حقيقة الاسلام وجوهر الدين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حقيقة الاسلام وجوهر الدين

حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين   حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين Emptyالسبت مايو 30, 2020 8:04 am


حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين
وعن المشارك في العمل العام ومن لا يمكنه فعل كل الواجبات ولا ترك كل المحرمات سواء مع عصاة المسلمين او حتى مع غير المسلمين، فان ما يعجز عنه المسلم ولم يستطيعه لم يكن الفعل في حقه واجب، ولم يكن تارك لواجب اذا اتقى الله ما استطاع، كمثال المعطل المعذور لبعض الاحكام لانه لا يستطيع تحكيمها في الناس لعدم القدرة او المفسدة الراجحة، وكذلك الجاهل بحكم ذلك، فقد بين ذلك شيخ الإسلام حيث قال في المجلد 19 من الفتاوى: فدلت هذه النصوص على انه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه.
ومنه قوله ص 216: وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من امام وحاكم وناظر وغير ذلك: فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله اياه وهو مطيع لله مستحق للثواب اذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى انه مطيع لله ) الى قوله: وكذلك الكافر: من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم انه رسول فأمن به وامن بما انزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره، ولم تمكنه الهجرة الى دار الإسلام ولا التزم شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من اظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من اهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع اهل مصر فانهم كانوا كفار ولم يمكنه ان يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فانه دعاهم الى التوحيد والايمان فلم يجيبوه، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) وكذلك النجاشي هو وان كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في دخول الإسلام بل انما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين الى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه واخبر بموته يوم مات وقال: ان اخا لكم صالحا من اهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام او اكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روي انه لم يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لان ذلك كان يظهر عند قومه فينكرون عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا انه لم يكن يمكنه ان يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه انه اذا جاءه اهل الكتاب لم يحكم بينهم الا بما انزل الله اليه وحذره ان يفتنوه عن بعض ما انزل الله اليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع والنفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك.
والنجاشي ما كان يمكنه ان يحكم بحكم القرآن فان قومه لا يقرونه على ذلك. وكثيرا ما يولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل واماما. وفي نفسه امور من العدل يريد ان يعمل بها فلا يمكنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما اقام من العدل بانه سم على ذلك. فالنجاشي وامثاله سعداء في الجنة وان كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالاحكام التي يمكنهم الحكم بها - الى قوله عن الذين تخلفوا في مكة عن الهجرة قال : فأولئك كانوا عاجزين عن اقامة دينهم فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه. انتهى كلامه.
كما قال شيخ الإسلام ص 227: وهذا يطابق الاصل الذي عليه السلف والجمهور: ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها : فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون الا على ترك مأمور او فعل محظور بعد قيام الحجة. انتهى.
فالحاكم او المسئول العاجز عن تحكيم الشرع او بعضه فانه لم يكن اصلا مكلف بما لا يطيق، اذ ان التكليف معلوم انه يكون بعد الاستطاعة بل والسعة في ذلك، لقوله تعالى: ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) فمن لم يكن مستطيعا لفعل أمر ما لم يقم الوجوب في حقه الا عند الاستطاعة وان كان قائما في الشرع وفي حق غيره، بل لا يقال عنه مغفور ذنبه لانه لم يكن ذنب، وانما يقال سقط عنه الوجوب والتكليف، اذ ان الوجوب مقرون بالاستطاعة، ومن عجز عن شئ لم يجب عليه الفعل.
اما عدم القدرة شيء نسبي يختلف من شخص لاخر فلا يمكن الجزم
بان ذلك حاكم او مسئول قادر على الفعل ولم يفعل، ربما هناك امور لا يدريها العامة خاصة المسائل السياسية والامنية والعسكرية، فيها أسرار لا يمكن شرحها لعامة الناس فربما فيها عجز يجعل الحاكم يترك امرا شرعيا وهو كاره لذلك، كما ترك على رضي الله عنه المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه لامور يهدف منها لاستقرار الوضع العام وهو محل ثقة ولا يتهم في دينه وهو من المبشرين بالجنة.
وقد عطل عمر رضي الله عنه حد السرقة في عام الرمادة، للظروف التي طرأت على المجتمع حيث يجد بعض الناس ان قطع اليد اقل من شر موت الأطفال بالجوع.
ومن ذلك ان عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة في الحج وهو يعلم القصر لكن الوقت كان بعد حروب الردة والناس الجدد والبعيدين من العوام في شكوك فخشي ان يقال عثمان غير في الصلاة فلم يقصر درءا لتلك المفسدة المحتملة.
اما ما يعجز عنه حكام المسلمين والعاملون عندهم اليوم فهو كثير، ومعلوم بانه لا يمكنهم فعل الكثير ونحن في اخر الزمان، كما جاء في ذلك احاديث تفيد النجاة لكثير ممن عجزوا عن اقامة دينهم.
ففي الحديث الذي رواه الترمذي : مخاطبا اصحابه صلى الله عليه وسلم قال : انكم في زمان من ترك فيه عشر ما امر به هلك، ثم ياتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما امر به نجا. حديث رقم 2218 .
وايضا حديث: واشوقاه لاخواني قالوا: اولسنا اخوانك يا رسول الله، قال: بل انتم اصحابي ولكن اخواني الذين لم يأتوا بعد، للعامل منهم اجر خمسين، قالوا منا ام منهم، قال بل منكم قالوا لم او بم يارسول الله، قال: فانكم تجدون على الخير اعوانا ولا يجدون على الخير اعوانا. ذكرها الشاطبي في الاعتصام، وورد في جامع الاصول بعدة روايات.
و كلام شيخ الإسلام السابق يبين خلاصة فهم مشايخ اهل السنة في عذرهم للحاكم العاجز عن اقامة احكام الشريعة سواء بعضها او غالبها، والله حسيبه في ذلك، كما ان الموضع الهام بيانه هو اشارته الى انهم يحكمون بما يمكنهم من الاحكام في حالة العجز عن امور شرعية.
وايضا في بيانه لحكم العامل مع التتار من القضاة وغيرهم فيه رد على من يحرمون العمل مع حكام المسلمين الذين لم يقيموا الحدود، وان غالب حكام المسلمين اليوم فيهم من الخير ما يفضلهم على التتار بل وبعضهم من اهل الاحسان ومفاتيح للخير، ومن اهل التوحيد والسنة ومع هذا فان ادعياء الدين يدعون الى الخروج عليهم سرا او علنا مما يفيد بانهم جهلاء بانزال الاحكام على الافعال.
وقال شيخ الإسلام في موضع اخر ص 55 ج 20: اذا كان المتولي للسلطان العام او بعض فروعه كالامارة والولاية والقضاء ونحو ذلك، اذا كان لا يمكنه اداء واجباته وترك محرماته، ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة: جازت له الولاية، وربما وجبت وذلك من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها، من جهاد العدو، وقسم الفئ، واقامة الحدود، وأمن السبيل: كان فعلها واجبا . فاذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق، واخذ بعض ما لا يحل واعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك: صار هذا من باب ما لا يتم الواجب الا به، فيكون واجبا او مستحبا اذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب او المستحب، بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم، ومن تولاها اقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع اكثره باحتمال ايسره كان ذلك حسنا مع هذه النية، وكان فعله مما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو اشد منها جيدا الى قوله: ومن هذا الباب تولى يوسف الصديق على خزائن الارض لملك مصر. بل ومسالته ان يجعله على خزائن الارض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى: ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به، الاية ، وقال تعالى عنه: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ) الاية ومعلوم انه مع كفرهم لا بد ان يكون لهم عادة وسنة في قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك واهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الانبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه ان يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فان القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والاحسان، ونال بالسلطان من اكرام المؤمنين من اهل بيته ما لم يكن ان يناله بدون ذلك. وهذا كله داخل في قوله ( واتقوا الله ما استطعتم). فاذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الاخر في هذه الحالة واجبا، ولم يكن تاركه لاجل فعل الاوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك اذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما الا بفعل ادناهما، لم يكن فعله الادنى في هذه الحالة محرما في الحقيقة وان سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الاطلاق لم يضر، ويقال في هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، او دفع الضرر او لدفع ما هو احرم. وهذا كما يقال لمن نام عن الصلاة او نسيها، انه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء. هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها. فان ذلك وقتها. لا كفارة لها الا ذلك. ( المقارنة هنا في انه يقال صلى في غير الوقت وذلك حقيقة لكنه في حكم الشرع ذلك هو الوقت بالنسبة له كما بين صلى الله عليه وسلم . فالحكم الخاص على هذا المعين غير الحكم العام، فيجب تأمل ذلك : وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة . فان هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من اسباب الفتنة بين الامة فانه اذا اختلطت الحسنات والسيئات وقع الاشتباه والتلازم. فأقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة، واقوام قد نظروا الى السيئات فيرجحون الجانب الاخر وان ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الى الامرين، قد لا يتبين لهم او لاكثرهم مقدار المنفعة والمضرة او يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الاهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: ان الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. فينبغي للعالم ان يتدبر انواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضهاـ كما بينته فيما تقدم العفو عند الامر والنهي في بعض الاشياء. لا التحليل والاسقاط. مثل ان يكون في امره بطاعة فعلا لمعصية اكبر منها، فيترك الامر بها دفعا لوقوع تلك المعصية. مثل ان ترفع مذنبا الى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون اعظم من ذنبه. ومثل ان يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو اعظم منفعة من ترك المنكرات. فيسكت عن النهي خوفا ان يستلزم ترك ما امر الله به ورسوله مما هو عنده اعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يامر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الامر بالصلاح الخالص او الراجح او النهي عن الفساد الخالص او الراجح. وعند التعارض يرجح الراجح، كما تقدم ـ بحسب الامكان، فاما اذا كان المامور والمنهي لا يتقيد بالممكن: اما لجهله او لظلمه، ولا يمكن ازالة ظلمه او جهله، فربما الاصلح الكف والامساك عن امره ونهيه. كما قيل ان من المسائل مسائل جوابها السكوت. كما سكت الشارع في اول الامر عن الامر باشياء، حتى علا الإسلام وظهر. الى قوله ص60: فكذلك المجدد لدينه والمحي لسنته، لا يبلغ الا ما امكن علمه والعمل به، كما ان الداخل في الإسلام لا يمكنه حين دخوله ان يلغن جميع شرائعه، ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد ، لا يمكن في اول الامر ان يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم ، فانه لا يطيق ذلك، واذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال. واذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم وامير ان يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الامر والنهي، بما لا يمكن علمه وعمله الى وقت الامكان. كما عفى الرسول عما عفى عنه الى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب اقرار المحرمات وترك الواجبات. لان الوجوب والتحريم مشروط بامكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط فتدبر هذا الاصل فانه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الاشياء وان كانت واجبة او محرمة في الاصل، لعدم امكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب او التحريم. فان العجز مسقط للامر والنهي وان كان واجبا في الاصل. والله اعلم. انتهى
كما قال ص61: ومما يدخل في هذه الامور الاجتهادية علما وعملا ان ما قاله العالم او الامير او فعله باجتهاد او تقليد، فاذا لم ير العالم الاخ او الامير مثل راي الاول لا يامر به، او لا يامر الا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه. ( وهذا يفيد ان الامور الاجتهادية ان كان للاخرين فيها فهم اخر لا يجبروا على فعلها وترك امرهم الى الله ، كما ليس لهم ان يطلبوا من الاخرين التنازل عن رايهم خاصة اذا كانوا السواد الاعظم منهم ويتسايرون معا للتعاون على بقية الواجبات ولا يعتبر هذا افتراق وانما سعة للشرع وفقه للخلاف). اذا ليس له ان ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا ان يوجب عليه اتباعه، فهذه الامور في حقه من الاعمال المعفوة ولا يامر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الاباحة والعفو. وهذا باب واسع جدا فتدبروه. انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله.
ويستفاد من كلام شيخ الإسلام ضرورة المشاركة في العمل العام وهي ما بين الواجب والمستحب، والدافع الاول لاجل تقليل شرهم لانه اذا حل مكانه فاسد زاد الناس فسادا وظلما، وفتح الفرصة لاهل الشر مفسدة يجب درأها بصاحب خير يشغلها كيوسف عليه السلام.
وقد قال شيخ الإسلام في ترك العمل العام او السلطان بحجة الورع، قال ص 139 – 140-ج 20: لكن يقع الغلط في الورع من ثلاثة جهات: احدها: اعتقاد كثير من الناس انه من باب الترك، فلا يرون الورع الا في ترك الحرام، لا في اداء الواجب. وهذا يبتلى به كثير من المتدينة المتورعة. ترى احدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة، وعن الدرهم فيه شبهة، لكونه من مال ظالم او معاملة فاسدة، ويتورع عن الركون الى الظلمة ( أي ترك العمل مع الحكام). من اجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا، ومع هذا يترك امورا واجبة عليه اما عينا او كفاية ( أي يعترض الشيخ على تركه للسلطان او العمل معه). وقد تعينت عليه، من صلة رحم، وحق جار ومسكين، وصاحب ويتيم وابن سبيل، وحق مسلم وذي سلطان. وذي علم، وامر بمعروف ونهي عن منكر، وعن الجهاد في سبيل الله، الى غير ذلك مما فيه نفع الخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، او يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى . بل من جهة التكليف ونحو ذلك. وهذا الورع قد يقع صاحبه في البدع الكبار ( مثل بدعة الخوارج الخروج من الجماعة وهو يدعي الورع)، فان ورع الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس، يتورعون عن الظلم وعن ما اعتقدوه ظلما من مخالطة الظلمة في زعمهم. حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة والحج والجهاد، ونصيحة المسلمين والرحمة لهم، واهل هذا الورع ممن انكر عليهم الائمة كالائمة الاربعة وصار حالهم يذكر في اعتقاد اهل السنة والجماعة.(يشير الى انها مسالة عقائدية)، الى قوله ص 141 - 142: ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيح، لما ترخص في اشياء فبلغه ان اقواما يتنزهوا عنها فقال: ما بال رجال يتنزهون عن اشياء اترخص فيها؟ والله اني لارجو ان اكون اعلمهم بالله واخشاهم" وفي رواية" احشاهم واعلمهم بحدوده له" وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع الى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين والا فقد يفسد تورعه اكثر مما يصلحه كما فعله الكفار واهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم. الثالثة جهة المعارض الراجح وهذا اصعب من الذي قبله. فان الشئ قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع، ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح. (قلت: بمعنى يتورع عما فيه شبهة ويترك مصلحة عظيمة للمسلمين ضياعها اكبر ضررا على المسلمين من الوقوع في ذلك الشيء المتروك فكيف اذا كان المتروك محتملا ضرره وليس محقق). (ونواصل حديث الشيخ) : وبالعكس فهذا هذا: وقد تبين ان من جعل الورع الترك فقط. وادخل في هذا الورع افعال قوم ذوى مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم، واعرض عما ما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة. فان الذي فاته من دين الإسلام اعظم مما ادركه فانه قد يعيب اقواما هم الى النجاة والسعادة اقرب. وهذه القاعدة منفعتها لهذا الضرب وامثاله، فانه ينتفع بها اهل الورع الناقص او الفاسد، وكذلك اهل الزهد الناقص او الفاسد فان الزهد المشروع الذي امر الله ورسوله هو عدم الرغبة فيما لا ينفع من فضول المباح، فترك فضول المباح الذي لا ينفع في الدين زهد وليس ورع . ولا ريب ان الحرص والرغبة في الحياة الدنيا وفي الدار الدنيا والمال والسلطان مضر، كما روى الترمذي: " ما ذئبان جائعان ارسلا في زريبة غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه . قال الترمذي حسن صحيح. فزم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال والشرف، وهو الرياسة والسلطان. واخبر ان ذلك يفسد الدين مثل او فوق فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم).
الى قول الشيخ ص 143: وكذلك الانسان اذا اختار السلطان لنفسه بغير العدل والحق لا يحصل الا بفساد وظلم. واما نفس وجود السلطان والمال الذي يبتغي به وجه الله والقيام بالحق والدار الاخرة. ويستعان به على طاعة الله. ولا يفتر القلب من محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر ولا يصده عن ذكر الله. فهذا من اكبر نعم الله على عبده اذا كان كذلك. ولكن قل ان ذي سلطان ومال الا وهو مبطئ عن طاعة الله ومحبته متبع لهواه فيما اتاه الله. وفيه نكول حال الحرب والقتال في سبيل الله. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه الحال تكسب المهانة والذم دنيا واخرى. انتهى
فقد ذكر الشيخ حالتين من السلطان الممدوح والمذموم ما يفيد جوازه واستحبابه بل رغب فيه وان يكون المؤمنون اهل السلطان والعلو على اهل الباطل كما قال ص 144: وقد قال تعالى لنبيه واصحابه ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون) فاخبر انهم هم الاعلون وهم مع ذلك لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا. وقال تعالى: ( ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) وقال. ( ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما) فالشرف والمال لا يحمد مطلقا ولا يزم مطلقا بل يحمد منه ما اعان على طاعة الله، وقد يكون ذلك واجبا وهو ما لا بد منه في فعل الواجبات وقد يكون مستحبا. وانما يحمد اذا كان بهذه النية ويزم ما استعين به على معصية اللهاو صد عن الواجبات فهذا محرم. انتهى.
علما بان هناك امور معقدة واشتباه على البعض في الاحكام وتقديم الراجح على المرجوح وفي التعارض بين فعل الواجبات وترك المحرمات حيث يترك البعض مصلحة كبرى للمسلمين لان فعلها يستلزم فعل معصية ويظن ان ذلك لا يجوز بحال لكن ذلك يدخل من ابواب مختلفة منها الاضطرار والقاعدة المعلومة: الضروريات تبح المحذورات، وهذا ليس اجتهاد وانما احكام الدين تفيد بانها تسمح بذلك، وقد سبق في هذا التعارض حالة قتل المشركين في الحرم والاشهر الحرم، حتى ان المشركين اعابوا بذلك على المسلمين، واستفسر بعضهم عن ذلك فرد القرءان مبينا ان القتل في الاشهر الحرم من كبائر الذنوب الا انه في هذه الحالة ابيح لان المشركين فعلوا اكبر منه وهو فتنة المسلمين وردهم عن دينهم بالقوة واخراجهم لهم من البيت الحرام ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)191 البقرة. لهذا ابيح للمسلمين فعل المحظور من القتل في الاشهر الحرم لتحقيق مصلحة راجحة ودفع مفسدة اكبر. ومثال ان استعانت امرأة برجل من الحريق او الغرق فان مد يده لإنقاذها او حملها على كتفه فأنقذها، لم يكن حكمه كمس جسد امرأة لا تحل له. بل فعله للمصلحة يستلزم وقوع معصية في الظاهر ولكن بالنسبة له لم يكن في الحقيقة فاعل لمعصية، وعلى هذا ترد كثير من الامور السياسية فيشارك البعض فيها بنية تقليل الشر، لكن يعيب عليه شخص يتكلف الورع لكنه لم يدرك مصلحة المسلمون في ذلك.
وقد بين شيخ الإسلام: فصل جامع في تعارض الحسنات والسيئات او هما جميعا اذا اجتمعا ومنها قوله في ص 50 ج 20 : اذا ثبت ان الحسنات لها منافع وان كانت واجبة، كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار، وفي المكروه بعض حسنات، فالتعارض اما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم احسنهما بتفويت المرجوح، واما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال ادناهما، واما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما، بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة، فيرجح الارجح في منفعة الحسنة ومضرة السيئة. فالاول كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع .ـ الى قوله: والثاني كتقديم المرأة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحربـ الى قوله: كذلك مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء، فان الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل بها من المضرة ما هو دونها ولهذا اتفق الفقهاء على انه متى لم يكن دفع الضرر على المسلمين الا بما يفضي الى قتل ألئك المتترس بهم جاز ذلك . ـ الى قوله: واما الرابعة فمثل اكل الميتة عند المخمصة فان الاكل حسنة واجبة لا يمكن الا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة. ـ الى قوله فتبين ان السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو اسواء منها اذا لم تدفع الا بها. وتحصل بما هو انفع من تركها اذا لم يحصل الا بها والحسنة تترك في موضعين اذا كانت مفوتة لما هو احسن منها، او مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على على منفعة الحسنة هذا فيما يتعلق بالموازنات الدنيوية.
واما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا، واباحة المحرم لحاجة في الدنيا كسقوط الصيام لاجل السفر وسقوط محظورات الاحرام واركان الصلاة لاجل المرض، فهذا باب اخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي تختلف فيه الشرائع . بخلاف الباب الاول، فان جنسه مما لا يمكن اختلاف الشراع فيه وان اختلفت في اعيانه . بل ذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العقل الذي يعلم الخير من الشر. وانما العاقل الذي يعلن خير الخيرين وشر الشرين، وينشد:
ان اللبيب اذا بدى من جسم مرضان مختلفان داوى الاخطر
وهذا ثابت في ثائر الامور. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
و بعد ان ذكر جواز تولي السلطان وفيه سيئة وقد ذكرنا بعضه سابقا حيث يشير الى فعل تلك السيئة في تولي السلطان قد تكون فعل حسنا لدفعه ما هو اشد، في قوله: ودفع اكثره باحتمال ايسره كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ماهو اشد منها جيدا . انتهى
وكانت بداية الباب قاعدة عظيمة ص 48 حيث قال: وفي ان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وانما ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل اعظم المصلحتين بتفويت ادناهما ودفع اعظم المفسدتين باحتمال ادناهما. انتهى
ويؤخذ من كل ذلك ترغيبه رحمه الله في المشاركة في العمل العام ولا نفوت مصلحة المسلمين بالورع الفاسد، وان تلك السيئات المحتملة في حق المصلح العارف بقواعدها تكون مما لا يتم الواجب الا به، بمعنى المعاصي التي تقع اثناء وجوده في العمل العام او الوزارة ولا يمكن الخلو منها، فلا يترك العمل لاجلها لانه على الاقل يقلل شرهم ويدفع شرورا كثيرة مع مصلحة أخرى احتمال فعل خيرات كثيرة.
واما الترجيح يمكن التشاور فيه مع اهل العلم وهذا محل اجتهاد ويختلف فيه التقدير للمصالح والمفاسد فعلينا احيانا بما يقرّه الامير واحيانا بما يرجحه السواد الاعظم من علماء اهل السنة، واسوأ الحالات موقفا اذا رأى حكمهم بعيدا ان لا ينازعهم ويعمل بما تطمئن له نفسه والله حسيبه.
كما فعل بعض الصحابة في اتمام صلاة القصر في الحج مع عثمان رضي الله عنهم وكان رأيهم خلافه، ثم لم يخالفوه بل قال احدهم اكره الخلاف. كما ان من توقفوا عن المشاركة مع علي رضي الله عنهم في القتال في الفتنة، لم يعتزلوهم في غير القتال ولم يرغمهم رضي الله عنه على القتال معه بل قبل منهم تحفظهم لان الامر دين، علما بان ابن عمر رضي الله عنه رجع عن موقفه في المشاركة مع علي واعرب عن ندمه على اعتزاله كما هو معلوم في البداية رضي الله عنهم اجمعين.
الفرق بين مشاركة الفرد والجماعة
فاذا تقرر مما سبق امر جواز المشاركة في العمل العام عند الامارة او السواد الأعظم، فيجب ان نفرق بين جواز المشاركة للفرد وبين المصالحة الكاملة باسم الجماعة، او الاندماج في تنظيم سياسي واحد، اذ ان مشاركة الفرد لا تحمّل الجماعة أي تبعات كما ان ابتعاد اسم الجماعة من المشاركة يحميها في المستقبل من رد فعل الاحزاب المنافسة للسلطان ايا كان اذ انهم لو حسبوهم على النظام سيعاملونهم معاملة سدنة النظام وتجر الدعوة لصراع سياسي كانت في غنى عنه ومن المعلوم انها كجماعة دينية لها حقوق تحميها حتى بقوانينهم الوضعية، لكن المشاركة السياسية باسمها احيانا تزج بها كحزب وتضر بمصالح الاخرين السياسية فيحاربون الجماعة لموقفها السياسي وليس لدينها. وعلى عامة افرادها ان لا يعيبون على الجماعة بسبب مشاركة افرادها في السلطة او شغلوا وظائف في العمل العام.
اما مشاركة الافراد من الجماعة وهي تساندهم كاحسن من تراه بين الاحزاب او العناصر. ويشارك احدهم كغيره في هذه الجزء من المجتمع الذي نحن جزء منه ولنا حق في ادارته كما ان المجتمع ليس مملوكا للاخرين فيديرونه وحدهم ونحن نتفرج عليهم كضيوفا عندهم فيقررون على الجميع ما يضره في غياب اهل الخير. فالاشخاص يشاركون بحق المواطنة وليس باسم الجماعة وذلك من امور الدنيا المباحة من جانب، ومن باب تقليل المفاسد من الناحية الشرعية وغير ذلك. ومع هذا فالجماعة يكون لها موقفها وتايدها او اعتراضها على ما يحصل وتقديم الفتوى والنصيحة وتساند الاقل سواءا لتجاوز الاسواء وان وجد خيرا تقف معه.
وهناك ملاحظة اخرى للبعض الذين يرون عدم جواز الحزب السياسي او مشاركة الفرد في بعض الاحزاب ظنا منهم انه من التحزب المحظور فنقول ان اهل السنة قديما وحديثا لم يحرموا العمل السياسي ان لم يكن تفرق عقدي في الدين وهذه فقرة حول ذلك.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
 
حكم المشاركة في العمل العام حتى مع غير المسلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حقيقة الاسلام وجوهر الدين :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: