لا تبالي بما يقال لك ان كنت على دين صحيح فكن على العمل الذي ينجيك، فان ما تسمع من اذى او سخرية هو نوع من الابتلاء، وقد اخبر تعالى بذلك في قوله تعالى: ( لَتُبْلَوُنَّ فِىٓ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓاْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ).186 آل عمران. فلا تترك تمسكك بشي من الدين لان اهل الهوى يعيّرونك او يسخرون، فقد كان ذلك الرجل العاقل الراشد الواعي الذي وصفه قومه بالصادق الامين الخبير في ادارة الازمات والتجارة والحرب ذو الفضائل ومكارم الاخلاق بل ذو خلق عظيم، ومع هذا قالوا عنه ( انك لمجنون). 6 الحجر. وقد قيل للرسل من قبله ذلك قال تعالى: ( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ). 52 الذاريات. فماذا تتوقع ان يقال لك وانت على الحق ومتمثل بتلك الصفات، وانت في زمن كثرت الاهواء ودعاة العلمانية والاباحية، . فاوصاك تعالى
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ). 60 الروم.
وقد قضى الله وكتب ذلك فعليك يا عبد الله بقبول حكمه وفيه رضاه قال تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا). 24 الانسان. وانت على اتباع لدينه، وله حكمة فيما يقع قال تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ). وان فاتك المال فانه متاع مؤقت ثم ياتي يوما ثقيلا، وان لم تجد زوجة او البيت فكله متاع زائل فاعمل على ما يدوم في دار المقر فهي دار المتقين. قال تعالى: (وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ). 35 الزخرف.
وان فاتتك كل ملزات الدنيا فالفوز في تحصيلك وتحقيقك للتوحيد الذي تنال به الاخرة والحياة الدائمة، فانظر كيف تحقق التوحيد، لكن كيف تعرف ذلك وانت لم تفحص ولم تعرض نفسك على اهل الاختصاص، واغلب الناس يرى انه على التوحيد لكن اذا استمع لعلوم التوحيد يجد نفسه جاهلا بذلك وكيف يعرف العبد عن العظيم العلي القدير دون ان يسمع لمن يفصل ذلك قال تعالى: ( الرحمن فسال به خبيرا). ان ذلك علم النجاة.
يا عبد الله هب انك عشت مائة عام في فرح وملزات ثم مت على غير توحيد فان تلك الاموال لم تكن ربح بل خسارة ولم يفيدهم انهم كانوا في متعة قال تعالى
أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ* مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ). 207 الشعراء.
قال ابن كثير: لو أخرناهم وأنظرناهم ، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينا من الدهر وإن طال ، ثم جاءهم أمر الله ، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم؟! ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وقال تعالى : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) [ البقرة : 96 ] ، وفي الحديث الصحيح : " يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط ؟ هل رأيت نعيما قط ؟ فيقول : لا [ والله يا رب ] . ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا والله يا رب " أي : ما كأن شيئا كان ; ولهذا كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت :كأنك لم توتر من الدهر ليلة إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب، فاصبر ياعبد الله على غربة الدين، واعبد ربك حتى ياتيك اليقين، واوصاكم الله تعالى كما اوصى رسوله بذلك: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). 28 الكهف