم يقاتل مع على ولا معاوية رضي الله عنعهما، واعتزلوا فقط الحرب والفتنة، لكنهم لم يعتزلوا مجالس الطائفتين، بل يناصحوا الطرفين او احدهما حسب رأيهم وما يمكنهم، ولم يعتزلوا جماعة المسلمين مع المعتزلة او الخوارج، ولمّا وصف المعتزلة والخوارج بهذه الصفات، لم يوصف معهم بعض الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة لان امر اعتزالهم  ليس كذلك، قكان اعتزال للمسألة المختلف عليها، وحتى طائفتي علي ومعاوية رضي الله عنهم اجمعين، لم يقولا باعتزال الجماعة او الانشقاق عنها، وانما يختلفان على امامة الجماعة الواحدة، فانظروا الفرق، حيث كانا حريصان على الجماعة الواحدة كما كانا ورعان رضي الله عنهما ويجتهدان في حل المشكلة كل على نظرته التي يراها الشرعية والاولى، وفي يعلن كلن منهما توقير الاخر الجماعة الواحدة، ويرجو ان يجتمعان، حتى ان معاوية رضي الله عنه كان فيما بعد عندما يروى له حال علي رضي الله عنه وزهده، كان يبكي حتى كاد ان يهلك، فرضي الله عنهم اجعين، ويغفرها الله لهم بصحبتهم .
فما كان فيهما من خارج على الجماعة، وانما خلاف على كيفية مواجهة الفتنة التي وقعت بمقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، وكلاهما على دعوة واحدة، وشهد بذلك الحديث النبوي الذي جاء فيه: حتى تقتتلَ فئتانِ عظيمتانِ، يكونُ بينهما مقتلةٌ عظيمةٌ، دعوتُهما واحدة. البخاري 7121 عن ابي هريرة.
فبين انهما لم يكونا دعوتان. وانما خلاف في دعوة واحدة.
فكلام ابن جرير عن اتباع الأئمة المتنازعين على الامامة، لا يعني اعتزال جماعة المسلمين وفرقة اهل الحق، خاصة وانه لا يوجد في الجماعة التي نعني نزاع على امامة كبرى، بل توجد جماعة حق فرقة دعوية بين فرق منحرفة، فالحالة هذه بخلاف تلك التي يعني ابن جرير رحمه الله .
كما انه لا يعني ولا يمنع اتباع اهل الحق من المسلمين والاجتماع معهم، بل له اقوال واضحة في الحض على الجماعة ومنها ما ذكر.
ومن اقوال المعترضين على جماعة اهل السنة، او الجماعة السنية المعتدلة، قولهم: هل نكون تنظيم دولي مثل الاخوانيين؟
ذلك لان الحساسية المفرطة تجاه افعال الفرق المنحرفة، والمصطلحات التي يكثرون من استخدامها، جعلت البعض يفر من أي لفظ مشابه لتلك الالفاظ او العبارات الني يستخدمونها او صورة للجماعة يكونون عليها.
فنقول اذا كان اهل الباطل تمسحوا ببعض الحق فهل نتركه لهم؟ هل تترك لهم اعفاء اللحية لانهم تستروا بها، هل نترك صيام التطوع لانهم يؤدون صياما جماعيا في الاثنين والخميس، الم تسمع للحديث عن الخوارج انهم اشهر واكثر في قراءة القرءان، لكنه لا ينفعهم، كما في الحديث:  يقرؤون القرءان لا يتجاوز حناجرهم. فهل نترك تعلم القرءان حتى لا نكون مثل الاخوانيين وغيرهم؟ ام نترك كثرة الذكر والتسبيح لان الصوفية يتكلفون فيه؟
اذا حدث من الفرق المنحرفة فعل او لفظ ما وله اصل شرعي فلا يكون في انفسنا حرج منه لانه تشابه حالنا مع اهل البدع عموما، اذا كان مافعالنا ورد في احد مصدري التشريع، لانهم هنا وافقونا على شيء من المشروع، ولا يضرنا ما فعلوا غيره من الباطل، بل ان فعلوا سنة نعتبرها خطوة نحو الحق واشهاره، ولا نتمنى لو تركوا ذلك، لكي لا نكره ما شرع الله.
واذا تركنا عبارة التنظيم فما الذي يمنع من عالمية الدعوة ؟ فهل الإسلام او دعوة السنة شيء اقليمي؟ ام جميع المسلمين يجب ان يكون دينهم واحد؟ بل الاصل يجب ان يكون الدين عالميا كما قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). 107 الأنبياء. وقوله تعالى: ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ). 1 الفرقان. وعليه تكون الطائفة التي على هذا الدين عالمية مثله.
وهل الفرقة الناجية في بلد واحد وغيرهم من البلدان ليسوا من اهلها؟ ام يمكن ان يكون لها اتباع في كل بلد؟ وهم فرقة واحدة وجماعة واحدة، اليس اهل السنة بعضهم من بعض في كل انحاء العالم؟ أليست بهذه الصورة عالمية؟.
وكل المطلوب ان ينتمي بعضهم الى بعض ويعاون ويناصر بعضهم بعضا، واذا كان علماء السلفية في بلدان العالم الاخرى اجمعوا على فتوى او امر ما، اليس اجماع اهل العلم ملزم لاهل السنة في بلد اخر ليس فيه من اهل العلم والاجتهاد؟ ام يقول هؤلاء المعتزلون نحن مستقلون عن اجماع اهل السنة أولئك؟

الفئات السنية في العالم هم جماعة واحدة
ان الفرقة الناجية المذكورة واحدة وفي كل انحاء العالم واحدة، فقط تتعدد المجموعات المنتسبة للجماعة لتعدد الاماكن والبلدان، والجماعة عالمية وواحدة، ومن ابى عالميتها فهو الداعي للتعدد والتفرق والتحزب شاء ام ابى.
فالمعلوم ان الفرقة الناجية طائفة واحدة، لكن تواجد افرادها يمكن ان يكونوا في أي مكان في العالم، ومجرد الانتماء الى هذه الفرقة والاجتماع صاروا فرقة واحدة عالمية، وهذا الاجتماع هو انتظام للشتات وتوحيد للكلمة كما في كلام شيخ الإسلام .
 وكل مجموعة في بلد ما اجتمعوا على الحق أي التوحيد والسنة على فهم السلف الصالح وتعاونوا على البر والتقوى فهم من يمثلها هناك، وهم الفرقة الناجية، فما الحرج في ذلك الاجتماع العالمي، هل المطلوب التفرق وان تكون مجموعة كل بلد مستقلة لحالها؟، كانما رسالات وليس رسالة واحدة، ومصادر وليس مصدرا واحدا، وجماعات وليس جماعة واحد.
الم يكن هذا القول هو الذي يدعوا للجماعات والفرق والاحزاب المتعددة، بان تكون كل جماعة سلفية في بلدها فقط، ولا تنتمي للسلفيين في مكان اخر، اليس ذلك دعوى لنكون جماعات من حيث لا يدري القائل؟.
فوحدة الفرقة الناجية او الطائفة المنصورة، شيء واجب وليس من التحزب المحذور، بل هو من تمام الايمان والولاء والبراء، وهو الاصل قبل تفرق اهل الباطل عنها، وسبق كلام الشيخ الالباني رحمه الله عن تفرق اتباع المنهج الواحد في البلدان، ويفيد عدة وجوه منها: ان تفرقهم في البلدان لا يعني انهم عدة فرق، وهذا يعني انهم فرقة واحدة في كل انحاء العالم، وانهم جماعة واحدة وهذه هي العالمية المطلوبة، راجع كلامه مرات.
ولا تعني العالمية فعل الاحزاب البدعية، او البيعة وغيرها، ونص كلام الشيخ الالباني رحمه الله، في مجلة السلفية: واذا فرضنا ان هناك جماعات متفرقة في البلاد الاسلامية على هذا المنهج، فهذه ليست احزابا، وانما هي جماعة واحدة، ونهجها واحد، فتفرقهم في البلاد، ليس تفرقا فكريا عقديا منهجيا، وانما تفرق بتفرقهم في البلاد، بخلاف الجماعات الاحزاب التي تكون في بلد واحد.  
فعالمية الجماعة هي من الثمرات المرجوة من الجماعة، وتوحيد الكلمة، فاذا كنا ننتسب الى جماعة السلف الذين ماتوا قبل قرون فما المانع من الانتساب الى اتباع منهجهم من الاحياء؟ اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق باذنك ان تهدي من تشاء الى صراط مستقيم.

من اسباب قيام الجماعة
الى جانب ما ذكر من الاوامر بالجماعة، فان الاسلام في كل عام يزداد غربة، والمؤمن يزداد وحشة، وفي كل يوم يهدم الناس سنة، ويزداد عدو التوحيد على الاسلام هجمة، ولذلك يزداد اهل الايمان الى الاجتماع حاجة، ولا يوجد الحق بين الناس الا قليل.
وكما في حديث الغرباء في اخر الزمان الذي يحدث عن من تجمعوا وتحابوا وقد جاء فيه: فقال رسولُ اللهِ: هم ناسٌ من أفناءِ الناسِ ونوازعِ القبائلِ، لم تَصِلْ بينهم أرحامٌ مُتقاربةٌ، تحابُّوا في اللهِ وتصافَوا . الى اخره. صحيح الترغيب 3027. صححه الالباني.
وفي زمان يدعوا فيه اخرون الى النار باسم الدين. كما جاء في اخره: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه.
فسعيا لنجاة العامة من اخطاء الدعاة المضلين، وطلاب الدنيا باسم الدين، تقوم الجماعة المعنية للاعتصام بها من زيغ المشبهين، ولم شمل شتات الحائرين، وتصنع لهم مناخا صالحا للسالكين، على سبيلها المستقيم.
كما تعلمون ان الساحة ازدحمت بالجماعات المنحرفة والمتطرفة، والرايات المخادعة والمناهج المغلفة، وهذا يفرض على اهل الحق موازاته بما يستطيعون من اظهار الحق والاجتماع عليه، وكشف التزيف والتلبيس، ونقول للمعترض على الجماعة: ايسرك ان تخلوا الساحة من فرقة واحدة تأخذ الناس من تجمّعات البدع والانحراف؟ الى سبيل الحق، ومن متابعة العوام الجهلاء الى مرافقة الصفوة العلماء، والله تعالى يقول: ( أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ). 116 هود. فلو غابت جماعة الحق لاغتر الناس بالباطل، ولما فهموا معنى للحديث عن الفرق: كلها ضالة وفي النار الا واحدة. فالواحدة ليس مذمومة بل محمودة موعودة، ومرغبا فيها بل الحديث دعوة لها، ونسال الله ان يجعلنا وكل الموحدين من الفرقة الناجية.

حتى لا يساء الهدف من الجماعة
لابد من التنبيه ولفت الانظار الى ان المطلوب من قيام الجماعة، والعمل فيها، ليس هو الحكم والمزاحمة على السلطة، كما هو حال كثير من المفتونين، وطلاب الدنيا بالدين، وانما المراد هو تحقيق العبودية لله، والتي خلق لاجلها الجن والانس، وذلك يكون بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر أي الدعوة الى الله، واحياء السنة وتنقية الدين مما ادرج فيه المبتدعة من الشوائب، ولكي يعبد الله وحده، وبما شرع في كتابه، او في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسميت الدعوة الى الله، وليس لاحزابنا او لانفسنا، والى الله تعني  توجيه القلوب الى خالقها رغبة ورهبة، خوفا ورجاء، طاعة وانقيادا، محبة ورضا وقبولا.
والدعوة لبيان ما خفي على الناس من دينهم، وما اختلفوا فيه من الحق، اذ ان الرسالة ما كانت الا لذلك كما قال تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ …الاية). 64 النحل.
واما التمكين والحكم هو ثمرة للتوحيد ووعد الله بها مجتمع الموحدين، ولم يكن الترغيب في السعي الى السلطة، وانما جعلت الاحكام قانون ليحكم به ذلك المجتمع الموحد وحماية لحياتهم، بعد ايجاد ذلك المجتمع الموحد اولا، وليس اقامة الحكم اولا لايجاد ذلك المجتمع الموحد.
 بل ما كان الحكم الا لحماية ذلك المجتمع الموحد الذي اقيم اولا، كما قال تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).179 البقرة.
كما وعد المؤمنين بالتمكين ان حققوا شرط التوحيد أي لا يشركون به شيئا، في قوله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).55 النور.  
والموعودين في الاية جماعة تأمر بالمعروف وأوله التوحيد، وتنهى عن المنكر واوله الشرك، كما ان القيام بذلك قبل التمكين، وفي وقت الضعف كان هو السبب في التمكين لهم، لانهم مظنة اقامته بعد ما تكون لهم قوة، اذ انهم فعلوه وهم في ضعف، قال تعالى: ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ). 41 الحج.
فالتمكين لانهم يرجى منهم ذلك المطلوب الذي اصلا كانوا يفعلونه قبل التمكين، واما أدعياء الدين فهمّهم حتى بعد السلطة همهم تصفية المخالفين وجمع اموال المساكين، بل ويطلبون منهم التبرع والدعم للحروب التي اقاموها بلا اهداف شرعية، ثم تاهوا في الارض بحثا عن المال والبترول والمعادن، ولم يلتفتوا الى التوحيد بعد حصولهم على السلطة، فان قال قائل اين التوحيد الذي قلتم بعد التمكين؟  قالوا: لا تفرق الناس بالتوحيد، لانهم ينشغلون بالشرك السياسي على زعمهم لاجل تبرير انشغالهم بالسلطة، فاذا سلم البعض جدلا لمصطلحهم الشرك السياسي، نجد قيادات منهم يقعون فيه، بل ويروجون له، ذلك لان فاقد الشيء لا يعطيه، بل شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله، واستحلوا بعض ما حرم الله.
وحكموا كثيرا بغير ما انزل الله، بل عطلوا بعضا ما انزل الله في الاحكام، وليتهم عطلوه فحسب بل جحدوا احكاما نص عليها القرءان، مثل آية الرجم التي نسخت تلاوة وبقيت حكما، ولكن الدجال حسن الترابي رد ذلك وحجده.
 وبنوا القباب على القبور التي تعبد من دون الله وترافقهم في ذلك اجهزة الاعلام الرسمية ترويج للشرك، فاين التوحيد يا أدعياء الاسلام؟.
تركوه اولا وجحدوه اخيرا، حتى جعلوا اتباعهم في حيرة، بل قتلوا الموحدين المصلين وهم قد اهلوا لربهم تكبيرا، يا لها من حرورية شريرة وقطبية ترابية مأجورة .
واما من حقق التوحيد والعبودية فليفرح ، بل يشكر ربه على ذلك، قال تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ). 66 الزمر.
ولا يشغل نفسه بالسلطة، او ثمارها ان وجدت، وانما الهم هو التوحيد حق الله على العبيد، على ذلك يركع مع الراكعين ويتبع سبيل المؤمنين في معية الصادقين حتى ياتيه اليقين، وليكن الرجاء رضوان الله، والفوز بالجنة مع الفائزين، والنجاة من النار مع الناجين، الذين جمعتهم اولا الفرقة الناجية، رجاء ان يكونوا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب.

من واجبات الجماعة
بعد ما تبين حكم الجماعة من النصوص وفهم السلف الصالح لها، واقوال اهل العلم السابقين والمعاصرين في وجوبها، نقف بعد هذا الأصل على اصل آخر، هو من واجبات الجماعة التي لا يستقيم امرها الا به، وهو  "الامارة " وقد ورد ذكرها ضمن بعض الاقوال والنصوص السابقة، لكن لم نتوقف عندها كثيرا بقصد ان نفرد لها موضعا يجمع بعضا مما جاء فيها ومناقشتها، حتى تزول بعض الاشكالات التي جعلت الاوراق تخلط على البعض من طلبة العلم.
فذلك المجتمع الطيب من اهل العلم واتباعهم، الذين يصلحون ما افسد الناس من السنة وما افسد الناس عموما في الارض بعد اصلاحها، مع ترتيبهم لشئون هذا المجتمع الطيب، فعليهم واجبات لا تتم مصلحته، ولا يستقيم امره الا بها، منها الامارة او الراس الذي يقود ويامر بمقاصد الشريعة حتى في اصغر المجتمعات،  ولا يتبادر في ذهن البعض عند مجرد ذكر الامارة كل ما هو من فعل اهل الاحزاب المبتدعة، فلا يلزم وقوع ذلك، فقط المطلوب ما جاء فيها من تصور شرعي، وحسب ما ورد في السنة وفهم السلف الصالح لها، ومشروعيتها وحكمها،  من غير بدع ولا بيعات ولا تأثر بالاحزاب السياسية او الدينية المنحرفة .
كما يجب ان لا تخلط الاحكام بين الامارة الكبرى أي الامامة، وبين الامارة في الامور العادية لكل مجتمع صغير او كبير، سواء في وجود الامارة الكبرى او في غيابها، سواء في السفر او الحضر، هناك امارة لها صلاحيات او احكام دون الامارة الكبرى، وحتى ان وجد امام اكبر اي خليفة للمسلمين فلا مانع ان تكون لهم امارة سواء في منطقة اخرى ينوب عن الخليفة او امارة دعوة تدير شئونهم، علما بان الشيخ صاحب العلم المتميز فيهم والذي يرجعون اليه عند النزاع ليستنبط لهم حكما، ويحتكمون اليه لانه اعلمهم، فهو بذلك من الامراء، لان العلماء صنف من الامراء كما سيرد بيانه، وهم الآمرون بالعلم والكلام .
 والصنف الاخر اهل اليد والقدرة، من الحكام، وزعماء العشائر، او الرجل في رعيته. وسياتي بيان بعضه من كلام شيخ الاسلام، كما كان هو قائدا وشيخا واميرا لاهل السنة في عصره بلا منازع له من علماء عصره في المرجعية والامر والنهي في اهل السنة والجماعة، وهو الذي يرى الامارة ضرورة من ضروريات الحياة لكل بني ادم، في الدنيا والدين، بل لا يقومان الا بها وسياتي كلامه، وكما كان الامام احمد بن حمبل رحمه الله رأسا لاهل السنة في عصره، ووصف بالامام مع انه ليس اميرا حاكما، ذلك لان قيادة الناس في الدين امامة وامارة يتقدم بها ويامر بها في الفتوى، ولكن لا يلزم احد بالفعل او الترك كالامام الحاكم، وكل العلماء الكبار سمو أئمة من هذه الناحية، وامامة الدعوة هي قيادة الدعوة وتوجيه افرادها، فيؤم هذه الفئة الطيبة كقوله تعالى: ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). 74 الفرقان.
ولا يعني هذا المزاحمة والصراع على الرئاسة وانما يرجو الله التوفيق لقيادة اهل الايمان، بان يكون في مقدمتهم وليس فقط منهم، وسابقا لهم في الخيرات ومفتاحا لابوابها داعيا الى الله.
 فهذه اقل صورة من الامارة يقتدي بها الناس، من غير انكار على انها امارة، ومن غير انكار لمشروعية الامير ان امّره الناس.
 والذين لا يفعلون الامارة لظروف تحيط بهم، فذلك حكمه آخر، غير انكار المشروعية او اعتقاد انها بدعة، فلا بد في كل الاحوال من الاعتقاد بانها مشروعة كما بينت السنة، وفعلها ما كان ذلك ممكنا.
والى جانب فعل الامارة للامتثال للسنة التي امرت بها وسياتي ذكرها، فايضا فيها حكم تحقق مقاصد شريعة، منها الواجب والمستحب، فهي تجمع الكلمة وتمنع من التفرق وتوحد الصف، وتمنع من اعجاب الشخص برايه، لان الفرد منهم عند الاستقلال عنهم، وانفراده باجتهاده وما يظن انه الصواب، يكون على موقف مختلف، فتتعدد الاجتهادات في المواقف، وبذلك تتعدد التوجهات وتتعدد الجماعة تبعا لذلك، واما في وجود الامير فيجعل المجموعة على موقف واحد بعد مشورتهم، فاذا عزم على امر، يتوكل على الله في تنفيذه، ويتبعه الجميع من وافق الراي ومن خالفه، فيتحقق الاجتماع والوحدة وثمراتها.
فكان من الامير جمع الكلمة ووحدة الصف في الامور الادارية والدعوية، او الدنيوية وتنظيم مجتمعهم، وفي التعامل في ما بين المسلمين وحتى مع غير المسلمين، وتوحيد الموقف الجماعي، مع من نتعاون؟ وعن من نتحفظ ؟ من نعتزل؟ ومن نناصر على عدو؟  واي ضرر اكبر من غيره؟ .
ويوفّق الامير بين الاقوال في ترجيح المصالح والمفاسد، وأي الضررين اكبر فنجتنبه جميعا، واي الخيرين اولى فنفعله جميعا.
 وفي كل يوم ترد على العباد فتن، واحيانا امور معقدة، الحق فيها غير واضح، وامور لا تبدو مصلحتها لكل الناس، بل ربما يظهر منها العكس، كما كان في صلح الحديبية، فلو ترك كل شخص على رايه لوقعت حروب، وهذه الامور هي التي يحتاج فيها الناس لراي الامير او الرئيس لترجيح احد الاقوال، ويجمع الناس على ما يرى فتحصل الوحدة والصلاح والتمكين، وهذه من حكم هذا الدين الذي سن سننا تتحقق بها مصالح العباد منها الامارة سواء الصغرى او الكبرى.
واذا اخطاء الفرد في الاجتهاد وصار كل منهم في الجماعة له وجهة هو موليها، لانه لا يوجد امير يجمعهم، فلم تكن للجماعة فائدة في هذا الحالة، اذ لا يوجد فيها ما يوحد الناس، وهذا كمعنى كلام عمر رضي الله عنه: ( انه لا جماعة الا بامارة ولا امارة الا بطاعة)، فيتم فائدتها ومصلحتها الامير الذي يجمع الناس على راي واحد مما سمع من آراء الجماعة.
 والخطاء معه خير من الصواب الذي يبعد الفرد عن الجماعة، كما هو معنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه: ( وانما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة) ولا تكون هذه الكراهية التي يعني، الا في حالة وجود امير اطاعه في امره بما يكره ، والا فهو حر لا قيد له ان لم يكن هناك آمر.
ولناخذ وقفة على ما جاء في بعض النصوص وكلام اعلام الأئمة الذين على نهج السلف في مسالة الامارة، قال شيخ الاسلام في الفتاوى: ص 168 ج 28:  وكل بشر على وجه الارض لا بد له من امر وناه، ولا بد ان يامر وينهى حتى لو كان وحده، لكان يامر نفسه وينهاها، اما بمعروف واما بمنكر، كما قال تعالى: ان النفس لامارة بالسوء. فان الامر هو طلب الفعل وارادته، والنهي طلب الترك وارادته، ولا بد لكل حي من ارادة وطلب في نفسه، يقتضي بهما فعل نفسه، ويقتضي بهما فعل غيره اذا امكن ذلك، فان الانسان حي يتحرك بارادته. وبنو ادم يعيشون باجتماع بعضهم مع بعض، واذا اجتمع اثنان فصاعد، فلا بد ان يكون بينهما ائتمار بامر وتناه عن امر، ولهذا كان اقل الجماعات في الصلاة اثنين، كما قيل الاثنان فما فوق جماعة . لكن لما كان ذلك اشتراكا في مجرد الصلاة ن حصل باثنين احدهما امام والاخر ماموم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: اذا حضرت الصلاة، فاذنا، واقيما، وليؤمكما اكبركما . وكانا متقاربين في القراءة، واما في الامور العادية وفي السنن انه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لثلاثة يكونون في سفر الا امروا عليهم احدهم.  واذا كان الامر والنهي من لوازم بني ادم:  فمن لم يامر ونهى، ويؤمر وينهى..الخ  الى ان قال: صفحة 170: وقد امر الله في كتابه بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة أولي الامر من المؤمنين. انتهى كلامه رحمه الله.
ومع وجود حديث اخر واضح غير حديث السفر سياتي ذكره الا انه يجب ان ناخذ وقفة على استدلاله بحديث امارة السفر على الامور العادية، بل سائر انواع الاجتماع، حيث قال في 65/ 28: فاذا كان قد اوجب في اقل الجماعات واقصر الاجتماعات ان يولى احدهم، كان هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو اكثر، ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينا يتقرب به الى الله تعالى، ويفعل فيها بحسب الإمكان.
 وفي موضع اخر قال 65/ 28 : فاوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر انواع الاجتماع، ولان الله تعالى اوجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك الا بقوة وامارة، وكذلك سائر ما اوجبه من الجهاد، والعدل، والحج، والجمع، والاعياد، ونصرة المظلوم، واقامة الحدود، لا تتم الا بالقوة والامارة.  انتهى.
وما أوضح قوله للامارة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي امارة الدعوة.
فذكر صنفين من حالات الحاجة للامارة، الاولى لان واجب كل مسلم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم كما يقول: الا بقوة وامارة).
والامر بالمعروف عام على الجميع، وليس خاص بالحكّام، بل هو من شان الجماعة وافرادها، وذلك ما يفيد بانه يريد الامارة للدعوة أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما كانت الجماعة لذلك، كقوله تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).102ل عمران.
وكلام شيخ الإسلام يفيد ان هذا الواجب العام وهو الدعوة: ) لا يتم الا بالامارة).
وقوله: وكذلك سائر ما اوجب من الجهاد .الخ ) يفيد انه يتحدث عن حالتين، فهذه الحالة الثانية، كذلك تحتاج للامارة، يعني الكبرى اضافها على الحالة الاولى الدعوة اصل حديثه.
فاستنباط الشيخ واضح في انه يريد وجوب الامارة عموما في كل الجماعات والاجتماعات، للدعوة وغيرها من امور الحياة، واما حديث السفر كصيغة مبالغة لعدم العذر حتى في السفر، اي في حالة اقل الجماعات وهي الثلاثة، واقصر الاوقات وهو السفر العارض، الذي تقصر فيه الصلاة، ويحل فيه الافطار للصائم، ومع هذا يوجب عليه الامارة، لضرورتها وتاكيدا لاهميتها، لحاجة افراد الجماعة لها ولو كانوا ثلاثة وفي سفر، مع انهم ما زالوا تحت امارة بلدهم سواء الكبرى او الصغرى.
 لكن حال السفر يخلو منها ومن اجماعها الذي يحتاجون له لما يعرض اثناء السفر، فلا يترك الاسلام المجموعة بلا قيادة او من يجتمعون عليه، وذلك لوحدة الصف والموقف، فاوجب طاعة الامير عليهم فيحصل المراد من الجماعة اثناء السفر،  فاذا كان هذا في السفر ففي الحضر اولى واهم.
فالشيخ يعتبر حديث السفر  تنبيها واشارة على وجوب الامارة فيما هو اكثر من الثلاثة في السفر. وسائر انواع الاجتماع ) يعني ان اجتماع المؤمنون في سائر الاحوال تجب فيه الامارة، أي لا يحل لاي جماعة ولو كانوا ثلاثة، بل وحتى في غير مكان اقامتهم لا يحل لهم البقاء بلا امير منهم.
علما بان الكلام اصلا يشير الى الجماعة وحاجتها للامارة، فتامل الجملة مرة أخرى: ( فاذا كان قد اوجب في اقل الجماعات واقصر (الاجتماعات ان يولى احدهم)، فهو يعني ان الجماعات بدأ من الثلاثة ومافوقها اولى بالامارة في الحضر والاقامة من حالة السفر، وكانه يسوق فرض جدلي لاولويتها في غير السفر.
كما انه يريد القول بان ذكر السفر هو للمبالغة في وجوب الامارة، مثل النهي عن قول  اف للوالدين، ولم يذكر في الاية الضرب، ويعني ما فوقه محذور من باب اولى، فلا يقل عاقل ان النهي خاص بقول اف، ولكن الضرب لا باس به، فكذلك الحديث عن وجوب الامارة حتى في حالة السفر والجماعة الصغيرة من ثلاثة، يفيد ان في الحضر والجماعة الاكثر من الثلاثة اولى بالامارة من السفر الذي لم يعذرهم فيه من الامارة وحاجتهم لها.
والمراد من تلك المناقشة ان حديث السفر كاف لاثبات وجوب الامارة، اما من ناحية وجود غيره من الادلة فهي كثيرة ومنها حديث اخر قريب من سياق الاول لكنه في اجتماع الثلاثة فما فوق من غير سفر، وفي أي موضع خلو فيه من عامة جماعة المسلمين، سواء للرعي او الزراعة او الحراسة، او اصلا حياتهم هناك.
فهؤلاء الثلاثة في ارض فلاة وليس سفر بل هي حياتهم العادية بعيدين عن الجماعة، لا يحل لهم ترك الامارة، وتامل ذلك في الحديث التالي: اذ لم يقل امر فقط بل قال: ( لا يحل) وهو ابلغ في التحريم لعدم الفعل، والحديث رواه احمد عن عبد الله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم  قال: لا يحل لثلاثة يكونون بارض فلاة الا امّروا عليهم احدهم.
وقد ذكر الشيخ هذا الحديث مع ما قبله واسنبط منهما الامارة في سائر الاحوال والاجتماعات والاوقات.
وتكررت المقالات من شيخ الاسلام في بيان المسالة من عدة وجوه تفيد دعوته للامارة بشقيها في كل الأحوال سواء للدعوة وغيرها او حتى الكبرى فالامر يشمل الكل.
وقال رحمه الله في: ص 390/28 : يجب ان يعرف ان ولاية امر الناس من اعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا الا بها، فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع ولا بد لهم عند الاجتماع من راس.
فانظر وضوح المسالة في انه يريد الجماعة ثم الراس والامارة لها، وذكر ان ذلك للدين والدنيا بل لا يقومان الا بها، وذكره ضرورة الاجتماع يريد به وجوب الجماعة، ثم اكد ضرورة الرأس أي يريد به الامارة والقيادة في ذلك، فمراد الشيخ في غاية الجلاء ومن ينتظر الفتوى من اهل العلم لا اراه يمارى في كلام الشيخ واستدلاله اذ انه اشهر علماء السنة بعد القرون الخيرة .
واذا كان العلماء هم من الامراء فلا ادري من هو اولى بالامارة والطاعة في الفتوى من شيخ الاسلام بعد الفئة الاولى من السلف الصالح.
وحتى ينتبه طالب العلم اكثر لمن هو ابن تيمية الذي يستدل بهذه الاحاديث على الامارة في سائر الاحوال والامور العادية، والتي لم يدرك البعض المعاني التي اشار اليها الشيخ، وكانهم يرون انه غابت عليه بعض الادلة التي عندهم او فهموا افضل منه، فليعلموا ان الشيخ هو الذي جمع الاصول كلها، وحوى مالم يحصل لمشايخه، فكان شيخ الاسلام الذي لم يسبق في العلماء بعد الصحابة من جمع علمه، فقوله في المسألة خلاصة مئات المراجع، بعد التوفيق بين المتعارضات والجمع بين الواجبات وترجيح الراجح على المرجوحات .
وقد ورد في تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى لجامعه، قوله: حجة الله على عباده، الجامع بين العلوم النقلية والعقلية بانواعها، ومذاهب اهل الملل والنحل، وآراء المذاهب ومقالات الفرق، ما لم يعلم مثله عن احد من علماء الارض، لا قبله ولا بعده، مع بيان حقيقة الشريعة المطهرة على الوجه الصحيح، وقوة الحكم في احقاق الحق بالحجج والبراهين، ونصرة مذهب السلف على من خالفه من سائر المضلين، فبحثه يزلزل زخرف المبطلين، لم يظهر علم ما ظهر علمه، ولم يؤت احد مثل ما اوتي من الحفظ والفهم والذكاء وعلو الكعب. انتهى.
وقيل فيه: اعلم بالمذاهب من أهلها.
وحكى البرزالي ان شيوخه مائة شيخ، وذكروا له من المصنفات، اكثر من ستة آلاف مجلد. وقال بعض أصحابه: لو اراد الشيخ او غيره ان يعدوا مؤلفاته لما قدروا . وقال الامام الذهبي:  لعل فتاويه في الفنون ثلاثمائة مجلد بل اكثر.
كما نقل الامام المحدث الذهبي قوله: أي حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث، والذهبي ادرى بما يقول وهو المحدث، صاحب كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال.  وتلميذ مدرسة ابن تيمية رحمهما الله.
ذلك هو شيخ الاسلام الذي يعارض بعض طلبة العلم فتواه واستدلاله، وقد كان اهل العلم يستدلون به على معنى الحديث: ( رب مبلغ اوعى من سامع)، قالوا: كان اوعى ممن سمع منهم، لانه جمع ما كتب قبله واستفاد من ارآئهم، وما غاب على هذا في مسألة وجده عند ذاك، والله يمن على من يشاء.
ونعود الى مناقشة بعض ما ورد ضمنا، في تعريف اولي الامر، فانها ليست فقط في الحكام، بل تشمل غيرهم، من رعية الرجل في بيته والمطاعين في العشائر والعلماء والمجتمعون في مكان بما فيه السفر، وقد قال شيخ الاسلام في اصناف اولي الامر وتعريفهم: ص 170 : واولو الامر: اصحاب الامر وذوه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه اهل اليد والقدرة، واهل العلم والكلام، فلهذا كان اولو الامر صنفين: العلماء والامراء.. الى قوله: ويدخل فيهم الملوك والمشايخ واهل الديوان، وكل من كان متبوعا، فانه من اولو الامر، وعلى كل واحد من هؤلاء ان يامر بما امر الله به، وينهى عما نهى عنه، وعلى كل واحد ممن عليه طاعته، ان يطيعه في طاعة الله، ولا يطيعه في معصية الله. انتهى .
ويؤخذ منه الى جانب ان المشايخ والمتبوعون من الامراء يؤخذ منه ايضا، وجوب طاعتهم في هذه الامارة، بل على كل واحد من اتبعهم ان يطيعه.
ويتضح منه امارتهم غير الكبرى وغير السفر بل سماها سابقا في الامور العادية.
وقال في 117/19:  بعد ذكر الحديث:  وودت اني قد رايت خلفائي؛ قالوا: ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يحيون سنتي، يعلمونها الناس. فهولاء هم ولاة الامر بعده، وهم الامراء والعلماء، وبذلك فسرها السلف ومن تبعهم من الائمة، كالامام احمد وغيره. انتهى.
وقال في 423/3: ويجب على اولي الامر، وهم علماء كل طائفة وأمراؤها ومشايخها ان يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر. انتهى.
وذكره لاصناف الامارات والامراء يكذب قول من يقول:  ان المراد فقط الامارة الكبرى، او فقط المشايخ، اذ ان الامر واضح في كلام الشيخ بضرورة الامارة لكل بني ادم ، ثم يخص بها اهل الدين بقوله: انها من اعظم واجبات الدين.
وعن الكلام في مسألة الرئاسة فيقر الشيخ ذلك ولا يرى به حرجا من خلال كلامه، منها قوله السابق: فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع، ولا بد لهم عند الاجتماع من راس.
فالاجتماع لا بد، والرئاسة والامارة لا بد ، كما ذكر في موضع اخر: واما رأس الحزب فهو راس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا، فان كانوا مجتمعين على ما امر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم. .الخ  وسياتي.
فيؤخذ من كلامه جواز الرئاسة في كل ما يجمع الناس، وتبقى الضوابط  الأخرى. وذلك لا يعني تعدد الاحزاب الدينية وانما الجواز لحزب الله الواحد أي ما وافق الجماعة الحقة، وبالنسبة للاحزاب غير الدينية، فلم يرى به باسا لقوله: فهو الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزبا. واقرها على ذلك لانها ليست دينية، بل قال: فهم مؤمنون، ويبقى على كل منهما ما ذكر من الالتزام وهذا ما يفيد تجويزه، ومما يوكد انه يريد ذلك للجماعة، ورود القول ضمن حديثه: فان الله ورسوله امرا بالجماعة والائتلاف.
 وان قال البعض ان الرئاسة التي يعنيها شيخ الاسلام هي في العلم فقط، أي المشايخ، فنقول بان الشيخ اوضح بجلاء وقال: رأس الحزب. وقوله:  الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا. فليس هذا لتلاميذ مع شيخ، وانما حزب وطائفة برئيسها، كما يفيد بانه امرا عاما للدنيا والدين، بل لكل البشر، ومنها قوله: فجميع بني ادم لا بد لهم من طاعة آمر وناه.
وقوله صفحة 168: واذا اجتمع اثان فصاعد فلابد ان يكون بينهما اتمار بامر وتناه عن امر.
وقوله: فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع.. الى قوله: ولا بد لهم عند الاجتماع من راس. فهل هذا للتلاميذ فقط؟ لا يقل بنعم الا مكابر.  
اذا الجواز عاما لكن الخطا ياتي من جهة سلوك وتصرفات من يترأس الناس، فان استقام فلا حرج، وما عرف من اخطاء عن الكثيرين فلا يحرّم اصل الوظيفة، الرئاسة او القيادة.
والرئاسة اشكال ومسميات لكل من يقود غيره من الناس، وقد وصف الامام احمد بانه راس عند ما حمل الى الخليفة المامون، وقال ابو جعفر: فقلت ياهذا انت اليوم راس الناس يقتدون بك فوالله لان اجبت الى خلق القراءن ليجيبن خلق  ….الخ. وهذا كما ورد ان الامراء صنفين العلماء والامراء، ولا يحمل على احدهما لنفي الاخر، بل ان كل منهما امير مطاع.
اما ما يجعل الاشخاص او الجماعة في تحزب بدعي، هو المنهج المتبع والسلوك، وليس لمجرد الاجتماع او الرئاسة عليه.  
 روى الدارمي عن تميم الداري قال:  تطاول الناس في البناء في زمن عمر، فقال عمر:  يامعشر العريب الارض، الارض، انه لا اسلام الا بجماعة، ولا جماعة الا بامارة، ولا امارة الا بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه، كان حياة له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه، كان هلاكا له ولهم.
  كما يرى شيخ الاسلام ان من الواجب اعتبار الامارة دينا يتقرب به الى الله تعالى كما ورد في ص 391: فالواجب اتخاذ الامارة دينا وقربة يتقرب بها الى الله، فان التقرب الى الله بطاعته وطاعة رسوله من افضل القربات. انتهى.
بمعنى ان قيام الامارة دينا واستجابة لامر الله بها فانها واجب مامور به، ومنه احياء للسنة، ومن كان من اهل السنة لا يهون عليه مخالفتهم في اصل من اصولهم.
ولا تخرج الجماعة على الحاكم المسلم الذي هو من فرق المسلمين الاخرى، بل الجماعة هي الفرقة التي تحمل الحق بين فرق المسلمين الاخرى، وتدعوهم لذلك، كما كان الامام احمد واتباعه تحت الامام المسلم الذي قال بما يخالف عقيدة المسلمين متاولا.
وكذلك كان ابن تيمية وجماعته تحت الامام الذي ليس من جماعتهم، لكنهم متميزون بفرقتهم السلفية، ولا تداخل بين جماعة اهل العلم والسلطان وحكمه، ذلك لانها الفرقة الناجية وليس الحكومة الناجية، فان كان لهم امام او لم يكن، لا يغير ذلك في انها جماعة اهل السنة في كل الاحوال



عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 8:17 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 7:00 am



من يرده الحرج او الكبر عن الحق واتباع الجماعة


وكانت الفقرة ردا على بعض المنتسبين للسفلية الذين حرّموا الجماعة وعندما تبين لهم الصواب منعهم الحرج من التراجع، الا ان منهم رده ورعه الى الحق واقر بوجوب الجماعة، وفي ذلك تزكية له وليس حرج بل علما يرفع قدره، وكما قال تعالى: (يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) .
 وللتذكير بالحذر من الهوى في الخلاف او الحرج في اتابع الحق، وقد يصعب على البعض الرجوع عن قوله او اجتهاده او موقفه السابق، فيظل يجمع في الاسباب والحجج الواهية بل والوهمية ليكثر من خطأ خصمه ويشرع لنفسه الخروج على السواد الاعظم من اهل السنة، فرأينا ان نذّكر بهذا النوع من الابتلاء للعبد في الهوى والمكابرة، والذي يكون لاجل التمحيص ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، او يرده الحرج عن الاتباع.
والابتلاء للعباد له عدة صور منه في هوى النفس وتعصبها، وقد كانت الحكمة في تغير القبلة اختبار لمن يطيع الشارع، ام يجاري من من يعيب عليه او ينتقدهم، وذلك عندما صعب على بعض الناس كلام السفهاء في الرجوع عن قبلتهم السابقة كما قال تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا..) البقرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا ويتضرع الى الله تعالى ان يردهم الى الكعبة، ليخفف ذلك عليهم، حتى استجاب له في قوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ..) البقرة. 144.
ثم بين تعالى الحكمة من هذا التغير الامتحان بالانقياد والاتباع كما في قوله تعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ..) البقرة.
وقد يكون هذا الابتلاء في أي امر يتحرج العبد من فعله، او يكابر في الرجوع عن خطأ فعله، او يكبر عليه فعله او تركه لسخريتهم، فليتذكر العبد ان من ارضى الله بسخط الناس رضي عليه وارضى عليه الناس، ومن ارضى الناس بسخط الله سخط عليه واسخط عليه الناس.
ومن منعته سخرية السفهاء من لزوم الجماعة، والتي يعلم انها الفرقة الناجية، ويعرض عما تبين له من الهدى، ويعتزل سبيل المؤمنين الذي جاء فيه التحذير: ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ). 115 النساء. فانه قد تمكن منه الهوى، وزادت عليه الغفلة، التي تجعل القلب في قسوة لا يلين عند الاوامر، بل يرده فقط الحرج عنها، والله تعالى يقول: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ). 36 الأحزاب.
وقال تعالى: ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ). 2 الاعراف .
اما الكبر والتعالي على الحق فقد كان من خطيئة ابليس التي بها طرد، وسمي فعله كفرا، ( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ). 34 البقرة. وقوله تعالى: ( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ). 75 ص.
كما ان ترك العمل لاجل الناس من الشرك، وعلى العبد ان لا يتحرج عن فعل ما صحت فيه الاوامر، مثل لزوم الجماعة وغيرها.
ان الرجوع الى الحق فضيلة، وتزكية لمن رجع الى ما راه حق، بل تدل على علمه وورعه ولا تنقص من قدره، والنقص يكون في حق من استكبر عن الحق وتعصب لرايه، وهذا يعكس ضحالة العلم وضعف الارادة ان استمر عليه ولم يرجع.
فقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه اعلن رجوعه عن مسالة على المنبر ولم يكتفي بالحديث بين اصحابه، ذكر الشوكاني في التفسير، اخرج سعيد بن منصور وابو يعلي، قال السيوطي بسند جيد: ان عمر نهى الناس ان يزيدوا النساء صدقاتهن على اربعمائة درهم، فاعترضت له امرأة من قريش فقالت: اما سمعت ما انزل الله: (وءاتيتم احداهن قنطارا ). فقال: اللهم غفرا، كل الناس افقه من عمر، فركب المنبر فقال: ياايها الناس اني كنت نهيتكم ان تزيدوا النساء في صدقاتهن على اربعمائة درهم، فمن شاء، ان يعطي من ماله ما احب)، قال ابو يعلي: فمن طابت نفسه فليفعل.
  عمر قوي الشخصية صاحبة المكانة والقيادة ، لم يهمه الا تحسين موقفه بين يدي الله عز وجل، ولم يصر على رايه او يوجد له المبررات، او يقول انا كنت اعني في هذه الحالة كذا.. و و، واما رجوعه زاده مكانة عند اصحابه، لان ذلك يدل على ورعه وحرصه على الحق.
وان من فارق الجماعة ليدّعي انه يريد الحق فقد خدع نفسه لان اهل الحق من اصولهم الجماعة، كما اشار لذلك شيخ الاسلام في الجزء 28: وسموا اهل الجماعة، لان الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وان كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين. انتهى.
ومن اراد ان يراعي اعتراض الاخرين اهل الهوى، فليعلم انه في كل حال لن يسلم من انتقادهم، فخير له ان ينتقدوه وهو على الحق، بدلا من ان يكونوا موافقيه وهو على بدعة، ومعلوم ان التأثر بكلام الناس وسخريتهم، كان المانع الوحيد لابي طالب عن الاسلام، مع قناعته الداخلية بان ابن خيه على الحق، وشهد بذلك في شعره، حيث قال:
ولقد عرض ديـنا قد عرفت بانه     من خيـر اديان البرية دينا
ولو لا الملامة او حـذار مسبـة     لوجدتني سمحا بذلك مبيـنا
ويعني لو لا خوفه من انتقاد الناس لكان خير من يعلن اتباعه لهذا الدين، لكن الكبر منعه من اتباع الحق، فليخشى من ترك شيئا من اصول دينه لاجل الناس وسخريتهم من رجوعه الى الصواب، فليخشى ان تقع عليه عقوبة او فتنة في دينه، كالذي ترك العمل بآيات الله حينما طلب منه قومه ان يدعو على المسلمين من قوم موسى، بعد ان انعم الله عليه بالدين وآيات الله، قال الله تعالى عنه: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ).  الأعراف. 175. فعاقبه ربه فاتعبه الشيطان فتبع هواه والغواية.
 والانسلاخ ليس فقط رده للدين بالكلية، وانما قد يكون في رد الحق في مسألة واحدة بعد علمه ويتبع هواه، ولهذا حذر الله تعالى من الفتنة او الشرك عند المخالفة لامر الشرع، في قوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ). 63 النور. والعبد لا يدري متى وفي أي مخالفة تكون العقوبة والفتنة.
خاصة من سلك طريق العلم وانعم الله عليه بشيء من المعرفة ثم يتنصل عن السنة التي عاهد ربه على نصرتها، وهو يعلم صحتها، فليتذكر الذي اتاه الله من فضله، بعد ان عاهد ربه على ان يتصدق منها، وعندما فرضت عليه الزكاة لم يخرجها، فانزل الله فيه: ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ). 75 - 77 التوبة.
ولقد جاء بالزكاة بعدها ولم تقبل منه بعد العقوبة، بل لم يقبل الاستغفار له، في قوله تعالى: ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ). 80 التوبة.
فليخشى الله من عاهد ربه بالالتزام واتباع الحق وموالاة اهله واتباع الجماعة التي عليه، يخشى الزيغ او الفتنة والنفاق، وقد يختم على قلب العبد فلا يستطيع الرجوع من هواه.
 واما ما يحسه العبد من الحرج فليدفعه بالاقدام على الفعل طلبا لرضاء ربه، وذلك يعينه على الثبات، كما قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ). 66 النساء.
والشيطان يراود مبدئيا على التأخر والبحث عن بديل وعوض لهذا الحكم، وقد بين الله لرسوله عدم صحة التأخر في التنفيذ مع انه كان يريد الفعل، لكن يخشى ثقل المسالة على الناس في زواجه من زوجة ابنه بالتبني، ويريد الله تعالى ان يبطل هذه العادة ويجري التجربة على اصلبهم في دينه واتقاهم لله، فقال تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) 37 الاحزاب.
كما بين تعالى انه ليس هناك حرجا في ما فرض الله تعالى ويتبع ذلك ما اوجب رسوله. قال تعالى: ( مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا). 38 الأحزاب.
فليعلم العبد ان عموم ما صحت به الاخبار بالامر او الترك فلا حرج ولا عيب فيه، ومن يقدم على الفعل يجد فيه حلاوة الايمان، ولذت الطاعة، لتقديمه محبة الله ورضاه على غيره .
وعندما شرب صلى الله عليه وسلم العسل في بيت احدى ازواجه، وشبهته احداهن على رائحة الخمر، فاراد ان يمنع نفسه من شربه، فانزل الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). 1 التحريم. وفي هذا حكم لبيان اهمية الحذر من محاولة ارضاء الناس بترك الشرع.
فعلينا تنفيذ الاوامر بالسنن الواجبات ومنها الجماعة، ولا نترك اصل من اصول اهل السنة لان هناك من لا يعجبه او يسخر من ذلك.
علما بان دعوة الله ليست محتاجة للعباد، والله القائل: ( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ).89 الانعام.
وانما نحن في حاجة للجماعة لنعتصم بها، ونحتسب ثواب الايمان والعمل بها. اما ورود هذه الفتن فهو لحكم عظيمة منها قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ). 25 الحديد. وقوله: ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ). 37 الانفال.
وان المؤمن ليبتلى بامور لبيان يهتدي ام يتبع الهوى والضلال  كما في حديث ابن عباس: قال ابن عباس: ( ونبلوكم ) يقول نبتليكم (بالخير والشر)، بالشدة والرخاء، والفقر والغنى، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال. انتهى.  
 وقد كان الناس امة واحدة أي جماعة واحدة، ففرقهم الحسد الى جماعات، وهو الذي دفع بعضهم للبغي على غيرهم، وكذلك بعد كل رسالة يقع الحسد بينهم حتى يبغي بعضهم على الاخرين، وذلك بعد علمهم بالحق والبينات، اذ يدفعهم الحسد للبغي فيما بينهم، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)  213 البقرة.
فمن تبع هواه ونزوات نفسه التي تامره بالسوء والبغي والتعالي على الاخرين والتكبر عليهم، عند الاختلاف في مسالة ما، فيعادي اخوانه في الدين، ويفارقهم ظلما وعلوا مع يقينه في داخله انه مخطئ وانهم محقون، فيجعله الحسد او البغي جاحدا لما عندهم من الحق في هذه المسألة.
وهذا اليقين بالحق لا ينفعه كما كان للسابقين عندما جحدوا الحق مكابرة وفي داخلهم موقنون به، كما قال تعالى عنهم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ). 14 النمل.
والبعض يدفعه لرد الحق المكابرة والعزة او العصبية او القبلية او المصالح الشخصية، او الصراع على السلطة او القيادة وحب العلو على الخلق، او الغيرة على موافقة غيره للحق، وهو لا يريد ان يسلم لهم بذلك.
كما قد يقع الخلاف بين طلبة العلم حتى يحملهم على الخروج من الجماعة، لاجل التعالي على من خالفه والبغي بينهم، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا )، 19 آل عمران .
وقال تعالى: ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ). 4 البينة.
 وحتى يتنبه طالب العلم لمسالة رد الحق لاجل المكابرة او حسدا لاخرين فليتذكر ان الحسد والمنافسة منعتا اليهود من الاسلام مع علمهم به، ومعرفتهم بعلامات النبوة مما جاء في التوراة،  وقد كانوا ينتظرون ظهور النبي منهم، فيستغلون ذلك في التغلب على منافسيهم، فيقاتلونهم ويسيطرون عليهم ، وليس حبا فيه .
 حتى انهم كانوا يقولون لخصومهم : هذا زمان نبي فاذا خرج قتلناكم، فلما خرج من غيرهم كابروا وردوه مع يقينهم في داخلهم بصدقه، وقال تعالى عنهم: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ). 89  البقرة.
 ان حجد الحق لا يعني فقط رد الاسلام بالكلية وانما جحد مسالة واحدة مما هو معلوم من الدين بالضرورة، او نص صريح من الكتاب والسنة بعد علمه فهو ناقض للاسلام .
والشاهد هنا في تاثير الهوى، فيدفع طالب العلم لرد بعض الحق لما يجد من حرج التراجع عن راي سابق او اعتراف لمن خالفه، فعلى طالب العلم ان يخرج من هذه العصبية الموروثة، وينتبه الى انها مما ابتلي به في قومه، ويجبر نفسه على قبول الحق، ويصبر على مرارته ان كانت، حتى يجد لذة العافية في دينه، وحلاوة الايمان في قلبه، وليخشى سخط ربه، ان رد الحق بعد علمه، فربما يختم على قلب العبد برد الحق فلا يمكنه الرجوع اليه ولو اراده.
واما قبول الحق فشرف يسارع اليه العبد المنيب، ويكرمه ربه، ويرفعه كما قال تعالى: ( ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). 11 المجادلة.
اما صاحب الكبر والتعالي على الحق بعد سماعه، سيهان ولا يبلغ ما يريد، كما قال قال تعالى: ( إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ). 56 غافر.
ومن رد الحق عرّض نفسه للفتنة، وليتذكر من يحجب نورهم وهم الى الصراط ويتخلفون من بين المؤمنين، فينادون رفاقهم المؤمنين: ( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ). فيردون كما اخبر الله: ( قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ* فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ). 15 الحديد .
ثم يكمل تعالى الايات مستنكرا علينا ضعف الخشوع الذي يدفع للاذعان والتنفيذ الفوري، ويحذر من القسوة التي اصابة اهل الكتاب قبلنا قائلا عن كل ذلك: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ). 16 الحديد.
نسال الله لزوم السنة وجماعتها، ولا حول ولا قوة الا بالله .
وفيما سبق نرى ان الصواب هو ان أي خلاف على غير التوحيد يجب ان لا نترك لاجله الجماعة بل يسعى كل طرف لاقناع الاخرين وتحقيق السواد الاعظم لرأيه، ولان يتصارعوا على الجماعة والواحدة خير من ان يفترقوا كل له جماعته وحزبه وكل حزب بما لديهم فرحون.
واذا لم يتفقوا على امر ما يترك كل منهم في الاجتهاد ان يعمل بما تطمئن له نفسه اذ لم ترد نصوص او ترجيح عليه ادلة، دون ان يعنف على الاخرين ويواصل العمل على ما اجتمعوا عليه كالدعوة للتوحيد والسنة، وهذا التقارب يساعد على التآلف والحوار حتى يلتقوا، ولا يشدد النزاع حول الامارة فأيا كان الأمير او المدير المالي لن يتغير شئ في دعوة التوحيد والسنة، وان بقوا على خطأ سياسي ارتكبته الجماعة فذلك اخير من ان يعتزلها ويضعف دعوتها ويتسبب في تشويهها وصد الناس عنها بسبب النزاع.
وحتى يعين بعضهم على مواصل المسيرة الدعوية، فلا تعترض قيادات  الجماعة على من لم يشاركها في الامور الاجتهادية ولو كانوا على حق واضح من غير أمور العقيدة، وذلك سماحة منهم ومنح المخالف فرصة للبحث والاقتناع، ويمكن للمخالفين ان لايشاركوا فيما لم يقتنعوا
به من الاجتهادات الإدارية ولا يعنفوا على الاخرين حتى يقنعوهم، كما
كان حال السلف رضي الله عنهم ايام الفتنة.
وتبقى الجماعة واجبة اللزوم كشعيرة تعبدية طاعة لله تعالى.

حكم الخروج من الجماعة
ان الخروج من جماعة الحق التي هي على نهج الفرقة الناجية الموصوفة بقوله صلى الله عليه وسلم : ما انا عليه واصحابي. القائمة من اهل التوحيد والسنة، فان الخارج منها بارادته بعد علمه بذلك، فانه كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، كما انه تارك للسنة، لانه ترك سبيلها وما امرت به، كما صرحت السنة بانه قد تركها عندما حرج من جماعتها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم  ترك السنة الخروج من الجماعة. التهذيب 318/3  عن ابي هريرة .
 ان الانتماء الى جماعة اهل السنة والاتباع لسبيل المؤمنين، هو عهد مع الله للسيرعلى هذا الطريق، وان العبد لمسؤول عن هذا العهد، وليس كاحزاب الدنيا ايده اذا شاء وتركه اذا شاء.
ان دخول الجماعة فهو بيعة مع الله، وعهد وان العهد كان عنه مسؤولا، والخروج منها نكوث عنه كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ). 10 الفتح.
ولما كان الانتماء الى الجماعة هو طاعة لله في امره بها، وموالات لاولياءه اهل التوحيد، فان الامر قد اصبح بينه وبين الله وليس بينه وبين الجماعة، وخروجه منها هو خروج عن الطاعة لله فيها، وزهدا عن سبيله، ومفارقة لاولياء، ومشاققة لسبيل المؤمنين الذي دعاه الله اليه، وعلى العبد ان يعلم من هو سائله عن كل ذلك.
ومن زعم بانه سلفي المنهج، يجب ان يعلم ان الدليل الذي امره بالسلفية منهجا وسبيلا، هو ذات الدليل الذي يحرم الخروج على جماعتها، كقوله تعالى: ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً). 155 النساء.
واي فئة يتبع فيها سبيل المؤمنين ان اعتزل اهل السنة واهل الحديث وانصار الله وانصار السنة والفرقة الناجية والطائفة المنصورة ؟ فالى اين يذهب؟ الى الهوى ام الى ذئاب الخوارج؟ وهل طابت نفسه بهجر اهل التوحيد الذين يفردون ربهم بالدعاء، بالغداة والعشي يريدون وجهه؟
والله تعالى يامر حتى رسوله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعتهم وان يصبر نفسه معهم، فالى أي فئة تعد عين من هجر اهل التوحيد.
يجب ان يعلم طالب العلم او المنتسب الى اهل السنة، ان التعامل مع جماعتهم هو لله تعالى وليس لمجرد الصداقة او ما تناله النفس من حظوظ الدنيا، وان تكون العلاقة بهم، هي معاملة لله فيهم، كما اشار لذلك شيخ الاسلام ونقل سابقا، وهي تقربا لله بطاعته في لزوم ما امر به، ومحبة لمن نصر دينه ومؤازرة لهم.
لكن عندما تلتفت القلوب الى الدنيا وتتعلق بالرئاسة والقيادة والاموال، وتتعالى بما نالت من الاموال والسلطة، ويستقر في النفس المغرورة انها لا يمكن ان تبقى في الجماعة بغير ذلك، كما لا تريد ان تدار او توجه ممن تزدري اعينهم، كما يهون عليهم التوحيد واهله والسنة وانصارها، الى درجة يجد في نفسه ان الادارة والاموال هي العامل الوحيد لبقاءه في الجماعة والرباط مع افرادها، حتى اذا نزعت منه أحسّ بان الصلة قد قطعت بالجماعة، وكانه لم تكن بينه وبينهم مودة، لان عامل المودة عنده كان الادارة والسلطة التي نزعت والاموال التي انقطعت. ( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ). 71 المائدة.
 فعندما يبتلى صاحب الهوى بفتنة مع اخوانه ينسى حقوقهم عليه، والتوحيد الذي اجتمعوا لاجله، فيخرج على جمهور اهل التوحيد والسواد الاعظم من اهل السنة واميرهم، ويتبع من شذ مثله واشرب من هواه، كما هو حال الخوارج، الذين كلما اختلفوا في الامارة او شي من امور الدنيا خرجت منهم مارقة، والذي تولى كبره منهم صار اميرها.
ثم يجمعون لفرقتهم قواعد واصول واسباب للخلاف، ما كانت موجودة عندما خرجوا، وكل منهم يرى ان الحق معه وغيره على باطل، حتى صاروا اكثر من اربعين فرقة فهل الحق هكذا يتعدد؟ .
ولما عرفت نزاعاتهم ليس لها مبرر غير الهوى والغرور، وصفهم اهل السنة، باهل الاهواء، بناء على ما جاء في الاحاديث التي تصفهم بذلك، مع انهم يرفعون شعارات حق واسماء يراد بها باطل.
واشباههم اليوم الذين يخرجون على جماعة اهل السنة، يزعمون انهم يدعون الى الكتاب والسنة، او جمعية الكتاب والسنة، وكأن غيرهم كان يرفض الكتاب والسنة او ليس من اهلها! ومع هذا الزعم فانهم قد خالفوا الكتاب والسنة في امر الجماعة ولزومها وموالاة اهلها، ومحبتهم ومجالستهم، فاين الكتاب والسنة في ذلك؟.
وهل الجماعة لان تكون جمعية خيرية للمشاريع وجمع المال؟ ان هذه امال خير تابع للجماعة سواء وجدت ام لا فان الجماعة شعيرة تعبدية في ذاتها والاتباع لها لاجل الاقرار بالجماعة والانتساب لها كأمر يتبع للعقيدة التي يدعون لها ولزوم جماعتها من الولاء والبراء لاهل التوحيد.
ان امثال هؤلاء قد خبّر عنهم سلف الامة، حتى لا يغتر بهم العوام، فقد ذكر الامام الشاطبي في الاعتصام، اثر ابن مسعود: وستجدون اقواما يزعمون انهم يدعون الى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، عليكم بالعلم، واياكم والبدع والتعمق، وعليكم بالعتيق.
وروى الحافظ وابو يعلي، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما اتخوف عليكم رجل قراء القرءان حتى اذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام اعتراه الى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسبف ورماه بالشرك، قال: قلت يا نبي الله ايهما اولى بالشرك المرمي ام الرامي، قال: بل الرامي.
 وربما تكون في بعض الاشخاص المراحل الاولى من مثل هذه الحالة خاصة اذا كانت لتشويه اهل التوحيد ويتهمهم بمخالفة العقيدة لمجرد كلمة يؤولها هو على هواء في حين ان صاحبها يرفض ذاك المعنى المتأول ويرده على مسامعهم. وهذا المفتون يعلم ذلك لكنه يبحث عن حجة ضد خصمه المعلوم بالعلم والاستقامة بل ربما كان من اشهر اهل السنة في محاربة المبتدعة في عصره .
 وذلك كالحالة التي وصفها الحسن وورد سابقا: ان ابي بن كعب قال: هلك العقدة ورب الكعبة، هلكوا واهلكوا كثيرا، والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على ما يهلكون من امة محمد صلى الله عليه وسلم .يعني بالعقدة: الذين يعمدون على الآراء والاهواء، والمفارقين للجماعة. انتهى.
واما زعمهم انهم يعملون ويدعون من خارج الجماعة، او في جمعية اخرى، فما ذلك الا غطاء لبدعتهم، واصرارا على هواهم، وضرارا للجماعة، وارصادا لمن حارب الجماعة، وان لم يكن لهم عيب سوى الخروج من الجماعة، فكفى به اثما وبدعة وترك للسنة.
وقد عرف ان اول بدعة وقعت في الإسلام هي بدعة الخوارج الذين خرجوا على جماعة المسلمين .
ان الامور الاجتهادية بطبيعتها قابلة للخاطأ والصواب، فمن راى في الجماعة ما هو دون الكفر فليعالجه ولا يخرج على جماعة التوحيد، لانها اجتمعت لاجل هذا التوحيد الذي ما زال متفق عليه بينهم، وليس للصداقة او ادارة الاموال، كما لا يمنع ذلك الخلاف من دعوة رفاقه لما يراه صواب من داخل الجماعة .
 اما اذا كان خلافه لمجرد انه عزل من الادارة والاموال التي كانت سائبة في يده، فليس هذا بمبرر للخروج على الجماعة، بل هو فجور في الخصومة ومكابرة ودفاعا عن المصالح الشخصية، كما ان الجماعة لا تخلو من حالتين:
اما ان تكون محقة في عزله لمخالفته الثابتة عليه، وعليه قبول ذلك، واما ان تكون ظالمة له، خطأ او عمدا ـ فعليه الصبر على الفتنة، وعلى ما يكره، ويلزم الجماعة ولا يفارقها، لقوله:  من راى من اميره ما يكره فليصبر .
اما ان يعاديهم ويوازيهم بجماعة اخرى، فقط لاجل الادارة وليس لاجل التوحيد الذي لم يختلف عليه، بل ذهب الى عرقلة مسيرتهم، والتشكيك فيهم، وينادي للخروج عليهم، ويزاحمهم على من يدعمهم، ويطلب من الحكّام مصادرة مساجدهم، فهذا صد عن سبيل الله، وفجور في الخصومة، انسى الخارج نفسه ووقوفه بين يدي الله عزّ وجلّ .
ومهما زعم انه جمعية للكتاب والسنة او غيرها من الشعارات البرّاقة، فانه اذا نظر لفعله وجد نفسه قد نبذ الكتاب والسنة وراء ظهره، ومناصر لاعداء جماعة التوحيد ومعادي للموحدين، حتى يرجع، وما زال الحق واحد لا يتعدد.
فالجماعة شي والعمل الخيري شي آخر، وكان يمكن ان يكون في الجماعة ويعمل عشر جمعيات خيرية لا احد يرفض ولا يتناقض مع الجماعة، ذلك لكن الخروج من الجماعة هو مشاققة لها وجهل ومكابرة لمخالفها ان كان يظن ان الجماعة لاجل العمل الخيري وجمع المساعدات والصدقات او حتى بناء المساجد فان ذلك ليس مبرر لترك الجماعة.
قال الامام الشاطبي في الاعتصام ص 249 : ان قوله عليه الصلاة والسلام: (الا واحدة) قد اعطى بنصه ان الحق واحد لا يختلف اذ لو كان الحق فرقا ايضا لم يقل: (الا واحدة) ولان الخلاف منفي عن الشريعة باطلاق، وهو معنى ما جاء في الرواية الاخرى من قوله: (وهي الجماعة) لان الجماعة وقت الاخبار كانوا على ذلك الحق. انتهى.
 ان الواجب على الشخص في الجماعة ان يكون رحيما باخوانه في الدعوة، كمثل من ينتسب اليهم من سلف الامة، حيث كان رسولهم معهم كذلك: ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم). ولا يتعالى على اخوانه او يزدريهم، وان يخفض جناحه للمؤمنين، مطيعا لمن امّروه عليهم، خاصة في الامور الادارية والاجتهادية، فاذا عزل الامير منهم شخصا فعليهم بالقبول، حتى لو كان مظلوما يصبر ولا يترك جماعة اهل الحق لاجل خطا ان حدث ذلك.
وما كانت الطاعة المطلوبة للامير الا في مثل هذه الامور الادارية والتنظيمية والاجتهادية، لان الحلال والحرام الطاعة فيها للنصوص، وطاعة الامير قصد بها المسائل التي تحتاج الى اجتهاد، لاجل وحدة الجماعة في المواقف، حتى لا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم.
ان الادارة والقيادة تكليف، فاذا رفع عنه الامير التكليف، فعليه بالقبول، ولا يصر على احتكار الادارة وخاصة الاموال، كما ان الحريص على الولاية ايا كانت فالواجب منعه منها، لقوله صلى الله عليه وسلم: انا لا نعطي الامارة من سالها. فكيف بمن اصر عليها وتمسك بها وعادا ووالا فيها.
وقد علم ان من خيرة المسلمين في ادارة الحرب والقيادة، كان خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقد عزله عمر رضي الله عنه لمصلحة رءاها، فاجابه خالد رضي الله عنه وسلم الامارة لمن اسندت اليه ولم يتعصب له احد من المسلمين او يعترضوا على قرار عمر رضي الله عنه.
اما المسائل التي بها شبهة مثل المال، فالواجب على من عزل منها ان لا يظهر حرصه عليها، وكما كانت لمن قبله تكون لمن بعده، واذا سألوه عن ماله الخاص من اين له، عليه ان يجيب لنفي الشبهات.
فقد سألوا من هو افضل منه، ذلك الصحابي الجليل ابا هريرة رضي الله عنه، ليس شكّا فيه ولكن لان هناك من اهل العراق من شكى لعمر وكأنه تعسف، بان له مالا عندما كان اباهريرة اميرا على البصرة بالعراق، فطلب منه عمر رضي الله عنه، واستدعاه الى المدينة وساله عن الاموال، وحاشا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ياخذ من المال العام او الخاص شيئا، بل حتى التجارة الحلال ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ينشغل بها وتفرغ للعلم حتى انه كان يقول تبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملىء بطني، فاجاب ابو هريرة رضي الله عنه على عمر: انها من مال الفيء نميته يا امير المؤمنيين. أي حصته من الغنائم نمت وزادت حينما كان اميرا على العراق، لعله جعل عليها من يرعاها.
فلما امره امير المؤمنيين ان يرجع الى عمله في البصرة، قال: والله لا اولى عليهم بعدها. وترك الامارة وهو لا يشك في براءته أي فرد من من عرفوه .
والواجب على الفرد من الجماعة اذا ظلم من ادارته، عليه الصبر حتى تنجلي الفتنة، ويسال الله السلامة من الفتن، ثم ان الجماعة فيها غيره من الكوادر ولهم مثله من الحق في المشاركة في الخير، وللادارة ان تجرب غيره، او رأت في غيره الكفاءة بحثا عن الافضل.
وكي لا تكون الادارة والاموال دولة بين اناس بعينهم لا يحق لغيرهم المشاركة، فضلا ان ينتصر اليه اصحابه او الذين كان يمولهم على مشاريعهم الخاصة، ويتحزبون له ويعادون فيه ويوالون فيه، لاجل العودة لادارة الاموال والسيطرة على الاخرين، وتقدم حماية المصالح الشخصية والعلاقات الاسرية، وامور جاهلية، فهذا صهري وهذا عديلي وهذا من منطقتي، مما لا يليق باهل الدعوة والعلم.
واحيانا يتاثر بعض اهل الخير والطيبين بهؤلاء المفتونين، لثقتهم فيهم واحسان الظن بهم، وجهلا باخطاءهم التي كان لا ينشرها اميرهم المنشق، ويظنون ان اؤلئك المعزولين مظلومين، فيقفون خلفهم ويدافعون عنهم، وربما يخرجون معهم، لما لبّسوا عليهم بعبارات الباطل المكسوة بالاصلاح والاعتدال المزيف، والتشنجات والنهرات حتى تراهم احرص الناس على الدعوة، في حين هم احرص الناس على الحياة المترفة، وتجد داعية مفرغ اصبحت له عمارة ومحلات تجارية وعدة مساكن، فان سئل عن ذلك عليه ان يجيب وان ابعد عن ادارة عليه ان يسلمها وامره الى الله.
ان الواجب على افراد الجماعة في هذه الحالة، طاعة اميرها، وان لم يوضح سببا لعزل المعزول، لانه لم يكن امر بمعصية، وانما اعفاء عن تكليف، كما ان الخطاء على من يصر على موقعه حتى لو كان بريئا مما نسب اليه، فهناك فرق بين براءته، وبين اصراره على العمل وادارة الاموال.
واحيانا الامير يكتم اسباب العزل لمصلحة يراها او مراعاة لمستقبل المعزول مع الجماعة ان رجع اليها.
ومثال لتلك الاجتهادات في تقدير الموقف، اصرار الخليفة علي رضي الله عنه على عدم المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه، فهل هو مستهين به ام يستحل دمه ؟ كلا لا هذا ولا ذاك، وانما مصلحة شرعية رأها ولمنع الفتنة وقد لا يستطيع بيان كل ما فيها، لان المصلحة تقتضي ذلك.
ومثل هذه الامور الاجتهادية ربما تكون فتنة لمعرفة من يتبع السنة في معالجتها، ومن يصر على رايه وهواه، وفي مثل هذه الحالات يستغل بعض الذين افتتنوا هذا الصمت المفروض على الامير او الادارة فيجعلون منه ازمة وحجة على ادعاءاتهم، ويثيرون البسطاء ومن يحكمون بالعواطف على قيادتهم، لان افكارهم المحدودة التي لا تتسع لمعرفة الامور المعقدة، تجعلهم يتحركون بالعواطف، او بما يمليه الملبّسون، كما حدث ذلك للخليفة المامون عندما لم يستطيع التوفيق بين حجة الامام احمد، وما يثير العلماء المفتونين ضده، بناء على كثرتهم، وانفراد الامام احمد بذلك رحمه الله.
الى ان شاء الله ان يعرف الناس فيما بعد ان المنفرد الامام احمد كان على الحق، وكتلة العلماء المفتونين والقضاة والخليفة والمفتون كلهم كانوا على الباطل.
ان الواجب على الدعاة ان لا ينسوا ان الابتلاء مازال يعرض على العبد من وقت لاخر، ولا يعني خروجه من الجاهلية، ودخوله دعوة التوحيد، انه من المتجاوزين للفتن، او الابتلاء قد توقّف، وليتذكر قوله تعالى: ( وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا* لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا). 16- 17 الجن.
وقوله تعالى: ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ). 179 عمران .
ان هناك لابتلاءات، وخاصة هذا الزمان المشهور بكثرة الفتن، حتى جاءت وصايا السنة تقول: بادروا بالاعمال فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا. جامع الاصول الجزء العاشر بعدة روايات صحيحة .
وعلينا الحذر في كل لحظة ومسألة، وان نفزع الى الله في معالجة الفتن، فذاك نبي الله داود عليه السلام، لمجرد انه افتى لمن ساله عن خصيمه في نعاجه في صورة تبدوا واضحة المظلمة، واسرع بالاجابة بانه: ( قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ) فلما ادرك انه قد تعجل في الحكم قبل ان يسمع حجة الاخر، خرّ لله راكعا مستغفرا خوفا من هذه الفتنة، وقال تعالى عنه: ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ). 24 ص.
واما البعض فيظلم في حق المئات من اهل التوحيد، بل وفي اموالهم واموال الايتام والمساجد، ولا يرى انه مخطيء بل ينصب نفسه العادل المانع للاخرين من الظلم. واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلجون.
 وكذلك كما روي عندما شكك الشيطان زوجة داود عليه السلام، في ان الله لو كان يحب داود لشفاه، فلجأ عليه السلام الى الله للنجاة من الفتنة، وقال الله تعالى عنه: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ). 41 ص.
فعلينا باللجوء الى الله عند وقوع الفتن، وليس اللجوء الى التحزّب والفرقة والخلاف، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ان ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة.
وهذا اصل من اصول اهل السنة. ومن فارق الجماعة خارج عنه، كما قال شيخ الاسلام فيما ورد: واهل هذا الاصلا هم اهل الجماعة، كما ان الخارجين عنه هم اهل الفرقة .
وعلى عامة الافراد ان لا يعاونوا من شذ عن الجماعة وعاداها، بل يقربوه منها، ويعاونه على انصافه ان كان مظلوما، ولكن لا يعاونه في العداء للجماعة وافرادها، كما قال تعالى: ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ). 2 المائدة.
نقل عن شيخ الاسلام في حق المعلمين وما يجب عليهم من الاداب في 15/28 : فاذا كان المعلم والاستاذ قد امر بهجر شخص، او باهداره واسقاطه وابعاده ونحو ذلك: نظر فيه، فان كان قد فعل ذنبا شرعيا، عوقب بذنبه بلا زيادة، وان لم يكن اذنب ذنبا شرعيا لم يجز بان يعاقب بشيء لاجل غرض المعلم او غيره، وابضا قال: وليس للمعلمين ان يحزبوا الناس، ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونوا مثل الاخوة المتعاونين على البر والتقوى. انتهى.
ان ما يفعله البعض عندما يبعد فقط عن الادارة وليس الجماعة، فيحزّب الناس، ويوزع الاموال لكي يجعل له كتلة تخالف معه، بل ويدعو الطلاب الذين كان يدرّسهم باسم الجماعة، يدعوهم لتركها ومحاربتها، ويقيم لهم مدرسة جديدة ضرارا ومكابرة وارصادا لمن حارب جماعة السنة ومعهدها الذي خرّج دعاة التوحيد لتعليم حق الله على العبيد، فهذا امر سوله الشيطان، ونزغ به بينه وبين اخوته، وعليه تركه والمسارعة لان يصلح ما افسد ويبين ما لبّس، قبل ان يصبح فجأة بين يدي الله وهو على ذلك. يصد عن سبيل الله.
قال شيخ الاسلام رحمه الله: ومن نصب شخصا كائنا من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. الاية، واذا تفقه الرجل وتادب بطريقة قوم من المؤمنين مثل: اتباع المشايخ، فليس له ان يجعل قدوته واصحابه هم المعيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم، فينبغي للانسان ان يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به، فهذا زاجر. وكمائن القلوب تظهر عند المحن، وليس له ان ان يدعوا الى مقالة او يعتقدها لكونها قول اصحابه ولا يناجز عليها، بل لاجل انها مما امر الله به ورسوله، او اخبر الله به رسوله، لكون ذلك طاعة لله ورسوله. وينبغي للداعي ان يقدم فيما استدلوا به من القراءن، فانه نور وهدى، ثم يجعل امام الائمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الائمة. انتهى.
وقال ص16 : وليس لاحد منهم ان ياخذ على احد عهدا بموافقته على كل ما يريده، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وامثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا والي، ومن خالفهم عدوا باغي. انتهى.
وقال ايضا رحمه الله: واذا وقع بين معلم ومعلم، او تلميذ وتلميذ خصومة، لم يجز لاحد ان يعين احدهما، حتى يعلم الحق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الامر فاذا تبين له الحق اعان المحق منهما على المبطل، سواء كان من اصحابه، او اصحاب غيره. انتهى
وهذا في شان الخصومات الشخصية، اما في الادارية فالطاعة للامير او اللجنة او المسؤول عنها، واما تقييمه لاحد الكفتين يجب ان يكون شرعيا وليس بهواه، وعند الاختلاف في التقييم يرجع للقاعدة العامة في الخلاف: عليكم بالسواد الأعظم، لاجل السلامة، وهذا مخرج للاجتهاد حتى لو كان خطأ كان من المعفو عنه، كما ان ميزة هذه الامة لا تجتمع على ضلالة، وهذا من توفيق الله لها للصواب.
وقال أيضا: ومن مال مع صاحبه سواء الحق له او عليه، فهذا حكم بحكم الجاهلية، وخرج عن حكم الله ورسوله، والواجب على جميعهم ان يكونوا يدا واحدة مع المحق على المبطل، فيكون المعظم عندهم ما عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم ما قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من احبه الله ولرسوله، والمهان عندهم من اهانه الله ورسوله، بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الاهواء، فان من يطع الله زرسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فانه لا يضر الا نفسه، فهذا هو الاصل الذي عليهم اعتماده، وحينئذ فلا حاجة الى تفرقهم وتشبعهم، فان الله تعالى يقول: ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. وقال تعالى: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد جاءهم البينات، وان كان الرجل قد علمه استاذ عرف قدر احسانه اليه وشكره، ولا يشد وسطه، لا لمعلمه ولا لغير معلمه، فان شد الوسط لشخص معين، وانتسابه اليه كما ذكر في السوال، من بدع الجاهلية، وجنيس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه ، ومن جنس تفرق قيس ويمن، فان كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون على البر والتقوى، فهذا امر الله به ورسوله، له ولغيره بدون هذا الشد، وان كان المقصود به التعاون على الاثم والعدوان فهذا حرمه الله ورسوله، فما قصد من هذا بخير فمن امر الله بالمعروف، استغناء عن امر المعلمين، وما قصد بهذا من شر فقد حرمه الله ورسوله، فليس لمعلم ان يحالف تلامذته على هذا، ولا لغير المعلم ان ياخذ احد تلامذته لينتسبوا اليه على الوجه البدعي لا ابتداء ولا افادة. انتهى.
وقال رحمه الله صفحة 20 : ومن حالف شخصا على ان يوالي من والاه ويعادي من عاداه، كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله، ولا من جند المسلمين. انتهى.
وقال في 420/3 : واقل ما في ذلك ان يفضل الرجل من يوافقه على هواه ، وان كان غيره اتقى منه. انتهى.
وقد تاتي الفتن والمحن رحمة بذلك المجتمع الطيب، لان الإنسان الضعيف محدود القدرة لا يدري من معه ماذا يبطن، وربما كان هناك مخترقون يحيكون المؤآمرات ويقلّبوا الامور امثال السروريين في الوسط السلفي، وهناك سماعون وبسطاء يتأثرون وفي مثل هذه الحالة وعن مثيري الفتن من الداخل بين تعالى انه هو الذي اخرجهم وابعدهم بتلك الفتنة حتى لا تضر باهل الحق، فكره خروجهم معهم في نصر الحق حتى لا يخذلوهم كما كشف انهم اصلا ليس لهم حماس على ما تريدون، مما يفيد ان لهم مآرب أخرى، وفي مثل كل ذلك قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) . 46-48 التوبة.
فالفتنة تنفي المخترقين والمنافقين واصحاب الاهواء كما ينفي الكير الخبث، فاما الزبد فيذهب جفاءا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض، وتبقى دعوة الله طاهرة نقية ومن تاب فان الله عزيز حكيم واهل الحق يمدون ايديهم للجيمع ولاصحابهم خاصة ان افتتنوا، كما قال الله: ( لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا). 71 الانعام.  
ويقول اهل الاعتدال: ربنا لا تجعل في قلبوبنا غلا للذين امنوا، ومن اصرّ ولم يرجع فقد تكون علامة على انه اصلا ما كان منهم بل يتولوا وهم فرحون، والله غني عن العالمين، وتبقى الجماعة لكل سهل هين لين في يد اخوانه بالمؤمنين رؤوف رحيم.



عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء مايو 12, 2020 8:16 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة   الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة Emptyالأربعاء أغسطس 14, 2019 7:01 am



الخـلاصـة

 الخلاصة التي نخرج بها من هذا البحث الموجز هي: ان الجماعة امر واجب على اهل الحق ان يفعلوه، واتباع للسنة، وليست فقط لاجل الادارة وتنظيم حياتهم، وانما احتسابها شعيرة تعبدية يتقرب بها الى الله تعالى، بل هي اصل من اصول اهل السنة، عرفوا بها حتى قرنت في وصفهم السنة فصاروا بالصفتين معا : اهل السنة والجماعة.
وذلك عندما خالف الناس نهج الجماعة الحقة، وابتدعوا من الشعائر والمناهج، وصاروا عليها جماعات متعددة، فدعى اهل السنة عند ذلك الى الجماعة الحقة وبيينوا اهميتها ووجوبها، حتى وصفوا باهل الجماعة.
وقد غلط من طلبة العلم من قال: لا داعي للجماعة، ويكفي ان يكون كل منهم على منهج السلف، مع ان الجماعة هي من منهج السلف بل واصل من اصولهم، الا ان القائل اذا تامل ادلته لوجدها تدل على وجوب الجماعة، لكنه فهمها بناء على ما استقر في نفسه من النفي، ولم يدرك مراد السلف في بيان النصوص التي بذاتها صريحة في ذلك المعنى أي الوجوب.
ولنلخص بعض المقتطفات الموجزة من اقوال اهل العلم التي اشارة لذلك فيما ذكر، لنجدد المعنى في النفوس لان المناقشات قد توسعت بنا وربما انست عباراتهم. وأيضا لما علمنا من إصرار بعض الاخوة وبحثهم عن مبررات، لذا الخص بعض ما ذكر.
 فشيخ الاسلام يرى الجماعة ضرورة لا تقوم الحياة كلها الا بها، اذ قال: وكل بني ادم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الاخرة الا بالاجتماع والتعاون والتناصر، الى قوله عن امرائهم وقياداتهم. فاذا اجتمعوا؛ فلا بد لهم متن امور يعملونها، يجتلبون بها المصلحة، وامور يجتنبونها، لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للامر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد.
ومما يؤكد انه يعني الاجتماع كجماعة وليس فقط اتباع الحق الذي عليه الجماعة، قال: فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الا بالاجتماع لحاجة بعضهم الى بعض. وقوله: وامثال ذلك من النصوص التي تامر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، واهل هذا الاصل هم اهل الجماعة، كما ان الخارجين عنه هم اهل الفرقة.
وفي رسالته لجماعته من السجن قال: وان لم يكن خدمة الجماعة باللقاء، فانا داع لهم بالليل والنهار، قياما ببعض الواجب من حقهم، وقوله: وسموا اهل الجماعة لان الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وان كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين.
وقوله: ثم انه سبحانه بين ان هذا الاصل عماد لدينه. الى قوله: فانظروا رحمكم الله كيف دعا الله الى الجماعة، ونهى عن الفرقة، ثم قال: فوصف الفرقة الناجية بانهم المتمسكون بسنته، وانهم هم الجماعة.
وكذلك ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: انه امر المسلمين بالاجتماع في الدين. الى قوله: ثم صار الامر بالاجتماع لا يقوله الا زنديق او مجنون. أي صار امر غريبا وغير مالوف لانهم قد تركوه.  ويشير بذلك للذين يقولون بعدم جواز الجماعة او تركوها بغير اعتراض.  
 وقوله أيضا: الاصل الثالث ان من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تامر علينا ولو كان عبد حبشيا، ثم قال مستنكرا على المعترضين: ثم صار هذا الاصل لا يعرف عند اكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به.
وايضا ما نقل عن الشيخ ابن باز رحمه الله قوله: بان يكونوا كتلة واحدة وجماعة واحدة.
كل ذلك ونجد بعض من يدعون العلم يستنكرون حتى لفظة الجماعة ويتحرجون منها في كلامهم، مع انها نقلت في كلام معظم شيوخ السلفيين، ولكن الهوى يعمي ويصم، الا من رحم الله فرجع وذلك من ورعه وطلبه للحق، وذلك يرفع مقامه.
وقد وصف الشيخ الالباني رحمه الله السلفيين بالجماعة، في كلامه عن الجماعة السلفية، كما ورد في مجلة السلفية: واذا فرضنا ان هناك جماعات متفرقة في البلدان الاسلامية على هذا النهج، فهذه ليست احزابا، وانما هي جماعة واحدة.
وايضا من كلامه: وانما الانتماء الى سبيل واحد، وسلوك طريق واحد  وقوله: ولكن من الواجب، ان يعرف الراغب بان يكون من هذا الحزب، الذي شهد الله عز وجل له بالفلاح علامة هذا الحزب ونظامه ومنهجه.
وقوله في الحديث: فقبض يده وقال:  الجماعة.  دلّ ذلك على تماسك الجماعة وليس المراد فقط منهج يعمل به كل منهم دون اجتماع.  
ان الجماعة التي وصفت، هي لعناصر اجتمعت على الحق، وتماسك افرادها، وهم اهل العلم واتباعهم، سواء قل عددهم ام كثر، واذا تفرقوا في البلدان، انتسبوا الى بعضهم، وان وجدوا في بلد واحد، اجتمعوا ولزموا جماعتهم من ومجالسها من غير بدع الجماعات بالمعاهدات او البيعات، انما هم قوم اجتمعوا للتواصي بالحق والصبر على الاذى فيه، ولتعاون على البر والتقوى.
وبشرى سارة لهم فيما رواه الطبراني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن يمين الرحمنـ وكلتا يديه يمين، رجال ليسوا بانبياء ولا شهداء، يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين، يغبطهم النبيّون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله عزّ وجلّ، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم جمّاع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر الله، فينتقون اطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر اطايبه.
ومجالسة الجماعة تكثر سواد اهل السنة، وهي تلك المجالس التي وصفت بان تتباهى بها الملائكة، وامر الرسول صلى الله عليه وسلم: بلزومها والصبر فيها، فما بال اناس يتنزهون عن الشي يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، انها الغفلة تقسي القلب، وتزيد قسوته بمفارقة مجالس اهل الحق، وكما في الحديث: من بدا جفا.
اما من أحيا شعيرة الاجتماع، ولزم اهل الحق فهو معظم لشائر الله،  (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).23 الحج.
والمراد ان يكون اهل الحق جماعة مباينة لاهل البدع، وفرقة تجعل اهل الحق خارج الفرق الهالكة، وليقصد الجماعة من اراد النجاة، وهي الجماعة التي اسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج الناس عنها ببدعهم، فاحياها اهل السنة وردوا الناس اليها، وهي الفرقة التي وصفت بالطائفة المنصورة، التي لا تزال حتى تقوم الساعة.
اما الجمعيات الخيرية فلا يوجد فيها اصلا شبهة التحزب، لان ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، ولا فرق في هذا الاجتماع لامور الدين او الدنيا، واذا كانت هناك اخطاء في بعضها، من ناحية منهجها، او سلوك افرادها، فهذا ينسب لسلوكهم، وليس من باب بطلان اصل عمل الجمعيات.
اما ما يتعلق بالهجر والبراءة احيانا كما يفعل بعض طلبة العلم بهجر بعض اهل العلم لانه زكى شخصا او جهة لا تستحق التزكية، فان كل انسان يفتي بما يراه والعلة قد لا تعرف عند الجميع والشيخ معذور فيما لا يدري، ولهذا وضعت قاعدة الجرح يقدم على التعديل، من غير جرح في من زكى تلك الجهة، اذا علم من سيرته الخير، فلا يهجر شخص لاجل اختلاف التقيم والاجتهاد، ولان كل منهم يقيّم الواقع بما توفر لديه من معلومات.
واما الهجر بين عامة الاخوة في الدين فهو من التعزير، ولا يفتي به الا اهل العلم وليس لطلبة العلم الخوض فيه ان وجد من هو اعلم منهم، كما ان مسالة الهجر هي عقوبة وتحتاج الى موازنات، فمن الناس من يصلحه الهجر، ومنهم من يزيده في الانحراف ويعين عليه الشيطان.
فعلى طلبة العلم ترك مسائل التعزير والهجر والبراء ليفتي بها الفقهاء الراسخون في العلم، وهي حالات نادرة، والواجب والاصل هو الصلة وليس الهجر، والعمل على بناء المجتمع المسلم واصلاح ذات البين، وان لا نفرط في اللبنات الموحدة، بل نمد الايدي حتى يترابط اهل السنة في كل انحاء العالم، لان رسالتنا عالمية، كما قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). 107 الأنبياء.
واخطأ من جعلها محصورة في بلده، والله تعالى يقولSadوَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا). 28 سبأ.
 ان من كان من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتزل الجماعة التي على التوحيد والسنة التي امر بها واشار لها ووصفها بالناجية، واشتاق الى أهلها الذين يدعون الى سنته يعلمونها الناس. ولا حولا ولا قوة الا بالله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
 
الجماعة وجوبها ولزومها في الكتاب والسنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حقيقة الاسلام وجوهر الدين :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: