من آيات الله في الآفاق
ومن تلك الايات الكونية والاشارات الربانية الملفتة اليها عجائب الكواكب والنجوم والمجرات في الآفاق التي اشار اليها القرءان في قوله تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). 53 فصلت.
وورد عند ابن جرير الطبري: قال ابن زيد, في قوله: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي
الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) قال: آفاق السموات: نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين, وآيات فى أنفسهم أيضا. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول, وهو ما قاله السديّ, وذلك أن الله عزّ وجلّ وعد نبيّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذِّبين آيات في الآفاق, وغير معقول أن يكون تهدِّدهم بأن يريهم ما هم راءوه. انتهى.
وهي تشمل كل ما سيقع بعده بيين السموات والارض، وألآفاق جمع افق. واذا قيل: بلغت شهرتُه الآفاق : ملأت شُهرته بقاعَ الأرض.
فالاية تحدّث عن احداث قادمة بعد نزولها حيث ذكرها حدث قادم (سنريهم) وانها ستوصلهم الى ان هذا الخبر حق من عند الله.
ومثلها قوله تعالى: ( سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) 93 النمل.
ومن تلك الايات والإشارات القرءانية في الافاق خلق الليل والنهار ودورانه حول بعضه ودقة الالفاظ في ذلك، وما يشير الى كروية الارض والتي لا تخطر على بال انسان في تلك الفترة قبل 1400 سنة وقبل الوحي بالقرءان، لكنها تتبين أخيرا فتصبح اكثر وضوحا، وان الانسان في تلك الفترة يرى من الأرض الجانب المشاهد المسطح وذلك لاتساعها، لكن بعد خط الافق لا يرى شي ويعزي ذلك لبعده وقصر بصره، لكن في الحقيقة ان بعد كيلمترات قليلة تبدا الأرض في التقوس في شكل كروي فلا يرى ما غاب في تكوير الأرض، ويرى السماء وكأنها التقت مع الأرض او التفت حولها، لانها تتكور حولها، ثم يأتي الليل ويلتف حول الأرض بتدرج بعد تغطية الطرف المشاهد ثم تلتف حول الجزء الغير مشاهد ثم يمضي الى جانب اخر، فاوله يخرج ويترك الأرض خلفه تضي وهو يمضي ليغطي جانب اخر في رحلة كروية حتى يعود في اليوم التالي، مما يفيد بان الأرض كروية ويطوف حولها ضوء الشمس عندما تدور الارض حول نفسها فيغيب ضوء الشمس فيترك مكان يظلم ويقدم على اخر فيضيئه.
ولو كانت الارض في خط واحد لاضاءتها الشمس مرة واحدة لكن لانها مستديرة تضيئ الشمس الجانب المواجه وأمّا ما استدار استتر حتى يرجع اليها.
وهذا الحال اشار اليه القراءن في عصر لا يعرفون كروية الأرض الا خبرا قرءانيا امنوا به وظهر منه جانب هو دوران الليل على النهار، واخير في عصر العلم بالكرة الأرضية يقفون على ان ذلك الاكتشاف قد أشار اليه القرءان من قبل في ابدع بيان، اذا تاملوه وجدوا كل المراحل مشمولة في كلمات معجزات، فتأمل قوله تعالى في الايه 5 من سورة الزمر كيف تشير الى تكوير الأرض وان الليل يمر بشكل كروي حولها لانها مكورة حيث قال تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى). الاية 5 الزمر.
ففيه اشارة الى كروية الارض، وان الليل والنهار يدوران حولها.
واتضح بجلاء كروية الارض وانها مستديرة في شكل بيضاوي وسافر الناس بالطائرات وداروا حولها حتى عادوا الى نقطة البداية وشاهدوها من الفضاء فلم يصبح خبر فقط بل مشاهد ومعايش يوميا.
فقد علم يقينا ان الأرض تدور، سواء حول نفسها أو حول الشمس ولا يتعارض ذلك مع جريان الشمس في فلك لها آخر سواء علمه الناس او ما زالوا في بحث لكن اخبر الله تعالى عن ذلك بانها تجري لمستقر لها، كقوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ). الى بيانه تعالى انها لا تتصادم ولا تلتقي ولا تسبق في سرعتها المجاريه لها لان كل منهما له مدار وفلك تسبح فيه في الفضاء. حيث قال تعالى: (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).38- 40 يسين.
واية الانبياء 33 : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
وهذا لا ينفي ان الأرض أيضا تدور فينتج عن ذلك الليل والنهار وتقطع هذه المسافة قريبا من 24 ساعة.
نعم الشمس لا تدور حول الارض بل الارض تدور حول الشمس، لكن كما ان القمر يدور حول الارض وان الارض تدور حول الشمس بتوابعها، فكذلك الشمس تدور في فلك اخر ومسار لها كما قال الله عنه: ( والشمس تجري لمستقر لها). لم يقل تجري حول الارض ولكنه قال (تجري لمستقر لها). وهي في مدارها هذا تدور حولها كواكب تابعه لها عرفت بالمجموعة الشمسية. فاذن ذكر ان كل منهما يدور لا يلزم ان تدور الشمس حول الارض وانما لها دورقة خاصة بها, ومن الكواكب توابع تدور حولها.
وان لم يتوصل الباحثون في الفضاء لدقة تفاصيل الكثير من المدارات حتى الان لكن ذكره الله تعالى ويؤمن به المسلمون المؤمنون بما جاء في القرءان. كما اخبر عن اسرار القمر ثم راى الناس ذلك بعد ان وصلوا القمر.
فلا تناقض بين ان الشمس تجري لمستقر لها، وان الارض تدور حول الشمس. فكل حادث.
واما دوران الارض فقد عايشه الناس بل حسبوا المسافة بالكيلومترات، وقد علم ان مسافة محيط الأرض في وسطها عند خط الاستواء 40,075 كيلو متر، تقطعها الأرض في نحو 24 ساعة، بمعنى ان سرعة دوران الارض او جريانها تبلغ 1,669.79 كيلو متر في الساعة، تأمل هذه السرعة الفائقة التي لا نشعر بها.
أي اسرع من طائرة الركاب في عصرنا هذا، ونحن عليها مستقرين بفعل الجاذبية لا نحس بذلك الدوران.
واذا كان اعلى هذه الأرض الجبال البارزة، فهي ضمن الارض ومعها تدور، أي أيضا هذه الجبال تدور بسرعة 1,669.79 كيلو متر في الساعة، بمعنى ان هذه الجبال فعليا تدور وتمر مر السحاب في الفضاء ونحن نراها ثابتة او نحسبها جامدة لأننا معها في موقع واحد، فلا تدور داخل الأرض او حولها بل تدور ضمن كواكب الأرض في فلكها، ونحن والأرض والجبال ندور سويا، والجاذبية تجعلنا ثابتين عليها الا اننا معا ندور بتلك السرعة.
صنع الله الذي اتقن كل شي، ودقة الخلق وحكمة الخالق وعظمة الابداع تتجلى في ما نزل على نبيه في القرءان حيث اخبر بذلك في قوله تعالى: ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ). 88 النمل.
فهي من الاعجاز العلمي الذي يؤكد صدق رسالته وانها اية من عند الله تعالى.
وقبل ان نعبر هذا الموضع نشير الى ما قد اشكل على البعض عندما ذكر القرءان ان الجبال اوتادا فيرون ان دورانها يتناقض مع ذلك، ولم يوفّقوا بين الخبرين، لكن كل منها لا ينافي الاخر. حيث انها اوتادا حق لكن ذلك بالنسبة للأرض ثابة فيها بل مثبتة لها، فهي الهيكل الممسك للأرض، والتراب قشرة على ذلك الهيكل وحولها الماء، وقاع الأرض هي جذور الجبال وما تحت الأرض من الجبال اكبر مما يظهر منها، ومنها صفائح مكونة لاصل الأرض في شكل صحون وصفائح تحمل الارض والماء، وتمتد منها رؤوس شامخة، ونرى الجبال فاذا دارت الأرض دار راس الجبل ايضا، والذي ينظر اليه من خارج الأرض يجد الجبل يدور كالسحاب، فالجبال والأرض هما جسم واحد هو كوكب الأرض لكن هذا الكوكب بما فيه يدور حول نفسه ويدور حول الشمس في ذات الوقت، وفي الأرض الجبال ثابتة على ظهرها وفي باطنها، فلا تعارض بين انها تدور حول الشمس وانها اوتادا للأرض تمسكها وتدور ضمنها.
اذن الجبال ثابة في الارض ممسكة لها مانعة من التصدع، لكنها ضمن الارض ومعها تدور في الفضاء. فهي اوتادا للارض وتدور ضمن الارض.
واما من اشكل عليه انها تمر يوم القيامة وحصر هذا الدوار على ذلك المعنى اي تمر يوم القيامة، فذلك حدث اخر وكله من صنع الله، فيمكن يوم القيامة تمر بل ثبت حالات اخرى في مراحل عدة منها انها تتطاير بل وتندك وتكون كالعهن أي القطن المنفوش فهذه احداث آخرى يوم القيامة اثبتها القرءان، ومنها قوله تعالى: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً *فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ). 14-15 الحاقة. وقوله تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ).9-10 الطور. وقوله تعالى: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا).20 النبأ.
ففي ذلك اليوم تدور وتندك وتتطاير حتى تصبح هَبَاءً وسرابا. فهذا حدث اخر يوم القيامة.
واما دورانها في الدينا شيء اخر وحادث وثابت وليس محل بحث وتوقع بل امر واقع يراه الناس يوميا، وفي كل رحلة طائرة يقفون على الحقيقة.
ونخلص الى انه كما السحابة تمر وتدور فوقنا، فايضا الجبال تدور مع ارضها عندما تدور حول نفسها وحول الشمس ولمن يراها من خارج الكرة الارضية فهي تمر مر السحاب.
وأيضا نحن وما حملنا من امتعة ندور كذلك ضمن الارض، فمثالا لتوضيح ذلك، اذا دخل مع المسافرين البعوض او الناموس في الطائرة فهو يمر ويطير معها، والتي تزيد سرعتها على 800 كيلو متر في الساعة، فسافرت الحشرات مع الركاب في رحلة مثلا من سان فرانسيسكو الى ابوظبي نحو 15 ساعة و13 دقيقة، وقطعت خلالها مسافة 13,220 كيلو متر، وبعد الوصول وفتح الباب خرج الناموس او الحشرات معهم الى خارج الطائرة، فقد وصل الناموس الى هناك بسرعة 800 الى 900 كيلو متر في الساعة سرعة الطائرة التي كانت عليها، في حين الحشرات لم تسير هي بتلك السرعة وليس ذلك من طاقتها، بل لم تطير أصلا لقطع هذه المسافة، وهي راكضدة على ظهر كرسي او رف، لكنها قطعت تلك المسافة ضمن المركبة التي كانت عليها دون ان تبارح مكانها.
فكذلك الجبال سارت بتلك السرعة ومرت مر السحاب دون ان تبارح موقعها من الأرض، لانها تبعا لكوكب الأرض التي هي جزء منها دون ان تفارقها او تحدث خللا فيها ومازالت راسية واوتادا ثابتة عليها، وفي ذات الوقت تمر مر السحاب ضمن دورة الارض في مدارها. فذلك صنع رب الارباب.
فلا تعارض بين انها اوتاد للأرض، وانها تمر معها مر السحاب.
وزال الاشكال. الا عند مكابر مختال. او مشكِّك محتال يستهدف آيات الله بالابطال. (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) 51 الحج.
اما عن اقوال سابقة لبعض العلماء الفضلاء تخالف ذلك فقد كان قبل ان يتبين للبشر او لبعضهم ما علم اخيرا حول الكرة الارضية والفضاء، فلا حرج فيه لان الخلاف حول علم الفضاء او اي شي من قول البشر يقع كثيرا بين الباحثين ثم يرجعون الى ما تبين لهم اخيرا.
ولتوضيح تلك الحقيقة العلمية اكثر، فكما الجبال تمر كالسحاب فنحن ومساكننا وحيواناتنا نمر معها بذات السرعة، ونحن عندما ننام في الطائرة وهي سابحة في جو السماء فاننا حقيقة نمر مر السحاب في جو السماء وبسرعة الطائرة دون ان نفارق المقد او الطائرة لانها هي التي تسير بنا سير السحاب.
وقد كانت الإشارة في القرءان لذلك دون تفاصيل في ذلك الزمان، ولعل بعض اهل البادية وعوام الاعراب في عصر ليس فيه عربات ولا طائرات اذا ذكرت لهم تفاصيلها ربما البعض يتشكّك لعدم قدرته على فهم ذلك او ادراكه، الا ان اهل الايمان واليقين يؤمنون به كغيب، لكن بعض العوام في البادية والرعاة ربما يهلك فهمهم في ذلك، ويصعب عليه تعقل الحضارة القادمة، فاشار لها القرءان بعبارات دون الخوض في كثير من التفاصيل، لتكون آية ومعجزة لاهل زمان آخر يرون تفاصيل للكون اكثر فيجدون القرءان قد ذكرها سابقا.
فمن حكمة الله وردت في ذلك الزمان الإشارة فقط، لكن يقع تفصيلها في عصر حضارة تصبح لهم هذه الاخبار معجزة ذكرها النبي في ذلك الزمان ويقف امامها انسان القرون من التاسع عشر الميلادي وما بعده يقف امام آية في الآفاق تؤكد ان ذلك القرءان من كلام الله الخالق الخبير. وتؤكد ابحاثهم صدق تلك الاية: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ).
فالناس يرون في الآفاق حقائق ومعلومات جديدة لكن أشار اليها القرءان قبل قرون عديدة.
وعبارة في الآفاق تلفت النظر الى حقائق كثيرة بين السماء والارض فيها عجائب تدل على وجود خالق مبدع هو من صنع هذا الكون.
ومنها إشارات قراءنية الى أبحاث في الكون ستاتي وفيها معجزات تدل على الخالق، فتعرفونها، كانه يقول سوف تتبينون وتتأكدون ان تلك الاخبار كانت من عند الله تعالى.
آية السواد الذي في القمر
ومن ايات الله في الآفاق ما ورد في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا). 12 الاسراء.
ومما اتضح للناس في القرن العشرين من نتائج الرحلات الى القمر حيث توصلت الى نتائج ان على ظهر القمر صخور في شكل مكان احتراق سابق مثل الحديد الذائب يوما من الأيام، وان ذلك يدل على ان القمر كان يوما تحت درجة حرار عالية تذيب الحديد، اي كان مشتعلا، بل اكتشفوا ان باطن القمر مازالت به براكين تفيد ان في داخله اشتعال.
وقد أشار القرءان والسنة ايضا الى ما يفيد ان القمر كان مثل الشمس مشتعلا ثم اطفئ او اخمدت ناره، وبقيت الشمس على ضياءها سراجها وهّاجا شديدة الإضاءة لانها مشتعلة، واصبح القمر نورا فقط لانه يعكس الضوء الذي يقع عليه، ويصبح آية لليل والشمس آية للنهار، وذلك ما ورد في الاية السابقة وايضا قوله تعالى: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا). 16 نوح.
ونورا لانه يضيء بلا اشتعال بل انعكاس، واما السِرَاجً به شعلة.
ومحو آية الليل هو طمس اشتعال القمر واخماده ناره، وذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه ونقل تفسيره الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين، فهم لا يحدثون او يروون في شأن المستقبل الا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لانه غيب ولا يخوضون فيه، بل يذكرون ما ثبت عن صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسير الاية. عن قتادة قوله : كنا نحدث ان محو آية الليل سواد القمر الذي فيه، وجعلنا آية النهار مبصرة، أي: منيرة، خلق الشمس أنور من القمر واعظم.
وذكر قال ابن جريج: قال ابن عباس: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار ( فمحونا آية الليل): السواد الذي في القمر.
وذكر ابن جرير الطبري في تاريخه: من حديث عبد الله بن عباس: فأرسل جبرئيلَ عليه السلام فأمر جناحَه على وجهِ القمرِ - وهو يومئذ شمسٌ - ثلاثَ مراتٍ ، فطمس عنه الضوءَ ، وبقي فيه النورُ ، فذلك قوله عز وجل: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } . قال: فالسوادُ الذي ترونه في القمرِ شبهُ الخطوطِ فيه فهو أثرُ المحوِ .جزء 1 ص 56 .
وقال في تفسيره: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار، فمحونا آية الليل: السواد الذي في القمر.
وأنَّ علم الفلك قد كشف أخيراً أنَّ الاثار التي في القمر تدل على انه كان مشتعلاً ثم خمد وانطفأ.
فبحثهم يؤكد ما ورد في الاحاديث ان القمر كان مشتعلا فبرد.
فقد أظهرت المراصد المتطورة والأقمار الاصطناعية الأولى صوراً تفصيلية للقمر، وتبين من خلالها وجود فوهات لبراكين ومرتفعات وأحواض منخفضة. واتضحت طبيعة القمر تماماً عندما وطئ رائد الفضاء الأمريكي(نيل آرمسترونغ) سطح القمر في عام 1969م.
كما اتضح من خلال وسائل النظر الفلكية الدقيقة، ودراسات الجيولوجيا على سطح القمر كما قال علماء الفضاء في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عن براكين (أيو)
هى دراسة علمية للبراكين الموجودة على سطح القمر آيو أحد أقمار كوكب المشتري، وتنتج عن هذه البراكين تدفقات من الحمم البركانية وحفر بركانية، بالإضافة إلى أعمدة من ثاني أكسيد الكبريت و الكبريت التي تمتد على مئات الكيلومترات عالياً في الفضاء).
وقد اكتشف المسبار ( LRO) ان عدة انابيب في القطب الشمالي للقمر كانت تصعد منها براكين الى سطح القمر في السابق.
وقد افادوا بان الاثار تدل على ان حرارة القمر كانت تبلغ 1700 درجة مئوية.
وفي رحلة فوياجر 1 مرور عبر المركبات الفضائية، غاليليو، كاسيني، هايجنز، ونيوهورايزونز، في عام 1979م. حيث اكتشفوا النشاط البركاني.
وعلماء الفلك الأرضيون اكتشفوا ان أكثر من 150 بركاناً نشطاً ويتوقعون أن تصل عدد البراكين إلى أكثر من 400 بركان.
وهذه البراكين هي آثار ذلك الاشتعال السابق وتؤكد ان باطن القمر مازال مشتعلا وبراكين تثور من وقت لاخر وهي بقية الاشتعال السابق عندما كان القمر مشتعلا يضيئ مثل الشمس ولما اخمد بقي داخله مشتعل.
ولما لم يصبح له ضياء متوهج بعدما خمد الاشتعال، اصبح مظلم الا الجانب الذي يقع عليه ضوء الشمس فيعكس منه نورا هادي على سطع الارض الذي يواجهه.
وتلك الخلاصة التي جمعت من عدة مراكز ابحاث فضائية تفيد صحة ما ورد في السنة من هذه الاوصاف وبدقة تحكي مرحلة مرحلة من حصاد رحلات ابحاث الفضاء.
ونتائج ابحاث رحلات القمر قد جاءت من قبل في السنة النبوية من اخبار ذلك النبي الامي بلا صاروخ ولا طائرة، لكن اخبره الله الخالق العليم الخبير. لتبقي احد المعجزات الدالة على خلق الله لهذا الكون وان الرسول الذي اوصل هذا الشرح الذي نزل عليه هو صادق في قوله فيصدقوه ويتبعوه.
ومن آياته في الآفاق:
تمدد الكون
فمن الحقائق التي توصل اليها العلم الحديث وتوافق عليها الكثير من الباحثين وابهروا العالم واحتفوا بذلك، منها حقيقة ان الكون يتمدد ويتسع كل عام بل حتى المجرات تبتعد عن بعضها وعن مكان حدوثها الاول، فمنها خبر اولي تردد صاحب فكرته أولا وهو عالم الفلك الروسي آينشتاين ثم اعتمد ذلك عام 1929 م بعد ما توصل العالم الأمريكي أدوين هابل باستخدام منظار، مما دفع آينشتاين لمقابلته بعد ثلاثة سنوات من الحدث ليؤكد صحة ما سبق التوصل اليه ويدعم الفكرة واحتفلاء معا بذلك.
يقول البروفيسور: ايدنجتون.
إن مثال النجوم والمجرات كنقوش مطبوعة على سطح بالون من المطاط وهو ينتفخ باستمرار، وهكذا تتباعد جميع المجرات الفضائية عن أخواتها بحركاتها الذاتية في عملية التوسع الكوني).
كما اكتشف عالم الفلك البلجيكي جورج لوميتر عام 1927 تمدد الكون، واكتشف أن الكون في حالة حركة وليس في حالة ثابتة على أساس معادلات النظرية النسبية وهذا ما قال به من قبل فريدمان.
وقد اجريت في إطار مشروع دراسة المستعرات العظمى - قام بتحليل نتائجها عدد من العلماء، وكما افادوا: سول بيرلموتر وبريان شميدتو آدم ريس ونالوا عنها جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011م بان سرعة تمدد الكون تزداد.
كما ان بواسطة قياس الالوان عند الابتعاد والاقتراب عرف الفرق بين القرب والابتعاد حيث ان الضوء يتكون من سبعة الوان واثبت العلم ان اللون الاحمر يدل على الطول او البعد واللون البنفسجي يدل على القصر وعند الاكتشاف بالالوان تدل على ان اللون يتجه نحو الاحمر ويفيد ان الكوكب يبتعد.
ولم تثبت الابحاث ان حجم الكواكب يزداد، بل تبتعد عن بعضها وذلك ما يعني اتساع الكون. وشبهه البعض بالبالون الذي عليه رسوم فعندما ينفخ تتباعد الصور عليه، وحصيلة كل ذلك ان الكون يتسع، وشاهدنا من نتايج ابحاثهم تفيد حقيقة توسع الكون وتمدده فقد وافقت ما ورد في القرءان الذي نزل على النبي الامي قبل قرون حيث قال تعالى مخبرا عن توسع السموات التي خلقها، في الاية : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ). 47 الذاريات.
فمن قال لذلك الامي ان توسعا سيحدث في الكون؟ فالمخبر هو الله الخلّاق العليم.
ومن الابحاث التي تصدّق خبر النبي الامي
سحب الغبار الكوني الذي اكتشِف انه دخان
من الحقائق التي اثبتها العلم الحديث واعترف بها العلماء وهم في دهشة لانها ذكرت في القرءان قبل قرون عديدة. تلك الحقيقة عن طبيعة السحب الغازية والغبارية المنتشرة في الكون وتسبح فيها الكواكب وما حولها وأنها تتركب بشكل أساسي من الكربون والسيلكون وهما المركبان الأساسيان للدخان الذي نعرفه.
وكانت مقالات العلماء اولا تفيد: إن الغبار الكوني هو عبارة عن جزيئات دقيقة من المادة الصلبة تسبح في الفضاء بين النجوم. ثم انتقلوا بعد البحث الى ان ما اسموه بالغبار هو في الحقيقة دخان وجزيئاته على صفة الدخان.
وثبت بواسطة جهاز التحليل لذرات الغبار الكوني في مختبرات جامعة واشنطن، وهو أول جهاز في العالم تم تصميمه لدراسة الكون داخل المختبر بدلاً من المناظير. فقد أثبت الجهاز الطبيعة الدخانية للسحب الغازية والغبارية المنتشرة في الكون.
وقال العالم الامريكي الذي أشرف على التحليل في مختبرات وكالة الفضاء ناسا: ( إن هذه الجزيئات التي كنا نسميها غباراً كونياً لا تشبه الغبار أبداً، وإذا أردنا أن نصف بدقة فائقة هذه الجزيئات فإن أفضل كلمة هي كلمة ( Smoke ) اي دخان.
وقد اشار القرءان الى ان السماء كانت دخان في الاية 11 من سورة فصلت
ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ). فقد كانت دخان بنيت منه جزيئيّاته السماء.
وذلك ما يفيد ان الفضاء حولها من تلك الاجسام والجزيئيات الدخانية التي بنيت منها السماء، وان ما يراه الباحثون بالمناظير من البعد غبارا ادركوا اخيرا انه دخان، وصدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم.
كما اشار القرءان الى ما سوف يحدث للسماء قبل قيام الساعة وستعاد كما بدأت دخان وتذوب. ومنها قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ). 104 الانبياء.
وقد ذكر ابن جرير في تفسيره احد الاقوال: حدثني محمد بن سعد ، الى قوله عن ابن عباس كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) . . . الآية ، قال: نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وقوله (وَعْدًا عَلَيْنَا) يقول: وعدناكم ذلك وعدا حقا علينا أن نوفي بما وعدنا، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله، على يقين بأن ذلك كائن، واستعدوا وتأهبوا.
وقد اشار القرءان الى يوم فزع العصاة عند قيام الساعة فذكر الدخان الذي تاتي به السماء عند اعادتها. قال تعالى في الاية 10 من سورة الدخان: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ )11.
ويوحي ذلك بان السموات سوف تشتد حرارتها الى درجة الذوبان كانما يتحلل الدخان الى ذراته التي بنيت منها السماء وقال تعالى عن ذوبانها كالدهان في الاية : 37 الرحمن: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ).
وذكر ابن كثير عن ابن جريج : تصير السماء كالدهن الذائب، وذلك حين يصيبها حر جهنم .
والمعجزة هنا ان ذلك الدخان الذي يراه الباحثون ويملاء الافاق قد اشار اليه القرءان بانه كان قبل ما تبنى السموات. ومازال حولها الدخان.
وكما خلق الانسان من طين وخلق كل الاحياء من الماء: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ). فكذلك بنيت السماء بناءا، ولها سمك وابواب، ومنه قوله تعالى: ( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا). 27_ 28 النازعات.
وورد في سمكها الحديث الشريف: بينا نحن عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذ مرَّتْ سحابةٌ فقال أتدرون ما هذه قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال العنانُ وزوايا الأرضِ تسوقُه إلى من لا يشكرونه من عبادِه ولا يَدعونه أتدرون ما هذا فوقَكم قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال الرفيعُ موجٌ مكفوفٌ وسقفٌ محفوظٌ أتدرون كم بينكم وبينها قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال مسيرةُ خمسمائةِ سنةٍ ثم قال أتدرون ما الذي فوقها قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال مسيرةُ خمسمائةِ عامٍ حتى عدَّ سبعَ سمواتٍ ثم قال أتدرون ما فوق ذلك قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال العرشُ أتدرون كم بينه وبين السماءِ السابعة قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال مسيرةُ خمسمائةِ عامٍ ثم قال أتدرون ما هذه تحتَكم قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال أرضٌ أتدرون ما تحتَها قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال أرضٌ أخرى أتدرون كم بينهما قلنا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال مسيرةُ خمسمائةِ عامٍ حتى عدَّ سبعَ أرَضِينَ ثم قال وأيمُ اللهِ لو دلَّيتُم أحدَكم إلى الأرضِ السُّفلى السابعةِ لهبط ثم قرأ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. من حديث ابي هريرة ، ذكره ابن كثير في البداية والنهاية رقم 17 \1.
وحديث اخر: كنفُ الأرضِ مسيرةُ خَمْسِمائةِ عامٍ وبينَ الأرضِ العليا والسَّماءِ الدُّنيا خَمْسُمائةِ عامٍ وبينَ كَنَفِها وكَنَفِها خَمْسُمائةِ عامٍ وما بينَ الأرضِ والعليا والسَّماءِ السَّابعةِ ثُمَّ ما بينَ السَّماءِ السَّابعةِ إلى العرشِ مسيرةُ ذلك كلِّه. من حديث ابي ذر الغفاري رضي الله عنه، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد. 134\ 8 .
والحديث: ما بينَ سماءِ الدُّنيا والَّتي تليها مسيرةُ خمسِمائةِ عامٍ وما بينَ كُلِّ سماءَينِ خمسُمائةِ عامٍ وما بينَ السَّماءِ السَّابعةِ والكرسيِّ مسيرةُ خمسِمائةِ عامٍ وما بينَ الكرسيِّ والماءِ خمسُمائةِ عامٍ والعرشُ على الماءِ واللهُ جلَّ ذكرُه على العرشِ يعلَمُ ما أنتم عليه. من حديث عبد الله بن مسعود. ذكره الهيثمي 91\1. ورجاله رجال الصحيح
وفي تفسير فتح القدير ذكر الشوكاني الحديث: أنَّ غِلَظَ كلِّ سماءٍ مسيرةُ خمسِمائةِ عامٍ وما بين كلِّ سماءٍ إلى سماءٍ خمسِمائةِ عامٍ وأنَّها سبعُ سماواتٍ وأنَّ الأرضَ سبعُ أرضين. 90\1 .
فالسماء كانت دخان والذي ثبت علميا في الفضاء هو دخان وسياتي يوما منها الدخان. فسبحان ربّ السماء والارض.
معجزة تصدع الارض بعد ان كان كتلة واحدة
ومن معجزات القرءان اخباره عن جغرافية الارض وانها في السابق كانت كتلة واحدة ثم حدث لها تمزق او تقطعت الى قارات وجزر، كما تشير طبيعة الارض والقطع المتقابلة. وهذا ما اشار اليه كتاب الله في قوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ). 30 الانبياء.
فالنبي الامي يتحدث عن عالم السماوات وتفاصيل الارض وطبيعتها والاثار التي تدل على ما حدث لها سابقا، بما يبهر علماء عصرنا. وجاءت ابحاثهم تطابق ذلك وتؤكده.
فالسموات فتقت واصبحت عدة سموات، والارض فتقت واصبحت قارات.
وكما ان الكون يتباعد فايضا الارض بين قاراتها تتسع وتتباعد، هذه الحقيقة قد توصل اليها العلم والخرائط بان الارض قد تعرضت في يوم من الايام الى تمزق وفتق ومنه ما عرف بالاخدود، والذي حدث في عدة مواقع، فقد سبق بيانه في القرءان، كما في الاية السابقة: ( كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ).
وتفسير الاية يشمل انواعا من الفتق، منه ما ذكر في تفسير الطبري حيث قال: وقال آخرون: بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتتقة طبقة، ففتقها الله فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين.
وقال الطبري ايضا: ذكر من قال: ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، الى قوله: عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى: ( رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) من الأرض ستّ أرضين معها فتلك سبع أرضين معها، ومن السماء ستّ سماوات معها، فتلك سبع سماوات معها، قال: ولم تكن الأرض والسماء متماسَّتين.
وهذا ما يفيد ان الفتق ليس بين السماء والارض من بعضهما ولكن للارض ذاتها فتق فيها، وللسموات فتق فرق بينها السبع.
وكذلك قول الطبري: حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح عن قوله: ( كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كانت الأرض رتقا والسماوات رتقا، ففتق من السماء سبع سماوات، ومن الأرض سبع أرضين.
وقال الطبري: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: كانت سماء واحدة ثم فتقها، فجعلها سبع سماوات في يومين. الخ.
والفتق قد يكون له عدة معاني ويمكن كل انواع الفتق التي ذكرت ومنها ما ورد يدعم واقع الارض وجغرافيتها التي تشير الى ان قارات الارض قطعت من بعضها.
وقد اشار الى ذلك القرءان والسنة ايضا، ان الارض عندما خلقت لم تكن على شكلها البيضاوي الحالي، اي لم تكن على شكل البيضة ثم جعلها الله على شكل البيضة وهذا كانه يفيد سبب الفتق الذي حدث فيما بعد الخلق الاول، وتقطعت القارات عندما جعلت الارض في شكل بيضاوي، وورد في القرءان قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا). 30 النازعات. جاء في التفسير : جعلها مثل البيضة وهذا معنى للفتق الذي حدث لها.
واذا نظرنا الى خريطة الارض نرى ان كل الاطراف المتقابلة تفيد انها كانت متصلة مع بعض وما يقابله يملأ الفراغ الذي حدث فيه، وقطعت منها كانها تمزقت فانظر الى الخريطة: الاشارة برقم 1 مع 1 ورقم 2 مع 2 و3 مع 3 وغيره تجدها كانها قطعت من بعض. كانت كتلة ثم تمزقت.