حقيقة الإسلام وجوهر الدين
(حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين)
دراسة لتقريب المعاني السامية للتوحيد والسنة
والحقائق الغائبة على الكثيرين من الأمة
(الجزء ألاول) )
الطبعة الثانية
المؤلف عثمان حسن بابكر
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
للتواصل مع المؤلف :
rahana04@yahoo.comالفهرس
(ذلك بالنسبة للطبعة الورقية ولكن في الموقع لا يتقيد بالرقم المسلسل فقط تشير الى اسم العناوين الفرعية)
الموضوع الصفحة
الفهرس 03
المقدمة 06
حقيقة الإسلام وجوهر الدين 10
معنى الإسلام وتعريفه 13
معنى لا اله الا الله 25
تعريف العبادة 26
معنى التوحيد 35
تعريف الشرك بالله 38
الشرك الأكبر 40
الشرك الأصغر 53
الشرك الخفي 58
من حكمة الخلق والرسالة 59
دين الله هو الإسلام في جميع الرسالات وادلته 60
التوحيد حق الله على العبيد 69
شروط لا اله الا الله وادلتها 70
تعريف شهادة محمد رسول الله 80
بقية أنواع العبادات 88
التشريع في الدين حق لله وحده 110
محبة التقديس للخلق من الشرك 112
تعظيم الخلق والغلو 113
التبرك بالخلق واعتقاد البركة منهم شرك 115
الكهانة والدجل وقراءة الكف 127
من صفاته تعالى الخالق، واعتقادها في غيره شرك 132
يتبع الشرك في الربوبية التبرك والتطير وغيره 135
الايمان بالله 141
أنواع الكفر واقسامه 144
النفاق 156
بعض وسائل الشرك ومنها التوسل بالمخلوقات 161
التوسل وانواعه واحكامه 161
الشفاعة واحكامها 182
ومن حكمة دين الاسلام 191
وجه اخر للغلو 198
الغلو في الرسل والصالحين 198
حوار في النار بين شيوخ الضلال واتباعهم 200
التفرق في الدين من الشرك 203
صفات من سار على حقيقة الإسلام 204
التفريق بين مسلم سنة واهل السنة والجماعة 210
السبيل الحق ومنهج وطريق اهل النجاة 218
المنهج النبوي لاقامة الدين 221
منهج الدعوة 222
مادة الدعوة وترتيبها 226
موقف اهل السنة والجماعة عند الخلاف 233
المنهج الصواب تجاه غير المسلمين 255
مقدمـة
ان الحمد لله نحمد ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونتوب واليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ويضلل فلن تجد له وليا مرشدا، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسول، وان اصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والارض ان تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم. قال الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ). 125 الانعام.
لاجل تقريب المعاني السامية للتوحيد والسنة، وتبين الحقائق الغائبة على الكثيرين من الأمة، تجيء مادة الكتاب لتنقشع الظلمة، وتضاء العتمة ويستبين السبيل الموصل الى الجنة، وبين يديه اشير الى المسلك والنهج الذي اتبعته وهو ان اسبق كل حقيقة اريد توصيلها اسبقها بما يسهل فهمها من حقائق غابت حتى استغربت، ونسيت حتى استهجنت، ربما كثر عليها الركام من المحدثات والامور التي جعلت المصطلحات تحمل الى معاني غير اصلها، ومناهج تسلك طريق غير الاصول التي قامت عليها، ونهجت التعبير البسيط للتعريف باصول ذكرت في مراجع الامة وعلماء السنة بلغة رصينة وتعبيرات مزينة، لكن البعض لا يدرك كل مراميها فعمدت الى تسهيلها ثم تقريبها من واقع العصر.
وهناك مسائل ومفاهيم خاطئة ذكرت في عصور سابقة وتم الرد عليها، ثم عادت الينا في قالب جديد ولا يدرك العامة انها تلك، ثم يقع البعض فيها مع انه ينكر على اصحابها الأوائل ويبدّع فعلهم، لكنه لا يدرك انه يفعل مثل فعلهم. لانها في ثوب جديد.
وفي كل عصر يدرج الناس على مسالك جديدة ومصطلحات تجعلهم في حاجة الى تجديد المعاني وتقريبها، بل حتى اصول الدين يبتعد البعض عنها بعد ان طال عليهم الامد، وكثر المستجد، واستحبوا الجديد، حتى ساروا على النقيض. وهكذا كانت سنة الله في الخلق، ان يبعث في كل امة او قرن من يعيدون الناس الى الاصل المجيد، ويحيون السنن من جديد. قال تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). 181 الاعراف.
وذلك من حكمته تعالى يجدد اقامة الحجة على العباد من وقت لاخر، حتى لا تنشأ امم واجيال لم تسمع الحق الصافي فيعيده لها ويسمعها ويقيم الحجة عليها كما يمنحها فرصة للهداية، وما اسعد من تلقاها ووعاها ويشكر الله الذي اهداها، واستمع الى بشراها، من قول الذي أسداها
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ). 18 الزمر.
وكان هذا الكتاب كجزء من الواجب علي والاعذار الى الله، فجمعت هذه الكلمات في هذا الكتاب باسم: ( حقيقة الاسلام وجوهر الدين). لاجل تصويب تلك المفاهيم المشار اليها، وكذلك لجمع مسائل متفرقة سبق ان كتب عنها علماء السنة كثيرا وبأحسن بيان، وهي في مئات الكتب، لكن لم تصل الى الكثيرين لانهم لم يسلكوا طريقها في البحث والتنقيب، فاردت ان تصل اليهم بمزيد من البيان، واقرّب بينها ليدعم بعضها بعضا ويزداد اليقين بها، وحصد بعض النفائس والفوائد المتفرقة من الاستنباط للفقهاء َوالْحِكم في طيّات الكتب، لتدعم الشرح كحال كثير من البحوث في مسائل عدة تجعل البحث أيسر للمتلقي من المراجع التي هي الافضل والأوسع، لكن الخلاصة تقتصر الوقت للمتلقي في عصر السرعة والانشغال واللهو، فتوصل له الرسالة الحنيفية وشروحاتها منقحة وملخصة وسهلة الفهم.
تبدأ بتعريف الجوهر واصل الدين ماذا يعني وما المطلوب منا، وما الذي تبدل واين نحن منه، وتصحيح المفاهيم الخاطئة مع بيان المنهج النبوي بترتيب جاء الدين ببيانه، كما تعرًضت لتصويب الفهم لما تعارف عليه الناس خطأ حول اهل السنة والجماعة، من تعني وماذا تعني هذه المفردات، واي منهج عليه ساروا لاقامة الدين وتبلغيه فنحسن الإتّباع.
رجاء ان ندخل في من قال الله فيهم: ( . . وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه. الاية). 100 التوبة.
ولا تبخل ايها القارئ على نفسك بوقت للمتابعة والقراءة عموما في امر دينك، فانها لحظات صيانة لنفسك، وحماية لها من الهلاك الذي قد يقع دون ان تدرك، وخير وقت هو ما أفنيته في البصيرة لدربك الذي يقودك الى ربك، فأكثر من ذاك حظك، والتفصيل والمزيد في انتظارك، ولا حول ولا قوة الا بالله.
كتبه / عثمان حسن بابكر
تم بحمد الله في يوم الثلاثاء 30 ربيع الثاني 1434ه
الموافق 12/03/ 2013م
حقيقة الإسلام وجوهر الدين
(حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين)
حقيقة الإسلام تلك الحكمة ألإلاهيّة والفطرة الربانية والحياة الروحانية التي مفتاحها كلمة لا اله إلا الله، اخف كلمة على اللسان، وأثقلها في الميزان يوم القيامة، تلك الكلمة الجامعة التي تحوي جميع العبادات والنسك والعقائد اذا ادرك العبد ما تحوي معانيها، وهي وسيلة تعامل الإنسان مع ربه المنان، ومن أحصى معانيها أدرك جوهر الدين وحقيقة الإسلام وحكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين، وأدى ما يمكنه فعله بسير، ولا يمكن ان يفعل المطلوب من يجهلها، ولا يهون عليه وهو لا يعرف وسائل تحقيقها، وقد دلنا تعالى على وسائل ومعارف من أدركها وفعلها تمكن من فعل المطلوب، مستعينا بالوصفات والمواصفات التي بينها الرب تعالى لتقوّي الإرادة وتحميها من المثبطات التي تضعفها، وهي ترد في الحياة اليومية دون ما يدرك البعض ما يعينه وما يضعفه في هذا المسار.
ذلك ما سيرد ضمن الفقرات التي نبدأها بما بدأ الله به عن مفتاح الدخول في الإسلام، كلمة لا اله إلا الله، بدءا بتعريف الإسلام الذي يدخله العبد السالك الى ربه. وجوهر الدين الذي يجب ان يستقر في القلب ومنه يفيض الانسان احسان، بعد ان تعرّف على ربه المنان، وحول ذلك يدور البيان، مع توطئة تهيئ النفس والوجدان بل والمحيط والميدان الذي يسير فيه العبد ويتدرج في منازل عبادة الرحمن حتى يصل الى السعادة والرضوان.
ونبين حقيقة الاسلام ومعانيه وشروطه ولوازمه ونواقضه والعادات والتصرفات التي لا يدري الكثيرون انها تخالف دينه بل تبطله، ولكن يمكنه تصحيح المسار بيسر إذا أراد تحسين موقفه بين يدي ربه حين يلقاه، وغالبها اعمال قلبية اعتقاديه، تجعل العبد يحسن الظن بربه ويسلم قبله مما لا يليق بخالقه. قال تعالى: ((يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)). 88 – 89 الشعراء.
واعمال القلوب هي ظنه في ربه ويقينيّاته فيه وهي ما ربط عليه قلبه، فهي المعتقد الذي شد عليه القلب كثوابت ومعتقدات ظنية قطعية مما ورد عن الشارع، ولا يربط قلبه عن ربه بما لم يقله الرب جل وعلا ويصف به نفسه، لان الظن الخاطئ في الله تعالى ادخل أناس النار كما قال تعالى: ( )وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ )). فصلت23 - 24.
فحتى نكون سليمي القلب ومحسني الظن بالله، ومحسنين للمعتقد نقف على تفاصيل تحقيق ذلك واجتناب ما يورد المهالك، ونصل الى حقيقة ما اراد الله من الدين والرسالة، ما هو المطلوب، معانيه ولوازمه وكيفية تحقيقه، ماذا يعني ان تكون مسلما؟ ما هو المطلوب من العبد اذا اسلم؟.
وكثير من المسلمين لا يدرك الجوهر ومالذي يوضع على أعمدة الإسلام التي حفظها من الصغر (بني الإسلام على خمس) مالذي بني على اعمدت الإسلام؟ اذا قيل هذه العمد فما الذي يوضع عليها؟ ما هو هذا البنيان؟ ان هناك تفاصيل تقوم على هذه الاصول تفصيلها ممتع تسعد به النفس ويستريح لها القلب بل ويطرب فاعط نفسك وقتها للاستماع لها خاصة من خلال حلق العلم الشرعي، واولها العلم بالله فمن عرف ربه بما وصف به نفسه، فهو الذي يخشى الله ويتقيه كما أشار تعالى لان بعضا من العلماء يسعدون بتلك الخشية في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) أي بعضا من العلماء من تحصل لهم الخشية، فقلبه استمتع بتلك المعارف فهانت عليه العبادة وحاذ على الانس بالله، فالمعرفة بالدين بها لذة لا يتصورها الا من شرع فيها واحسها فانه يشعر بسعادة ما كان يتوقعها كذلك، فاحرص على المعرفة بالدين لتكون من الفائزين.
هل تعلم ان لا اله الا الله لها سبعة شرورط يجب تحقيقها، وان شهادة محمد رسول الله لها أربعة شروط يجب تحقيقها، وان اكثر من سبعين فعلة اذا وقع فيها نقض شهادة لا اله الا الله. تابع التفاصيل فقط من الكتاب والسنة، من غير راي او اجتهاد فيما يخص حق رب العباد، بل اتِباع بلا تأويل ولا ابتداع.
وننتهج في هذا التعريف تمليك القارئ او المبتدئ او الباحث نملكه حقائق تساعد في فهم المعاني والحِكم، وذلك ان يمتلك مفاتيح المعرفة والوقوف على حقائق ومبادئ تسهل بيان الحِكم والاحكام والعقيدة المرادة من المشرّع.
ومفاهيم ما كانت تتبادر الى اذهاننا يوما من الايام قبل دراسة اصول الدين حتى يندهش القاري لحقائق كانت غائبة عليه رغم انها بينة في صريح القول بها، الا انها لم تبلّغ الينا ممن حولنا. ولكنها ممتعة حتى يطرب القلب لها ويستريح لمعرفتها، وبها تحلو العبادة ويسهل الالتزام. وسترد تباعا ضمن الفقرات.
وطريقة ترتيبها على حسب ما يحتاج ما بعدها فتسبقه لتسهل فهم الوارد بعدها واليك تعريف الإسلام أولا في الفقرة التالية.
معنى الإسلام وتعريفه:
هو الخضوع والتذلل والانقياد التام والطاعة لله تعالى فيما يأمره وينهاه، ويسلّم أمره ووجهه لربه مخلصا في ذلك كله. وله تفصيل وتفسير سيأتي.
ولا يكمل ذلك ولا يتحقق الا إذا ترك العبد ما يناقضه من الأفعال والعقائد، ومن تمرد او اعرض، فينقص من تحقيقه ذلك بقدر ما يفعل من الخادشات فيه او المحبطات.
واعلم يا عبد الله لم يكن الاسلام عبارة تقال ثم يعرض العبد ويفعل ما يشاء، بل هناك جنسين من الاعمال، احدهما فعل المأمور، والاخر ترك المحظور.
ومن قال آمنت بالله لكنه تولى عن تحقيق الانقياد ولم يفعل المامور فهو يتمرد على إسلامه ويجرح إيمانه بقدر توليه، وقد قال تعالى عن هذا الصنف المتولي: ((وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)) النور 47.
ونفي الإيمان هنا درجات، منه ما يعني نفي الكمال: أي ناقص الإيمان، ومنه ما يصل الى النفي المطلق بالوقوع فيما ينقض الإيمان والإسلام ويحبط ما حصل منه، ولذلك كان من تمام الإسلام معرفة نواقضه. حتى يحمي اسلامه مما يفسد ويحبط عمله.
ولذلك امر الله عباده المؤمنين بالحرص على إسلامهم بعد ان أصبحوا مسلمين ومؤمنين، الى لحظة الموت، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)). 102 آل عمران.
أي منقادون تماما بعيدون عن العمل المفسد والمحبط للاسلام حتى اخر لحظة في حياتكم.
وعلى ذلك كان نبي الله وابو الانبياء ابراهيم عليه السلام، المنقاد لله حتى بذبح ابنه، والذي أمرنا بالسير على ملته، وقد قال تعالى عنه: ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )).131 البقرة.
فهو كان قبل هذا الامر على الاسلام ولكن الامر ( أسلم) هنا يعني الانقياد لما ياتيك ونفّذ.
وعندما انقاد وامتثل لامر الله وخضع لتنفيذ الامر بذبح ابنه حين امتحن وكذلك وافق ابنه اسماعيل عليه السلام، وانقادا للأمر فوصف الله حالهما بأنهما: أسلما: ( أي انقادا وخضعا) قال تعالى: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ *كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)). 105 الصافات.
وهو كان قبل هذا الامر مسلم بل نبي ورسول، وعبارة اسلم هنا أي انقاد ونفذ ما تؤمر به.
وهنا يبدو معنى اسلما: أي انقادا لامر الله. ومرادنا من هذه السياقات بيان معنى الاسلام وما يصل اليه من مقاصد ولوازم.
قال ابن كثير في تفسير هذه الاية: ((اسلما يعني اِسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا إِبْرَاهِيم اِمْتَثَلَ أَمْرَ اللَّه تَعَالَى لِإِسْمَاعِيلَ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِأَبِيهِ قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمْ)).
وقال القرطبي: ((أَيْ اِنْقَادَا لِأَمْرِ اللَّه . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ " فَلَمَّا سَلَّمَا " أَيْ فَوَّضَا أَمْرهمَا إِلَى اللَّه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِسْتَسْلَمَا)).
وجاء في الجلالين: (( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ "فَلَمَّا أَسْلَمَا" خَضَعَا وَانْقَادَا لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى).
وهذا الانقياد والتسليم امر الله به رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حيث أمره بان يقول للناس كما في سورة غافر 66 : ((وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)).
قال القرطبي : أَذِلَّ وَأَخْضَعَ " لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقال ابن كثير: عبادة الله هي طاعته بفعل المأمور و ترك المحظور وذلك حقيقة دين الاسلام لأن معنى الاسلام: الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع.
وهذا ليس خاص به صلى الله عليه وسلم بل يشمل كل من اسلم واتبع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم الله معه في قوله: ((فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا . . الاية)).20 آل عمران.
ومن اتبعني: اي انقاد مثلي ومعي وسلم أمره ووجهه لله.
لهذا علينا ان نعلم ان الاعلان فقط للاسلام لا يكفي لإتمامه وتحقيقه، بل لابد من الانقياد والخضوع خاصة في أمر المعتقد والتوحيد، ومن اعرض فقد ترك جوهر الاسلام، ومن أبى واستكبر فقد تمرد على خالقه، ومنه ان يخرج عن اسلامه حتى يرجع.
وإطلاق ذلك على الأعيان لا يكون الا من اهل العلم والاستنباط والفقه وبعد دراسة حالة المعين.
وعلى العبد ان يخشى نتاج ذلك الإعراض ويحرص على ان لا يقع منه، وان لم يجد من يقّيم له حاله.
وهذا الانقياد والتوحيد الذي كان عليه نبي الله وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقد أكد تعالى ان من خالفه فيه وحاد ورغب عن ملته فقد اهان نفسه واهملها وسفهها مهما ملك من الدنيا وان كان يظن انه يعتني بنفسه ويحقق لها احلامها، في حين انه قد أهانها وأذلها وأخضعها للخلق ثم خسرها يوم القيامة لانه لم يتبع ملة ابراهيم التي امرنا الله بها لانها تعني جوهر الدين، وتحرير الفرد من الرق للخلق والاستعباد باسم الدين وان قبل بذلك الاستعباد، اما ان حررها على ملة ابراهيم فيبصح لا سيد له الا ربه.
والعبودية لله الخالق هي مكانة وقرب من الرب وعلو للقدر. قال تعالى: (( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )). البقرة 132.
لم يوصي إبراهيم عليه السلام بالحرص على المدخرات المالية وانما على ان يكون سليم الدين ولا يحدث ما يجرح إسلامه او يحبطه حتى يموت عليه.
ولم تكن الوصية تكلّف او تشدد لكنها معرفة الانبياء المبصّرين بان الانسان قد يخرج من دينه ويحبطه دون ان يعلم. فنبههم لليغظة حرصا على بقاء الاسلام.
وحتى لا يظن البعض ان الدين مجرد كلمة شهادة وعبارات يقولها وانتهى، فقد نبه الله تعالى ليعلم الجميع ان امر الدين يشمل كل حياتهم وليس فقط كلمة بلا افعال، فأكّد لهم المهمة وشمولها لكل الحياة من عبادة او سلوك فقال تعالى : ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)). 162-163 الانعام.
أي الحياة كلها جميعها لله بل وحده بلا مشارك في شيء منها، وتصرفاته تكون حسب منهج الدين راضيا بما رسمه له ربه من طريق، وملذاته هي نعم على هامشها لا تمنعه ولا ترده عن امر ربه. ولا تصادم تعاليمه وتشريعه.
وبعد ان زعم بعض اهل الكتاب بالنجاة والجنة نفى الله ذلك العموم ورده لحالة كل فرد اذا انقاد وسلم وجهه لله، قال تعالى: ((بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)). البقرة 112.
قال القرطبي (( وَمَعْنَى " أَسْلَمَ " اِسْتَسْلَمَ وَخَضَعَ )).
بل زكى الله تعالى اهل الانقياد الذين سلّموا زمام أمرهم ووجوههم الى الله بل هم احسن الناس دينا، فقال تعالى: (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا)). النساء 125.
كما قال تعالى : (( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى((. 22 لقمان.
والعروة الوثقى: هي كلمة لا اله الا الله. أي حققها واعتصم بها.
وهذا يعني خروجه من هيمنة أي فكر او مشرّع وآمر آخر يصادم امر الله تعالى، فالمطاع واحد والمقصود واحد وهو المالك له، ويسير وفق امره لا اله مطاع او معبود بحق غيره، فيشهد القلب بوحدانية الله سواء في ملكه او في عبادته والطاعة لهذا المالك، فهو مستسلم لله في ذلك كله، ولهذا الانقياد قال تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)).
وقد ورد ذلك التعبير من الاية بعد ذكره شهادة الإلوهية في الاية: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ . . الاية)). 17- 18 آل عمران.
يعني من ألّه، على وزن فعل، أي عبد الله وحده وترك كل ما سواه فذلك هو دين الاسلام المراد منكم. الى قوله تعالى: (( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) آل عمران 20 .
وقال ابن القيم: ((العبادة تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع)).
ونخلص من هذه الفقرة ان المراد بالاسلام الإذعان والخضوع والانقياد التام لله رب العالمين. ومن اعرض او تولى او تمرد فيخرج من اسلامه بقدر ما فعل، حتى ان مفارقة جماعة المسلمين أهل العلم والسنة جعلها الشارع نزع لرابط الاسلام كما ورد في الحديث
فمن خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من راسه الا ان يرجع). رواه الامام احمد ضمن حديث طويل هذا اخره عن الحارث الاشعري(4/130).
وخلع ربقة الاسلام مثال للخروج عن طوق النجاة الذي يتمسك به كل افراد جماعة المسلمين، والربق حبل مثل العقد له حلقات يربط بها البهم صغار الغنم، فتجمع في حبل واحد منظومة مثل العقد، فمن نزع الربق من عنقه ففارق مجموعته. ويريد الشارع البقاء مع جماعة المسلمين. اما الاشارة له هنا فقط لمعنى الخروج وهو احوال.
والخروج يرد على اشكال منه الكبيرة التي تجعله في اهل الوعيد، ومنه الخروج بالكلية بنقضه بفعل لبعض من النواقض المبطلة لدينه التي تزيد على السبعين ناقضة. وسيأتي بيانها في مواضع مختلفة.
فالاسلام او الايمان يحتاج الى حماية اذ انه بعد حدوثه قد يتعرض للخدش او الإزالة والنقض، وقد كان أنبياء الله إبراهيم ويعقوب يوصيا بنيهما بالحرص على الاسلام حتى الموت رغم انهم مسلمون مما يفيد معرفتهم انه يمكن للعبد الخروج عن الإسلام بكلمة او فعل، فحكى الله عنهما ذلك في قوله تعالى: ((وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) البقرة 132.
ولان هناك دسائس ووسائل من الشيطان واستدراج للناس يوقعهم بها في ما يفسد الدين ويحبطه باعمال كثيرة لا يحسبها الناس معصية بل منها ما يرونه طاعة وعبادة لله وفيه ما يخفى حتى على بعض العلماء الذين لا يتقيدون بالسنن، ومنه مرض خطير يصيب القلوب ويحبط الاعمال يقع فيه البعض دون ان يعلم، وسوف نشخصه ونقف عنده كثيرا.
ولأهمية الحرص على سلامة الاسلام، فقد كان نبي الله ابراهيم يسال الله ان يبعده عن المفسدات للاسلام مثل عبادة الاصنام، وهو نبي رسول يخشى منها على نفسه وبنيه فيسال الله ان يجنبهم ذلك كما قال تعالى عن دعائه: ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ)). 35- 36 إبراهيم.
فنبي يخشى على نفسه ما يجر لعبادة غير الله وهو لا يشعر، دلّ ذلك على خطورتها وورودها خفية يخشى منها حتى على العلماء فكيف بالعوام ومن لم يدرس معاني اصول الدين ومعنيها ونواقض الاسلام.
وعلى العبد ان يدرك اهمية معرفة تلك المحبطات وحماية الاسلام والتوحيد فقد حكا الله عن اقوام يدخلون النار بعد إسلامهم بل بخطيئة الكفر بعد الايمان وليس الكبائر. كما ورد في قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)). آل عمران 106.
وقال ابن كثير: وقوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) يعني : يوم القيامة ، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، قاله ابن عباس ، رضي الله عنهما .
وقال: ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) قال الحسن البصري: وهم المنافقون: ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) وهذا الوصف يعم كل كافر.
وقال ابن جرير الطبري: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده، قوله: " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه "، الآية، لقد كفر أقوامٌ بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " والذي نفس محمد بيده، ليردنّ على الحوض ممن صحبني أقوامٌ، حتى إذا رُفعوا إليّ ورأيتهم، اختُلِجوا دوني، فلأقولن: ربّ! أصحابي! أصحابي! فليقالنّ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "، فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا. انتهى
وهناك عدة اقوال في ذات المعنى للكفر بعد الايمان.
بل بين تعالى ان اناسا يبعثون يوم القيامة وعلى وجههم اثر الخشوع من كثرة العبادة ثم شهد لهم بالنار لانهم جرحوا اسلامهم او نقضوه بافعال وعبادات لم يقبلها الشارع الذي تفرّد بالتشريع في الدين. كما قال تعالى: (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ *تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)). 2-7 الغاشية.
وذلك لابتداعهم في الدين وتشريعهم ما ليس منه ولم يأذن به الله، سواء في العقيدة او العبادات وسيأتي بيانه.
وصح الحديث عن سرعة التقلب من الاسلام الى الكفر، وان الرجل قد يمسي مؤمنا ويصبح كافرا وربما لا يدرك ذلك، كما في الحديث: ((عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا)). رواه مسلم واحمد وغيرهما.
وربما بكلمة سخرية واستهزاء بشي من الدين او الهزل بما فيه ذكر الله قد يدخل المسلم في الكفر كما وقع لمن فعلوا ذلك وهم في ساحة الجهاد خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لانهم سخروا من الصحابة رضي الله عنهم، ويزعمون انهم يمزحون ويلعبون فانزل الله قوله تعالى: (( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )). 65-66 التوبة.
ولهذا كان من الاهمية بمكان حماية العبد لدينه واتمام شروطه والحذر من نواقضه التي تفسد الدين، رغم ان المتدئ يظن انه على حق وصواب، وقد بين الله تعالى حال قوم افسدوا دينهم ويظنون انهم يفعلون حسنا، حيث قال تعالى: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)) الكهف103 - 105.
فبين كفرهم بالايات مع انهم يظنون يحسنون صنعا، أي لم يقتنعوا بالايات التي نهت عن ضلال يرونه وسيلة حسنة فذلك كفر بها.
ويبين ذلك الاثر المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة اذا نشا في الاسلام من لا يعرف الجاهلية)).
منهاج السنة النبوية ج 2 ص 398 وج4 ص 590 ) ومجموع الفتاوى ج10ص 301 وج 15 / 54).
ويعني ان الذي لا يعرف الاعمال التي تحبط الدين وتفسده، وامراض في القلوب خطرة تنقل الى كفر الجاهلية الاولى، فقد يقع فيها دون ما يدرك انه فعلها، يفيد انه لا بد من العلم بما ينقض الاسلام، وما هو سبب ضلال مشركي مكة قبل البعثة، والامم السابقة التي قصها الله علينا في القرءان ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة.
كيف كان ضلالهم رغم ان اغلبهم يعرفون الله بل ويعبدونه بشي مما ورثوه. مما هو مخالف لاصل الدين وحقيقة التوحيد ومنه مرض خطير يفسد الدين بل يحبط الاعمال ، وسنقف عليه بعد الفقرة القادمة.
فنقف على بيان ما المراد من حقيقة التوحيد وما هي نواقضه وأفعال الجاهلية التي تفسده، وشروط لا اله إلا الله ونواقضها ولوازم الشهادتين واحكام الافعال المحدثة وانواعها ووسائل الشيطان وحيله في إفساد الدين، وشبهات المدلسين في تجويز بعض المفسدات للعقيدة الاسلامية الحنيفية، وغير ذلك من الاصول.
وندخل الى الشرح من مدخل الاسلام وشعاره وما يعنيه ويتضمنه من حكم وأوامر ونواهي ولوازم للقول. عن كلمة : لا اله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنى لا اله الا الله
إله: لغة: تعني معبود، و لا إله: أي لا معبود، ثم: إلا الله : أي يثبتها لله تعالى فلا تكون لغيره، فهي أمران، نفي واثبات، تنفي الالوهية عن غير الله ثم تثبتها لله تعالى.
واصطلاحها
تعني: لا معبود بحق إلا الله، ولا بد من ذكر كلمة (بحق) لان هناك معبودين آخرين من الأصنام والإنس والجن بل من الرسل والملائكة وغيرهم، لكنهم ليسو بحق، فالمعبود بحق هو الله عز وجل، فتعني إفراد الله بالعبادة. وتنفي استحقاق العبادة لغيره، فمن عبد الله وعبد غيره لم يفرده بالعبادة. بل اشرك معه غيره فيها.
وذلك الامر بتوحيد ألإله كان في جميع الرسالات كقوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)). الأنبياء 25.
وقوله تعالى (( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه )). الاسراء 23.
قال ابن كثير: (( يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر قال مجاهد " وقضى " يعني وصى وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود والضحاك بن مزاحم " ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ")).
وقوله تعالى: ((وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)) النحل 51.
وهناك افعال لا يراها الناس عبادة يفعلونها لغير الله، أيا كانت ذاته نبي او ملك او بشر فهو غير الله فبذلك يجعله شريكا لله، ومن هنا تبدوا أهمية معرفة معاني العبادة وأجناسها، كي لا يعبد غير الله، فاذا كان لا يعبد الا الله، فعلينا معرفة كل ما هو عبادة لتصرف لله وحده ولا نوجهها خطأ لغيره، ولكي يتضح المعنى لكلمة لا إله الا الله، نعرف ما هي العباد وما يتبع لها من الافعال الظاهرة والباطنة.
تعريف العبادة:
العبادة اسم جامع لكلّ ما يُحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وبذلك عرفها الكثيرون منهم شيخ الاسلام ابن تيمية.
والعبادات الباطنة مثل الايمان والتصديق والمحبة والخشية وغيرها والاعتقاد الصحيح في صفات الله جل وعلا، وسياتي بيانها.
والعبادات الظاهرة كثيرة كالصلاة والصيام والحج وكذلك الدعاء والنذر والذبح والاستغفار وغيره مما سيأتي بيانه.
وكل ما ثبت انه عبادة لله لا يجوز صرفه لغيره تعالى. ومن صرف واحدة منها لغير الله فقد جعله شريكا لله في هذه العبادة التي منع الله شيء منها لغيره، كما قال تعالى )) :ولا تشركوا به شيئا)) وقوله تعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)). 110 الكهف.
فانظر عبارة بعبادة ربه. فالشرك في العبادة والخضوع والتذلل.
ومن هنا نقف على تفاصيل ومعرفة ذلك المرض الخطير الذي افسد دين الامم من عهد نوح عليه السلام والى بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وذلك المرض هو ( الاشراك بالله )، اي في العبادة، وهو اعظم الذنوب وقبل تفصيله نذكر اربعة احكام تترتب على من فعل الشرك اي وقع فيه. ومنها:
1- الحكم الاول : ان الله لا يغفر الشرك أبدا اذا مات العبد عليه. أي اذا لم يرجع عنه ويترك الشرك ولقي الله به فجزم الله انه لا يغفره ابدا. كما قال تعالى في الاية 48 من سورة النساء
) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا )).
وقال تعالى في ذات السورة الاية 116
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا )).
2- الحكم الثاني: ان الشرك الاكبر يحبط كل اعمال صاحبه ولو كان نبيا كفرض جدلي، كما قال تعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)). 65 الزمر.
فانظر ان جميع الرسل حذرهم من احباط العمل بالشرك ، فكيف لا يحذر غيرهم.
وقال تعالى بعد ان ذكر سبعة عشر رسول في سورة الانعام ثم قال تعالى: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُون)) الاية 88.
فكيف بنا ان نتساهل في امر كهذا لم يعذر فيه حتى الرسل حيث حذرهم منه لكنه عصمهم. وقال عن بعض الأولين: ((وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا )). 23 الفرقان. أي أحبط أعمالهم.
3- الحكم الثالث: فقد حرم عليه الجنة أي على من اشرك بالله ، كما قال تعالى: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )) المائدة 72.
4- الحكم الرابع: لا يحل لمن اشرك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شفاعة غيره. وقد ورد فى صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا.
وحصر تعالى الشفاعة في القرءان لمن شهد التوحيد بالحق أي لم ينقض شهادة لا اله الا الله بالشرك وذلك في قوله تعالى: (( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).86 الزخرف.
قال ابن كثير: هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عَلَى بَصِيرَة وَعِلْم فَإِنَّهُ تَنْفَع شَفَاعَته عِنْده بِإِذْنِهِ لَهُ.)).
والمراد انه حتى الجائز من الشفاعات وبعد اذن الله لا تصلح الا لأهل الشهادة السليمة الحقيقية التي لم تنقض بالشرك، سواء لمن يشفع او يشفّع فيه. وقوله وهم يعلمون: أي على علم باحكام التوحيد وشهادة لا اله الا الله، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الشفاعة.
والخلاصة لا شفاعة للمشرك تخرجه من النار، بل حتى عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ابو طالب مع انه حمى ابن اخيه لكنه لم يوحد ويترك الشرك، فلم تخرجه تلك العاطفة والمساعدة للنبي من النار ولكن فقط خفف عنه الى طرف النار ولم يخرج منها ولم يسلم من العذاب.
كما ان الله تعالى لم يسمح للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار له، ولا يحق لأي مؤمن الاستغفار للمشركين كما قال تعالى: ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)). 113 التوبة.
فالشرك اكبر واعظم الذنوب، كما صح عنه فيما رواه البخاري ومسلم: عن أبى بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، فقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
وقوله صلى الله عليه وسلم: ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار. ورد في آخر حديث رواه مسلم.
وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. . . الحديث..).
فالشرك مرض خطير يحبط الاعمال ويدخل النيران بلا غفران لمن مات عليه. ومن تركه ورجع عنه فالإسلام الصحيح يجب ما قبله.
وللحديث عن الشرك بقية وتفاصيل.
ولنواصل الحديث عن العبادة لتعيينا على فهم تفاصيل الشرك، والتي لا يختلف الناس عن انها لله، لكن البعض يجهل ان بعض السلوكيات هي عبادة لا تجوز لغير الله . فيقدمها لغيره الله فيفسد دينه.
لذا نقف على نوعية العبادات التي يجهل الكثيرون انها من اعظم القربات لله ولا يجوز صرفها لغيره وهي كثيرة ومنها عبادة: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع والخشية والانابة والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة والركوع والسجود والذبح والنذر والحلف، كلها عبادات وصرفها لغير الله شرك اكبر يخرج عن دائرة الاسلام وذلك من نواقض الاسلام.
واليك أدلتها وتفاصيلها :
الدعاء: هو من أجلّ العبادات وهو يتضمن ان الداعي يعتقد بان المدعو يسمع من لم يكن معه او قريب، ويعتقد انه يملك ما يطلب منه وانه ينفع او يضر وانه سميع عليم مجيب، ودون ما يعدد ذلك او يفطن له لكنه شعور داخلي، فيحمل في داخله عدة عقائد في المدعو، فاذا دعا الله كان ذلك بحق، واذا وجه دعاءه لغير الله فقد شارك في هذا الشعور وهذه المعتقدات غير الله، ولا يلزم للحكم بالشرك من ان تجتمع كلها فيه ولكن واحدة منها تجعل الفعل شرك بالله العظيم في شي من العبادة او صفاته.
وقال تعالى في شعيرة عبادة الدعاء: (( ادعوني استجب لكم)). 60 غافر. فعلم انها عبادة لله فلا تصح لغيره، كما نهى تعالى عن دعاء غيره في سورة يونس: ((وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ )).106.
ومن الظالمين أي من المشركين لان الشرك ظلم عظيم. ثم واصلت الايات ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) 107 يونس.
وفي الحديث الصحيح: عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " ثُمَّ قَرَأَ " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَاب السُّنَن التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ وَابْن أَبِي حَاتِم وَابْن جَرِير كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيث الْأَعْمَش بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح ورواه الامام احمد وغيره.
وقوله: الدعاء هو العبادة، مثال قوله: الحج عرفة: أي اعظمها واهمها واجلها. فكيف تصرف اجل العبادات لغير الله.
ان ذلك من اشد انواع الشرك لما تتضمنه من عدة عقائد وإشراك. فمن دعا غير الله فقد اشرك في عبادة الدعاء وخرج من اسلامه حتى يرجع عن فعله ويتوب ويفرد الله بالعبادة، وذلك يتضمن انه اعتقد ان غير الله يسمع دعاء البعيد ويجيب الدعاء وينفع ويضر ويغيث، وكله اشراك بالله تعالى.
ولا تعني التوبة عبارة (استغفر الله) فقط، وانما ترك ذلك الشرك واعتقاد ان فعله كفر بالله. وذلك هو الجانب الإعتقادي من التوحيد، وترك شرك العبادة هو الجانب العملي.
ويجب لصحة الشهادة ان يستيقن قلب العبد بما قال لسانه من نفي العبودية عن غير الله، وقد ذكر القرطبى فى: المفهم على صحيح مسلم : (باب لا يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين بل لابد من استيقان القلب).
وورد عن ابن عباس قوله ((شهادة أن لا إله إلا الله يقتضى أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله)).
وكذلك قوله تعالى: (( فاعلم انه لا اله الا الله)). أي المعرفة والبصيرة ليحصل اليقين بدراسة احكامها ومدلولاتها ولوازمها.
وقد حذر تعالى من دعاء غيره ثم وصفه بالكفر في قوله تعالى: ((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)). 117 سورة المؤمنون. فوصف الفعل بالكفر.
وقد كان من شرك اهل مكة في الجاهلية دعاء غير الله مع انهم يدعون الله، حيث انهم يدعون الله عند الشدة وهم يعرفون الله ويعبدونه كما سياتي بيانه، ثم يدعون غيره بعد النجاة كما قال تعالى: (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)). 65 العنكبوت.
وقوله تعالى: (( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرّ فِي الْبَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ)). 67 الاسراء.
ونقل ابن كثير قصة اسلام عكرمة بن ابي جهل، حيث قال: وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة ذَهَبَ فَارًّا مِنْهَا فَلَمَّا رَكِبَ فِي الْبَحْر لِيَذْهَبَ إِلَى الْحَبَشَة اِضْطَرَبَتْ بِهِمْ السَّفِينَة فَقَالَ أَهْلهَا يَا قَوْم أَخْلِصُوا لِرَبِّكُمْ الدُّعَاء فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّي هَهُنَا إِلَّا هُوَ فَقَالَ عِكْرِمَة وَاَللَّه لَئِنْ كَانَ لَا يُنَجِّي فِي الْبَحْر غَيْره فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّي فِي الْبَرّ أَيْضًا غَيْره اللَّهُمَّ لَك عَلَيَّ عَهْد لَئِنْ خَرَجْت لَأَذْهَبَنَّ فَلَأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَد مُحَمَّد فَلَأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا فَكَانَ كَذَلِكَ)). انتهى
وقد عرفوا ان المراد لا مدعو الا الله، فتركوا ذلك واسلموا.
وروى البخاري: عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار.
والند هو المثيل والشبيه، فقد شبهه بصفة الله بان يقصده بالدعاء ويعتقد انه يملك الاجابة وذلك شرك عظيم. وقد نهى تعالى عن ذلك في قوله ((فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون).22 البقرة. ولذلك تفصيل اخر.
ذلك مثال واحد للعبادات وبقية أنواعها سنذكرها لا حقا.
وتابع التكملة في الاضافة ادناه
ا]