حقيقة الاسلام وجوهر الدين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حقيقة الاسلام وجوهر الدين

حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالثلاثاء يوليو 23, 2019 9:46 pm


حقيقة الإسلام وجوهر الدين
(حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين)  

دراسة لتقريب المعاني السامية للتوحيد والسنة
والحقائق الغائبة على الكثيرين من الأمة
(الجزء ألاول) )
الطبعة الثانية
المؤلف      عثمان حسن بابكر

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
للتواصل مع المؤلف  : rahana04@yahoo.com

الفهرس
(ذلك بالنسبة للطبعة الورقية ولكن في الموقع لا يتقيد بالرقم المسلسل فقط تشير الى اسم العناوين الفرعية)

الموضوع الصفحة
الفهرس 03
المقدمة 06
حقيقة الإسلام وجوهر الدين 10
معنى الإسلام وتعريفه 13
معنى لا اله الا الله 25
تعريف العبادة 26
معنى التوحيد 35
تعريف الشرك بالله 38
الشرك الأكبر 40
الشرك الأصغر 53
الشرك الخفي 58
من حكمة الخلق والرسالة 59
دين الله هو الإسلام في جميع الرسالات وادلته 60
التوحيد حق الله على العبيد 69
شروط لا اله الا الله وادلتها 70
تعريف شهادة محمد رسول الله 80
بقية أنواع العبادات 88
التشريع في الدين حق لله وحده 110
محبة التقديس للخلق من الشرك 112
تعظيم الخلق والغلو 113
التبرك بالخلق واعتقاد البركة منهم شرك 115
الكهانة والدجل وقراءة الكف 127
من صفاته تعالى الخالق، واعتقادها في غيره شرك 132
يتبع الشرك في الربوبية التبرك والتطير وغيره 135
الايمان بالله 141
أنواع الكفر واقسامه 144
النفاق 156
بعض وسائل الشرك ومنها التوسل بالمخلوقات 161
التوسل وانواعه واحكامه 161
الشفاعة واحكامها 182
ومن حكمة دين الاسلام 191
وجه اخر للغلو 198
الغلو في الرسل والصالحين   198
حوار في النار بين شيوخ الضلال واتباعهم 200
التفرق في الدين من الشرك 203
صفات من سار على حقيقة الإسلام 204
التفريق بين مسلم سنة واهل السنة والجماعة 210
السبيل الحق ومنهج وطريق اهل النجاة 218
المنهج النبوي لاقامة الدين 221
منهج الدعوة 222
مادة الدعوة وترتيبها 226
موقف اهل  السنة والجماعة عند الخلاف 233
المنهج الصواب تجاه غير المسلمين 255

مقدمـة
ان الحمد لله نحمد ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونتوب واليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ويضلل فلن تجد له وليا مرشدا، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسول، وان اصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والارض ان تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم. قال الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ). 125 الانعام.
لاجل تقريب المعاني السامية للتوحيد والسنة، وتبين الحقائق الغائبة على الكثيرين من الأمة، تجيء مادة الكتاب لتنقشع الظلمة، وتضاء العتمة ويستبين السبيل الموصل الى الجنة، وبين يديه اشير الى المسلك والنهج الذي اتبعته وهو ان اسبق كل حقيقة اريد توصيلها اسبقها بما يسهل فهمها من حقائق غابت حتى استغربت، ونسيت حتى استهجنت، ربما كثر عليها الركام من المحدثات والامور التي جعلت المصطلحات تحمل الى معاني غير اصلها، ومناهج تسلك طريق غير الاصول التي قامت عليها، ونهجت التعبير البسيط للتعريف باصول ذكرت في مراجع الامة وعلماء السنة بلغة رصينة وتعبيرات مزينة، لكن البعض لا يدرك كل مراميها فعمدت الى تسهيلها ثم تقريبها من واقع العصر.
وهناك مسائل ومفاهيم خاطئة ذكرت في عصور سابقة وتم الرد عليها، ثم عادت الينا في قالب جديد ولا يدرك العامة انها تلك، ثم يقع البعض فيها مع انه ينكر على اصحابها الأوائل ويبدّع فعلهم، لكنه لا يدرك انه يفعل مثل فعلهم. لانها في ثوب جديد.
وفي كل عصر يدرج الناس على مسالك جديدة ومصطلحات تجعلهم في حاجة الى تجديد المعاني وتقريبها، بل حتى اصول الدين يبتعد البعض عنها بعد ان طال عليهم الامد، وكثر المستجد، واستحبوا الجديد، حتى ساروا على النقيض. وهكذا كانت سنة الله في الخلق، ان يبعث في كل امة او قرن من يعيدون الناس الى الاصل المجيد، ويحيون السنن من جديد. قال تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). 181 الاعراف.
وذلك من حكمته تعالى يجدد اقامة الحجة على العباد من وقت لاخر، حتى لا تنشأ امم واجيال لم تسمع الحق الصافي فيعيده لها ويسمعها ويقيم الحجة عليها كما يمنحها فرصة للهداية، وما اسعد من تلقاها ووعاها ويشكر الله الذي اهداها، واستمع الى بشراها، من قول الذي أسداهاSadالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ). 18 الزمر.
وكان هذا الكتاب كجزء من الواجب علي والاعذار الى الله، فجمعت هذه الكلمات في هذا الكتاب باسم: ( حقيقة الاسلام وجوهر الدين). لاجل تصويب تلك المفاهيم المشار اليها، وكذلك لجمع مسائل متفرقة سبق ان كتب عنها علماء السنة كثيرا وبأحسن بيان، وهي في مئات الكتب، لكن لم تصل الى الكثيرين لانهم لم يسلكوا طريقها في البحث والتنقيب، فاردت ان تصل اليهم بمزيد من البيان، واقرّب بينها ليدعم بعضها بعضا ويزداد اليقين بها، وحصد بعض النفائس والفوائد المتفرقة من الاستنباط للفقهاء َوالْحِكم في طيّات الكتب، لتدعم الشرح كحال كثير من البحوث في مسائل عدة تجعل البحث أيسر للمتلقي من المراجع التي هي الافضل والأوسع، لكن الخلاصة تقتصر الوقت للمتلقي في عصر السرعة والانشغال واللهو، فتوصل له الرسالة الحنيفية وشروحاتها منقحة وملخصة وسهلة الفهم.
تبدأ بتعريف الجوهر واصل الدين ماذا يعني وما المطلوب منا، وما الذي تبدل واين نحن منه، وتصحيح المفاهيم الخاطئة مع بيان المنهج النبوي بترتيب جاء الدين ببيانه، كما تعرًضت لتصويب الفهم لما تعارف عليه الناس خطأ حول اهل السنة والجماعة، من تعني وماذا تعني هذه المفردات، واي منهج عليه ساروا لاقامة الدين وتبلغيه فنحسن الإتّباع.
رجاء ان ندخل في من قال الله فيهم: ( . . وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه. الاية). 100 التوبة.
ولا تبخل ايها القارئ على نفسك بوقت للمتابعة والقراءة عموما في امر دينك، فانها لحظات صيانة لنفسك، وحماية لها من الهلاك الذي قد يقع دون ان تدرك، وخير وقت هو ما أفنيته في البصيرة لدربك الذي يقودك الى ربك، فأكثر من ذاك حظك، والتفصيل والمزيد في انتظارك، ولا حول ولا قوة الا بالله.  
   
كتبه /  عثمان حسن بابكر
تم بحمد الله في يوم الثلاثاء 30 ربيع الثاني 1434ه
الموافق 12/03/ 2013م

حقيقة الإسلام وجوهر الدين
(حكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين)

حقيقة الإسلام تلك الحكمة ألإلاهيّة والفطرة الربانية والحياة الروحانية التي مفتاحها كلمة لا اله إلا الله، اخف كلمة على اللسان، وأثقلها في الميزان يوم القيامة، تلك الكلمة الجامعة التي تحوي جميع العبادات والنسك والعقائد اذا ادرك العبد ما تحوي معانيها، وهي وسيلة تعامل الإنسان مع ربه المنان، ومن أحصى معانيها أدرك جوهر الدين وحقيقة الإسلام وحكمة الخلق والرسالة والمراد من العالمين، وأدى ما يمكنه فعله بسير، ولا يمكن ان يفعل المطلوب من يجهلها، ولا يهون عليه وهو لا يعرف وسائل تحقيقها، وقد دلنا تعالى على وسائل ومعارف من أدركها وفعلها تمكن من فعل المطلوب، مستعينا بالوصفات والمواصفات التي بينها الرب تعالى لتقوّي الإرادة وتحميها من المثبطات التي تضعفها، وهي ترد في الحياة اليومية دون ما يدرك البعض ما يعينه وما يضعفه في هذا المسار.
ذلك ما سيرد ضمن الفقرات التي نبدأها بما بدأ الله به عن مفتاح الدخول في الإسلام، كلمة لا اله إلا الله، بدءا بتعريف الإسلام الذي يدخله العبد السالك الى ربه. وجوهر الدين الذي يجب ان يستقر في القلب ومنه يفيض الانسان احسان، بعد ان تعرّف على ربه المنان، وحول ذلك يدور البيان، مع توطئة تهيئ النفس والوجدان بل والمحيط والميدان الذي يسير فيه العبد ويتدرج في منازل عبادة الرحمن حتى يصل الى السعادة والرضوان.
ونبين حقيقة الاسلام ومعانيه وشروطه ولوازمه ونواقضه والعادات والتصرفات التي لا يدري الكثيرون انها تخالف دينه بل تبطله، ولكن يمكنه تصحيح المسار بيسر إذا أراد تحسين موقفه بين يدي ربه حين يلقاه، وغالبها اعمال قلبية اعتقاديه، تجعل العبد يحسن الظن بربه ويسلم قبله مما لا يليق بخالقه. قال تعالى: ((يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)). 88 – 89 الشعراء.
واعمال القلوب هي ظنه في ربه ويقينيّاته فيه وهي ما ربط عليه قلبه، فهي المعتقد الذي شد عليه القلب كثوابت ومعتقدات ظنية قطعية مما ورد عن الشارع، ولا يربط قلبه عن ربه بما لم يقله الرب جل وعلا ويصف به نفسه، لان الظن الخاطئ في الله تعالى ادخل أناس النار كما قال تعالى: ( )وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ )).  فصلت23 - 24.
فحتى نكون سليمي القلب ومحسني الظن بالله، ومحسنين للمعتقد نقف على تفاصيل تحقيق ذلك واجتناب ما يورد المهالك، ونصل الى حقيقة ما اراد الله من الدين والرسالة، ما هو المطلوب، معانيه ولوازمه وكيفية تحقيقه، ماذا يعني ان تكون مسلما؟ ما هو المطلوب من العبد اذا اسلم؟.
وكثير من المسلمين لا يدرك الجوهر ومالذي يوضع على أعمدة الإسلام التي حفظها من الصغر (بني الإسلام على خمس) مالذي بني على اعمدت الإسلام؟ اذا قيل هذه العمد فما الذي يوضع عليها؟  ما هو هذا البنيان؟ ان هناك تفاصيل تقوم على هذه الاصول تفصيلها ممتع تسعد به النفس ويستريح لها القلب بل ويطرب فاعط نفسك وقتها للاستماع لها خاصة من خلال حلق العلم الشرعي، واولها العلم بالله فمن عرف ربه بما وصف به نفسه، فهو الذي يخشى الله ويتقيه كما أشار تعالى لان بعضا من العلماء يسعدون بتلك الخشية في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) أي بعضا من العلماء من تحصل لهم الخشية، فقلبه استمتع بتلك المعارف فهانت عليه العبادة وحاذ على الانس بالله، فالمعرفة بالدين بها لذة لا يتصورها الا من شرع فيها واحسها فانه يشعر بسعادة ما كان يتوقعها كذلك، فاحرص على المعرفة بالدين لتكون من الفائزين.
هل تعلم ان لا اله الا الله لها سبعة شرورط يجب تحقيقها، وان شهادة محمد رسول الله لها أربعة شروط يجب تحقيقها، وان اكثر من سبعين فعلة اذا وقع فيها نقض شهادة لا اله الا الله. تابع التفاصيل فقط من الكتاب والسنة، من غير راي او اجتهاد فيما يخص حق رب العباد، بل اتِباع بلا تأويل ولا ابتداع.
وننتهج في هذا التعريف تمليك القارئ او المبتدئ او الباحث نملكه حقائق تساعد في فهم المعاني والحِكم، وذلك ان يمتلك مفاتيح المعرفة والوقوف على حقائق ومبادئ تسهل بيان الحِكم والاحكام والعقيدة المرادة من المشرّع.
ومفاهيم ما كانت تتبادر الى اذهاننا يوما من الايام قبل دراسة اصول الدين حتى يندهش القاري لحقائق كانت غائبة عليه رغم انها بينة في صريح القول بها، الا انها لم تبلّغ الينا ممن حولنا. ولكنها ممتعة حتى يطرب القلب لها ويستريح لمعرفتها، وبها تحلو العبادة ويسهل الالتزام. وسترد تباعا ضمن الفقرات.
وطريقة ترتيبها على حسب ما يحتاج ما بعدها فتسبقه لتسهل فهم الوارد بعدها واليك تعريف الإسلام أولا في الفقرة التالية.

معنى الإسلام وتعريفه:
هو الخضوع والتذلل والانقياد التام والطاعة لله تعالى فيما يأمره وينهاه، ويسلّم أمره ووجهه لربه مخلصا في ذلك كله. وله تفصيل وتفسير سيأتي.
ولا يكمل ذلك ولا يتحقق الا إذا ترك العبد ما يناقضه من الأفعال والعقائد، ومن تمرد او اعرض، فينقص من تحقيقه ذلك بقدر ما يفعل من الخادشات فيه او المحبطات.
واعلم يا عبد الله لم يكن الاسلام عبارة تقال ثم يعرض العبد ويفعل ما يشاء، بل هناك جنسين من الاعمال، احدهما فعل المأمور، والاخر ترك المحظور.
ومن قال آمنت بالله لكنه تولى عن تحقيق الانقياد ولم يفعل المامور فهو يتمرد على إسلامه ويجرح إيمانه بقدر توليه، وقد قال تعالى عن هذا الصنف المتولي: ((وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)) النور 47.
ونفي الإيمان هنا درجات، منه ما يعني نفي الكمال: أي ناقص الإيمان، ومنه ما يصل الى النفي المطلق بالوقوع فيما ينقض الإيمان والإسلام ويحبط ما حصل منه، ولذلك كان من تمام الإسلام معرفة نواقضه. حتى يحمي اسلامه مما يفسد ويحبط عمله.
ولذلك امر الله عباده المؤمنين بالحرص على إسلامهم بعد ان أصبحوا مسلمين ومؤمنين، الى لحظة الموت، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)). 102 آل عمران.
أي منقادون تماما بعيدون عن العمل المفسد والمحبط للاسلام حتى اخر لحظة في حياتكم.
وعلى ذلك كان نبي الله وابو الانبياء ابراهيم عليه السلام، المنقاد لله حتى بذبح ابنه، والذي أمرنا بالسير على ملته، وقد قال تعالى عنه: ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )).131 البقرة.
فهو كان قبل هذا الامر على الاسلام ولكن الامر ( أسلم) هنا يعني الانقياد لما ياتيك ونفّذ.
وعندما انقاد وامتثل لامر الله وخضع لتنفيذ الامر بذبح ابنه حين امتحن وكذلك وافق ابنه اسماعيل عليه السلام، وانقادا للأمر فوصف الله حالهما بأنهما: أسلما: ( أي انقادا وخضعا) قال تعالى: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ *كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)). 105 الصافات.
وهو كان قبل هذا الامر مسلم بل نبي ورسول، وعبارة اسلم هنا أي انقاد ونفذ ما تؤمر به.
وهنا يبدو معنى اسلما: أي انقادا لامر الله. ومرادنا من هذه السياقات بيان معنى الاسلام وما يصل اليه من مقاصد ولوازم.  
قال ابن كثير في تفسير هذه الاية: ((اسلما يعني اِسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا إِبْرَاهِيم اِمْتَثَلَ أَمْرَ اللَّه تَعَالَى لِإِسْمَاعِيلَ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِأَبِيهِ قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمْ)).
وقال القرطبي: ((أَيْ اِنْقَادَا لِأَمْرِ اللَّه . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ " فَلَمَّا سَلَّمَا " أَيْ فَوَّضَا أَمْرهمَا إِلَى اللَّه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِسْتَسْلَمَا)).
وجاء في الجلالين: (( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ "فَلَمَّا أَسْلَمَا" خَضَعَا وَانْقَادَا لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى).
وهذا الانقياد والتسليم امر الله به رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حيث أمره بان يقول للناس كما في سورة غافر 66 : ((وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)).
قال القرطبي : أَذِلَّ وَأَخْضَعَ " لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقال ابن كثير: عبادة الله هي طاعته بفعل المأمور و ترك المحظور وذلك حقيقة دين الاسلام لأن معنى الاسلام: الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع.
وهذا ليس خاص به صلى الله عليه وسلم بل يشمل كل من اسلم واتبع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم الله معه في قوله: ((فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا . . الاية)).20 آل عمران.
ومن اتبعني: اي انقاد مثلي ومعي وسلم أمره ووجهه لله.
لهذا علينا ان نعلم ان الاعلان فقط للاسلام لا يكفي لإتمامه وتحقيقه، بل لابد من الانقياد والخضوع خاصة في أمر المعتقد والتوحيد، ومن اعرض فقد ترك جوهر الاسلام، ومن أبى واستكبر فقد تمرد على خالقه، ومنه ان يخرج عن اسلامه حتى يرجع.
وإطلاق ذلك على الأعيان لا يكون الا من اهل العلم والاستنباط والفقه وبعد دراسة حالة المعين.
وعلى العبد ان يخشى نتاج ذلك الإعراض ويحرص على ان لا يقع منه، وان لم يجد من يقّيم له حاله.
وهذا الانقياد والتوحيد الذي كان عليه نبي الله وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقد أكد تعالى ان من خالفه فيه وحاد ورغب عن ملته فقد اهان نفسه واهملها وسفهها مهما ملك من الدنيا وان كان يظن انه يعتني بنفسه ويحقق لها احلامها، في حين انه قد أهانها وأذلها وأخضعها للخلق ثم خسرها يوم القيامة لانه لم يتبع ملة ابراهيم التي امرنا الله بها لانها تعني جوهر الدين، وتحرير الفرد من الرق للخلق والاستعباد باسم الدين وان قبل بذلك الاستعباد، اما ان حررها على ملة ابراهيم فيبصح لا سيد له الا ربه.
والعبودية لله الخالق هي مكانة وقرب من الرب وعلو للقدر. قال تعالى: (( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )). البقرة 132.
لم يوصي إبراهيم عليه السلام بالحرص على المدخرات المالية وانما على ان يكون سليم الدين ولا يحدث ما يجرح إسلامه او يحبطه حتى يموت عليه.
ولم تكن الوصية تكلّف او تشدد لكنها معرفة الانبياء المبصّرين بان الانسان قد يخرج من دينه ويحبطه دون ان يعلم. فنبههم لليغظة حرصا على بقاء الاسلام.
وحتى لا يظن البعض ان الدين مجرد كلمة شهادة وعبارات يقولها وانتهى، فقد نبه الله تعالى ليعلم الجميع ان امر الدين يشمل كل حياتهم وليس فقط كلمة بلا افعال، فأكّد لهم المهمة وشمولها لكل الحياة من عبادة او سلوك فقال تعالى : ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)). 162-163 الانعام.
أي الحياة كلها جميعها لله بل وحده بلا مشارك في شيء منها، وتصرفاته تكون حسب منهج الدين راضيا بما رسمه له ربه من طريق، وملذاته هي نعم على هامشها لا تمنعه ولا ترده عن امر ربه. ولا تصادم تعاليمه وتشريعه.
وبعد ان زعم بعض اهل الكتاب بالنجاة والجنة نفى الله ذلك العموم ورده لحالة كل فرد اذا انقاد وسلم وجهه لله، قال تعالى: ((بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)). البقرة 112.
قال القرطبي (( وَمَعْنَى " أَسْلَمَ " اِسْتَسْلَمَ وَخَضَعَ )).
بل زكى الله تعالى اهل الانقياد الذين سلّموا زمام أمرهم ووجوههم الى الله بل هم احسن الناس دينا، فقال تعالى: (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع  ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا)). النساء 125.
كما قال تعالى : (( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى((. 22 لقمان.
والعروة الوثقى: هي كلمة لا اله الا الله. أي حققها واعتصم بها.
وهذا يعني خروجه من هيمنة أي فكر او مشرّع وآمر آخر يصادم امر الله تعالى، فالمطاع واحد والمقصود واحد وهو المالك له، ويسير وفق امره لا اله مطاع او معبود بحق غيره، فيشهد القلب بوحدانية الله سواء في ملكه او في عبادته والطاعة  لهذا المالك، فهو مستسلم لله في ذلك كله، ولهذا الانقياد قال تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)).
وقد ورد ذلك التعبير من الاية بعد ذكره شهادة الإلوهية في الاية: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ . . الاية)). 17- 18 آل عمران.
يعني من ألّه، على وزن فعل، أي عبد الله وحده وترك كل ما سواه فذلك هو دين الاسلام المراد منكم. الى قوله تعالى: (( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) آل عمران 20 .
وقال ابن القيم: ((العبادة تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع)).
ونخلص من هذه الفقرة ان المراد بالاسلام الإذعان والخضوع والانقياد التام لله رب العالمين. ومن اعرض او تولى او تمرد فيخرج من اسلامه بقدر ما فعل، حتى ان مفارقة جماعة المسلمين أهل العلم والسنة جعلها الشارع نزع لرابط الاسلام كما ورد في الحديثSad فمن خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من راسه الا ان يرجع). رواه الامام احمد ضمن حديث طويل هذا اخره عن الحارث الاشعري(4/130).
وخلع ربقة الاسلام مثال للخروج عن طوق النجاة الذي يتمسك به كل افراد جماعة المسلمين، والربق حبل مثل العقد له حلقات يربط بها البهم صغار الغنم، فتجمع في حبل واحد منظومة مثل العقد، فمن نزع الربق من عنقه ففارق مجموعته. ويريد الشارع البقاء مع جماعة المسلمين. اما الاشارة له هنا فقط لمعنى الخروج وهو احوال.
والخروج يرد على اشكال منه الكبيرة التي تجعله في اهل الوعيد، ومنه الخروج بالكلية بنقضه بفعل لبعض من النواقض المبطلة لدينه التي تزيد على السبعين ناقضة. وسيأتي بيانها في مواضع مختلفة.
فالاسلام او الايمان يحتاج الى حماية اذ انه بعد حدوثه قد يتعرض للخدش او الإزالة والنقض، وقد كان أنبياء الله إبراهيم ويعقوب يوصيا بنيهما بالحرص على الاسلام حتى الموت رغم انهم مسلمون مما يفيد معرفتهم انه يمكن للعبد الخروج عن الإسلام بكلمة او فعل، فحكى الله عنهما ذلك في قوله تعالى: ((وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) البقرة 132.
ولان هناك دسائس ووسائل من الشيطان واستدراج للناس يوقعهم بها في ما يفسد الدين ويحبطه باعمال كثيرة لا يحسبها الناس معصية بل منها ما يرونه طاعة وعبادة لله وفيه ما يخفى حتى على بعض العلماء الذين لا يتقيدون بالسنن، ومنه مرض خطير يصيب القلوب ويحبط الاعمال يقع فيه البعض دون ان يعلم، وسوف نشخصه ونقف عنده كثيرا.
ولأهمية الحرص على سلامة الاسلام، فقد كان نبي الله ابراهيم يسال الله ان يبعده عن المفسدات للاسلام مثل عبادة الاصنام، وهو نبي رسول يخشى منها على نفسه وبنيه فيسال الله ان يجنبهم ذلك كما قال تعالى عن دعائه: ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ)). 35- 36 إبراهيم.
فنبي يخشى على نفسه ما يجر لعبادة غير الله وهو لا يشعر، دلّ ذلك على خطورتها وورودها خفية يخشى منها حتى على العلماء فكيف بالعوام ومن لم يدرس معاني اصول الدين ومعنيها ونواقض الاسلام.
وعلى العبد ان يدرك اهمية معرفة تلك المحبطات وحماية الاسلام والتوحيد فقد حكا الله عن اقوام يدخلون النار بعد إسلامهم بل بخطيئة الكفر بعد الايمان وليس الكبائر. كما ورد في قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)). آل عمران 106.
وقال ابن كثير: وقوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) يعني : يوم القيامة ، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، قاله ابن عباس ، رضي الله عنهما .
وقال: ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) قال الحسن البصري: وهم المنافقون: ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) وهذا الوصف يعم كل كافر.
وقال ابن جرير الطبري: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده، قوله: " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه "، الآية، لقد كفر أقوامٌ بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " والذي نفس محمد بيده، ليردنّ على الحوض ممن صحبني أقوامٌ، حتى إذا رُفعوا إليّ ورأيتهم، اختُلِجوا دوني، فلأقولن: ربّ! أصحابي! أصحابي! فليقالنّ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "، فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا. انتهى
وهناك عدة اقوال في ذات المعنى للكفر بعد الايمان.
بل بين تعالى ان اناسا يبعثون يوم القيامة وعلى وجههم اثر الخشوع من كثرة العبادة ثم شهد لهم بالنار لانهم جرحوا اسلامهم او نقضوه بافعال وعبادات لم يقبلها الشارع الذي تفرّد بالتشريع في الدين. كما قال تعالى: (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ *تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)). 2-7 الغاشية.
وذلك لابتداعهم في الدين وتشريعهم ما ليس منه ولم يأذن به الله، سواء في العقيدة او العبادات وسيأتي بيانه.
وصح الحديث عن سرعة التقلب من الاسلام الى الكفر، وان الرجل قد يمسي مؤمنا ويصبح كافرا وربما لا يدرك ذلك، كما في الحديث: ((‏عن ‏أبي هريرة: أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏قال: ‏‏بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ‏ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه ‏بعرض ‏ ‏من الدنيا)). رواه مسلم واحمد وغيرهما.
وربما بكلمة سخرية واستهزاء بشي من الدين او الهزل بما فيه ذكر الله قد يدخل المسلم في الكفر كما وقع لمن فعلوا ذلك وهم في ساحة الجهاد خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لانهم سخروا من الصحابة رضي الله عنهم، ويزعمون انهم يمزحون ويلعبون فانزل الله قوله تعالى: (( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )). 65-66 التوبة.
ولهذا كان من الاهمية بمكان حماية العبد لدينه واتمام شروطه والحذر من نواقضه التي تفسد الدين، رغم ان المتدئ يظن انه على حق وصواب، وقد بين الله تعالى حال قوم افسدوا دينهم ويظنون انهم يفعلون حسنا، حيث قال تعالى: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)) الكهف103 - 105.
فبين كفرهم بالايات مع انهم يظنون يحسنون صنعا، أي لم يقتنعوا بالايات التي نهت عن ضلال يرونه وسيلة حسنة فذلك كفر بها.
ويبين ذلك الاثر المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة اذا نشا في الاسلام من لا يعرف الجاهلية)).
منهاج السنة النبوية ج 2 ص 398 وج4 ص 590 ) ومجموع الفتاوى ج10ص 301 وج 15 / 54).
ويعني ان الذي لا يعرف الاعمال التي تحبط الدين وتفسده، وامراض في القلوب خطرة تنقل الى كفر الجاهلية الاولى، فقد يقع فيها دون ما يدرك انه فعلها، يفيد انه لا بد من العلم بما ينقض الاسلام، وما هو سبب ضلال مشركي مكة قبل البعثة، والامم السابقة التي قصها الله علينا في القرءان ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة.
كيف كان ضلالهم رغم ان اغلبهم يعرفون الله بل ويعبدونه بشي مما ورثوه. مما هو مخالف لاصل الدين وحقيقة التوحيد ومنه مرض خطير يفسد الدين بل يحبط الاعمال ، وسنقف عليه بعد الفقرة القادمة.
فنقف على بيان ما المراد من حقيقة التوحيد وما هي نواقضه وأفعال الجاهلية التي تفسده، وشروط لا اله إلا الله ونواقضها ولوازم الشهادتين واحكام الافعال المحدثة وانواعها ووسائل الشيطان وحيله في إفساد الدين، وشبهات المدلسين في تجويز بعض المفسدات للعقيدة الاسلامية الحنيفية، وغير ذلك من الاصول.
وندخل الى الشرح من مدخل الاسلام وشعاره وما يعنيه ويتضمنه من حكم وأوامر ونواهي ولوازم للقول. عن كلمة : لا اله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

معنى لا اله الا الله
إله: لغة: تعني معبود، و لا إله: أي لا معبود، ثم: إلا الله : أي يثبتها لله تعالى فلا تكون لغيره، فهي أمران، نفي واثبات، تنفي الالوهية عن غير الله ثم تثبتها لله تعالى.
واصطلاحها
تعني: لا معبود بحق إلا الله، ولا بد من ذكر كلمة (بحق) لان هناك معبودين آخرين من الأصنام والإنس والجن بل من الرسل والملائكة وغيرهم، لكنهم ليسو بحق، فالمعبود بحق هو الله عز وجل، فتعني إفراد الله بالعبادة. وتنفي استحقاق العبادة لغيره، فمن عبد الله وعبد غيره لم يفرده بالعبادة. بل اشرك معه غيره فيها.
وذلك الامر بتوحيد ألإله كان في جميع الرسالات كقوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)). الأنبياء 25.
وقوله تعالى (( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه )). الاسراء 23.
قال ابن كثير: (( يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر قال مجاهد " وقضى " يعني وصى وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود والضحاك بن مزاحم " ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ")).
وقوله تعالى: ((وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)) النحل 51.
وهناك افعال لا يراها الناس عبادة يفعلونها لغير الله، أيا كانت ذاته نبي او ملك او بشر فهو غير الله فبذلك يجعله شريكا لله، ومن هنا تبدوا أهمية معرفة معاني العبادة وأجناسها، كي لا يعبد غير الله، فاذا كان لا يعبد الا الله، فعلينا معرفة كل ما هو عبادة لتصرف لله وحده ولا نوجهها خطأ لغيره، ولكي يتضح المعنى لكلمة لا إله الا الله، نعرف ما هي العباد وما يتبع لها من الافعال الظاهرة والباطنة.

تعريف العبادة:
العبادة اسم جامع لكلّ ما يُحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وبذلك عرفها الكثيرون منهم شيخ الاسلام ابن تيمية.
والعبادات الباطنة مثل الايمان والتصديق والمحبة والخشية وغيرها والاعتقاد الصحيح في صفات الله جل وعلا، وسياتي بيانها.
والعبادات الظاهرة كثيرة كالصلاة والصيام والحج وكذلك الدعاء والنذر والذبح والاستغفار وغيره مما سيأتي بيانه.
وكل ما ثبت انه عبادة لله لا يجوز صرفه لغيره تعالى. ومن صرف واحدة منها لغير الله فقد جعله شريكا لله في هذه العبادة التي منع الله شيء منها لغيره، كما قال تعالى )) :ولا تشركوا به شيئا)) وقوله تعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)). 110 الكهف.
فانظر عبارة بعبادة ربه. فالشرك في العبادة والخضوع والتذلل.
ومن هنا نقف على تفاصيل ومعرفة ذلك المرض الخطير الذي افسد دين الامم من عهد نوح عليه السلام والى بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وذلك المرض هو ( الاشراك بالله )، اي في العبادة، وهو اعظم الذنوب وقبل تفصيله نذكر اربعة احكام تترتب على من فعل الشرك اي وقع فيه. ومنها:
1- الحكم الاول : ان الله لا يغفر الشرك أبدا اذا مات العبد عليه. أي اذا لم يرجع عنه ويترك الشرك ولقي الله به فجزم الله انه لا يغفره ابدا. كما قال تعالى في الاية 48 من سورة النساءSmile)  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا )).
وقال تعالى في ذات السورة الاية 116 Sad( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا )).
2- الحكم الثاني: ان الشرك الاكبر يحبط كل اعمال صاحبه ولو كان نبيا كفرض جدلي، كما قال تعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)). 65 الزمر.
فانظر ان جميع الرسل حذرهم من احباط العمل بالشرك ، فكيف لا يحذر غيرهم.
وقال تعالى بعد ان ذكر سبعة عشر رسول في سورة الانعام ثم قال تعالى: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُون)) الاية 88.
فكيف بنا ان نتساهل في امر كهذا لم يعذر فيه حتى الرسل حيث حذرهم منه لكنه عصمهم. وقال عن بعض الأولين: ((وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا )). 23 الفرقان. أي أحبط أعمالهم.
3- الحكم الثالث: فقد حرم عليه الجنة أي على من اشرك بالله ، كما قال تعالى: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )) المائدة 72.
4- الحكم الرابع: لا يحل لمن اشرك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شفاعة غيره. وقد ورد فى صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا.
وحصر تعالى الشفاعة في القرءان لمن شهد التوحيد بالحق أي لم ينقض شهادة لا اله الا الله بالشرك وذلك في قوله تعالى: (( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).86 الزخرف.
قال ابن كثير: هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عَلَى بَصِيرَة وَعِلْم فَإِنَّهُ تَنْفَع شَفَاعَته عِنْده بِإِذْنِهِ لَهُ.)).
والمراد انه حتى الجائز من الشفاعات وبعد اذن الله لا تصلح الا لأهل الشهادة السليمة الحقيقية التي لم تنقض بالشرك، سواء لمن يشفع او يشفّع فيه. وقوله وهم يعلمون: أي على علم باحكام التوحيد وشهادة لا اله الا الله، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الشفاعة.
والخلاصة لا شفاعة للمشرك تخرجه من النار، بل حتى عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ابو طالب مع انه حمى ابن اخيه لكنه لم يوحد ويترك الشرك، فلم تخرجه تلك العاطفة والمساعدة للنبي من النار ولكن فقط خفف عنه الى طرف النار ولم يخرج منها ولم يسلم من العذاب.
كما ان الله تعالى لم يسمح للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار له، ولا يحق لأي مؤمن الاستغفار للمشركين كما قال تعالى: ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)). 113 التوبة.
فالشرك اكبر واعظم الذنوب، كما صح عنه فيما رواه البخاري ومسلم: عن أبى بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، فقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
وقوله صلى الله عليه وسلم: ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار. ورد في آخر حديث رواه مسلم.
وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. . . الحديث..).
فالشرك مرض خطير يحبط الاعمال ويدخل النيران بلا غفران لمن مات عليه. ومن تركه ورجع عنه فالإسلام الصحيح يجب ما قبله.
وللحديث عن الشرك بقية وتفاصيل.
ولنواصل الحديث عن العبادة لتعيينا على فهم تفاصيل الشرك، والتي لا يختلف الناس عن انها لله، لكن البعض يجهل ان بعض السلوكيات هي عبادة لا تجوز لغير الله . فيقدمها لغيره الله فيفسد دينه.
لذا نقف على نوعية العبادات التي يجهل الكثيرون انها من اعظم القربات لله ولا يجوز صرفها لغيره وهي كثيرة ومنها عبادة: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع والخشية والانابة والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة والركوع والسجود والذبح والنذر والحلف، كلها عبادات وصرفها لغير الله شرك اكبر يخرج عن دائرة الاسلام وذلك من نواقض الاسلام.
واليك أدلتها وتفاصيلها :
الدعاء: هو من أجلّ العبادات وهو يتضمن ان الداعي يعتقد بان المدعو يسمع من لم يكن معه او قريب، ويعتقد انه يملك ما يطلب منه وانه ينفع او يضر وانه سميع عليم مجيب، ودون ما يعدد ذلك او يفطن له لكنه شعور داخلي، فيحمل في داخله عدة عقائد في المدعو، فاذا دعا الله كان ذلك بحق، واذا وجه دعاءه لغير الله فقد شارك في هذا الشعور وهذه المعتقدات غير الله، ولا يلزم للحكم بالشرك من ان تجتمع كلها فيه ولكن واحدة منها تجعل الفعل شرك بالله العظيم في شي من العبادة او صفاته.
وقال تعالى في شعيرة عبادة الدعاء: (( ادعوني استجب لكم)). 60 غافر. فعلم انها عبادة لله فلا تصح لغيره، كما نهى تعالى عن دعاء غيره في سورة يونس: ((وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ )).106.
ومن الظالمين أي من المشركين لان الشرك ظلم عظيم. ثم واصلت الايات ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) 107 يونس.
وفي الحديث الصحيح: عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " ثُمَّ قَرَأَ " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَاب السُّنَن التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ وَابْن أَبِي حَاتِم وَابْن جَرِير كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيث الْأَعْمَش بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح ورواه الامام احمد وغيره.
وقوله: الدعاء هو العبادة، مثال قوله: الحج عرفة: أي اعظمها واهمها واجلها. فكيف تصرف اجل العبادات لغير الله.  
ان ذلك من اشد انواع الشرك لما تتضمنه من عدة عقائد وإشراك. فمن دعا غير الله فقد اشرك في عبادة الدعاء وخرج من اسلامه حتى يرجع عن فعله ويتوب ويفرد الله بالعبادة، وذلك يتضمن انه اعتقد ان غير الله يسمع دعاء البعيد ويجيب الدعاء وينفع ويضر ويغيث، وكله اشراك بالله تعالى.
ولا تعني التوبة عبارة (استغفر الله) فقط، وانما ترك ذلك الشرك واعتقاد ان فعله كفر بالله. وذلك هو الجانب الإعتقادي من التوحيد، وترك شرك العبادة هو الجانب العملي.
ويجب لصحة الشهادة ان يستيقن قلب العبد بما قال لسانه من نفي العبودية عن غير الله، وقد ذكر القرطبى فى: المفهم على صحيح مسلم : (باب لا يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين بل لابد من استيقان القلب).
وورد عن ابن عباس قوله ((شهادة أن لا إله إلا الله يقتضى أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله)).
وكذلك قوله تعالى: (( فاعلم انه لا اله الا الله)). أي المعرفة والبصيرة ليحصل اليقين بدراسة احكامها ومدلولاتها ولوازمها.
وقد حذر تعالى من دعاء غيره ثم وصفه بالكفر في قوله تعالى: ((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)). 117 سورة المؤمنون. فوصف الفعل بالكفر.
وقد كان من شرك اهل مكة في الجاهلية دعاء غير الله مع انهم يدعون الله، حيث انهم يدعون الله عند الشدة وهم يعرفون الله ويعبدونه كما سياتي بيانه، ثم يدعون غيره بعد النجاة كما قال تعالى: (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)). 65 العنكبوت.
وقوله تعالى: (( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرّ فِي الْبَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ)). 67 الاسراء.
ونقل ابن كثير قصة اسلام عكرمة بن ابي جهل، حيث قال: وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة ذَهَبَ فَارًّا مِنْهَا فَلَمَّا رَكِبَ فِي الْبَحْر لِيَذْهَبَ إِلَى الْحَبَشَة اِضْطَرَبَتْ بِهِمْ السَّفِينَة فَقَالَ أَهْلهَا يَا قَوْم أَخْلِصُوا لِرَبِّكُمْ الدُّعَاء فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّي هَهُنَا إِلَّا هُوَ فَقَالَ عِكْرِمَة وَاَللَّه لَئِنْ كَانَ لَا يُنَجِّي فِي الْبَحْر غَيْره فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّي فِي الْبَرّ أَيْضًا غَيْره اللَّهُمَّ لَك عَلَيَّ عَهْد لَئِنْ خَرَجْت لَأَذْهَبَنَّ فَلَأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَد مُحَمَّد فَلَأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا فَكَانَ كَذَلِكَ)). انتهى
وقد عرفوا ان المراد لا مدعو الا الله، فتركوا ذلك واسلموا.
وروى البخاري: عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار.
والند هو المثيل والشبيه، فقد شبهه بصفة الله بان يقصده بالدعاء ويعتقد انه يملك الاجابة وذلك شرك عظيم. وقد نهى تعالى عن ذلك في قوله ((فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون).22 البقرة. ولذلك تفصيل اخر.

ذلك مثال واحد للعبادات وبقية أنواعها سنذكرها لا حقا.
وتابع التكملة في الاضافة ادناه
ا]


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد أغسطس 28, 2022 5:20 pm عدل 7 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:23 pm

ولنكمل الحديث عن تعريف لا اله الا الله.
فلا اله الا الله منها: لا مدعو بحق الا الله، ولا نافع ولا ضار الا هو. وكلمة الشهادة تتضمن نفي واثبات، تنفي الإلوهية أي العبودية عن غير الله اولا، ثم تثبتها لله تعالى، وذلك يعني ان ترك عبادة غيره هي شرط لتوحيد الله، ومن عبد الله مع معبودين اخرين لم يوحد الله. وقد بين ذلك تعالى في قوله: ((الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ)). 26 ق.
فهو يثبت انه عبد الله وأعتقد انه اله، لكن له اخر يعتقد فيه ايضا، او يدعوه ومن هنا جاء معنى الإشراك بالله سواء في العبادة او المعتقد.
فخلاصته: لا اله : أي : لا معبود، نفي للعبودية. الا الله : يثبتها للرب تعالى. فلا معبود بحق غيره بأي نوع من العبادات الظاهرة والباطنة .
وقد صح عن أبى مالك الأشجعى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )) من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)). رواه مسلم.
والكفر بما يعبد من دون الله هو عدم الايمان بتلك العقائد الفاسدة بان غير الله ينفع او يضر او تجوز له العبادة كالركوع والتذلل والدعاء والذبح وغيره من العبادات. فينفي صحتها لغير الله كشرط للاسلام.
هذا في الشق الاول من الشهادة. وهو ما يوصلنا الى معرفة الفقرة التالية لان فعل ما سبق هو تحقيق للتوحيد وحتى لا ينقضه نعرف التوحيد:

معنى التوحيد:
هو افراد الله بالعبادة أي يكون وحده المعبود ولا يعبد معه غيره، لانه الخالق المستحق للعبادة، ان تكون كل انواع العبادات موجهة لله وحده، ومن صرف منها واحدة الى غير الله فقد جعله شريكا لله في العبادة أيا كانت العبادة ولو صغيرة، لانه حرمها بكلمة شيئا (لا تشركوا به شيئا) ومن نقض التوحيد أو لم يحققه اصلا بان يعتقد في غير الله يضر او ينفع او يعلم الغيب او يجيب دعوة المضطر وينجي من الكرب، فانه لم يفرد الله بصفات الكمال، والافعال التي لا يقدر عليها الا هو سبحانه وتعالى، وبذلك لم يكن موحدا.
وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام بمعنى التوحيد وإفراد الله بالعبادة، بلا شريك له، فيما رواه البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. والجنة حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل.
والتوحيد نوعان : 1- توحيد الإلوهية، 2- وتوحيد الربوبية المتضمن للاسماء والصفات، ومنهم من جعله ثلاثة اقسام حيث افرد للصفات قسم خاص فجعله ثالث، لكن المقسمون باثنين او ثلاثة هم مدرسة سنية واحدة وليس هناك خلاف وانما هو تبويب ليس فيه اسقاط او زيادة، حيث ان من قال قسمان جعل الصفات جزءا من الربوبية وهي كذلك، ومن قال بثلاثة لم ياتي بجديد وانما قسم الربوبية الى قسمين (توحيد الربوبية وتوحيد الصفات) ليصبح ثلاثة مع توحيد الإلوهية، فالقول اصبح واحد فقط هناك تبويب للبيان والشرح، والذي نبدأ بشرحه هو توحيد الإلوهية وسياتي شرح توحيد الربوبية لاحقا.
وقال شيخ الإسلام: التوحيد الذى جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالى إلا له، ولا يعادى إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله . وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. قال تعالى : 2 : 163 "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" )). مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم: ( وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد).
ويورد البعض عبارات تعريف حول هذا تدندن وكلهم مدرسة سنية واحدة.
ويعرف بعبارات اخرى: توحيد فى المعرفة والإثبات. وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات .
وتوحيد فى القصد والطلب. وهو توحيد الإلهية أي العبودية.
اما توحيد الربوبية :
هو العلمي الخبري الاعتقادي أي إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته.
وهو الاعتراف بوجود ذات الرب وانه الخالق الرازق المحي المميت المدبر للامر وهو على كل شيء قدير، لا نظير له ولا مثيل ولا شريك وما له منهم من ظهير، وتنزيهه عن ذلك، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقد نفى تعالى عن من دون الله ان يملك ذرة في ملكه حيث قال تعالى: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)) سبأ 22.
وقال تعالى: ((الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)).2- 3 الفرقان.

وسنرجع الى اكمال تعريف الربوبية بعد تعريف الشرك الاكبر مع تعريف توحيد الالوهية ليساعد على فهمها.
اما توحيد الالوهية: هو توحيد العبودية، وهو القصد والطلب الارادي، وهو افراد الله بالعبادة أي يكون وحده المعبود، لا شريط له في شي من العبادات او النية والقصد.
ونواصل تعريف ما ينقض توحيد الإلوهية وهو الشرك.
تعريف الشرك بالله:
الشرك: من أصل الشراكة والمشاركة، ويقال اشتركنا وشركة وشركاء، وهو: مخالطة الشريكين.
واصطلاحا: فالشرك المعرف بالألف واللام: أن يجعل مع الله غيره، يراد به جعل شريك مع الله في العبادة او في صفاته، فيجعله مثله في صفة لا تكون الا لله. وبذلك جعله لله نديدا او نظيرا ومثيلا. كما قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ).26 ق.
وكما ورد عن الشيخان عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. . . الحديث..

وعن ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله وما شئت فقال: ( أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده). رواه ابن مردويه وأخرجه النسائي وابن ماجه.
والنديد هو المثيل والشبيه والنظير: ويقال فلان نديد فلان اذا كان مثله في العمر ولا يلزم من ذلك ان يكون شكله او طوله او لونه كذلك بل صفة واحده جعلته نديدا في ذلك. ومن وصف مخلوق بصفة واحدة من صفات الله فقد جعله نديدا في ذلك وهو الشرك.
وذكر ابن كثير: ((عن ابن عباس في قول الله عز وجل فلا تجعلوا لله أندادا وقال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن يقول والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت وقول الرجل لولا الله وفلان لا تجعل فيه فلان هذا كله به شرك . وفي الحديث أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت قال: ( أجعلتني لله ندا) وفي الحديث الآخر : نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون تقولون ما شاء الله وشاء فلان . قال أبو العالية : فلا تجعلوا لله أندادا أي عدلاء شركاء).
وقد تضمنت الاحاديث كثير من الافعال التي هي شرك و سيأتي شرحها في فقرات خاصة لاحقا.
وذكر ابن كثير في موضع اخر: (( يذكر الله حال المشركين به فى الدنيا ومآلهم فى الدار الآخرة ، حيث جعلوا لله أنداداً ، أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه ، وهو الله لا إله إلا هو ، ولا ضد له ولا ند له)).
وذكر ابن جرير في ذلك (("وتجعلون له أنداداً" أي وتجعلون لمن خلق ذلك أنداداً وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله)).
وقال تعالى: (( الذي جعل مع الله إلها آخر)). يوضح الشراكة فيثبت انه جعل الله اله لكنه جعل شريكا اخر معه في الالوهية أي العبودية. دعا الله ودعا غيره حب الله وحب غيره محبة التقديس، ذبح لله وذبح لغيره. وبهذا اشرك في هذه العبادات.
وقد اكد النبي صلى الله عليه وسلم ان كل افعال السابقين سوف تقع في امته كما روى البخاري ومسلم واحمد وغيرهم عن ابي واقد الليثي وابي سعيد الخدري وابن عباس، قوله صلى الله عليه وسلم:"(( لَتَرْكَبُنَّ سَنَن مَنْ قَبْلَكُمْ حَذْو الْقُذَّة بِالْقُذَّةِ حَتَّى إِنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا جُحْر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ)).
ولكي تكتمل الصورة او يتضح المعنى اكثر نقف في هذه الفقرة على اقسام الشرك.
الشرك الاكبر:
هو الذي يخرج العبد من الملة ويحبط العمل ويخلد في النار ويحرم على العبد الجنة ويحرمه من الشفاعات. لمن مات وهو على ذلك، ومن تركه واقر بانه شرك فقد جدد اسلامه والاسلام يجب ما قبله.
ومن انواع الشرك الاكبر ما ذكر سابقا من دعاء غير الله أيا كان نبيا او ملكا او رجل صالح او غيره. وكذلك من ذبح او سجد لغير الله وأي واحدة من تلك العبادات التي ذكرت، او اعتقد في غير الله صفة من صفات الله مثال ان احدا غير الله يعلم الغيب او يسمع دعاء الغائب او انه يخلق او ينفع او يضر او يحي او يميت او يتبرك به او أي صفة اخرى لله يجعل مثلها لمخلوق، او توكل على غير الله مثال قول البعض توكلت على الله وعليك فمن توكل على غير الله واعتقد انه يقضي حاجته فقد اشرك. ولذلك تفصيل اضافي في فرع العبادات التي لا تكون الا لله.
وحتى يتضح المعنى اكثر نقف على الواقع التاريخي للشرك والمشركين، كان المشركون الاوئل يعرفون الله ويعبدونه لكنهم جعلوا له شركاء في العبادة، وهذه حقيقة غائبة على كثير من الناس اذ يظنون ان المشركين ملا حدة لا يعرفون الله ولا يعبدونه، الا انهم يعرفونه ويعبدونه واشركوا بقصد العبادة والتقرب الى الله.
ومن ذلك اهل مكة قبل الرسالة فقد كان فعلهم الذي سماه الله شرك هو عبادة لتماثيل لكنها ليست لمجرد انها حجارة معظمة وانما كانت صور ترمز لبشر معظمين نحتوا لهم تلك المجسمات وقدموا لها بعضا من الشعائر التعبدية وعظموها واعتقدوا انها واسطة بينهم وبين الله، وهذا هو اول نوع من الشرك سبقهم في الملل المشركة السابقة ومنهم قوم نوح عليه السلام حيث انهم كانوا يعرفون الله ويعبدونه ولكن لم يقبلوا بان لا يعظم غيره بل اصروا على تعظيم مشايخهم وتأليههم ، فهو دعاهم الى: ))اعبدوا الله ما لكم اله غيره)).
فلم يقل اعرفوا ان هناك خالق هو الله وانما قال اعبدوا الله، اي الذي تعرفوه ووحده، وان غيره لا يستحق للعبادة، كما في الاية: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ* فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ)). المؤمنون 23- 24.
والشاهد قولهم: لو شاء الله. فهم يعرفون الله وان له ملائكة، ومع هذا مشركون بتعظيم الخلق، لا يظنون ان تقديس البشر عبادة لهم، وكان ذلك بإصرارهم على تقديس شيوخهم السابقين من العباد الصالحين وقد ذكروهم بالاسماء حيث حكا الله عنهم ذلك في قوله تعالى: ((وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)). نوح 23.
وكان اصل تلك الاسماء لرجال صالحين قبل نوح عليه السلام وذكر ذلك ابن كثير ورواه الْبُخَارِيّ: (( وَقَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس صَارَتْ الْأَوْثَان الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْم نُوح فِي الْعَرَب بَعْد: أَمَّا وَدّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَة الْجَنْدَل وَأَمَّا سُوَاع فَكَانَتْ لِهُذَيْل وَأَمَّا يَغُوث فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْف بِالْجُرْفِ عِنْد سَبَأ أَمَّا يَعُوق فَكَانَتْ لِهَمْدَان وَأَمَّا نَسْر فَكَانَتْ لِحِمْيَر لِآلِ ذِي كَلَاعٍ وَهِيَ أَسْمَاء رِجَال صَالِحِينَ مِنْ قَوْم نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَان إِلَى قَوْمهمْ أَنْ اِنْصِبُوا إِلَى مَجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَد حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْم عُبِدَتْ)).
أي بعد مرحلة التقديس والصور عبدوها فيما بعد وتوسلوا بها.
وكذلك قوم هود عليه السلام اذ دعاهم لافراد الله بالعبادة حيث قال الله عنه: ((وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)) 65 الاعراف.
فلم يقل ان هناك خالق هو الله، لانهم يعرفونه ويعبدونه ولكنه قال: ما لكم من اله غيره. أي ليس هناك معبود بحق غيره. اتركوا المعبودين الاخرين.
فكان من ضمن ردهم في الحوار ما يبين عبادتهم لله لكنهم يصرّون على تعظيم اشرافهم والصالحين، قال الله عنهم: (( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)). 70 الاعراف.
فكانت اسماء يعظمونها مع الله ويصرفون لها بعض العبادات مع عبادة الله.
وهكذا كانت دعوة جميع الرسل لافراد الله بالعبادة كما قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) الانبياء 25.
وان كانت بينهم حالات ملحدة لا تؤمن بوجود الله، وبعضهم يؤمون به ولكن لا يعرتفون بالبعث، الا ان الأكثرية من الامم يعرفون الله ولكن يشركون معه غيره في العبادة او الاعتقاد الخاطئ في بعض صفات الله جل وعلا.
والالحاد في مجتمع مكة قليل مثلما توجد في مجتمعات المسلمين في عصرنا فهناك من أبنائهم ملاحدة ويحاربون الدين. لكنهم حالات وليست الاكثرية.
ومن الحقائق التي لا يعرفها الكثيرون عن مشركي مكة، فيجب ان يعرف انهم قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون الله ويعبدونه ويجتهدون في التقرب اليه، بل يرون انه الخالق الرازق المحي المميت وان كل شي بيده وهو يجير ويدبر الامر وكل ما في الارض هو مملوك لله، ومع هذا اخبر الله تعالى عنهم انهم اشركوا، قال الله عنهم في سورة المؤمنون الآيات: (( قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون *سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ)). 84 – 89 المؤمون.
فمن من المؤكد ان المشركين في مكة كانوا يعرفون الله ويطوفون بالبيت الحرام ويقولون في الطواف: (لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك). يثتثنون شريكا مع الله يصرّون عليه يعتبرون انه وسيط يتوسلون به.
وجاء في السيرة لابن هشام: ((فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك . فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده . يقول الله تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم – (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون). يوسف 106 أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي)). انتهى.
فهذه الحقيقة الغريبة على الكثيرين من المسلمين ان اهل مكة المشركون الاوائل كانت لديهم معرفة بالله ودين وعبادة لله لا توجد عند كثير ممن انتسب الى الاسلام من اهل عقيدة وحدة الوجود او عقيدة الحلول كما سياتي بيانها. لان هؤلاء يعتقدون ان الله يحل في الانسان او هو ذات من الله يرجونهم مع الله.
ومن معتقدات مشركي مكة الاوئل في الله والاستعانة به كان جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب يعلم ان الله هو الذي يحمي وينصر عباده وبيته، حيث قال عبد المطلب عندما غزا ابرهة مكة قال: ان للبيت رب يحميه ويرجو الله ان ينتقم من اعداء البيت حيث قال:
اللهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
وذكر الامام الطبري: فَقَالَ عَبْد الْمُطَّلِب, وَهُوَ آخِذ حَلْقَة بَاب الْكَعْبَة:
يَا رَبّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا
إِنَّ عَدُوّ الْبَيْت مَنْ عَادَاكَا
اِمْنَعْهُمُ أَنْ يُخْرِبُوا قُرَاكَا
وَقَالَ أَيْضًا: لَاهُمَّ إِنَّ الْعَبْد يَمْنَع رَحْله فَامْنَعْ حِلَالكْ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبهمْ وَمِحَالهمْ غَدْوًا مِحَالكْ
فَلَئِنْ فَعَلْت فَرُبَّمَا أَوْلَى فَأَمْر مَا بَدَا لَكْ
وَلَئِنْ فَعَلْت فَإِنَّهُ أَمْر تُتِمّ بِهِ فَعَالَكْ
وَقَالَ أَيْضًا: وَكُنْت إِذَا أَتَى بَاغٍ بِسَلْمٍ نُرَجِّي أَنْ تَكُون لَنَا كَذَلِكْ
فَوَلَّوْا لَمْ يَنَالُوا غَيْر خِزْي وَكَانَ الْحَيْن يُهْلِكهُمْ هُنَالِكْ
وَلَمْ أَسْمَع بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَال أَرَادُوا الْعِزّ فَانْتَهَكُوا حَرَامك
جَرُّوا جُمُوع بِلَادهمْ وَالْفِيل كَيْ يَسْبُوا عِيَالك.

عزيزي القارئ: سوف نذكر بالتدرج ما هي تفاصيل شرك كفار مكة قبل البعثة.
وقد اخبر تعالى عن دعوته إليهم لاخلاص العبادة له: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)). 5 البينة.
أي يعبدونه وحده ويتركون عبادة سواه.
وقال الله تعالى عن صنف من المشركين: ((إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)). 35-36 الصافات.
يستكبروا ان يتركوا تعظيم المقدسين عندهم ولا يرون ذلك عبادة لهم، لكن الذي يحكم في تصنيف ذلك عبادة ام لا هو الله الذي بين ان تعظيمهم لهم عبادة لغيره وشرك بالله.
كما اشار تعالى قبل ذلك ويبين ان ألئك المتخذون آلهة كانوا بشر سيتبرؤون منهم يوم القيامة حيث يلوم بعضهم بعضا ويوبّخ كل معبود الذي عبده من الذين رضوا بالعبادة.
قال تعالىSad(اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ )). 22- 36 الصافات.
فهل هذا الحوار مع حجارة ؟، بل بين السادة من البشر المقدسين واتباعهم أي حيرانهم ومريديهم التابعين لهم.
قال ابن كثير: (( يَقُول الْكُبَرَاء لِلْمُسْتَضْعَفِينَ حَقَّتْ عَلَيْنَا كَلِمَة اللَّه إِنَّا مِنْ الْأَشْقِيَاء الذَّائِقِينَ لِلْعَذَابِ يَوْم الْقِيَامَة " فَأَغْوَيْنَاكُمْ " أَيْ دَعَوْنَاكُمْ إِلَى الضَّلَالَة " إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ " أَيْ فَدَعَوْنَاكُمْ إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَاسْتَجَبْتُمْ لَنَا )). التفسير.
وقد بين تعالى اعتراف المشركين بانهم كانوا يدعون هؤلاء في الدنيا، حيث قال تعالى: (( وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُون). النحل 86.
وذكر ابن كثير: " وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ " أَيْ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا " قَالُوا رَبّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونك فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْل إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ " أَيْ قَالَتْ لَهُمْ الْآلِهَة كَذَبْتُمْ مَا نَحْنُ أَمَرْنَاكُمْ بِعِبَادَتِنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَنْ أَضَلّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه مَنْ لَا يَسْتَجِيب لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاس كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ")). تفسير الاية.
ومنهم صنف غلا في حب زعماءهم وشيوخهم بمحبة التعظيم والتقديس فجعله لله شريكا ونديدا في هذا النوع من المحبة وقال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)).165 البقرة.
أي من جنس حب الله. وهي محبة التقديس والتعظيم للصالحين الى درجة الغلو فيهم فيجعلهم شركاء لله في المحبة.
ثم بين تعالى ان المعبود بالتقديس منهم يتبرأ يوم القيامة ممن عظمه وقدسه حيث قوله تعالى: ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ )) 167 البقرة.
وقوله: الذين اتبعوا هو ضمير للعاقل وليس هذا لحجارة وانما لعقلاء وحوار بين العابد والمعبود أي التابع والمتبوع. بل أناس ماتوا ولا يسمعون دعاء المشرك حين يدعوهم ولا يخلقون له ما يريد كما قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)). 20 - 21 النحل.
وهناك أمثلة كثيرة سترد متفرقة حسب الموقف الأنسب لذكرها.

وعن تكملة التعريف بتوحيد الربوبية نذكر جوانب هامة عن ما يقع من بعض الناس في عصرنا وما يناقض توحيد الربوبية، ومقارنة مع ما نهى الله عنه في صدر الرسالة. كما بين الله لهم نفي شبهة من يقول: ان الصالحين غير الاصنام ينفعون ويضرّون وبقدر الله.
ولكن الله تعالى قفل هذا الباب وبدأ بخير الصالحين رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بانه لا ينفع ولا يضر وذلك من توحيد الربوبية، حيث قال تعالى آمرا رسول ان يقول للناس: (( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)). 188 ألاعراف.
فالله تعالى نعم على كل شيء قدير، لكنه من حكمته جعل سنة كونية واسباب للاشياء ثم تفرد هو بالملك فلا يستطيع مخلوق فعل كل شيء بالإطلاق، الا حدود طاقته التي منحت له كجنسه من الخلق، وهي لا تكون الا اذا اراد الله ذلك كقوله تعالى: (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله)). وذلك فيما يقدر عليه البشر وليس الشفاء والعافية والخلق او النفع والضر.
لكن القدرة على كل شيء لله وحده، ومنها صفة الخالق النافع الضار المحي المميت، وهذا لم يعتقده كثير من مشركوا مكة آنذاك، بل يعتقدون ان الله وحده من يقدر على ذلك.
الا اننا الان نرى ونسمع من يقول ان الولي او الرجل الصالح يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. بل صنف بعضهم في ذلك كتب يستعرض فيها قدرته كما في كتاب (النور البراق في مدح النبي المصداق) نقل فيها ما نسبه لمحمد الحسن الميرغني من اتباع طريقته الختمية ومن يوزعونه. وفيه له القول:
انا الامام المبين العالم العلم الشبيه النزيه الشامخ العالي
محمد الحسن الذي ثبتت امامتي في جيوش الموكب العالي
انا الوجود الذي قام الوجود به حقا وخلقا بتردادي وترحالي
ويقول
وكل علم حوته قلوب الراسخين فرش فاض من حالي
فالكون والاملاك اجمعها الكل في حوزتي مستهلك بالي
والى ان يقول
انا الجليس على العرش المحيط كما احطت بالغيب تفصيلا واجمالي

فهذه عينة من شرك الربوبية الذي يقع عند البعض في مجتمعاتنا، ولم يقل بها ابا جهل ولا ابا لهب من مشركي مكة قبل البعثة.
ومن رجع عنه عليه ان لا يرى جوازه بل من تمام الاسلام ان يرى كفر هذه العبارات بغض النظر عن من القائل، صح عنه او لم يصح، فالمراد هو ابطال القول الفاسد حتى لا يفسد عقائد واسلام العباد الذين بعدهم.
وانتشار هذه العقائد الفاسدة لبّس على كثير من المسلمين فظنوا انها دين لذا تجب الاشارة الى بطلانها وخطا معانيها حتى لا يعتقد العوام معانيها فيجعلون لله شريكا.
ومن ذلك زعمهم بان عبد القادر الجيلاني قال نصا يزعم فيه صفات الله بل انه الرب تعالى، وهذا كذب عليه، لان بعض من ينسب إليهم الكلام فضلاء لم يقولوا ذلك، لكن المراد هنا بطلان معنى هذا الكلام حتى لا يعتقده البعض ويظنوا انه حق، وقد نسبوا له القول التالي:
وامري امر الله ان قلت كن يكون
وكل بامر الله فاحكم بقدرتي
وعاين اسرافيل واللوح والرضا
وشاهدت انوار الجلال بنظرتي
وشاهدت ما فوق السموات كلها
كذا العرش والكرسي في طي قبضتي
وناظر ما في اللوح من كل اية
وما قد رأيت من شهود بمقلة
ولو لا رسول الله بالعهد سابقا
لاغلقت بنيان الجحيم بعظمتي
مريدي تمسك بي وكن بي واثقا
لاحميك في الدنيا من كل هول وشدة
ومن اقولهم في الزيغ والشرك:
ذراعي من فوق السماء كلها
واعلم عدد الارض كم هي نبتة
واعلم علم الله احصي حروفه
ملكت بلاد الله شرقا ومغربا
الى قولهم الباطل
انا الذاكر المذكور ذكرا لذاكر
انا الواحد الفرد الكبير بذاته
فلذا بجانبي ان اردت مودتي
واهل السما والارض تعرف سطوتي
ومن تحت بطن الحوت امدتت راحتي
واعلم عدد الارض كم هي رملة واعلم موج البحر كم هي موجهة
وان شئت افنيت الانام بلحظة
وسرِى سرى في الكون من قبل نشاتي
الى قولهم الضال
انا الشاكر المشكور شكرا بنعمتي
انا الواصف الموصوف شيخ الطريقة

ويعني ذلك ادعاء انه ذات الله على حسب عقيدة احد مدارس الصوفية سواء عقيد الحلول او وحدة الوجود، ويعنون بها ان العابد هو المعبود. هذا في كتبهم التي صدرت من مشايخ هذه الطرق الصوفية.
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ومنهم من قال لتحليل الحرام فقال:
مريدنا لا تخف اشرب وغني وافعل ما تشاء اترك وخلي
مريـدنا مهـما تنـادي سريعا في الإغاثة لا كمثلي
أي: احل لهم الخمر وكل شي ليفعلوا ما يشاءون .
هذا ما يقع من بعض الجهال في مجتمعاتنا ولا بد من التعرض له ليعلموا انه باطل وشرك فيتركوه.
وسنورد تفاصيل اخرى ضمن ملحق للربوبية والصفات بعد معرفة الأبجديات من الاسلام وكيفية التعامل مع الله وتنزيهه.
واما مشركي مكة لم يقولوا مثل هذا، وقد حدث هذا في القرون الوسطى بعد ان بعد الناس عن السنة ودخل بينهم مندسون لافساد الدين بعقائد ضد مبادئه، ويهدفون لمحاربة الدين من داخله وذلك في القرون الوسطى وحتى اليوم متواجدة.
ثم نكمل عن اقسام الشرك وتعريفها لان ما ذكرناه امثلة ضمن بيان الشرك الاكبر احد اقسام انواع الشرك، والان نواصل:

الشرك الاصغر:
هو نوع من الرياء، لان من الرياء ما هو اكبر يحبط العمل اذا قصد به غير الله، واذا كان عملا لله لكن يتظاهر او يفاخر به يكون شركا اصغر أي لا يخرج من الملة، لكنه يحبط العمل الذي خالطه بخلاف الاكبر يحبط كل اعمال صاحبه، وحتى لا يختلط نوعي الرياء نشير الى الاكبر منه ليظهر الاصغر.
فالاكبر من الرياء منه كما قال تعالى: ((من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)). فهذا قصد بعمله غير الله.
وقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الكافرين)). البقرة 264
وقد روى الامام احمد عن شداد بن أوس مرفوعاً: من صلى يرائى فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل يقول: أنا خير قسم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئاً فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به. أنا عنه غني .
وذكر ابن جرير: وقال قتادة: من كانت الدنيا همه وطلبته ونيته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطي بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة .
فذلك من الرياء المحبط للعمل، اما عن الاصغر سياتي. (بمعنى ان الرياء فيه شرك اكبر واشرك اصغر). ولا يستهان بالاصغر لانه اكبر من الكبائر ومن اليمين القموس، كما بين ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً).
لان الحلف كاذب كبيرة واما الحلف بغير الله شرك. وهو اكبر من وزر الحلف الكاذب فانظر خطر الشرك.
وكذلك من الرياء: اول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم عباد أكثروا من العبادة ثم دخلوا النار بسبب الرياء كما يفيد انه اكبر لما روى ابن جرير بسنده حيث طويل عن ابي هريرة رضي الله عنه جاء فيه: فقال: (( حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى القيامة ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية. فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت ؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك. ويؤتي بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل ذلك. ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله فيقال له: فبماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة )).
واما الشرك الأصغر قال فيه الامام ابن القيم رحمه الله: (( وأما الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله، وقول الرجل للرجل ماشاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا. وقد يكون هذا شرك أكبر بحسب حال قائله ومقصده،)). انتهى.
فالاخلاص شرط للعمل، والرياء ايا كان اصغر او اكبر يحبط العمل الذي يخالطه وقد جعل الله تعالى الاخلاص شرطا للعمل في قوله تعالى: ((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) 110 الكهف.
ومنها اخذ ان للعمل الصالح شرطان: الاول ان يكون موافقا للشرع أي ليس مبتدع، والثاني: ان يكون خالصا لوجه الله تعالى.
وذكر ابن كثير في شرح الاية وجاء فيه: (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّه " وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " وَهُوَ الَّذِي يُرَاد بِهِ وَجْه اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَهَذَانِ رُكْنَا الْعَمَل الْمُتَقَبَّل لَا بُدّ أَنْ يَكُون خَالِصًا لِلَّهِ صَوَابًا عَلَى شَرِيعَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث مَعْمَر عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ عَنْ طَاوُس قَالَ: قَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَقِف الْمَوَاقِف أُرِيد وَجْه اللَّه وَأُحِبّ أَنْ يَرَى مَوْطِنِي فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " وَهَكَذَا أَرْسَلَ هَذَا مُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ الْأَعْمَش: حَدَّثَنَا حَمْزَة أَبُو عُمَارَة مَوْلَى بَنِي هَاشِم عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى عُبَادَة بْن الصَّامِت فَقَالَ أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلك عَنْهُ: أَرَأَيْت رَجُلًا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَصُوم يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَتَصَدَّق يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَحُجّ وَيَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد فَقَالَ عُبَادَة لَيْسَ لَهُ شَيْء إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول: أَنَا خَيْر شَرِيك فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعِي شَرِيك فَهُوَ لَهُ كُلّه لَا حَاجَة لِي فِيهِ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر حَدَّثَنَا كَثِير بْن زَيْد عَنْ رُبَيْح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَبِيت عِنْده تَكُون لَهُ الْحَاجَة أَوْ يَطْرُقهُ أَمْر مِنْ اللَّيْل فَيَبْعَثنَا فَكَثُرَ الْمَحْبُوسُونَ وَأَهْل النُّوَب فَكُنَّا نَتَحَدَّث فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " مَا هَذِهِ النَّجْوَى ؟ " قَالَ فَقُلْنَا تُبْنَا إِلَى اللَّه يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّمَا كُنَّا فِي ذِكْر الْمَسِيح وَفَرِقْنَا مِنْهُ فَقَالَ " أَلَا أُخْبِركُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَف عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَسِيح عِنْدِي " ؟ قَالَ قُلْنَا بَلَى قَالَ " الشِّرْك الْخَفِيّ أَنْ يَقُوم الرَّجُل يُصَلِّي لِمَكَانِ الرَّجُل)).
أي يحسن صلاته مراعاة لمن يراه يتظاهر بانه يحسن العبادة.
وذكر ابن كثير وايضا رواه الامام احمد: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد يَعْنِي اِبْن بَهْرَام قَالَ: قَالَ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ اِبْن غَنْم لَمَّا دَخَلْنَا مَسْجِد الْجَابِيَة أَنَا وَأَبُو الدَّرْدَاء لَقِينَا عُبَادَة بْن الصَّامِت فَأَخَذَ يَمِينِي بِشِمَالِهِ وَشِمَال أَبِي الدَّرْدَاء بِيَمِينِهِ فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْننَا وَنَحْنُ نَتَنَاجَى وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا نَتَنَاجَى بِهِ فَقَالَ عُبَادَة بْن الصَّامِت : إِنْ طَالَ بِكُمَا عُمْر أَحَدكُمَا أَوْ كِلَيْكُمَا لَتُوشِكَانِ أَنْ تَرَيَا الرَّجُل مِنْ ثَبَج الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي مِنْ وَسَط قُرَّاء الْقُرْآن عَلَى لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَادَهُ وَأَبْدَأهُ وَأَحَلَّ حَلَاله وَحَرَّمَ حَرَامه وَنَزَلَ عِنْد مَنَازِله لَا يَجُوز فِيكُمْ إِلَّا كَمَا يَجُوز رَأْس الْحِمَار الْمَيِّت. قَالَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ شَدَّاد بْن أَوْس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعَوْف بْن مَالِك فَجَلَسَا إِلَيْنَا فَقَالَ شَدَّاد إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس لَمَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " مِنْ الشَّهْوَة الْخَفِيَّة وَالشِّرْك " فَقَالَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَأَبُو الدَّرْدَاء: اللَّهُمَّ غَفْرًا أَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَدَّثَنَا أَنَّ الشَّيْطَان قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَد فِي جَزِيرَة الْعَرَب أَمَّا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة فَقَدْ عَرَفْنَاهَا هِيَ شَهَوَات الدُّنْيَا مِنْ نِسَائِهَا وَشَهَوَاتهَا فَمَا هَذَا الشِّرْك الَّذِي تُخَوِّفنَا بِهِ يَا شَدَّاد ؟ فَقَالَ شَدَّاد: أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ رَجُلًا يُصَلِّي لِرَجُلٍ أَوْ يَصُوم لِرَجُلٍ أَوْ يَتَصَدَّق أَتَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ ؟ قَالُوا نَعَمْ وَاَللَّه إِنَّ مَنْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَصَدَّقَ لَهُ لَقَدْ أَشْرَكَ فَقَالَ شَدَّاد فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ " قَالَ عَوْف بْن مَالِك عِنْد ذَلِكَ أَفَلَا يَعْمِد اللَّه إِلَى مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهه مِنْ ذَلِكَ الْعَمَل كُلّه فَيَقْبَل مَا خَلَصَ لَهُ وَيَدَع مَا أُشْرِكَ بِهِ فَقَالَ شَدَّاد عِنْد ذَلِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " إِنَّ اللَّه يَقُول أَنَا خَيْر قَسِيم لِمَنْ أَشْرَكَ بِي مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ عَمَله قَلِيله وَ كَثِيره لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ أَنَا عَنْهُ غَنِيّ ".
وعبارة شرك اصغر لا يستهين به العبد، فاصغر أي لا يخلد في النار لكنه استحقها بذلك، وان الشرك الاصغر اكبر واعظم من الكبائر وقد اشار الى ذلك الامام ابن القيم رحمه الله حيث قال: (الشرك الأصغر إن رتبته فوق رتبة الكبائر) 4/304 اعلام الموقعين.
وروى مسلم: وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه.

الشرك الخفي:
نوع من يسير الرياء لا يسهل ادراكه للبعض لظنهم انه ليس برياء لشدة خفائه كما بين صلى الله عليه وسلم. فيما رواه ابن خزيمة عن محمود بن لبيد قال: ((خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، إياكم وشرك السرائر، قالوا يا رسول الله وما شرك السرائر ؟ قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه. فذلك شرك السرائر )) .
وهو في عمل قصد به الله وحده فحسنه عندما احس هناك من ينظر اليه، فسماه شرك السرائر، أي لم يسمح به وانه شرك خفي.

وبعد بيان ذلك الجزء من معرفة الأبجديات عن معاني شهادة التوحيد وما ينقضها او يخدش فيها، نقف على معرفة بعض الاحكام والحكم:


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 12:30 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:27 pm

من حكمة الخلق والرسالة.
يعلم كل المسلمين وبعض الاخرين ان الانس والجنس خلقوا لعبادة الله. ولكن البعض كانهم ليسوا من هذه الفئة، او كأن الأوامر والعبادة هي سنة مستحبة غير ملزمة، ولا يظنون انهم مطالبون بشي، لا اوامر ولا نواهي لا تحريم ولا فرائض، الا ان ذلك الشعور بالتحرر عن قيود الدين يقدح في ايمان المسلم المعرض الى حد يصل نفي الايمان عنه وهو لا يدري، وليعلم من اعرض عن تنفيذ الاوامر والنواهي انها اصل الدين وقد خلق لاجلها كما جاء في التفسير عن حكمة الخلق: (( الا لأمرهم وأنهاهم)). وردت في شرح الاية: ((وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)). الذاريات.
أي من حكمته في الخلق لينفذوا اوامره، ويبتعدوا عما نها عنه، فلا يظن العبد انه يسرح ليتمتع وعلى هامش ذلك شي من العبادة أحيانا او بلا عبادة مطلقا. بل الصواب ان مهمته الطاعة والعبادة وخلالها تلك المتع والملزات التي انشغل بها البعض.
والبعض يظن انها مجرد ركعات صلاة ثم يولي حرا يفعل ما يشاء، ولا يظن ان هناك أوامر ونواهي ومحبطات ومفسدات تحتاج الى مراقبة ومنها ما يخرج عن الاسلام كالعبادات لغير الله من الدعاء والخوف والرجاء وغيرها.
ان من مراد الله من عباده وخلقهم والرسالة ان يتابعوا رسوله، وطاعته طاعة لله الذي ارسله حيث قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ. .).64 النساء.
فكانت بعثت الرسول لاجل طاعته بامر الله طاعة لله وبيناه في شروط النصف الثاني من الشهادة ( محمد رسول الله).

دين الله هو الإسلام في جميع الرسالات
وهنا يجب ان نعلم ان جميع الرسل جاءوا بالاسلام، أي اسم دينهم الإسلام، وانه لا اله الا الله، واعبدوا الله ما لكم من اله غيره، فالاصل واحد ولكن تختلف الشعائر من أمة الى اخرى، حيث قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ) آل عمران.
وورد هذا اللفظ بعد ذكره لا اله الا الله. في الايات: (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران.
كما ذكر تعالى عدة رسل وبين ان دينهم واحد ونهي عن الشرك والتفرق في الدين في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).13 الشورى.
فذكر عيّنة من الرسل بل اولي العزم الخمسة، وتقديره ان الدين الذي اوحيناه اليك يا محمد هو ذات دين هؤلاء الرسل، فليس هناك جديد حتى يحتج عليك المشركون، الا انه صعب على المشركين ان يتركوا شركهم، فالمكابرة منعتهم.
وورد عن دين رسول الله إبراهيم عليه السلام انه الاسلام وكذلك يعقوب: في قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ). 132 البقرة.
ولنتذكر اننا هنا نتابع حقيقة ان دين الرسل جميعا هو اسمه الاسلام. وقد كانت عبارة الإسلام واضحة في دعوة نوح عليه السلام بانه امر بالإسلام وذلك في خطابه لقومة كما قال تعالى عنه: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). 72 يونس.
وحكا تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام ما يبين ان دينه الإسلام، قال تعالى عنه في سورة يوسف: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) 101.
كما بين انه يريد ترك عبادة الرجال الصالحين الذين سموهم بأنفسهم حيث قال تعالى عنه: ما تعبدون من دون الله الا أسماء .
وحكا تعالى عن اتباع عيسى عليه السلام عندما سال قومه من معي، اي من أنصاري الى الله، فذكروا انهم على الايمان وانهم مسلمون، حيث قال الله عنهم: ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). 52. آل عمران.
وقال الله عنهم: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ). 111 المائدة.
وكانت دعوت التوحيد واضحة في خطاب عيسى عليه السلام الى قومه حيث قال الله عنه: ( . .. . وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). 72 المائد.
واما نبي الله سليمان عليه السلام قال الله عن دعوته: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) 30-31 النمل.
وملكة سبأ عليها رحمة الله فقد عبرت عن الدين الذي دخلته هو الإسلام وقال الله عنها: ( . . قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). 44 النمل.
وكلهم حذرهم عن الشرك وبين ان لو فعلوا الشرك لاحبط اعمالهم، وقد ذكر تعالى سبة عشر رسول في سورة الانعام ثم قال تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87)ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ). 88 الانعام.
فلا يزال التوحيد حاضرا.
وحكا تعالى عن رسوله هود عليه السلام ينهى عن عبادة غير الله في قوله تعالى: وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ).65 الاعراف
الى ان ردوا عليه مستنكرين ترك عبادة ما يعظمهم الآباء مع الله بقولهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). 70 الاعراف.
وهو يصف ان هؤلاء أسماء أناس ابتدعها آباءهم وانتم خلفهم بلا دليل تشريع من الله حيث قال لهم كما في بقية الآيات: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ). 71 الأعراف.
وعن صالح عليه السلام قال: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ. . الاية).73 الاعراف.
فكلهم يعبر عن لا اله الا الله.
واما عن دعوة رسول الله موسى عليه السلام تشير الى انه كان يدعوهم الى الإسلام وذكر لقومه كما قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) 84 يونس.
كما بين القرءان ماذا قال قوم موسى عليه السلام لما هددهم فرعون بعد ايمانهم بموسى عليه السلام، قالوا ما يفيد بالإسلام دينهم كما في الاية: ( . . رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) 126 الاعراف.
بل حتى فرعون فهم ان دعوة موسى عليه السلام الى الإسلام واعترف بذلك عندما ادركه الغرق واراد ان يخادع بإعلان الإسلام لينجو لكنه ذكره بصيغة مكابرة وفيها حاد ان يسمي اسم الله لكنه أشار الى ذكر الإسلام فقال الله عنه في الاية 90 سورة يونس: (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
لانه علم ان الدين المطلوب اسمه الإسلام، والمعلوم ان التوبة او الإسلام لا يقبل عند نزول العذاب او بلوغ الروح الحلقوم او خروج الشمس من مغربها، وكان المطلوب منه الإسلام قبل نزول العذاب والهلاك عقوبة لكفره وجحوده.
فرسالة موسى عليه السلام كانت للاسلام، وشاهدنا هنا هو ان الإسلام دين جميع الرسل. وهو لا اله الا الله. ثم موسى رسول الله آنذاك، وفي رسالتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبينت السنة ان موسى عليه السلام كان من ذكره قول لا اله الا الله، بل قال لربه كل عبادك يقولون لا اله الا الله كما جاء في الحديث الذي رواه الحاكم وصححه وابن حبان: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله.
وبين صلى الله عليه وسلم ان النبيون من قبله كانوا يقولون لا اله الا الله في الحديث المرفوع: عن عبد الله بن عمرو: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. رواه أحمد والترمذي
فكلهم يقول لا اله الا الله ودينهم اسمه الإسلام ودعوتهم الى الإسلام، الا ان هناك من يكابر ليبرر دعوته لغير التوحيد فيقول ان دعوة رسول الله شعيب كانت اقتصادية ودعاهم للوفاء بالكيل والميزان، نقول ان ذكره للقسط في المكيال كانت بعد دعوته للتوحيد أولا وبين القرءان ذلك، وان شعيب عليه السلام دعى الى التوحيد وعبادة الله وحده، ولان لكل قوم خصلة يؤمروا بتركها الى جانب التوحيد وترك الشرك فقال الله عن نبيه شعيب عليه السلام في الاية 84 سورة هود: (وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ) . الى ان قال عطفا على ذلك بالواوSadوَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ).
بل ذلك واضح من قول قوم شعيب انفسهم حيث ذكرهم القرءان بانهم يعترضون على نهي شعيب عن عبادة الالهة التي وجدوا عليها آباءهم، قال الله تعالى عنهم في الاية التي بعدها 85 هود: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ).
فاعترضوا أولا على عبادة الله وحده دون معبوديهم، ثم اعترضوا على العدل في الأموال.
فواضح من قولهم انه نهاهم عن عبادة الاله التي وجدوا عليها آباءهم.
فقوم شعيب هم من يرد على الحركيين الذين آثروا السياسة على الدين، وامثالهم الذين قالوا ان دعوة شعيب اقتصادية وكانوا يتهكمون ويستخفون بالتوحيد، لكن قوم شعيب عليه السلام شهدوا انه دعاهم الى ترك الشرك وعبادة الله وحده ثم تعرض لظلمهم في الكيل والميزان بعد ذلك. فهل طالب الحق يصدّق تجار الدين ام الله اصدق القائلين؟.
وقد شمل الله جميع الرسل من قبل في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). 25 الانبياء.
فاكد تعالى ان جميع الرسل كان الوحي اليهم بانه لا اله الا الله بما فيهم شعيب عليه السلام رغم انف أذناب الحركيين.
وفي اية أخرى عبر عن ذلك كان لجميع الأمم، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). 36 النحل.
وعجبا لمن كانت الجن اعرف منهم بان الدين من قبل هذه الرسالة كان هو الإسلام، حيث كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فلما سمعوا بالقرءان قالوا عبارة ذكرها الله تعالى في القرءان تفيد انهم كان بعضهم على الإسلام قبل البعثة، أي على الرسالات السابقة، قال تعالى عنهم حينما حكوا عن ماضيهم: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا). 14 سورة الجن.
بل في صدر السورة بين معرفتهم بان الإسلام ينهى عن الشرك فامنوا بذلك واعلنوا ترك الشرك كما قال تعالى: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا).
وقد بين تعالى ان التوراة ومن تبعه من انبياء بني اسرائيل كانوا على الاسلام، في الاية 44 من سورة المائدة: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ, , , ).
وقد بين تعالى عن أبو الأنبياء إبراهيم انه كان مسلما ونفى عنه اليهودية والنصرانية. كما قال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.). 67 آل عمران.
كما ذكر تعالى عدة رسل ثم جمع معهم كل الأنبياء بان الذي انزل اليهم هو ذات الدين الذي انزل اليكم امة محمد ولا فرق بين دين هؤلاء فلا تفرقوا بينهم بل قولوا امنا بكل ذلك ونحن مسلمون، جاء هذا الامر في الاية 136 من سورة البقرة حيث قال تعالى: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وبين ان بعض اهل الكتاب الذين اسلموا ومنهم ابي بكر الصديق رضي الله عنه، انهم ذكروا انهم قبل الاسلام كانوا مسلمين برسالة عيس عليه السلام فاشار تعالى انه يؤتيهم الاجر مرتين على الرسالتين كما ورد في الاية 53 من سورة القصص: ( وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ).
ومما ذكر ابن كثير في تفسير الاية: قال ابن زيد, في قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ على دين عيسى, فلما جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلموا, فكان لهم أجرهم مرَّتين بما صبروا أوّل مرّة, ودخلوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
فاعلم ان الاسلام والتوحيد هو دين جميع الرسل وهو الدين عند الله. وهو لا اله الا الله. والمطلوب من العباد هو الاخلاص في العبادة، وان لا يشرك بالله شيئا.
ويتضح مراد الله من المسلم اكثر في شروط لا اله إلا الله التي هي عنوان الاسلام ومفتاحه وما نهى عنه من نواقضها كما سياتي في الفقرة التالية.

التوحيد حق الله على العبيد
ان تنزيه الله وتوحيده وتعظيمه هو الاساس الذي خلق له الخلق وقدر الله
ان لا يعبد غيره كما قال تعالى: ((. . وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ. . الاية)). 23 الاسراء.
وجعل ذلك حق على العبد كمادة أساسية لا يجوز السقوط فيها، ثم قابلها بمكافأة كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ )، فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا )، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: ( لا تبشرهم فيتكلوا).
أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة ولمعرفته بما بين على لسان رسله والإنابة إليه، ومحبته والإخلاص له حسب شروط كلمة التوحيد التي وردت في مواضع متفرقة جمعها اهل العمل في الفقرة التالية:

شروط لا اله الا الله
لها سبعة شروط جمعها اهل العلم من النصوص التي أوجبتها كما جمعت شروط الصلاة التي لم ترد هكذا مرتبة لكن أدلتها منصوص عليها في القرءان والسنة وليست من الاجتهادات، وهي كالتالي بادلتها:
الشرط الأول:
1- العلم المنافي للجهل:
قال تعالى: ((. . فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ )).
فامر واشار الى العلم ولم يقل قل فقط وذلك لان المراد تحقيق ما تقتضيه تلك الكلمة من معرفة واعتقاد، ومن نفي واثبات، فمن لم يدري ذلك لن يحققه، ويعني بالأدلة والنصوص والحجج التي تبين ان تأليه غيره لا يجوز ومن لم يعلم ما يفسدها لن يحقق المطلوب، واشار الى ذلك ابن عباس حيث قال: قوله ((شهادة أن لا إله إلا الله يقتضى أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله)).
كما قال القرطبى فى المفهم على صحيح مسلم: (باب لا يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين بل لابد من استيقان القلب).
والمراد ان يكون عالما بمقتضاها وما تضمنته من نفي واثبات ومن حصر العبادة لله وذلك ما عنته عبارة الاية (( إياك نعبد وإياك نستعين) أي انت وليس غيرك.
ويعني تعلمه للتوحيد ليكون موقن وعالم بما يقول فتكون شهادة حقيقة وليس مجرد كلمة. لهذا بين تعالى ان من شهد حقيقة بالتوحيد من الناس هم اهل العلم ولم يقل بعامة من قالها وذلك عندما ذكر شهادته لنفسه والملائكة ثم العلماء حيث قال Sad( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)). آل عمران 18 .
وأوردنا سابقا حديث أبى مالك الأشجعى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )) من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)). رواه مسلم.
فبين ان الاعتقاد بكفر من يعبد من دون الله هو شرطا لها ولا يكون ذلك الا ممن علم بهذا الشرط ونواقضه.
ولهذه الاهمية جعل البخاري وجوب العلم قبل القول والعمل وذكره في كتاب العلم باب (العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى «فاعلم أنه لا إله إلا الله»، فبدأ بالعلم). صحيح البخاري
وقال ابن حجر في شرحه فتح الباري ص 159- 160 جزء 1 : (قال ابن المنيّر: أراد به أن العلــــم شرط في صحة القول والعمل، فلا يُعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل).
وهذا ما عبر عنه عمر رضي الله عنه وسبق ذكره حيث قال: ((انما تنقض عرى الاسلام عروة عروة اذا نشأ في الاسلام من لا يعرف الجاهلية)).
العلم يحمي من مخالفة المطلوب ويوصل الى اليقين، وتحقيق مقتضى الامر.
ومنه دراسة الايات الكونية التي اشار الله لها لعلمه بانها تدلل على وحدانيته وقدرته كما ان معرفة اصل العبادات وحكمها تبين ان صرفها لغير الله اذا حدث ينافي كلمة التوحيد لهذا اشار الرب لنبيه عليه الصلاة والسلام ان يسال الرسل السابقين ويتأمل سيرهم هل كان في يوم من الايام يسمح بعبادة لغير الله وذلك في قوله تعالى: ((وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)) الزخرف 45.
وقال ابن كثير: (( أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد كقوله جلت عظمته "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي وابن مسعود رضي الله عنه وهذا كأنه تفسير لا تلاوة والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم واسألهم ليلة الإسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له واختار ابن جرير الأول والله أعلم. تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال‏)). تفسير ابن كثير.
لان بالمعرفة والبصيرة يحصل التصديق واليقين والايمان ثم يحميه لانه درس أحكامها ومدلولاتها ولوازمها.
الشرط الثاني:
2- اليقين المنافي للشك:
حصر الرب تعالى الفلاح بمن لم يشك في ذلك قبل غيره من الشروط حيث قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) 15 الحجرات .
وقوله: ثم لم يرتابوا: أي لم يشكوا.
ويبين هذا الشرط ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)). صحيح البخاري.
والمراد يكون العبد موقنا بها غير مرتاب في ما تضمنته وهو جازما غير متردد.
الشرط الثالث:
3- والإخلاص المنافي للشرك:
قال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) البينة. وقوله (( فليعمل عملا صالحا ويشرك بعبادة ربه احد)).
وقال تعالى: (( إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ )). النساء
وقد ذكرنا الحديث: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل يقول: أنا خير قسم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئاً فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به. أنا عنه غني. و اكد تعالى إحباط عمل المشرك ما يفيد نقض إسلامه في قوله تعالى: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)). 88 الانعام.
والسلامة من الشرك ما ورد سابقا بان الشرك ينقض الاسلام وينافي الاخلاص وكان مستفيضا في انه يحبط العمل.

الشرط الرابع:
4- الصدق المنافي للكذب:
قال تعالى: ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)). 60 الزمر.
قال ابن كثير: (( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله " أي في دعواهم له شريكا وولدا " وجوههم مسودة " أي بكذبهم وافترائهم وقوله تعالى " أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " أي أليست جهنم كافية لهم سجنا وموئلا لهم فيها الخزي والهوان بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق)).
ويعني انهم لم يصدقوا في قولهم لا اله إلا الله بل جعلوا آلهة او يؤمنون بصحة عبادتها في داخلهم.
وقال ابن جرير: (( الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى } يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ { الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه } مِنْ قَوْمك فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَأَنَّ لَهُ شَرِيكًا, وَعَبَدُوا آلِهَة مِنْ دُونه)).
وقال تعالى: ((إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)). التوبة.
قال ابن كثير: إِنَّمَا يَسْتَأْذِنك " أَيْ فِي الْقُعُود مِمَّنْ لَا عُذْر لَهُ " الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " أَيْ لَا يَرْجُونَ ثَوَاب اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة عَلَى أَعْمَالهمْ " وَارْتَابَتْ قُلُوبهمْ " أَيْ شَكَّتْ فِي صِحَّة مَا جِئْتهمْ بِهِ " فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ " أَيْ يَتَحَيَّرُونَ يُقَدِّمُونَ رِجْلًا وَيُؤَخِّرُونَ أُخْرَى وَلَيْسَتْ لَهُمْ قَدَم ثَابِتَة فِي شَيْء فَهُمْ قَوْم حَيَارَى هَلْكَى لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلًا.
وحكا الله كفر من كذب بالحق: في قوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَما جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ)). العنكبوت68.
فالتكذيب ينافي الصدق ويفسده اذا حصل منه شي فيجب ان لا يخالف قلبه ما قال بلسانه من الايمان.
الشرط الخامس:
5- المحبة المنافية لضدها:
محبة الله تعالى ومحبة دينه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، بما لا ينقضها من الكره والبغض لله او لدينه او لرسوله. فاكد تعالى ان مضاد المحبة وهو الكره فانه محبط للعمل كما جاء في الاية: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)). محمد.
وقال ابن كثير (" ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه " أَيْ لَا يُرِيدُونَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ " فَأَحْبَطَ أَعْمَالهمْ ).
‏وروى البخاري: ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: فو الذي نفسي بيده ‏لا يؤمن ‏ ‏أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده.
ومن مضادة المحبة ان يحب غير الله ودينه ورسوله احب منه وآثره عليه فقد حكم الله على ألئك بالفاسقين في الاية: (( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)).24 التوبة.
قال ابن كثير: ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُوله أَنْ يَتَوَعَّد مَنْ آثَرَ أَهْله وَقَرَابَته وَعَشِيرَته عَلَى اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَقَالَ " وَتِجَارَة تَخْشَوْنَ كَسَادهَا وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا " أَيْ تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنهَا أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء " أَحَبّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَتَرَبَّصُوا " أَيْ فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلّ بِكُمْ مِنْ عِقَابه وَنَكَاله بِكُمْ. وَلِهَذَا قَالَ " حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ)).
الشرط السادس:
6- الانقياد المنافي للامتناع:
هو الطاعة والاستجابة بلا عناد ولا تمرد ولا اعراض. والله تعالى قال: ((مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا)). 100 طه.
قال ابن كثير: قَالَ تَعَالَى " مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ " أَيْ كَذَّبَ بِهِ وَأَعْرَضَ عَنْ اِتِّبَاعه أَمْرًا وَطَلَبًا وَابْتَغَى الْهُدَى مِنْ غَيْره فَإِنَّ اللَّه يُضِلّهُ وَيَهْدِيه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم وَلِهَذَا قَالَ " مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِل يَوْم الْقِيَامَة وِزْرًا " أَيْ إِثْمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " وَهَذَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنْ الْعَرَب وَالْعَجَم أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ كَمَا قَالَ " لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " فَكُلّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَهُوَ نَذِير لَهُ وَدَاعٍ فَمَنْ اِتَّبَعَهُ هُدِيَ وَمَنْ خَالَفَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ ضَلَّ وَشَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالنَّار مَوْعِده يَوْم الْقِيَامَة .
وقال تعالى عن عدم انقياد ابليس: (( إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) ص 74.
وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله – عند كلامه عن أنواع الكفر الأكبر "...وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار.
ووصف من لم ينقاد بالنفاق بانه اعرض وتولى. قال تعالى: (( فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون)). 76-77 التوبة.
قال ابن كثير: يَقُول تَعَالَى وَمِنْ الْمُنَافِقِينَ مَنْ أَعْطَى اللَّه عَهْده وَمِيثَاقه لَئِنْ أَغْنَاهُ مِنْ فَضْله لَيَصَّدَّقَنَّ مِنْ مَاله وَلَيَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَمَا وَفَّى بِمَا قَالَ وَلَا صَدَقَ فِيمَا اِدَّعَى فَأَعْقَبَهُمْ هَذَا الصَّنِيع نِفَاقًا سَكَنَ فِي قُلُوبهمْ إِلَى يَوْم يَلْقَوْا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْم الْقِيَامَة فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَقَوْله تَعَالَى " بِمَا أَخْلَفُوا اللَّه مَا وَعَدُوهُ " الْآيَة. أَيْ أَعْقَبَهُمْ النِّفَاق فِي قُلُوبهمْ بِسَبَبِ إِخْلَافهمْ الْوَعْد وَكَذِبهمْ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" وَلَهُ شَوَاهِد كَثِيرَة وَاَللَّه أَعْلَم.
ومن اظهروا الانقياد لكنهم تولى واعرضوا فقد نفى الله عنهم الايمان في قوله تعالى: ((وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ )). 47 النور.
ثم يشرح سرهم في قوله تعالىSadوَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). 48.
ثم يحصر تعالى حال المؤمنين في قال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ
إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)). 51 النور.
الشرط السابع ل لا اله الا الله
7- القبول المنافي للرد:
أي الرضا بأمره ونهيه وحكمه وعدم مصادمته بالآراء، ومن راى صحة غير حكم الله او ما اختار رسوله، فانه رد لأمره وقد وصف الله مثلهم بالنفاق حينما قالوا لا نرى ان الحالة تستحق الحرب رغم ان الرسول خرج للحرب بجيشه، فقال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ*الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ). 167 - 169 آل عمران.
وذكر ابن كثير عن: مُجَاهِد يَعْنُونَ لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَ حَرْبًا لَجِئْنَاكُمْ وَلَكِنْ لَا تَلْقَوْنَ قِتَالًا.
وكان من رأيهم ان الحر شديد وأجّلوا ذلك الى وقت آخر، الا ان امر الرسول ليس محل نقاش وانما الواجب القبول بلا رد، وقال الله عنهم: ((فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)).81 التوبة.
وقد نهى تعالى عن اختيار غير ما اختار الله او رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)). 25 الاحزاب.
وهذه السبعة شروط يعتبر ما يضادها من نواقض لا اله الا الله.

النصف الاخر من الشهادة
شهادة ان محمد رسول الله: لها لوازم وتبعات:
وهي الايمان الجازم بان محمد بن عبدالله بن عبد المطلب القرشي، هو عبد الله ورسول الله لهذه الامة وخاتم النبيين، مرسل للناس كافة.
ولها اربعة شروط:
1- تصديقه فيما اخبر، 2- وطاعته فيما امر، 3- واجتناب ما نهى عنه وزجر، 4- وان لا يعبد الله الا بما شرع.
تصديقه فيما اخبر:
وهو اليقين الذي لا يرد اليه شك، حيث حصر تعالى حقيقة الايمان به لمن لم يرتاب أي لم يشك: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)). 15 الحجرات.
روى البخاري في الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم: (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)).
وكلما بلغه الينا من المغيبات او غيرها فهو صدق كما قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). 2- 3 النجم.

وطاعته فيما امر:
وقوله تعالى قبل ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ. . الاية).59 النساء.
الى قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ). 64 النساء.
فمن الحكمة في ارسال الرسل ان يطاعوا طاعة الله المرسل، فكيف يعرض الناس عنهم والمرسل هو الله والرسالة موجه للجميع.
الى ان اقسم تعالى في شان من لمن يطعه ويحّكم قوله انهم لم يكتمل ايمانهم حيث قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).65 النساء.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى. صحيح البخاري/كتاب الاعتصام.
كما حذر تعالى متوعدا المخالفين بالفتنة في دينهم وهي الشرك سواء في الاتباع او غيره توعدهم الله فقال تعالى: (. . فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) 63 النور.
وهذه الطاعة في كل شئونهم وتكون برضا وطمأنينة وقبول بما قضى الله على لسانه صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري: ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال فو الذي نفسي بيده ‏لا يؤمن ‏ ‏أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده.
قال ابن كثير: ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُوله أَنْ يَتَوَعَّد مَنْ آثَرَ أَهْله وَقَرَابَته وَعَشِيرَته عَلَى اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَقَالَ " وَتِجَارَة تَخْشَوْنَ كَسَادهَا وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا " أَيْ تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنهَا أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء " أَحَبّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَتَرَبَّصُوا " أَيْ فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلّ بِكُمْ مِنْ عِقَابه وَنَكَاله بِكُمْ. وَلِهَذَا قَالَ " حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ)).
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ). 36 الاحزاب.
فطاعة النبي واجبة، ورفض قوله او حكمه في شي هو قدح في الشهادة ونقص في الايمان، ومنه ما يرقي الى الكفر.
واجتناب ما نهى عنه وزجر:
وفي ذلك قال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). 7 الحشر.
وما أتانا يشمل نهي وامر في حياتنا ومعاملاتنا، ولعل البعض حسب ان يسرح ويمرح بلا وصايا او قيود.
ولنتابع بعض ما في ذلك في مناقشة مع صحابي وتابعين كما ذكره ابن كثير: ( قَوْله تَعَالَى " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " أَيْ مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُر بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنْ شَرّ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن الْعَوْفِيّ عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ مَسْرُوق قَالَ جَاءَتْ اِمْرَأَة إِلَى اِبْن مَسْعُود فَقَالَتْ بَلَغَنِي أَنَّك تَنْهَى عَنْ الْوَاشِمَة وَالْوَاصِلَة أَشَيْء وَجَدْته فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى أَوْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ بَلَى شَيْء وَجَدْته فِي كِتَاب اللَّه وَعَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَاَللَّه لَقَدْ تَصَفَّحْت مَا بَيْن دَفَّتَيْ الْمُصْحَف فَمَا وَجَدْت فِيهِ الَّذِي تَقُول قَالَ فَمَا وَجَدْت" وَمَا أَتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْوَاصِلَة وَالْوَاشِمَة وَالنَّامِصَة قَالَتْ فَلَعَلَّهُ فِي بَعْض أَهْلك قَالَ فَادْخُلِي فَانْظُرِي فَدَخَلَتْ فَنَظَرَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ قَالَتْ مَا رَأَيْت بَأْسًا فَقَالَ لَهَا أَمَا حَفِظْت وَصِيَّة الْعَبْد الصَّالِح " وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مَنْصُور عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود قَالَ: لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَبَلَغَ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي أَسَد فِي الْبَيْت يُقَال لَهَا أُمّ يَعْقُوب فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ بَلَغَنِي أَنَّك قُلْت كَيْت وَكَيْت قَالَ مَا لِي لَا أَلْعَن مَنْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى فَقَالَتْ إِنِّي لَأَقْرَأ مَا بَيْن لَوْحَيْهِ فَمَا وَجَدْته فَقَالَ إِنْ كُنْت قَرَأْتِيهِ فَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْت " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ قَالَتْ إِنِّي لَأَظُنّ أَهْلك يَفْعَلُونَهُ قَالَ اِذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتهَا شَيْئًا فَجَاءَتْ فَقَالَتْ مَا رَأَيْت شَيْئًا قَالَ لَوْ كَانَ كَذَا لَمْ تُجَامِعنَا . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ " وَقَالَ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن حَيَّان عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الدُّبَّاء وَالْحَنْتَم وَالنَّقِير وَالْمُزَفَّت ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " وَقَوْله تَعَالَى " وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب " أَيْ اِتَّقُوهُ فِي اِمْتِثَال أَوَامِره وَتَرْك زَوَاجِره فَإِنَّهُ شَدِيد الْعِقَاب لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره وَأَبَاهُ وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُ وَنَهَاهُ (.. التفسير.
وحتى يعظم عندنا قدر السنة فلا بد من معرفة مكانتها في التشريع، فليست السنة على فهم العامة: ان كل السنة ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، فهذا حكم المستحبة من السنة، ولكن في السنن واجبات تركها معصية ونواهي تركها من تمام الايمان.
وليست السنة هي مجرد راي كما يزعم البعض حيث يرى انه مخير في ان يخالفها او يتابعها.
فاعلم يا عبد الله ان السنة وهي الحكمة المرادفة للقرءان فانها منزّلة من عند الله كما انزل القرءان حيث ياتي جبريل ويعرض عليه التفسير والتأويل واحوال الناس وحتى في الطب والمعاملات، وأكد تعالى انها منزلة في قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). 113 النساء.
أي انزل الكتاب وانزل السنة التي تبينه، وقال تعالى: (. . وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. ). 44 النحل.
وقال تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).114 طه. أي حتى ينزل اليك تفسيره وبيانه الذي ياتيه به جبريل عليه السلام. وقال تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ). 19 القيامة.
فالسنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي تبين بقية الاحكام كالصلاة التي لم تفصل في القرءان فمن رفضها او تجاهلها فلا دليل له على صلاته بهذه الكيفية المعلومة الان. وقال صلى الله عليه وسلم في الحج: خذوا عني مناسككم. فلا بيان لهذا الركن من غير السنة.
وتابع التكملة ادناه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:30 pm

والرابعة: وان لا يعبد الله الا بما شرع:
أي بما شرع وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بما يوحى اليه من الحكمة.
لان العابدات توقيفية: أي موقوفة على الشارع سواء من الكتاب او السنة.
والمعلوم ان ليس في الدين شعيرة الا وذكرها الشارع، وما لم يذكره الشارع فليس بشرع، فهو ممن جاء منه، وليس من عند الله.
اذا الدين لله ومن عنده، فلا بد ان يرد الى مصدره سواء القرءان او صحيح السنة، وما يشرّع الناس وينظّرون فليس بدين الله، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول في الدين الا ما جاءه عن ربه باحد وسائل الوحي الاربعة، وكما ذكر سابقا انه صلى الله عليه وسلم مقيد بالشرع وكذلك اتباعه كقوله تعالى: ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).112 هود.
وقال تعالىSad وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ). 198 البقرة. أي كما دلكم وبين لكم الطريقة.
والمبين بعد القرءان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. الذي يفسر ما جاء عن الله كما ورد في قوله تعالى: ((. . وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. .الاية). 44 النحل.
وهذا التنزيل قد تم واكتمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بعد ذلك اليوم تشريع جديد في الدين، حيث قال عنه تم وكمل، فمن زعم شعيرة تعبدية جديدة فقد قال بلسان حاله انه لم يتم ولم يكتمل وهو يضيف اليه رايه.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن وصححه الترمذى‏ من حديث العرباض ابن سارية:‏ ‏( ‏إنه من يَعِشْ منكم بعدى فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتى وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومُحْدثَاتِ الأمور، فإن كل بدْعَةٍ ضَلالة‏"‏‏.‏
وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم وغيره أنه كان يقول فى خطبته‏:‏ ‏"‏خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدىُ محمد، وشَرُّ الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة‏).
وتواترت رواياته منها ما ذكره ابن عبد البر/ جامع بيان العلم، عن العرباض بن سارية جاء في اخره: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة. 2/1164. خلاصة حكم المحدث: ثابت صحيح.
ومحدثات الامور، هي ما جد في الدين فهو بدعة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اكد ان كل الجديد في الدين مردود على صاحبه كما جاء فيما رواه البخاري ومسلم: ( عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
والعلامة التي تبين ان العمل مشروع او بدعة توضحها رواية مسلم التي تفيد ان العمل الذي ليس عليه امر منه صلى الله عليه وسلم فهو مردود، رواية الامام مسلم ): من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي مردود على صاحبه لانه ليس من الشارع. لان الشارع ما فات عليه ان يبين لنا الشرائع، ولو كان ذلك يكون هو لم يبين وكتم وهذا من المستحيلات في حق الرسل لان من ارسلهم يعلم من هم، وهو الذي اعدهم لهذا المهمة، وقال الله عنه: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ). 67 المائدة.
والحديث السابق واضح لم يستثني بل عمم وقال: كل محدثة بدعة. فمن زعم اذكاره او اوراده او شعائره الجديدة هي من الدين فقد شرع من الدين ما لم يأذن بالله. وهذا ما وصف الله من فعلوه بانهم شركاء له في التشريع كما قال تعالى مستنكرا: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).21 الشورى.
فكل ورد او ذكر وعمل ديني لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم فانه بدعة.

بقية أنواع العابدات:
وعن بقية انواع العبادات التي ذكرنا لها امثلة سابقا ولها العديد من العبادات التي لا يظن البعض انها من العبادات واذا صرفت منها واحدة لغير الله فانها شرك بالله، وعلينا ان نقف على ادلتها وانها مما يعبد الله به فلا تجوز لغيره، ومنها:
الخوف: هو من العبادات التي طلب الله فعلها له، في قوله تعالى: ((فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) آل عمران 175.
كما قال تعالى (( وإيّاي فارهبون). وهو مثل: إياك نعبد وإياك نستعين يراد بها الحصر، وإياي أي أنا وليس غيري.
ووعد من خافه بالجنان حيث قال تعالى: (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)) الرحمن.
وقال تعالى: ((وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)). 56 الأعراف.
وأخرج الترمذي باسناد حسن، وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد في: زوائد الزهد. ص 24 / 25: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو بالموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف.
فالخوف من الله هو اعتراف بضعف العبد واستحضاره عظمة ربه وقدرته عليه وحذره من سخطه.
واما الخوف من غير الله ان يصيبه بضر ام يمنع عنه خير فهو شرك نهى الله عنه في ذات الاية الأولى: (فلا تخافوهم). بل بداية الاية تشير الى انه من فعل الشيطان حيث قال تعالى: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) .
وقال تعالى: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ). 36 الزمر.
وذلك سؤال يعترض به على من خاف غير الله.
والخوف المراد هنا منه الخوف من تقدير المصائب او الاذى لهم كمن يخاف ضر الاصنام او الدجالين او الاموات ومن يظن انه يقدّر عليه قدرا او أذى او يصيبه بمرضه او يشله فهذا في ما لا يقدر عليه الا الله، كما هدد قوم هود عليه السلام بانه يصيبه سوء من الآلهة، قال تعالى عنهم: ((إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)). 54 هود.
قال ابن كثير " يَقُولُونَ مَا نَظُنّ إِلَّا أَنَّ بَعْض الْآلِهَة أَصَابَك بِجُنُونٍ وَخَبَل فِي عَقْلِك بِسَبَبِ نَهْيك عَنْ عِبَادَتهَا وَعَيْبك لَهَا.
ولكنه موحد لا يخاف الا الله فقال: (( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )). هود 56.
أي كلما هو يمشي على الأرض يسير بامر الله وليس غيره
وقال ابراهيم عليه السلام ((وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)). الانعام 81 .
وتحدى نوح عليه السلام قومه وقال: (( فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ)).
يونس 71.
قال ابن كثير: أي فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " أي فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله من صنم ووثن " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " أي ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا بل افصلوا حالكم معي فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلي " ولا تنظروني " أي ولا تؤخروني ساعة واحدة أي مهما قدرتم فافعلوا فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم لأنكم لستم على شيء كما قال هود لقومه " إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظروني إني توكلت على الله ربي وربكم " الآية .
فالموحد لا يخاف ان يضره بشر حي او ميت من جنس ضر التقدير والتاثير غير المباشر ان يقضي عليه او يضره او يصرف عنه خير قدره الله له.
فلا يخاف اصحاب القبور ان يضروه او يبعدون عنه خير. فذلك من جنس الخوف من غير الله ان يضره او يبعد عنه خير وهذا من الشرك.

الرجاء:
عبادة من اعمال القلوب ومنه قوله تعالى: ((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)). الكهف.
وقال تعالى: ((يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الالباب )). الزمر 9 .
قال ابن كثير: يَقُول عَزَّ وَجَلَّ أَمَّنْ هَذِهِ صِفَته كَمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْدَادًا؟ لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه الى ان قال: وَقَوْله تَعَالَى " يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه " أَيْ فِي حَال عِبَادَته خَائِف رَاجٍ وَلَا بُدَّ فِي الْعِبَادَة مِنْ هَذَا وَهَذَا وَأَنْ يَكُون الْخَوْف فِي مُدَّة الْحَيَاة هُوَ الْغَالِب وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه " فَإِذَا كَانَ عِنْد الِاحْتِضَار فَلْيَكُنْ الرَّجَاء هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ.
فالعبد دائما في رجاء ربه لانه يعتقد ان كل شي بيد الله فلا يرجو غيره.
ومن يرجو غير الله ان يقدّر له رزقا او شفا او قضاء حاجة فانه اشرك بالله في رجاءه من مخلوق لا يملك مثال ذرة، وقد رد الله على من يرجو غيره ممن عبدوا الاموات وتماثيلهم حيث قال تعالى ((. . قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)). 16 الرعد.
قال ابن كثير: يُقَرِّر تَعَالَى أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لِأَنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ رَبّهَا وَمُدَبِّرهَا وَهُمْ مَعَ هَذَا قَدْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء يَعْبُدُونَهُمْ وَأُولَئِكَ الْآلِهَة لَا تَمْلِك لِأَنْفُسِهَا وَلَا لِعَابِدِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا أَيْ لَا تُحَصِّل لَهُمْ مَنْفَعَة وَلَا تَدْفَع عَنْهُمْ مَضَرَّة فَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ عَبَدَ هَذِهِ الْآلِهَة مَعَ اللَّه وَمَنْ عَبَدَ اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه ؟. وَلِهَذَا قَالَ " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات وَالنُّور أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ " أَيْ أَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَ اللَّه آلِهَة تُنَاظِر الرَّبّ وَتُمَاثِلهُ فِي الْخَلْق فَخَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْرُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة مِنْ مَخْلُوق غَيْره أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشَابِههُ شَيْء وَلَا يُمَاثِلهُ وَلَا نِدّ لَهُ وَلَا عِدْل لَهُ وَلَا وَزِير لَهُ وَلَا وَلَد وَلَا صَاحِبَة " تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا " وَإِنَّمَا عَبَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُ آلِهَة هُمْ مُعْتَرِفُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة لَهُ عَبِيد لَهُ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتهمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ وَكَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْله " مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى. انتهى.
وكان قبلها قد بين تعالى ان من دعوهم لا يستجيبوا لهم ثم وصفهم بالكافرين في اخر الاية حيث قال تعالى: (( لهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )) الرعد 14.
وليقطع رجاءهم في غير الله حتى لو كان من الصالحين كمثل عيسى عليه السلام او الملائكة كما بينت الاية واثبتت لهم الصلاح ونفت عنهم انهم ينفعون احدا او يضرونه حيث قال تعالى: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)). الاسراء 57 .
قال ابن كثير: عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " قُلْ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ " الْآيَة قَالَ كَانَ أَهْل الشِّرْك يَقُولُونَ نَعْبُد الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح وَعُزَيْرًا وَهُمْ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ يَعْنِي فِي الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح وَعُزَيْرًا .
وقال ايضا: وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن مَسْعُود كَانُوا يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ فَذَكَرَهُ وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة أَيّهمْ أَقْرَب " قَالَ عِيسَى وَأُمّه وَعُزَيْر وَقَالَ مُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة هُمْ عِيسَى وَعُزَيْر وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَقَالَ مُجَاهِد عِيسَى وَالْعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة .الى قوله : وَقَوْله تَعَالَى " وَيَرْجُونَ رَحْمَته وَيَخَافُونَ عَذَابه " لَا تَتِمّ الْعِبَادَة إِلَّا بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاء فَبِالْخَوْفِ يَنْكَفّ عَنْ الْمَنَاهِي وَبِالرَّجَاءِ يُكْثِر مِنْ الطَّاعَات وَقَوْله تَعَالَى " إِنَّ عَذَاب رَبّك كَانَ مَحْذُورًا " أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذَر مِنْهُ وَيَخَاف مِنْ وُقُوعه وَحُصُوله عِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْهُ. انتهى.
التوكل:
وهو من اجل العبادات القلبية. وهو الاعتماد على الله ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا )) الفرقان 58
قال ابن كثير: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت " أَيْ فِي أُمُورك كُلّهَا كُنْ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّه الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت أَبَدًا الَّذِي هُوَ " الْأَوَّل وَالْآخِر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم " الدَّائِم الْبَاقِي السَّرْمَدِيّ الْأَبَدِيّ الْحَيّ الْقَيُّوم رَبّ كُلّ شَيْء وَمَلِيكه اِجْعَلْهُ ذُخْرك وَمَلْجَأَك وَهُوَ الَّذِي يُتَوَكَّل عَلَيْهِ وَيُفْزَع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ كَافِيك وَنَاصِرك وَمُؤَيِّدك وَمُظَفِّرك.
وقال تعالى: (( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)). الزمر 38.
قال ابن كثير " يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْخَالِق لِلْأَشْيَاءِ كُلّهَا وَمَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره مِمَّا لَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه إِنْ أَرَادَنِي اللَّه بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَات ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته " أَيْ لَا تَسْتَطِيع شَيْئًا مِنْ الْأَمْر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وما رجا أحد مخلوقاً ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه، فإنه مشرك.
قال ابن القيم رحمه الله وغيره: أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه، كالحر والبرد والجوع والعطش. وأما أن يضره بما يبلغ به مراده منه فلا يكون أبداً، وفرق بين الأذى الذي هو الظاهر إيذاء وفي الحقيقة إحسان وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.
قال تعالى: 22 : 78: (( واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)).
قال ابن كثير: وَقَوْله وَاعْتَصِمُوا بِاَللَّهِ " أَيْ اِعْتَضِدُوا بِاَللَّهِ وَاسْتَعِينُوا بِهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَتَأَيَّدُوا بِهِ " هُوَ مَوْلَاكُمْ " أَيْ حَافِظكُمْ وَنَاصِركُمْ وَمُظَفِّركُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ " فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير " يَعْنِي نِعْمَ الْوَلِيّ وَنِعْمَ النَّاصِر مِنْ الْأَعْدَاء قَالَ وُهَيْب بْن الْوَرْد " يَقُول اللَّه تَعَالَى: اِبْن آدَم اُذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْت أَذْكُرك إِذَا غَضِبْت فَلَا أَمْحَقك فِيمَنْ أَمْحَق وَإِذَا ظُلِمْت فَاصْبِرْ وَارْضَ بِنُصْرَتِي فَإِنَّ نُصْرَتِي لَك خَيْر مِنْ نُصْرَتك لِنَفْسِك " رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم.
وروى الامام احمد من حديث عطاء الخرساني قال: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت، فقلت: حدثني حديثاً أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز، قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه داود، يا داود: أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجاً، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأَسَخْتُ الأرض من تحت قدمه ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك.
فبعد ان قال الله حسبك اي يكفيك فمن اعتمد وتوكل على غيره كانه يقول بلسان حاله لربه، لن تكفيني فاني ارجو فلان، ومن اعتمد وتوكل على غير الله فقد اشرك.
ومن العبادات
الرغبة والرهبة:
ثبت انهما من العبادات ووصف الله رسله ومدحهم بهذه العبادات حيث قال تعالى: (( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)). الانبياء 90.
وقال تعالى : ((وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)). الشرح.
وقال تعالى: (( واياي فارهبون))
قَالَ الثَّوْرِيّ رَغَبًا فِيمَا عِنْدنَا وَرَهَبًا مِمَّا عِنْدنَا " ذكره ابن كثير.
والرغبة ورد ان المراد منها اجعل نبيتك لله وهو توجيه للخلاص لله تعالى والانشغال به عن غيره، كما ذكر ابن كثير في بعض الاقوال: حدثنا ابن حميد، الى عن مجاهد: وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ: قال: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله.
الرغبو والرهبة من العبادة القلبية، فمن تعلق قلبه رغبة ورهبة بغير الله فقد خالف المراد، ومن صرف هذه العبادات لغير الله فقد اشرك. وربما يفعل البعض ذلك دون ان يعلم انها تدخل في هذا الاعتقاد، كمن يرهب من أصحاب القبور او حتى الاحياء ان يصيبه بضر او مرض فقد اشرك حتى يرجع عن ذلك.
الخشوع:
عبادة قلبية قال تعالى: ((وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ )). الاحزاب.
والاية السابقة: ((وكانوا لنا خاشعين). ووصف المؤمنون بقوله: (( الذين هو في صلاتهم خاشعون)). المؤمنون. وقد عاتب من لم يخشع في قوله تعالى: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه.. )). 16 الحديد.
وَقَالَ أَبُو سِنَان الْخُشُوع هُوَ الْخَوْف اللَّازِم لِلْقَلْبِ لَا يُفَارِقهُ أَبَدًا وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا خَاشِعِينَ أَيْ مُتَوَاضِعِينَ وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك خَاشِعِينَ أَيْ مُتَذَلِّلِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْل حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه الْقُرَشِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَكِيم قَالَ خَطَبَنَا أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْد فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَتُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل وَتَخْلِطُوا الرَّغْبَة بِالرَّهْبَةِ وَتَجْمَعُوا الْإِلْحَاف بِالْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْل بَيْته فَقَالَ " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " . ذكره ابن كثير.
ومن العبادات
الخشية :
فهي عبادة قلبية، وهي نوع من الخوف مقرون بإجلال: قال تعالى: ((مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)). ق.
ونهى عن خشية غيره كما ورد سابقا قوله: ((فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا)). 44 المائدة.
ونذكر هذه العابدات كأفعال ثبتت لله ولا تجوز لغيره.

الانابة:
هي الرجوع الى الله والتوبة، ومنها في الربوبية ومنها في الالوهية، وتعني الاقبال على الله والتعلق به بعد الغفلة والتعلق بالخلق، وهي ترك ما سوى الله سواء اتقاد او رجاء او طاعة ويقبل على الله وإخلاص العمل له، وتعني العودة مسرعا لامر ربه كما قال تعالى عن دواد عليه السلام: ( فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ). 24 ص.
كما اشر شعيب عليه السلام ان توكله على الله انابة له في قوله تعالى: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
وقد أشار الله لها في اهل التوحيد وجعلها بعد ترك الطاغوت عودة الى الله
وتفيد ترك عبادة الطاغوت عودة الى الله وذلك في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى). 17 الزمر.
قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ). 54 الرمز. قال ابن كثير: اِرْجِعُوا إِلَى اللَّه وَاسْتَسْلِمُوا لَهُ.
وقوله تعالى: ((مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)). فالانابة من اعمال القلوب والتعلق بالله فمن تعلق قلبه بغير الله يرجوه او يخافه لضرر غيبي او يرجو نفعه او ينكسر امامه تقديسا وتعظيما فهو قد وقع في الشرك حتى يرجع عنه.
ومن العبادات
الاستعانة:
فهي عبادة جليلة تتضمن حصول عدة عقائد في نفس العبد، فالمستعين يرى ان المستعان به قادر على إعانته مالك لذلك مقدرا للامور ولذلك استعان به، وهي لا تكون الا بالله لان غيره لا يملك وليس على كل شيء قدير.
وقد جل الله الاستعانة به من العهد الذي يجدده العبد كل يوم وبصيغة الحصر اياك أي انت وليس غيرك في قوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتح. فمن استعانة بغيره فيما لا يقدر عليه عادة البشر فقد جعله شريكا لله في الإستعانة.
وورد في الحديث المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه: إِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْك لَمْ يَضُرُّوك وَلَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَك لَمْ يَنْفَعُوك جَفَّتْ الصُّحُفُ وَرُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِين وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْر عَلَى مَا تَكْرَه خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا " " قُلْ حَسْبِيَ اللَّه " أَيْ اللَّه كَافٍ " عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ. ذكره ابن كثير وغيره.
والاستعانة بغير الله المحظورة فيما لا يقدر عليه الا الله في تقدير الخير وجلبه له ودفع الضر عنه، اما فيما يقدر عليه الانسان فهي جائزة ومن جهة انه يطلبه ممن يسمعه ومن عادة الخلق فعله من رفع حمل او صدقة.
اما الاستعانة بالاموات والملائكة والقبور ودعاءهم فهي شرك اكبر. ومنها اذا قام الشخص فقال يا فلان أي يستعين به ليقوم او حتى على جلب منفعة غير مباشرة مثل ان ينجح في الامتحان او يشفى من المرض ويحقق حلم ويبلغ مرادا له في نفسه كل ذلك بغير الله شرك اكبر.

والاستغاثة :
وهي عبادة تظهر حاجة العبد لربه وهي نوع من الدعاء وطلب المعونة العاجلة
قال تعالى: (( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ )). الانفال 9.
وأعاب الله على من استغاث بغيره ثم وصف فعله بالشرك في قوله تعالى: ((قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ )). الانعام 64.
وقد اشار تعالى بعبارة الذين ضمير العاقل أي يقصد العقلاء من الملائكة والصالحين والجن الذين يدعوهم المشركون، انهم لا يملكون كشف الضر، وذلك في قوله تعالى: (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)). 56 -57 الاسراء.
وورد قول اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " قُلْ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ " الْآيَة قَالَ كَانَ أَهْل الشِّرْك يَقُولُونَ نَعْبُد الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح وَعُزَيْرًا وَهُمْ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ يَعْنِي فِي الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح وَعُزَيْرًا. نقله ابن كثير وغيره.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" . رواه البخاري
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت: (أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين. فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله .
وقد ورد كلام ابن القيم رحمه الله في افعال الشرك ومنه (( . . وقول الرجل للرجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا . وقد يكون هذا شرك أكبر بحسب حال قائله ومقصده.)).
وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) الاعراف.
وقد ورد ان اصل التماثيل كانت لرجال صالحين فالداعي يريد ذات الرجل الصالح ولا يريد الحجر الذي نحت على صورته. ووصف الله ان المدعوين عباد أمثالكم لذلك الاصل الذي يقصد المشركون الداعون لهم.
كما وجه الخطاب لمن يشرك بقوله تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)). 4 الاحقاف.
ثم حكم عليهم بأبعد الضلال حيث قال تعالىSad(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)). 5 الاحقاف

والاستعاذة:
هي نوع من الدعاء والطلب. وهي الاستجارة وطلب الحماية والوقاية. قال تعالى: (( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) قال ابن كثير: (فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ " يَقُول فَاسْتَجِرْ بِاَللَّهِ مِنْ نَزْغه" إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم).
وقال تعالى: ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)).
قال ابن كثير: أَيْ كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْس لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنْ الْبَرَارِي وَغَيْرهَا كَمَا كَانَتْ عَادَة الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَان مِنْ الْجَانّ أَنْ يُصِيبهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوءهُمْ كَمَا كَانَ أَحَدهمْ يَدْخُل بِلَاد أَعْدَائِهِ فِي جِوَار رَجُل كَبِير وَذِمَامه وَخِفَارَته فَلَمَّا رَأَتْ الْجِنّ أَنَّ الْإِنْس يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفهمْ مِنْهُمْ زَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا حَتَّى بَقُوا أَشَدّ مِنْهُمْ مَخَافَة وَأَكْثَر تَعَوُّذًا بِهِمْ.
واكد جل وعلا انه يكفيك الله ولا حاجة لغيره في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). الانفال.
فمن استعاذ بغير الله لم فهو يرى ان الله ليس كاف وقد أشرك به. والرب يرد على مثل هذا الزعم في قوله تعالى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)). الزمر.

الركوع :
عبادة جعلها الله في كل صلاة وهي انكسار وخضوع للرب جلا وعلا. والامر بذلك في قوله تعالىSadيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ). الحج77. فثبت ان الركوع عبادة امر الله به.
فمن ركع لغير الله فقد صرف له عبادة جليلة واشرك بربه.
السجود:
هو من اجلّ العبادات ولهذا كان اقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد، وقد وصفه الله السجود بالقرب من الله حيث قال تعالى: ( فاسجد واقترب)). العلق.
وقد امر الجميع بذلك في قوله: ((فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)) النجم. أَيْ فَاخْضَعُوا لَهُ وَأَخْلِصُوا وَوَحِّدُوهُ. قول ابن كثير.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . أخرجه الترمذي
وفي المسند عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها; من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه. . الحديث.
والسجود يمكن ان يكون على اليد بوضع الجبين عليها كنوع من التعظيم وهذا سجود لغير الله ايضا. فمن سجد لبشر او قبر فقد اشرك.

الذبح : عبادة ونسك قرنه الله في الامر مع الصلاة للحصر بلام الحصر في قوله تعالى: ( فصل لربك وانحر) الكوثر. أي له وليس لغيره.
كما تصلي لله انحر له، وهو الذبح بقصد التقرب والنسك والتقوى كما قال تعالى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)). الحج.
فالذبح لله تقوى وقربة لله تعالى. فمن ذبح بقصد القربة للأموات او للأحياء بقصد التزلف والنسك فقد اشرك.
كما جمع الله الذبح والصلاة وكل قصد بحياته ان يكون لله بلا شريك، في قوله تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)). الانعام 163 .
وروى الامام مسلم عن علي بن أبي طالب قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض.
وغير الله يشمل كل مخلوق يذبح له اذا كان جنا او قبرا او رجل صالح او نبي فذلك شرك بالله، سواء كان كثير او قليل حتى ان لم يكن ذبحا فما قدم لغير الله بقصد النسك فهو شرك .
ومنه ما رواه احمد عن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخل الجنة رجل في ذباب. ودخل النار رجل في ذباب. قالوا كيف يا رسول الله ؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شئ أقرب. قالوا له: قرب ولو ذباباً. فقرب ذباباً. فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل. فضربوا عنقه، فدخل الجنة.
وحماية لتوحيد الله منع النبي صلى الله عليه وسلم حتى العبادة المشروعة سواء ذبح او صلاة في مكان فيه شبهة بانه سبق ان يقدم فيه آخرين شيء لغير الله. وصح انه منع من الصلاة في المقابر خشية الاشتباه بعبادتها، ومنع الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله كما ورد في الحديث الذي رواه ابي داود وعلى شرط الشيخان عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم. قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم.
واما الذبيحة فلا يحل لحمها لانها فسق وتدخل في حكم ما ذبح على النصب.
النذر: هو الإيجاب, أي الإلزام ، بمعنى يلزم نفسه شيئا يفعله لله تعالى. سواء ربطه بشفاء او قضاء حاجة او من غير ذلك. قال تعالى : (( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الحج )). 29 وقال تعالى: (( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)). الانسان.
فهو مشروع ويفرضه العبد على نفسه وعليه ان يوفي به، لكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه. بمعنى انه لا يغير شيء فالقدر هو القدر وعطاء الله ليس مقرونا به .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل. متفق عليه.
فاذا نذر اصبح شعيرة تعبدية مثل من حلف على شيء وجب ان يبر قسمه والوفاء بالنذر عبادة لله تعالى، اما اذا نذر لغير الله فقد جعله شريكا لله في هذه الطاعة وهي قربة ونسك وإجلال لمن نذر اليه. ولا يصح ذلك لغير الله.
وهذا ما كان يفعله المشركون فينذرون لله ولشركائهم وقد قال تعالى: ((وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا . . الاية)). الانعام 136.
ومن النذر الشائع بين الناس هو تقديم القرابين للقبور والذبح عليها وهو يتضمن الذبح والنذر لغير الله. وروى الامام مسلم عن علي بن أبي طالب قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض.
ولا فرق بين ان يكون النذر ذبحا او غيره فكل ما هو يقدم لغير الله فهو شرك. كما سبق ذكره من الرجل الذي دخل النار في ذباب قدمه لغير الله تعالى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما ما نذر لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك، فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات. والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوقات. فإن كلاهما شرك. والشرك ليس له حرمة. بمعنى لا يجب الوفاء به لمن نذر، ولكنه يتوب ويؤمن بعدم مشروعيته.
وذكر ايضا في الفتاوى: ج 33 ص 123: وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْحَلِفِ بِهَا، فَمَنْ نَذَرَ لِمَخْلُوقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَا وَفَاءَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ: مِثْلَ مَنْ يُنْذِرُ لِمَيِّتِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَنْ يُنْذِرُ لِلشَّيْخِ جاكير، وَأَبِي الْوَفَاءِ، أَوْ الْمُنْتَظِرِ، أَوْ السِّتِّ نَفِيسَةَ، أَوْ لِلشَّيْخِ رَسْلَانَ، أَوْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ: زَيْتًا أَوْ شَمْعًا أَوْ سُتُورًا أَوْ نَقْدًا: ذَهَبًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِك: فَكُلُّ هَذِهِ النُّذُورِ مُحَرَّمَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجِبُ؛ بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا يُوفِي بِالنَّذْرِ إذَا كَانَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكَانَ طَاعَةً؛ فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ عِبَادَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إلَّا بِمَا شَرَعَ. فَمَنْ نَذَرَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ أَعْظَمُ مِنْ شِرْكِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ كَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ . وَلَوْ نَذَرَ مَا لَيْسَ عِبَادَةً - كَمَا لَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ صَوْمَ أَيَّامِ الْحَيْضِ - لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ.
ولسد الابواب على الشرك جاء النهي حتى عن المكان الذي كان فيه نوع من الشرك سواء سجود او ذبح لغير الله او تقديس كما ورد في الحديث السابق: فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ الحديث.
وعلى من نذر لغير الله ان يتوب ولا وفاء في المعصية كما صح في السنن: (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) كما ورد في صحيح البخاري (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينٍ). هذا للنذر لله اما النذر لغير الله فهو شرك ويتطلب التوبة منه أي الإقرار بأنه شرك ثم يقلع عنه.

والحلف:
هو عبادة وتعرف بالأيمان، وقد نبه الله لحفظها والوفاء بها حيث قال تعالى: ((لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )). المائدة 89 .
والحالف بالله جعل الله وكيلا بينه وبين من يحلف له وكأنه يقول ان لم اكن صادقا علي عقوبة من الله. لهذا دفع للتصديق بعهد الله. ومن حلف بغير الله انزل ذلك العهد بغير الله وجعله كفيلا، أي كان كاذبا فذلك المحلوف به يضره. ومن حلف بالله جعل الله بينه وبين الاخر ليصدقه، وهذا ما اشار الله له في قوله: (( وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا)). النحل.
لهذا من حلف بغير الله فقد جعل المحلوف به غير الله كفيلا ووكيلا لخصمه وهذا شرك بالله.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك. رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم.
وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً.
بمعنى: ان ذنب الحلف بغير الله اكبر من ذنب الحلف كاذبا بالله. لان الحلف بغير الله شرك.
وروى ابن ماجة بسند حسن: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحلفوا بآبائكم. من حلف بالله فليصدق. ومن حلف له بالله فليرض. ومن لم يرض فليس من الله.
تلك مجموعة من العبادات من صرف منها واحدة لغير الله فقد اشرك وليجدد ايمانه. والاخلاص فيها مما اراده الله من الاسلام وحقيقته الحنيفية.
وهناك افعال اخرى توقع في الشرك بالله او الكفر وتنقض الاسلام او تجرح فيه ومنها التالي:


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 12:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:33 pm

التشريع في الدين:
التشريع هو حق الله صاحب الشرع والرسالة، وذلك في كل الرسالات جعل لهم شرعتهم الخاصة بعهدهم. حيث قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) المائدة 48.
وأعاب على المشركين تلقيهم دين من مشرعين لم ياذن الله به كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )). الشورى 21.
قال ابن كثير: أَيْ هُمْ لَا يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ اللَّه لَك مِنْ الدِّين الْقَوِيم بَلْ يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ لَهُمْ شَيَاطِينهمْ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس مِنْ تَحْرِيم مَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَامِ وَتَحْلِيل أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم وَالْقِمَار إِلَى نَحْو ذَلِكَ مِنْ الضَّلَالَات وَالْجَهَالَة الْبَاطِلَة الَّتِي كَانُوا قَدْ اِخْتَرَعُوهَا فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وَالْعِبَادَات الْبَاطِلَة وَالْأَمْوَال الْفَاسِدَة.
كما بين تعالى ان اهل الكتاب جعلوا علماءهم شركاء في التشريع حيث قال تعالى: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)). التوبة 31.
وفي حديث طويل منه : . . فَتَقَدَّمَ عَدِيّ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمه طَيْئ وَأَبُوهُ حَاتِم الطَّائِيّ الْمَشْهُور بِالْكَرْمِ فَتَحَدَّثَ النَّاس بِقُدُومِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَفِي عُنُق عَدِيّ صَلِيب مِنْ فِضَّة وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " قَالَ: فَقُلْت إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَقَالَ " بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال وَأَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ " وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عَدِيّ مَا تَقُول ؟ أَيَضُرُّك أَنْ يُقَال اللَّه أَكْبَر ؟ فَهَلْ تَعْلَم شَيْئًا أَكْبَر مِنْ اللَّه؟ مَا يَضُرّك أَيَضُرُّك أَنْ يُقَال لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَهَلْ تَعْلَم إِلَهًا غَيْر اللَّه ؟ ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَة الْحَقّ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْت وَجْهه اِسْتَبْشَرَ ثُمَّ قَالَ " إِنَّ الْيَهُود مَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ " وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا فِي تَفْسِير " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " إنَّهُمْ اِتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا وَقَالَ السُّدِّيّ اِسْتَنْصَحُوا الرِّجَال وَنَبَذُوا كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا " أَيْ الَّذِي إِذَا حَرَّمَ الشَّيْء فَهُوَ الْحَرَام وَمَا حَلَّلَهُ فَهُوَ الْحَلَال وَمَا شَرَعَهُ اُتُّبِعَ وَمَا حَكَمَ بِهِ نَفَذَ " لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا رَبّ سِوَاهُ . رَوَاه الْإِمَام أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جَرِير وابن كثير.
فمن اطاع عالما او شيخا في امر ديني وليس فيه دليل من الشرع فقد جعله مشرعا. وهذا يفيد ضرورة ان يتلقى الشرع من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لان الله قال عنه: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ). الاعراف 157.
ومن القول المشهور لابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
اما المشرِّع من الناس في دين الله يحل ويحَرّم بهواه فقد جعل نفسه لله ندا وشريكا في التشريع حتى يتوب ويرجع عن ذلك.
ومن ذلك في مجتمعاتنا من يشرّع اذكار وأوراد او عبادات او أي تصرّف يقصد به العبادة فقد شرع لهم من الدين ما لم ياذن به الله، فالفعل بدعة او يدخل في الشرك حسب نوعه. فالمشرع جعل نفسه لله ندا في التشريع ومن تبعه على ضلال.

محبة التقديس للخلق من الشرك:
ان المحبة منها ما هو عبادة وطاعة ومنها ما هو عادة او فطرة في النفس لكنها في حدود الشرع.
والمحبة التي هي من العبادة هي محبة الله ورسوله ودينه وما تقدم سابقا، ومحبة الله محبة مقدسة محبة من يرجوه ويخافه، سيده وخالقه الذي بيده نفسه وكل شيء، محبة من هو فقير اليه ولاغنا عنه وهو مستحق لهذا الحب.
قال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب)) البقرة 165 .
وقد ورد سابقا لابن كثير: (( يذكر الله حال المشركين به فى الدنيا ومآلهم فى الدار الآخرة ، حيث جعلوا لله أنداداً، أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ند له)).
ولابن جرير: ((وتجعلون له أنداداً. أي وتجعلون لمن خلق ذلك أنداداً وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله)).
ومنها التالي:
تعظيم الخلق والغلو:
والغلو هو المبالغة وتجاوز الحد، أي الرفع فوق المنزلة التي تليق به خاصة من تجاوز كل حدود البشر والخلق وأعطى مخلوقا صفة من صفات الخالق فهو الذي يصل الى الشرك كما فعل اهل الكتاب حيث قدسوا رسلهم والعلماء من أتباعهم وعبدوهم، فاعطوهم صفات الله ودعوهم وظنوا انهم يصرفوا عنهم الضر.
قال تعالى: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ)) النساء 171 .
قال ابن جرير الطبري: لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول: لَا تُجَاوِزُوا الْحَقّ فِي دِينكُمْ فَتُفَرِّطُوا فِيهِ, وَلَا تَقُولُوا فِي عِيسَى غَيْر الْحَقّ, فَإِنَّ قِيلكُمْ فِي عِيسَى إِنَّهُ اِبْن اللَّه قَوْل مِنْكُمْ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ, لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا, فَيَكُون عِيسَى أَوْ غَيْره مِنْ خَلْقه لَهُ اِبْنًا. { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَأَصْل الْغُلُوّ فِي كُلّ شَيْء: مُجَاوَزَة حَدّه الَّذِي هُوَ حَدّه, يُقَال مِنْهُ فِي الدِّين قَدْ غَلَا فَهُوَ يَغْلُو غُلُوًّا, وَغَلَا بِالْجَارِيَةِ عَظْمهَا وَلَحْمهَا: إِذَا أَسْرَعَتْ الشَّبَاب, فَجَاوَزَتْ لِدَاتِهَا, يَغْلُو بِهَا غُلُوًّا وَغَلَاء; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الْحَارِث بْن خَالِد الْمَخْزُومِيّ: خَمْصَانَة قَلِق مُوَشَّحهَا رُؤْد الشَّبَاب غَلَا بِهَا عَظْم 8531.
وقال ابن كثير: يَنْهَى تَعَالَى أَهْل الْكِتَاب عَنْ الْغُلُوّ وَالْإِطْرَاء وَهَذَا كَثِير فِي النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا الْحَدّ فِي عِيسَى حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْق الْمَنْزِلَة الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهَا فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّز النُّبُوَّة إِلَى أَنْ اِتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُون اللَّه يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ. بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعه وَأَشْيَاعه مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينه فَادَّعَوْا فِيهِمْ الْعِصْمَة وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلّ مَا قَالُوهُ سَوَاء كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " الْآيَة. وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا هُشَيْم قَالَ زَعَمَ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنَا عَبْد فَقُولُوا عَبْد اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ كَذَلِكَ وَلَفْظه " إِنَّمَا أَنَا عَبْد فَقُولُوا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ هَذَا حَدِيث صَحِيح مُسْنَد وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ الْحُمَيْدِيّ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ بِهِ وَلَفْظه " فَإِنَّمَا أَنَا عَبْد فَقُولُوا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا حَسَن بْن مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا مُحَمَّد يَا سَيِّدنَا وَابْن سَيِّدنَا وَخَيْرنَا وَابْن خَيْرنَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنكُمْ الشَّيْطَان أَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَاَللَّه مَا أُحِبّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْق مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا مُسْلِم هُوَ اِبْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَب حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي قَوْله " اللَّات وَالْعُزَّى " قَالَ كَانَ اللَّاتّ رَجُلًا يَلُتّ السَّوِيقَ سَوِيقَ الْحَاجّ.
أي يصنع نوع من الخبز الذي يقدمه للحجاج، ومن ذلك التجاوز رفع العلماء والمشايخ والصالحين فوق الاحتراق والتقدير الى درجة التقديس او اعتقاد النفع والضر فيهم، او الركوع لهم او وضع الانف على أيديهم في تقبيل وسجود عليها معا. او دعائهم واعتقاد انهم يعلمون الغيب ويدركون مراد الزائر قبل ان يتحدث.
ويتبع ذلك امرا يظن البعض انها مجرد شعار او حدث لا علاقة له بالدين او العقيدة لكنه من صميمها بل يفسدها وهو لا يدري انه من جهة اخرى تجاوز الحد واعتدى على حق ربه من التنزيه والتوحيد. وهو التالي:

التبرك بالخلق واعتقاد البركة منهم شرك.
ومن ذلك ما حدث بجهل الحكم لأناس جدد في الاسلام كما روى الترمذي وصححه: عن أبي واقد ألليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة ، فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من كان قبلكم.
فهم لم يفطنوا أولا لان ذلك مخالف للعقيدة لكنهم لم يفعلوا لان الموجه بالتوحيد علّمهم فاستجابوا.
لذا كانت الحنيفية هي الحذر الشديد من الشرك، والميل عن كل ما هو يقدح في التوحيد، يترقب بحذر كل كلمة وكل تصرف ان لا يكون مفسدا لدينه وتوحيده لربه ولا يشرك به.
ولا مانع من احترام العلماء والصالحين، لكن بلا تجاوز لحدود الاحترام، والعلماء في الدين هم من يفقهون في كتاب الله وسنة رسوله. واما الصالحين يؤمن بوجودهم بين المسلمين ويرجو ان يكون منهم لكنها صفة لاهل التقوى ولا تعني انهم فلان وفلان، فمن نظن فيه التقوى لا نجزم بحدوثها له ولا ننفيها عنه لانها من اعمال القلوب ولا يدري مخلوق ان هذه الاعمال قبلت ام لا وهل هو اخلص فيها ام لا، وهنا لا يعني انه ليس بصالح ولا يعني المراد تجريده ولا لامر يخصه وانما الامر حذرا من الله وتقديره حق قدره لانه وحده العليم بذات الصدور فمن زكى احد وجزم بصلاحه فهو فكانما يقول انا اعلم سر هذا العبد وما في قبله.
فلا يصح الجزم بالصلاح او الجنة او النار لعبد الا الذين اخبر عنهم القرءان او رسوله مما يعرّف بالوحي.
قال تعالى: ((فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) النجم 32.
قال ابن كثير : فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ" أَيْ تَمْدَحُوهَا وَتَشْكُرُوهَا وَتَمُنُّوا بِأَعْمَالِكُمْ " هُوَ أَعْلَم بِمَنْ اِتَّقَى " كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسهمْ بَلْ اللَّه يُزَكِّي مَنْ يَشَاء وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ". وَقَالَ مُسْلِم فِي صَحِيحه حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِد حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَطَاء قَالَ سَمَّيْت اِبْنَتِي بَرَّةَ فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْت أَبِي سَلَمَة إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْم وَسُمِّيتُ بَرَّةَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ " فَقَالُوا بِمَ نُسَمِّيهَا ؟ قَالَ " سَمُّوهَا زَيْنَب " وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا وُهَيْب حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه " وَيْلَك قَطَعْت عُنُقَ صَاحِبِك - مِرَارًا - إِذَا كَانَ أَحَدكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِب فُلَانًا وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا أَحْسِبهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَم ذَلِكَ " ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ خَالِد الْحَذَّاء بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ مِنْ طُرُق عَنْ خَالِد الْحَذَّاء بِهِ .
وروى الامام احمد: حدثنا ‏ ‏أبو كامل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن شهاب‏ ‏ويعقوب‏ ‏حدثنا‏ ‏أبي‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏عن‏ ‏خارجة بن زيد بن ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أم العلاء الأنصارية ‏وهي امرأة من نسائهم ‏قال‏ ‏يعقوب‏ ‏أخبرته
أنها بايعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال‏ ‏عثمان بن مظعون ‏في السكنى ‏ ‏قال ‏‏يعقوب‏ ‏طار لهم في السكنى حين اقترعت ‏ ‏الأنصار ‏على سكنى ‏ ‏المهاجرين ‏قالت‏ ‏أم العلاء ‏ ‏فاشتكى ‏ ‏عثمان بن مظعون ‏عندنا فمرضناه حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت رحمة الله عليك يا ‏ ‏أبا السائب ‏ ‏شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏وما يدريك أن الله أكرمه قالت فقلت لا أدري بأبي أنت وأمي فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو الخير له والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي. ‏ ‏قال ‏ ‏يعقوب ‏‏به ‏ ‏قالت والله لا ‏ ‏أزكي أحدا بعده أبدا فأحزنني ذلك فنمت فأريت ‏ ‏لعثمان ‏عينا ‏‏تجري فجئت رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأخبرته ذلك فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذاك عمله.
والشاهد منه النهي عن التزكية بالجزم حتى لصحابي جليل، فغيرهم من باب أولى لا نجزم له بتزكية.
واما عن مغالطة البعض باولياء الله الصالحين، نقول بان الولاية والصلاح طالب الله به كل المسلمين، وان الصالحين منهم وهم المتقون لهم فضل وربما يكرم الله بعضهم بالكرامة الخاصة غير الكرامة العامة للمسلمين وبني ادم. لكن لم يربطها الله بنسب ولا ميراث، بل وعرّف الله الاولياء بالذين امنوا وكانوا يتقون. في قوله تعالى: ((أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)).62 - 63 يونس.
فالمؤمنون المتقون المدافعون عن دين الله فهم أولياء الله، تولوا الله ودافعوا عن تعظيمه فتولاهم، الذين يرى عليهم اثر التدين والورع، فالمطلوب من الجميع ان يكونوا من أولياء الله، وهذا ليس نفيا للولاية، ولكن حرصا عليها والمطلوب من الجميع ان يكون منهم، وليس بالتصفيق والتعظيم لبعضهم وهم معرضون.
قال ابن كثير: يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم فكل من كان تقيا كان لله وليا ف " لا خوف عليهم " أي فيما يستقبلونه من أهوال الآخرة " ولا هم يحزنون " على ما وراءهم في الدنيا وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار حدثنا علي بن حرب الرازي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري وهو القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رجل يا رسول الله من أولياء الله ؟ قال " الذين إذا رءوا ذكر الله " ثم قال البزار وقد روي عن سعيد مرسلا وقال ابن جرير حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا أبو فضيل حدثنا أبي عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير البجلي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء " قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم ؟ قال " هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اما الكرامة هي منة ومنحة من الله على عبده، ولا يدري العبد متى تاتي وهي من فعل الله وليس للصالح التقي فيها تصرف ولا يتصرف في الاخرين ليعطيهم او يحرمهم.
مثال ان يكون في ظلمة فيجعل الله له نورا او يفرج عنه محنة، فليست قدرة ذاتية يستخدمها العبد متى شاء او يستعرض بها ويباهي ويتحدى انا افعل بكم كذا او يجعل الانسان حجرا كما يظن البعض، ومنها الاكرام بالمخرج من الازمة او الرزق من حيث لا يحتسب وغير تقديره، مثال قوله تعالى: (مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). 2-3 الطلاق.
فهي ليس صلاحيات وقدرات يتباها بها بعض المشايخ ويستعرض بها، فالولي الحقيقي هو الموحد الذي ينزه ربه وليس من يدعي صفات ربه ويزعم انه يجيب المضطر اذا دعاه وليس من يقول لاتباعه: نادني آتيك بسرعة. الولي هو المتذلل المتواضع لله. وأيا كان فلا تصح له العبادة ولا التعظيم والغلو.
وضمن الغلو هناك معتقدات خاطئة تقدح وتنافي توحيد الربوبية والذي ذكرنا سابقا تعريفه موجزا لكنه يحتاج الى حديث اكثر لبيان أمثلته ونردّ على موجات الإلحاد التي تشكك الناس وتورد شبهات لا تصمد أمام الآيات الكونية والقرآنية اذا تفكرنا فيها بطريقة مدروسة.
ولله صفات الكمال لا يشاركه فيها نديد ولا نظير قال تعالى (( فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )). مريم 65.
قال ابن كثير : هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس هَلْ تَعْلَم لِلرَّبِّ مَثَلًا أَوْ شَبِيهًا.
ومن تلك الأسماء الحسنى: النافع والضار:
هو الذي يقدر على النفع ولا احد من الخلق ينفع او يمنع النفع عن غيره. وقد ورد حديث ابن عباس ومنه: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْك لَمْ يَضُرُّوك وَلَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَك لَمْ يَنْفَعُوك جَفَّتْ الصُّحُفُ وَرُفِعَتْ الْأَقْلَامُ.
وهناك نفع محدود مثل تقاسم نفقته وفي قدرات الانسان الطبيعية للبشر، ولكن تقدير الامور والأرزاق او الذرية او الشفاء وإيجاد ما ليس موجود ذلك من الله وحده ولا مخلوق يقدر عليها لنفسه او لغيره نفعا ولا ضرا، وحتى ما في يده مما حصل عليه لا يكون الا بإعانة الله له عليه.
واول الصالحين والمؤمنين هو الرسول صلى الله عليه وسلم الأتقى والأقرب الى الله لكن جرده ربه من النفع والضر حتى لنفسه قال تعالى: ((قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)). الاعراف 188.
وقال تعالى: ((قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)). الرعد 16.
قال ابن كثير: يُقَرِّر تَعَالَى أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لِأَنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ رَبّهَا وَمُدَبِّرهَا وَهُمْ مَعَ هَذَا قَدْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء يَعْبُدُونَهُمْ وَأُولَئِكَ الْآلِهَة لَا تَمْلِك لِأَنْفُسِهَا وَلَا لِعَابِدِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا أَيْ لَا تُحَصِّل لَهُمْ مَنْفَعَة وَلَا تَدْفَع عَنْهُمْ مَضَرَّة فَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ عَبَدَ هَذِهِ الْآلِهَة مَعَ اللَّه وَمَنْ عَبَدَ اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه ؟ وَلِهَذَا قَالَ " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات وَالنُّور أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ " أَيْ أَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَ اللَّه آلِهَة تُنَاظِر الرَّبّ وَتُمَاثِلهُ فِي الْخَلْق فَخَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْرُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة مِنْ مَخْلُوق غَيْره أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشَابِههُ شَيْء وَلَا يُمَاثِلهُ وَلَا نِدّ لَهُ وَلَا عِدْل لَهُ وَلَا وَزِير لَهُ وَلَا وَلَد وَلَا صَاحِبَة " تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا " وَإِنَّمَا عَبَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُ آلِهَة هُمْ مُعْتَرِفُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة لَهُ عَبِيد لَهُ.
وقال تعالى: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)).3 الفرقان.
ومن تلك الآلهة المتخذة أسماء لرجال صالحين وبعضهم عبد الملائكة او الجن واما اهل الصلاح لم يامروا بذلك لكن المشركون يتحملون وزرهم كما برأ الله عيسى والملائكة في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ). 101-102 سورة الأنبياء. أي بعيدون عن النار.
وقد ذكر ابن كثير: ُخْبِر تَعَالَى عَنْ جَهْل الْمُشْرِكِينَ فِي اِتِّخَاذهمْ آلِهَة مِنْ دُون اللَّه الْخَالِق لِكُلِّ شَيْء الْمَالِك لِأَزِمَّةِ الْأُمُور الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَمَعَ هَذَا عَبَدُوا مَعَهُ مِنْ الْأَصْنَام مَا لَمْ يَقْدِر عَلَى خَلْق جَنَاح بَعُوضَة بَلْ هُمْ مَخْلُوقُونَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَكَيْف يَمْلِكُونَ لِعَابِدِيهِمْ ؟ " وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا " أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء بَلْ ذَلِكَ كُلّه مَرْجِعه إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت وَهُوَ الَّذِي يُعِيد الْخَلَائِق يَوْم الْقِيَامَة أَوَّلهمْ وَآخِرهمْ " مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة " كَقَوْلِهِ " وَمَا أَمْرنَا إِلَّا وَاحِدَة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ " وَقَوْله " فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ " " فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ - إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ " فَهُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيْره وَلَا رَبّ سِوَاهُ وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا عَدِيل وَلَا بَدِيل وَلَا وَزِير وَلَا نَظِير بَلْ هُوَ الْأَحَد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد .
وبعدما ذكر الله حال اهل الكتاب وعبادتهم لعسي عليه السلام وامه ذكر بعدها مباشرة: ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيم) 76 المائد.
أي عيسى عليه السلام وامه لا يملكون لكم ضرار ولا نفعا فهو عبد لله مثلكم، وكانت الايات قبلها قوله: ( وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) المائدة. 72 المائد.
فلم يقل انه اله او ابنه او ثالث ثلاثة، والسياق من اوله ليؤكد تعالى ان كل الخلق بما فيهم الرسل لا يملكون نفعا ولا ضرا حتى لانفسهم ولا يخلقون شيئا، فمن اعتقد ذلك في رجل صالح او جن او ملك فقد اشرك بالله حتى يرجع عن ذلك أي يصحح اعتقاده ويعتقد النفع والضر في الله وحده.
الا ان في مجتمعات المسلمين من يعتقدون ان الرجل الصالح يخلق ويرزق، بل في مناظرة عامة ذكر احد دعاة الضلال حيث قال: الولي يخلق الجنين ويخلق امه ذاتها.
وذلك مكابرة وصد عن سبيل الله، حتى يهتدي ويصلح ما افسد من عقائد الناس، وذلك ما اشرنا له سابقا في تفسير الاية قول زعماء الضلال: (اذا تامروننا ان نكفر بالله ونجعل له اندادا).
وقد اشرنا سابقا للحديث عن شيء من توحيد الروبية وهو ما يتعلق بعقيدة العبد في ربه وصفاته وان لا يجعل لله شريكا في صفات ربه، ومن تلك الصفات والأسماء التي لا تعتقد في غير الله، ويجب ان تكون لله وحده وبذلك يتحقق توحيد الربوبية.
صفات: المحي والمميت.
وقال تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)). الروم 40.
رغم وضوح ذلك الا ان هناك من يرى ان الولي الصالح يحي الميت او يميت الحي ظنا انها كرامة لكنها جهالة بدين الله.
قال ابن كير: " هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ " أَيْ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه " مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء " أَيْ لَا يَقْدِر أَحَد مِنْهُمْ عَلَى فِعْل شَيْء مِنْ ذَلِكَ بَلْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الْمُسْتَقِلّ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْق وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة ثُمَّ يَبْعَث الْخَلَائِق يَوْم الْقِيَامَة وَلِهَذَا قَالَ بَعْد هَذَا كُلّه " سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أَيْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ وَجَلَّ وَعَزَّ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك أَوْ نَظِير أَوْ مُسَاوٍ أَوْ وَلَد أَوْ وَالِد بَلْ هُوَ الْأَحَد الْفَرْد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد.
فمن زعم ان الولي او الشيخ يحيي الميت فقد جعله شريكا لله في هذه الصفة. وهو يصبح مشركا حتى يتوب ويرجع عن شركه.
ومن صفات الله:
عالم الغيب:
قال تعالى: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) الانعام. 59 .
وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)). آل عمران 179.
كما فصل اكثر لينفي عن من في السموات وهم الملائكة وعن من في الارض وهم الانس والجن صالحهم وطالحهم نفى عنهم علم الغيب حيث قال تعالى: ((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)). النمل 65.
وقال ابن كثير: ( وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْجَعْد حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَم - يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَكُون فِي غَد فَقَدْ أَعْظَم عَلَى اللَّه الْفِرْيَة لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول " قُلْ لَا يَعْلَم مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا اللَّه " وَقَالَ قَتَادَة إِنَّمَا جَعَلَ اللَّه هَذِهِ النُّجُوم لِثَلَاثِ خِصَال جَعَلَهَا زِينَة لِلسَّمَاءِ وَجَعَلَهَا يُهْتَدَى بِهَا وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ فَمَنْ تَعَاطَى فِيهَا غَيْر ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِرَأْيِهِ وَأَخْطَأَ حَظّه وَأَضَاعَ نَصِيبه وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ وَإِنَّ أُنَاسًا جَهَلَة بِأَمْرِ اللَّه قَدْ أَحْدَثُوا مِنْ هَذِهِ النُّجُوم كَهَانَة مَنْ أَعْرَسَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَمَنْ سَافَرَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَمَنْ وُلِدَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَعَمْرِي مَا مِنْ نَجْم إِلَّا يُولَد بِهِ الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد وَالْقَصِير وَالطَّوِيل وَالْحَسَن وَالدَّمِيم وَمَا عَلِمَ هَذَا النَّجْم وَهَذِهِ الدَّابَّة وَهَذَا الطَّيْر بِشَيْءٍ مِنْ الْغَيْب وَقَضَى اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ " لَا يَعْلَم مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا اللَّه وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ "
رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ كَلَام جَلِيل مَتِين صَحِيح). انتهى.
كما امر رسوله صلى الله عليه وسلم امام المتقين والصالحين امره ان يبين لهم انه رسول الله لا يعلم الغيب فقط ياتيه وحي خيبره بشي كالانبياء والمرسلين، ليس لهم قدرة ذاتية دائمة، واذا قيل وحي فهذا معلوم عن الانبياء، ثم نفى عنه قدرته على علم الغيب حيث قال تعالى: ((قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ)) الانعام 50.
وحكا عن جميع الرسل في قوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)) المائدة 109.
وبيان خاص عن الملائكة انها لا تعلم الغيب بعد ان سالهم: ( فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). قال تعالى عن ردهم: ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة 31- 32.
كما نفى عن الجن علم الغيب حيث مكثوا زمنا طويلا يعملون بتعب وعذاب في عقوبة عليهم من نبي الله سلميان، ثم مات وهو جالس على كرسيه وهو يظنون انه حي لفترة طويلة حتى أكلت السوس عصاه وخر، عند ذلك علمت الجن انها لا تعلم وفاته منذ فترة طويلة ولو كانت تعلم الغيب لما ظلت معذبة كذلك حيث قال تعالى: ((فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)). النمل 14.

الكهانة والدجل وقراءة الكف:
ومن جنس المعتقدات في غير الله انه يعلم الغيب، صور وصيغ كثير للجهلاء والدجالين الذين يخادعونهم. ومنها:
قراءة الكف والفنجان ومن يدعون انهم يعلمون مكان المسروق او الشيء الضائع او يخبرك بما يحدث فيما بعد من باب الكهانة، ومن يعرف بالشيوخ الذين يقرءون كتابا لهم يزعمون انه يخبر بما يحدث، كل ذلك ادعاء شيء من علم الغيب وهو شرك بالله في صفته عالم الغيب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في أحاديث واضحة منها: ما رواه مسلم: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً .
وحديث: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد بريء مما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ، ومن أتاه غير مصدق له؛ لم يقبل له صلاة أربعين ليلة.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" قال : حدثنا محمد بن الحسن : حدثنا محمد بن [أبي] السري: حدثنا رشدين بن سعد عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس مرفوعا.
وهذا في شأن من سال فقط دون ان يصدقه مثل الذي يجرب او يريد المزح
او حب استطلاع، لان مجيئه اقر الظاهرة وروج لها، ولم ينكرها وشجع عليها فكانت من العقوبة حرمانه من ثواب الصلوات اربعين يوما، واما من يصدق الدجال بما يخبر فحكمه اكبر من ذلك وهو الكفر الاكبر لانه ظن علم الغيب في غير الله.
والعرّاف هو: من ينبئ بمكان المسروق او المختبئ من الأشياء والناس. والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب او بطريقة اخرى يزعم انه يعلم ما سيقع من احداث قادمة.
ومن صدقهم فحكم ذلك كفر، كما صح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه البزار بإسناد جيد قوي وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و صححه الألباني في صحيح الترغيب ورواه ابن ماجه و الحاكم و قال صحيح على شرطهما. وبصيغة اخرى براءة الاسلام منه حسب ما رواه عروة بن معين مرفوعا : ليس منا من تطير أو تطيرّ له او تكهن او تكهن له
او سحر او سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء فى صحيح البخاري أن جارية مدحت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: وفينا نبي يعلم ما في غد فنهاها عن ذلك وقال لها لا تقولي هذا فانه لا يعلم الغيب إلا الله: وجاء عن عائشة أنها قالت: من حدثك بان محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية.
فاذا كان نبي الامة ينفي انه يعلم الغيب فعلى من يزعم ان شيخه او أي ولي يراه انه يعلم الغيب او يخبر بما يحدث لهم غدا فعليه ان يعلم ذلك كهانة مخالفة للدين وعليه ان ياخذ دينه بالادلة وليس بالأحاجي والمنامات.

ويتبع ذلك التنجيم:
وهو زعم ان تحركات النجوم تغير او تؤثر في حياة الناس، وان من يقرؤونها ويتعلمونها يزعمون انهم يعلمون منها حدوث اشياء في حياة الناس وينبئون الناس بانه سيكون لكم كذا وكذا فهذا كله من الكهانة.
وعن أبي عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس شعبة من
النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد. رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه أحمد وابن ماجه وصححه النووي والذهبي.
ومن الكهانة ما يعرف عند البعض بالودع او الرمّال، او قراءة الفنجان او فتح الكتاب الذي يزعم صاحبه اذا وضع الشخص اصبعه وهو مغمض العينين ان بها يوجد مكتوب نصيبه او ما حدث او يحدث له، وهذا دجل وادعاء لعلم الغيب ولا يوجد بالحقيقة كتاب شرعي بل هو كتاب من الدجالين تكتب به مواضيع من علم النفس تناسب اكبر عدد من الناس مثل الابراج التي تكتب بالصحف اليومية وهي ايضا زعما للغيب وتصديقها كفر، ولا يصح حتى المزاح بها.
ونواصل في توحيد الربوبية والاسماء والصفات التي لا يمكن اعتقادها في غير الله، وما يناقضها مما يفعل الناس، ومما يتبع ذلك وتلحق بصفات النافع والضار، هي الشفاء والعافية من الله وحده ولا يقدر عليها غيره، فالله وحده هو الشافي، كما ورد في حديث ابن عباس وفيه عدة مسائل منها انه لا يرفع الضر الا الله، وجاء فيه: عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مَرْفُوعًا " اِحْفَظْ اللَّه يَحْفَظْك اِحْفَظْ اللَّه تَجِدْهُ تُجَاهَك تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْك فِي الشِّدَّةِ إِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْك لَمْ يَضُرُّوك وَلَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَك لَمْ يَنْفَعُوك جَفَّتْ الصُّحُفُ وَرُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِين وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْر عَلَى مَا تَكْرَه خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا " قُلْ حَسْبِيَ اللَّه " أَيْ اللَّه كَافٍ " عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ. ). ذكره ابن كثير في التفسير. فنسب حصول الشفاء الى الله تعالى.
وعبر عن ذلك نبي الله ابراهيم في الاية: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).
فكل خير هو من نعم الله علينا، حتى اذا فعل العبد سببا فانه من قدر الله ليحقق له به ذلك، كالزواج سببا في انجاب الابناء لكنه لم يكن العبد خالق لهم او رازق ولم يقدر لهم العمر ولا العافية.
فيجب اعتقاد ان الله هو الفاعل والمقدر لكل شيء وان الاسباب ليست هي التي أحدثت النتيجة وانما قدر من سنته الكونية ان نفعله ليقدر الله كرمه علينا. ويشمل ذلك الدواء والزراعة او الرقية فانها سبب دلنا الله عليه وهو الذي يقدر الشفاء.
وقد اشار تعالى لما نفعله من زراعة وهي في الحقيقة عملية الحرث أي غرس البذور، لكن من أنبتها هو الله حيث قال تعالى: (( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)). 63- 64 الواقعة.
وقوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)). 17 الانفال.
فعل ما يمكن العبد فعله فهو من فعل الله المسخر له، قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)). 96 الصافات.
فافعال العباد مخلوق كما هو مذهب اهل السنة.
فعلى العبد ان يردّ كل خير ونعمة الى الله الذي يسر لها الاسباب ثم قدر حدوث النعمة.
ولا ننسب لغير الله تقدير خير ولا شر, كما هو واضح في نص الحديث: وَلَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَك لَمْ يَنْفَعُوك جَفَّتْ الصُّحُفُ وَرُفِعَتْ الْأَقْلَامُ.
فالشافي هو الله وغيره لا يزيل ضرا وينزل نفعا: كما اكد تعالى: (( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)). 38 الزمر.


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 12:48 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:37 pm

ومن صفاته تعالى:
الخالق: واعتقادها في غير الله شرك
ولكن البعض رغم يقينه ان الله هو الخالق الا انه يظن ان بعض البشر من الصالحين يخلق اذا شاء، وهذا شرك بالله في صفاته وقد نسب الله خلق كل شيء له وحده إذ قال: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل). الزمرٌ62.
وقوله: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ)) فاطر 3.
((قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)). الرعد 16.
قال ابن كثير ((أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ " أَيْ أَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَ اللَّه آلِهَة تُنَاظِر الرَّبّ وَتُمَاثِلهُ فِي الْخَلْق فَخَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْق عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْرُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة مِنْ مَخْلُوق غَيْره أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشَابِههُ شَيْء وَلَا يُمَاثِلهُ وَلَا نِدّ لَهُ وَلَا عِدْل لَهُ وَلَا وَزِير لَهُ وَلَا وَلَد وَلَا صَاحِبَة)).
واما من غالط بالقول عن عيسى عليه السلام: ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)). 49 آل عمران.
فتلك من معجزات الرسل وليست خاصة بالخلق بل في عدة اشياء وهذه معجزات أثبتها الله في كتبه ونسبها إليه، وليس لكل عبد معجزات وانما للرسل وليست هي قدرات ذاتية لهم وانما معجزة من الله لا يمكنهم تجاوزها، كما ان بداية الاية تبين انها معجزتة من الله لرسوله حيث قال تعالى: ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ). 49 . فانها معجزات الله للرسل وليس قدرات الرسل.
وعندما قيل لنوح عليه السلام: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) 32هود. فاجاب حاصر ذلك من الله ب إنما أداة الحصر فقال: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) 33 هود.
أي الله وحده من يفعل ولست انا. فمن نسب لشيخه له نبوّة او رسالة فهذه مخالفة اخرى حيث ختمت الرسالة النبوة.
وقد تحدى الرب تعالى من يدعوا من دون الله سواء كان المدعوين ملائكة او رسل او صالحين وغيرهم ان يخلقوا ذبابا، لكنهم لن يفعلوا، ايا كان المدعو، حيث قال تعالىSad( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ*مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)). الحج 73-74 .
بل اكد على ضعفهم أن لا يستردوا حتى ما سلبه الذباب اذا خطف شيئا، وفي هذا معجزة أخرى ترّد على البعض الذي يقول ربما يمكنه ان يقبض على الذباب ويسترجع ما تناوله، لكن البحث العلمي اثبت ان الذباب يفرز مادة يلقيها على الشيء قبل لعقه فتهضمه ويتحول الى شيء اخر قبل ابتلاعه، فان وصلت اليه لن تجد ذلك الشيء المخطوف بل قد زال وهضم وتحوّل الى شيء آخر، والله هو العليم الخبير.
وقال تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا)). فاطر 40.
فتأمل أيا كان الشريك او المدعو من دون الله تشمله الاية أي: اروني ماذا خلقوا من الارض. فان صح ان وليا زعم انه خلق شيئا فقد كذّب الاية وردّ عليها ومن نسب له ذلك فقد افترى على الله كذبا. وكذب بآياته. واشرك بالله.
فبصريح القرءان ليس هناك مخلوق يخلق شيئا، وكل شي هو من خلق الله الذي قال عن نفسه: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). 62 الزمر.
وقال تعالى: (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)). 4 الأحقاف.
ثم اتبعه ببيان ضلال من يعتقد ذلك ثم يدعو من دون الله يرجو منه شيء، فقال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)). 5 الاحقاف.
وقال تعالى: ((. . . وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)). 13 فاطر.
والقطمير هو القشرة الخفيفة حول نواة التمر أكد تعالى انهم لا يملكون جزء منها مع الله. فهو وحده المالك والخالق لكل شيء.

ويتبع الشرك في الربوبية اعتقاد التالي:
التبرك بالآثار
:
والبركة بيد الله ينزلها متى وكيف يشاء، كما هو دعاءه صلى الله عليه وسلم
المشهور الذي رواه أحمد في مسنده و ابن ماجة و الترمذي و حسَّنه و أبو داود: اللهم بارك لنا فيه و أطعمنا خيراً منه، وإذا سُقي لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه و زِدنا منه. ولم يقل لهم سأبارك انا لكم فيه، ولكن انه سمى ودعا الله يرجو ان يبارك فيه، وقد يكون للرسل ما لا يكون لغيرهم كمعجزة من اجابة الدعوة الفورية وتحصل البركة كما تحصل العقوبة العاجلة على من دعا عليهم، وكله (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ). والبركة تنزل من الله كما تنزل الخيرات والعافية بقدره تعالى، وكما يفعل العبد الرقية ويرجو الشقاء من الله وليس الشفاء من الراقي.
واما الظن بان البركة تحصل من التمسح بآثار الصالحين او ذواتهم فهذا اعتقاد النفع في غير الله, وكان ذلك من افعال المشركين في الجاهلية، كما ظن بعض المسلمين الجدد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ان بعد تركهم للتبرك بالآلهة ان تكون لهم بركة اسلامية باشجار خاصة لهم يقبلها لهم نبيهم غير شجرة الجاهلية، وكان ذلك لما رأوا الأعداء ساعة الحرب يعلقون سيوفهم بالشجرة التي يقال لها ذات انواط المعروف في الجاهلية بالتبرك بها لتساعد على الحرب على زعم الجاهلية، فطلبوا من نبيهم ان يجعل لهم واحدة مثلهم لكنها من الاسلام وليست لصنم، وهذا اجتهاد خاطئ من مسلمين جدد، ( ولم يفعلوا ذلك، ومن عصمة الله لهم ان نبيهم بين لهم الصواب قبل فعل أي مقترح خاطئ) وكبار الصحابة لم يقولوا بذلك لان بالعلم والمرافقة فقهوا، فرد صلى الله عليه وسلم على الجدد الذين يجهلون حقيقة ذلك وشبهه بما سأل بنو إسرائيل من نبيهم بطلب اله كالاه الأعداء للتبرك به.
وقد روى هذا الحديث الترمذي وصححه: عن أبي واقد الليثي قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من كان قبلكم.
فالتبرك بالآثار او بالقبور والصالحين شرك بالله، وحتى لا يختلط على البعض معجزات الرسل بما يظن انه في غيرهم. فان ما يقع للنبي على قبيل المعجزات الدالة على صدقه ونبوته وقد كان يطلعهم الله على مغيبات وانها ليست قدرة ذاتية وإنما وحي خاص بالرسل، وكذلك ان برئ مريض على يده او ينبع الماء من كفه وغيره، فهذا من تام المعجزات التي خص الله بها الرسل ليثبت بها نبوتهم، واما غيرهم لا معجزات لهم، والبركة تطلب من الله وحده.
واما اخذ التراب من قبور الأموات او ربط خيط على ضريحهم ثم أخذه بقصد التبرك والشفاء فهو اعتقاد للبركة والنفع من غير الله وهو شرك بالله.
واما التوسع في الاسماء والصفات سيكون في الجزء الثاني ان شاء الله.

ومن المعتقدات المفسدة للعقيدة السليمة
التطير: وهو التشاؤم
.
واخذ الحظ من زجر الطير واصطلح عليه تطيّر وهو ان يربط مصيره بما طارت اليه الطيور من اتجاه عرف عندهم بان هذا للخير وهذا للشر او الحظ السيئ وهو اعتقاد بان هذا المخلوق الضعيف له اثر في الأقدار او جلب نفع او دفع ضر، والأسوأ اذا منعه التطير من الاقدام على فعله. وجاء الاسلام بقطع التعلق بالخلق والتشاؤم والتخوف منهم لمجرد رؤيتهم لان الأمور قدرت ورفعت الأقلام وجفت الصحف.
وكان قوم موسى عليه السلام يتشاءمون به وبأتباعه فخبرنا الله عنهم: (( فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)). الاعراف 131. قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " أَلَا إِنَّمَا طَائِرهمْ عِنْد اللَّه " أَيْ مِنْ قِبَل اللَّه . ذكره ابن كثير.
وجاء في الحديث الذي رواه ابو داود وابن حبان وابن ماجة والترمذي وصححه: عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: الطيرة شرك، الطيرة شرك. وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل.
وروى البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر. زاد مسلم: ولا نوء ولا غول.
ورد عن البيهقي أن قوله: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وإن هذه الأمور تعدى بطبعها. وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شئ من الأمراض سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال: فر من المجذوم كما تفر من الأسد وقال: لا يورد ممرض على مصح وقال في الطاعون: من سمع به في أرض فلا يقدم عليه وكل ذلك بتقدير الله تعالى.
بمعنى ليست العدوى المجردة سبا في حدوث المرض ولكنه يقع بقدر سواء عقوبة او ابتلاء، ولله حكم فيما يحدث عموما.
وحديث ابن عمرو الذي رواه احمد والطبراني: ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.
وهذا لمن أحسّها ثم أنكرها ولم يتابعها ولم يربط مصيره بها مصدقا لها فقوله لتلك العبارات يفيد البراءة من ذلك الاعتقاد وان الخير كله من الله.
وروى مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومنا أناس يتطيرون. قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم.
وروى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل ؟ قال: الكلمة الطيبة.
وروى ابو داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شئ من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، كما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه حبب إليه من الدنيا النساء والطيب، وكان يحب الحلواء والعسل، ويحب حسن الصوت بالقرآن والأذان ويستمع إليه ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم. بالجملة يحب كل كمال وخير ما يفضي إليهما، والله سبحانه قد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الإسم الحسن ومحبته، وميل نفوسهم إليه، وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح والسلام والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر ونحو ذلك، فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع استبشرت بها النفوس وانشرح لها الصدر وقوى بها القلب، وإذا سمعت أضدادها أوجب لها ضد هذه الحال. فأحزنها ذلك، وأثار لها خوفاً وطيرة وانكماشاً وانقباضاً عما قصدت له وعزمت عليه، فأورث لها ضرراً في الدنيا ونقصاً في الإيمان ومقارفة الشرك.
وخلاصته ان التشاؤم وترك الفعل لاجله نوع من الشرك، ويسميه البعض السبر، أي يكره الشيء على ظن انه يسبب له ضرا، ومن التطير طلب البعض من قارئ الكتاب او الكف او حتى شيخ ان ينظر له في أي الايام افضل او لا ضر منها ويسمّيه المنزل، او التشاؤم بيوم الاربعاء او غيره او حضور شخص او حيوان فكله من عمل الجاهلية وعليه ان يطرد ذلك الشعور بالتوكل على الله فانه لا يضره.
وتتضمن حقيقة الاسلام والتوحيد ان لا ياتي العبد بما يناقض اركان الايمان والاسلام، لانها تفسده وان قال بها معددها وحفظ عباراتها فلا بد من السلامة من نواقضها. وذلك ما يلي:

الايمان بالله:
هو: الاعتقاد الجازم بلا شك كما ورد سابقا، وان يكون على معرفة بربه
وصفاته وان لا يعتقد فيه ما لا يليق بجلاله، وليس كايمان من يرى ان الله يحل في المخلوق كعقيدة الحلول ولا يعتقد ان المخلوقات جزء من ذات الله كما يرى اهل عقيدة وحدة الوجود التي ترى ان مجموع المخلوقات هي الله وهي اجزاء منه. ويشبه ذلك ما قاله النصارى ان المسيح جزء من ذات الله أي ثالث ثلاثة الاب والام والروح القدس، وهذا افتراء على الله ووصفه الله بالكفر، ومنهم من قال ان الله هو المسيح عيسى بن مريم، لهذا قول اهل الحلول من المسلمين مثل قول النصارى، بل واسوأ. وعلى المسلم ان يتعلم اصول دينه بما هو ثابت وصحيح حتى لا ينقض ايمانه وهو لا يشعر.
والايمان قول وعمل ونية يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ومن تمام الايمان ان لا يناقض: الايمان برسله: وذلك كمن ظن ان هناك رسول او نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
كما جاء في مسند الامام احمد ، حديث حسن 22748: عَنْ حُذَيْفَةَ, أَنَّ نَبيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي أُمَّتِي كَذَّابونَ وَدَجَّالُونَ سَبعَةٌ وَعِشْرُونَ، مِنْهُمْ أَرْبعُ نِسْوَةٍ، وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبيِّينَ، لَا نَبيَّ بعْدِي.
وقال تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)). 40 الاحزاب.
وروى البخاري ومسلم: لا تقوم الساعة حتى يُبْعَثَ دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله). وفي رواية للترمذي وابن ماجه: (إنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنَّه نبي).
فمن تمام الايمان به صلى الله عليه وسلم ان لا نصدق من يدعون النبوة وقد سمعنا عنهم كثيرا وهم دجالون والايمان بهم يبطل الايمان.
ومن تمامه ان نؤمن بان عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، ورسالته نسخت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. مع التصديق بجميع ما صح من رسل وحسب علم الشخص بهم.
وكذلك الجزم ببقية اركان الايمان المعلومة الايمان بملائكته: انهم عباد لله مكرمون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومنهم جبريل امين الوحي، وملك الموت وحملة العرش الثمانية وكتبة الحسانات والسيئات وغيرهم، والايمان بكتبه: الزبور والتوراة والانجيل والقرءان، والايمان برسله اجمعين منهم من قصهم في القراءن ومنهم من ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يقصهم الله تعالى، وباليوم الاخر يوم الحساب يوم الدين حيث يرجع الناس ويسألون ويحاسبون، فمن لم يؤمن بالبعث فناقض لاسلامه، والايمان بالقدر خيره وشره. أي من الله يقضي بحكمته وعدله، ويبينه ما ورد سابقا في حديث ابن عباس.
واما ما يتبع للافعال التي تنقض الايمان وهي انواع الكفر، نقف عليها لاجل السلامة منها. ولنحقق الايمان المطلوب.

انواع الكفر واقسامه
الحجود:
وهو الانكار الشديد وعدم الاعتراف بالشيء والمبالغة في الانكار، وهو كتم الحق مع العلم بصدقه وصحته. كما قال تعالى عن اهل الكتاب: ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)). 146 البقرة.
وقوله تعالى: ((فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)). 89 البقرة. فهم يعرفون لكن لا يقرون به.
وقال تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)) 14 النمل.
قال ابن كثير: " وَجَحَدُوا بِهَا" أَيْ فِي ظَاهِر أَمْرهمْ " وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ " أَيْ عَلِمُوا فِي أَنْفُسهمْ أَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه وَلَكِنْ جَحَدُوهَا وَعَانَدُوهَا وَكَابَرُوهَا " ظُلْمًا وَعُلُوًّا " أَيْ ظُلْمًا مِنْ أَنْفُسهمْ سَجِيَّة مَلْعُونَة وَعُلُوًّا أَيْ اِسْتِكْبَارًا عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ. فكثير من المسائل يعرف البعض تحريمها وسمع ادلتها لكنه يكابر ويعاند من يحاوره او ينافسه فيجحد الحكم في المسالة سواء تحريم او تشريع.
فيدخل في جحود الحق، وهو مما يفسد الايمان بعد حدوثه وينقضه او يمنع منه ابتداء. وذلك ما حدث لابي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث مات على الشرك بشهادة القرءان مع انه يعلم صدق ابن اخيه بل وان دينه حق ثم حماه ودافع عنه لكنه جحد الاقرار بذلك خوفا من لوم اهل مكة وحرجا من مخالفة اهل البلد وزعماءها.
وعندما طلب منه قومه ان يعرض على ابن اخيه المساومة لترك دينه الجديد مقابل عرضهم ( ان اردت مالا اعطيناك وان اردت ملكا علينا ملكناك وان اردت اجمل نساءنا زوجناك) ورد عليه ابن اخيه صلى الله عليه وسلم: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او اهلك دونه). فسره ثبات ابن اخيه وشجاعته ثم قال أبو طالب ابياتا شهد فيها بصدق ابن اخيه وصحة دينه بل انه خير الاديان التي شهدتها البرية لكنه لم يتلفظ بشهادة الاسلام فلم يخرجه ذلك من الشرك. وذلك الشاهد من القصة.
حيث قال ابو طالب :
والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتى اوسد في التراب دفينا
فاصدع بامرك ما عليك غضاضة ولقد صدقت وكنت ثم امينا
ولقد عرضت دينا قد عرفت بانه من خير اديان البرية دينا
ولو لا الملامة او حذار مسبة لوجدتني سمحنا بذاك مبينا
وذلك يفيد ان في داخله يعلم نبوته، لكنه لم يسلم خوفا وحرجا من اهل مكة ان يعيّروه. ومع هذا الاعتراف والتصديق الداخلي مات مشركا، لانه جحد الاعتراف به لعلل شخصية وعقد نفسية، فحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وانزل الله تعالى قوله: (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)). القصص 56
قال ابن كثير: يَقُول تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّك يَا مُحَمَّد " لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت " أَيْ لَيْسَ إِلَيْك ذَلِكَ إِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَلَهُ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْحُجَّة الدَّامِغَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: " لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء ". وَقَالَ تَعَالَى: " وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ " وَهَذِهِ الْآيَة أَخَصّ مِنْ هَذَا كُلّه فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ" أَيْ هُوَ أَعْلَم بِمَنْ يَسْتَحِقّ الْهِدَايَة مِمَّنْ يَسْتَحِقّ الْغِوَايَة وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ يَحُوطهُ وَيَنْصُرهُ وَيَقُوم فِي صَفّه وَيُحِبّهُ حُبًّا شَدِيدًا طَبْعِيًّا لَا شَرْعِيًّا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة وَحَانَ أَجَله دَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَان وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام فَسَبَقَ الْقَدَر فِيهِ وَاخْتُطِفَ مِنْ يَده فَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر وَلِلَّهِ الْحِكْمَة التَّامَّة. قَالَ الزُّهْرِيّ حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ الْمُسَيِّب بْن حَزْن الْمَخْزُومِيّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْده أَبَا جَهْل بْن هِشَام وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْد اللَّه " فَقَالَ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب؟ فَلَمْ يَزُلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ لَهُ بِتِلْكَ الْمَقَالَة حَتَّى كَانَ آخِر مَا قَالَ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب وَأَبَى أَنْ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك " فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى " وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِب " إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه.
فليحذر المسلم ان يجحد أمرا دينيا ثابت بالنصوص فان الجحود من ابواب الكفر والعياذ بالله.
الإباء والاستكبار:
فالإباء: هو الامتناع بشدة والرفض والعصيان.
واما الاستكبار: كما قال صاحب اللسان: ( والتكبر والاستكبار: التعظم ومنه قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ). 146 الاغراف.
والكبرياء مأخوذ من معنى التنزه والترفع عن الخضوع والانقياد. واستكبر استفعل ذلك اي احدث التكبر وليس له بحق.
والمراد من الاباء والاستكبار: ان يرفض العبد ويمتنع بشدة لامر الله نتيجة لدافع التعالي والترفع عن الخضوع والانقياد لاوامر الله ورسوله.
وهذا ما كان من ابليس عليه لعنة الله. كما قال الله عنه: ((إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)).34 البقرة.
وهو ما كانت عقوبته الطرد من رحمة الله، لانه أسوأ انواع المعاصي وهو محادة ومبارزة لربه.
وعلى العبد الحرص على ان لا يقع منه الاستكبار خوفا من عقوبة مماثلة.
ومن انواع الكفر:
الهزل او السخرية بالدين:
فقد سخر بعض المنافقين بالصحابة رضي الله عنهم وهم يدافعون عن دين الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن كثير: قال أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي وغيره: قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى مثل قرائنا هؤلاء ؟ أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسناً، وأجبننا عند اللقاء، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته. فقال يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق. فقال: " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين " وإن رجليه ليسفعان الحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالهزل بشيء من الدين باب من الكفر كسب الدين. ولعل البعض يقولها لاجل الضحك فقط لكنه لا يدرك ان ذلك لا يعذر ولا يرفع حكم الكفر لانه لم يبالي بدينه ولم يعظم شعائر الله بل سفهها واهانها.
وقد صح في السنة: وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. رواه البخاري.
وفي رواية: وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن بلال بن الحارث المزني.

ومن الكفر والشرك: السحر:
اولا السحر شيء واقع وموجود لكنه غير مشروع وانه ابتلاء وامتحان، هل يتبعه العبد لنيل مصلحة آنية ويبيع دينه، ام يبتعد عنه طاعة لله، وذلك كمثال ما اوجد من القدرة على صنع الخمر لكنه حرمها من الابتلاء، وكذلك (زين للناس حب الشهوات من النساء . الاية). لكنه حرم النظر لغير المحارم والزوجة.
كما ابتلى الصحابة في طريقهم الى الحج بالصيد حيث حرّم اثناء الاحرام الصيد، قال تعالى: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).96 المائدة.
وذلك ليمتحن المطيع من المعرض والعاصي او المتمرد على تعاليم ربه. فكان الصيد ياتي بين ركابهم حتى ان لو احدهم امسكها بيده لفعل. لكنهم رضي الله عنهم كانوا كما قال الله عنهم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). فلم يعتدوا.
فهذه امثلة على ما اوجد كابتلاء وحرم فعله، فكذلك السحر من الابتلاء او الفتنة والاختبار كما هو واضح بالاية ان الشيطان عندما يعلمه يقول: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ). 102 البقرة.
وهو معلوم للشياطين منذ عهد سليمان عليه السلام، وقد برا الله نبيه سليمان من السحر، وبين ان فعل السحر كفر واشار الى الفتنة والامتحان به، كما ان الجن رغم عنها اذا علمت السحر لشخص تقول له ان السحر فتنة مكفرة فلا تكفر، وليس هذا من هدايتهم ولكنه امر لازما عليهم قدرا ليبين الله لعباده الفتنة وحتى لا يظنوا انه كتم عليهم فتقام الحجة عليهم ضمن الابتلاء.
فكل من تعامل به قد علم مسبقا بانه كفر لكن قسوة قلبه واختيار الدنيا جعله يصر عليه فهو اشترى الدنيا وباع آخرته.
كل ذلك يتضح من الاية: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}. 102 سورة البقرة.
وهم يفعلون مثل ان للشخص سلاح يقتل به الناس فلا يقع منه القتل الا باذن الله بمعنى ان قدرته لا تتجاوز إرادة الله، فمنحه القدرة على فعل الخير والشر، لكنه لم ياذن له بقتل الناس فمن قتلهم اذنب، فكذلك السحر جريمة تقع بقوة الفتنة التي وجدت في الأرض، فاذا شاء الله لم تقع واذا وقعت لم يبيحها. كمن له القدرة على الزنا، لكن لم يبيحه الله تعالى.
ومن الفتنة ان ما يحصل له من مطلوب عاجل فان ثمنه دينه أي اذا فعل ذلك فقد باع دينه وكفر، بدليل الاية (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ).
فالسحر من جنس الشرك والكفر، لان فاعله يعتقد انه ينفع ويضر، ومن طلبه يعتقد ذلك رجاء نفعه وضره، فهو طلب منفعة من الشيطان وقد صح فيما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: قوله تعالى{ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفرا، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه.اهـ
وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. ومن سحر فقد أشرك. ومن تعلق شيئاً وكل إليه. رواه النسائي مرفوعا، وايضا النسائي.
والعقد هي المذكورة في سورة الفلق: ( ومن شر النفاثات في العقد). وهي من وسائل السحر.
وقد وصف الله تعالى ان الساحر لا يحقق فلاح عموما لا في الدنيا ولا في الاخرة، وحتى ما يحصل له في الدنيا فانها تنتهي بخسارة قال تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ). 69 طه.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: ومن أتى كاهناً.
وعن أبي عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد. رواه أبو داود بإسناد صحيح وصححه النووي والذهبي ورواه أحمد وابن ماجه.
وروى الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا عوف عن حيان ابن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت. قال عوف: العيافة زجر الطير، والطرق الخط يخط في الأرض، والجبت: قال الحسن رنة الشيطان إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه.
اما عن علاجه فهو مبين في السنة بالقرءان منه يقرأ بنفسه او يرقيه غيره دون ان يعتقد ان الراقي ينفع او يضر بل هي رحمة من الله جعلها في آياته، ومن الاحسن ان يقرأ بنفسهم. ( وليس المجال هنا لذكرها بالتفصيل لكنها مشهورة ويمكن معرفتها).
واما حل السحر بالسحر فهو ذات الحكم فهو تعامل مع الشياطين.
ولا يصح بل حتى من يقولون ذلك فمنهم من يجرهم الى السحر دون ان يحل منهم شيئا. وان حدثت ازالته فهي من ذلك الابتلاء هل يلجا الى الله بالرقي الشرعية او يختار السحر. وان الله اوجد علاجه الشرعي فلا عذر اذا لمن اختار حله بالسحر.
وقد قال في ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله، في فتاويه بعد ذكر العلاج بالآيات فقال: ( وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان، بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان)) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والنشرة هي حل السحر عن المسحور ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر. أما حله بالرقية والمتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك كما تقدم، وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم.). انتهى.
وقد اوضح النبي صلى الله عليه وسلم البراءة ممن فعل ذلك ضمن امور اخرى حيث ورد فيما رواه البزار بسند جيد عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) .
وقال الشيخ بن باز رحمه الله Sad ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها، والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس، فإنهم جهال لا يجوز التأسي بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة؛ ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر؛ لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه، والمصدق لهم في دعواهم على الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجاً كنمنمتهم بالطلاسم، أو صب الرصاص، ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم، كما لا يجوز أيضا لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه، أو عما يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء، أو العداوة والفراق ونحو ذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[1]. فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفر وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه، كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر، ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين ولبسوا بها على ضعفاء العقول، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.). انتهى كلامه من الفتاوى.
فالسحر احد ابواب الكفر والشرك ومحبطات العمل التي سردناها سابقا.
والساحر حكمه في الإسلام القتل لان فتنته كبيرة الضرر والحكم ليس مرتبطا بالعلل وانما هو امر الله او امر رسوله، وذلك يقوم به الحاكم المسلم. وليس لعامة الناس. وثبت في السنة كما جاء صحيح البخاري: عن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. فقتلنا ثلاث سواحر.
رواه الترمذي عن جندب أنه قال: حد الساحر ضربة بالسيف.
وروى مالك في الموطأ عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. فقتلت.
فان تاب بينه وبين الله فباب التوبة مفتوح. لكن في احكام الدنيا حتى لو تابع يقيم الحاكم المسلم عليه الحد حتى لا تنتشر فتنته، ومثل من قتل نفسا عمدا يقتل وان كان مسلما وذلك حد من الله لذلك الفعل.

ومما يفسد الايمان وينقل الى الكفر: النفاق اذا كان كامل النفاق:
النفاق اصطلاحا: اظهار الايمان وابطان الكفر، وهذا في النفاق الأكبر ويعني ان اصله كافرا الا انه اظهر ايمانه تقية، وهذا من جنس النفاق الاكبر. أي خارج الملة لانه: اما لم يدخلها اصلا ويزعم الايمان، او خرج
منه بردة ومارس مظهر الاسلام خداعا.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والنفاق لغةً: مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في الترك اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك، وتتفاوت مراتبه.
والنفاق منه الاكبر والاصغر، مثل الشرك الاصغر والكفر الاصغر، واذا ذكر المنافقون في القرءان يراد به الاكبر اي الكفر وهو الاصل، لكن تبعه الاصغر في الوصف لانها بعض صفاتهم مع وجود الايمان وعلى ذلك يكون نفاق اصغر لا يخلد صاحبه في النار، ولا يعني هذا انه امر بسيط لا يضر بل هو من اصحاب الوعيد وامره الى الله تعالى ان شاء عذب وانشاء غفر لكنه من الكبائر.
فالنفاق الاكبر: وهو من لم يؤمن اصلا في داخله لكنه اعلن اسلامه كحال من قال الله عنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ). 8 -10 البقرة.
ونفاق اكبر، اذا كفر بعد ان اسلم، لكنه ظل يدعي الاسلام ويخفي كفره كحال من قال الله عنهم: ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ). 3 المنافقون.
وكل ما هو اكبر يعني الخلود في النار، وذلك في حكمه الشرعي أي حكم الدين على النفاق. ليعرف المنافق الحكم الشرعي وحتى المسلم يعلم ليجتنبه، لكن في الظاهر لا نحكم بجزم عليه لاننا لا نجزم بما في القلوب فيصبح الحكم الظاهر مسلما يعامل معاملة المسلم يرث ويورث وغيره، الا ما أثبته القرءان لصنف من الناس، او اخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، او احكام قضاة المسلمين اذا اثبت العلماء المجتهدون انه فعل ردة ظاهرة فبعد الحكم منهم او الحاكم المسلم بعدها يعامل معاملة الكافر وذلك ليس لمجرد ما ظهر من خصل النفاق، وانما استنادا لحكم القضاء او الحاكم المسلم ويكون ذلك كغيره من انواع الردة مثل الشرك والكفر.
فالجزم بنفاقه الاكبر لا يكون الا بما يثبت عدم صحة اسلامه، وبغير ذلك حكمه بين الناس الاسلام. وحكم الدين الشرعي على الفعل أي الاكبر من النفاق هو الكفر.
وقصد بذلك حتى لا يسارع طلبة العلم او العوام في اصدار الاحكام على المسلمين. ويتبع ذلك لوازم لهذا القول تقود للتطرف والارهاب، وهذا شر على الامة يفرق جمعها، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم ملاحقة بعض المنافقين المعلومين لعلة قالها: خشيت ان يقال: ان محمد يقتل اصحابه.
فكيف بمن اصلا لم يثبت عليه ذلك، ويبقى الاصل في الموضوع هو بيان الحكم الشرعي للنفاق للحذر منه ونسال الله السلامة في الدين لجميع المسلمين.
ومن جنس النفاق: التكذيب بما جاء به الرسول او بعضه، او ما جاء في القرءان او بعضه، او بغض وكراهية ما انزل الله، او الاستهزاء بالاسلام او بالمؤمنين لاجل دينهم وشعائرهم كما حدث من المنافقين عندما سخروا من الصحابة رضوان الله عليهم فانزل تعالى: ( قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). 65-66 التوبة.
فانظر اشارته للفكر بعد الايمان.
وحكم عليه باشد انواع الكفر في درجة عذابهم في جنهم، لانهم جمعوا بين الكفر والتغلغل بين المسلمين والمحاربة من الداخل. حيث قال تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ). 145 النساء.
وهناك صفات اخرى تدخل في فروع هذه الصفات للمنافقين، كمثل تفضيل دين الكفار على المؤمنين في بعض الامور، او الاعراض عن الحق زهدا فيه وعدم رغبة وذلك نتيجة لتلك الصفات، او التقرب من الكفار ومساعدتهم ضد المسلمين اهل الدين وذلك ضد نهجهم الديني. ومثل بغض الصحابة رضي الله عنهم وهي من علامات ذلك النفاق. كما جاء في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار.
واما النفاق الاصغر: ويعرف ايضا بالنفاق العملي: أي وقعت منه بعض صفات النفاق لكن قلبه مقر بالدين محبا له ولاهله.
اما علامات النفاق ورد فيها ما رواه البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.
فهي علامات وليس للحكم النهائي كمن اشرك. فمعنى قد تكون هذه الصفات في الاكبر وقد تكون في الاصغر. وقد تكون في مسلم جاهل وعاصي لا نعجل في الحكم عليه بالنفاق، لكنها علامات تجعلنا نتوقف ونظن ذلك فيه وربما اخطاءنا في تقيمه لمجرد ظهورها، وهذا لعدم قدرتنا على الجزم بما في داخله فعبارات علامات للحذر منه وبحث حاله، لكن الحكم بذلك يبقى للمجتهدين من العلماء مثل التعذير والهجر يحتاج الى بحث. لكن اكيد لا نحسن الظن بمن فعل ذلك وظهرت عليه تلك الصفات، ويبقى لا توكل اليه مهام المسلمين او حماية ظهورهم حتى في الشئون العامة.
ونجزم بانها آية المنافقين، لمن تواتر عنه فعلها وكانت سمته او حاله، اما من تحدث منه احيانا فقد تكون غفلة وتزول، فننصحه ونحذره من تكرارها.
وفي النفاق عموما وعن خصلهم جاء ايضا حديث اخر: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. رواه البخاري ومسلم بعدة روايات.
وهناك حالة تشكل على المؤمن، فمن ورعه وخوفه على دينه يرى انه مقصر الى حد النفاق، وهذا من الورع والحرص على الطاعة والسلامة مما يضر دينه، وليس من تقيم الناس له، وقد وقع ذلك الشعور لبعض الصحابة رضي الله عنهم فبشرهم صلى الله عليه وسلم انه ليس من النفاق كما في (صحيح مسلم): عن حنظلة الأسدي: أنه مر بأبي بكر وهو يبكي، فقال: ما لك؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا رجعنا، عافسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فالله إنا لكذلك، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة يا رسول الله، وذكر له مثل ما قال لأبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة على مجالسكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وتابع التكملة ادناه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:40 pm

بعض وسائل الشرك والشبهات
التوسل بذوات المخلوقات:
وهذا باب خطير التبس امره على كثير من الناس، فالتوسل هو اول باب دخل منه الشرك على بني ادم، وهم كانوا على دين وعبادة. ثم جدد الدين بالرسل ثم عاد الناس من ذات الباب الى الشرك.
ونقف على بيان ذلك بالتفصيل لغة وشرعا لجلاء امره.

الوسيلة لغة:
كما ذكر ابن كثير وشيخه ابن تيمية: هي: (التي يتوصل بها الى تحصيل المقصود). مثال الكتابة وسيلة للتعليم، والعربة وسيلة مواصلات. وكل ما يوصل الى شيء هو وسيلة اليه.

والوسيلة في الشرع او اصطلاحا:
هي التقرب الى الله بطاعته والعمل بما يرضيه، وذكر شيخ الاسلام في ص 199 ج 1 الفتاوى: (( فالوسيلة التى أمر الله أن تبتغى إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه، هى ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات‏.‏ فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل فى ذلك سواء كان محرماً أو مكروها أو مباحا‏.‏ فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول‏.‏ فجماع الوسيلة التى أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك)). انتهى.
‏واما انواع التوسل المشروع وكذلك الممنوع سنقف عليها لا حقا. بعد ان نذكر اهمية هذا الباب لانه اول باب وقع منه الشرك في بني ادم قبل بعثة نوح عليه السلام، وفيه لبس وتلبيس كثير وقع فيما بعد القرون الثلاثة الاولى الخيرة للاسلام، وحسبه البعض قربة لله تعالى ففعلوا الشرك يبتغون به وجه الله تعالى لجهلهم باصول الدين وبوسائل الشياطين من الانس والجن.
ومع ان البعض جعل من التوسل غير المشروع دينا ودعوته بالليل والنهار وكأنه لا اصل للدين غيره، نجد ان كلمة الوسيلة وردت في القرءان مرتين فقط، وليس فيها أي شبه مما يفعلون من البدع.
فالاية الاولى 35 من سورة المائدة قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ)).
والثانية قوله تعالى في الاية 57 من سورة الاسراء: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)).
ان من يعتقدون فيهم هم يطلبون القرب الى الله ويتوسلون اليه خوفا من عذابه ورجاء في رحمته وليس ليقربوا الاخرين.
والتوسل عموما ثلاثة انواع بين توسل مشروع، وتوسل شرك، واخر بدعة، والقسم الاول منه المشروع: هو ايضا ثلاثة انواع.
1- التوسل باسماء الله وصفاته.
2- والتوسل بالعمل الصالح.
3- والتوسل بدعاء المسلم لاخيه المسلم.

فالنوع الأول من التوسل المشروع: كقوله تعالى: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِها)).180 الأعراف. أي أسألوه بها، مثل قولك: يا رحمن يا رحيم ارحمني. و ياحي يا قيوم برحمتك استغيث. وقوله: ( يا ذا الجلال والإكرام).
وكما جاء في الحديث: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك. سميت به نفسك. أو أنزلته في كتابك. أو علمته أحداً من خلقك. أو استأثرت به في علم الغيب عنك. أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري. وجلاء حزني. وذهاب همي وغمى).
والحديث بتمامه اخرجه أبو حاتم ورواه الامام أحمد وروايته فيها: عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك بن عبدك، بن أمتك، ناصيتي بيدك. ماض في حكمك. عدل في قضاؤك. أسألك اللهم بكل اسم هو لك. سميت به نفسك. أو أنزلته في كتابك. أو علمته أحداً من خلقك. أو استأثرت به في علم الغيب عنك. أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري. وجلاء حزني. وذهاب همي وغمى. إلا أذهب الله همه وحزنه. وأبدله مكانه فرحاً فقيل: يا رسول الله: ألا نتعلمها ؟ فقال: بلى. ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.

والثاني: التوسل بالعمل الصالح:
وهو ذكر عمل صالح فعله يتوسل باخلاصه فيه: كقوله تعالى عن السابقين (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).53 آل عمران.
وقوله: اللهم اني اسالك باني اشهد انك انت الله الاحد الفرد الصمد .
كما جاء في حديث بريدة بن الحصين الاسلمي، سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا انت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب . وصححه الالباني وذكره في التوسل 33 .
وهنا توسل بايمانه بوحدانية الله وهو عمل قلبي اخلص فيه لربه فتوسل به.
ومنه توسل الثلاثة في الحديث المشهور حيث توسلوا بعمل اخلصوا فيه لله فاجابهم الله وفرّج محنتهم، ومن رواياته ما جاء عن على بن ابي طالب وقال الهيثمي رجاله ثقات ونصه: إن ثلاثة نفر انطلقوا إلى حاجة فأووا إلى جبل فسقط عليهم فقالوا يا هؤلاء يعني بعضهم لبعض تفكروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كانت لي مرة صديقة أطيل الاختلاف إليها فتركتها من مخافتك وابتغاء مرضاتك فإن كنت تعلم ذلك ففرج عنا قال فانصدع الجبل عنهم حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا الخروج وقال الثاني اللهم إنه كان لي أجراء يعملون عملا أحسبه قال فأخذ كل واحد منهم أجره وترك واحد منهم أجره وزعم أن أجره أكثر من أجور أصحابه فعزلت أجره من مالي حتى كان خيرا وماشية فأتى بعد ما افتقر وكبر فقال أذكرك الله في أجري فأنا أحوج ما كنت إليه فانطلقت فوق بيت فأريته ما أنمى الله له من أجره في المال والماشية في الغائط يعني في الصحارى فقلت هذا لك فقال لم تسخر بي أصلحك الله كنت أريدك على أقل من هذا فتأبى علي فدفعت إليه يا رب من مخافتك وابتغاء مرضاتك فإن كنت تعلم ذلك ففرج عنا فانصدع الجبل عنهم ولم يستطيعوا أن يخرجوا وقال الثالث يا رب كان لي أبوان كبيران فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا وال غيري أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل وإن الكلأ تباعد فتباعدت بالماشية فأتيتهما يعني ليلة بعد ما ذهب من الليل وناما فحلبت في الإناء ثم جلست عند رؤوسهما يعني بالإناء كراهية أن أوقظهما حتى يستيقظا من قبل أنفسهما اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك من مخافتك وابتغاء مرضاتك ففرج فانصدع الجبل وخرجوا. مجمع الزوائد: 8/146.
وكله ان يتوسل العبد بعمل صالح فعله هو ويدعو ربه متوسلا بذلك.
واما الثالث: التوسل بدعاء المسلم لاخيه المسلم:
وهو ان يطلب منه اخيه المسلم ان يدعو له. فهو توسل بدعائه وليس بذاته، ومنه صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم فهي دعاء له، وان النبي صلى الله عليه وسلم طلب ان ندعو له جميعا بطلب الوسيلة، ( سلوا لي الوسيلة)، وهو افضل من اتباعه بلا شك ولكنه يبين مشروعية ان يطلب الفاضل دعاء المفضول واصبح سنة من ثوابها ان تؤهل الداعي ان ينال دعاء النبي له بالشفاعة يوم القيامة، واشار لذلك شيخ الاسلام في ج 1 ص -192- : ( ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىَّ، فإنه من صلى علىَّ مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها درجة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه شفاعتى يوم القيامة‏"‏، وفى صحيح البخارى عن جابر، عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال‏:‏ ‏"‏من قال حين سمع النداء‏:‏ اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذى وعدته إنك لا تخلف الميعاد‏.‏ حلت له شفاعتى يوم القيامة‏"‏، فقد رغب المسلمين فى أن يسألوا الله له الوسيلة، وبيَّن أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، فإن الجزاء من جنس العمل‏.‏ ومن هذا الباب الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه وابن ماجه أن عمر بن الخطاب استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن له ثم قال‏:‏ ‏"‏لا تنسنا يا أخى من دعائك‏"‏، فطلب النبى صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلى عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه‏.‏ وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذى يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له‏.). انتهى.
وكذلك طلب عمر رضي الله عنه من العباس ان يدعو لهم في صلاة الاستثغاء وسماه توسل يعني التوسل بدعائه، وهو من جنس طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته او الدعاء من مسلم اخر، وليس العباس رضي الله عنه افضل من عمر رضي الله عنه كما هو مشهور عند اهل السنة، بل عمر طلب من الله تعالى ان يقبل دعاء العباس فيسقيهم ثم قدمه ليدعو، فكل يشفع في الاخر بدعائه له، واشار لذلك شيخ الاسلام ص 201 : حيث قال: ( ومن هذا قول عمر بن الخطاب‏:‏ اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، أى‏:‏ بدعائه وشفاعته،). الى قولهSad وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر فإنه توسل بدعائه لا بذاته؛ ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس، علم أن ما يفعل فى حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذى هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما‏.‏ ) انتهى.
فتوسل عمر بالعباس رضي الله عنهما لم يرد بذات العباس والا لما كان يترك ذات النبي ويطلب بالعباس لكنه يعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه الدعاء بعد موته فطلب ممن هو حي يدعو على ذات تلك الطريقة والسنة، كما ان الواقعة وما ورد فيها بيّنت ما هو مراد عمر ونوع توسله ويتضح ذلك في ما حدث من العباس رضي الله عنه حيث قام ودعا كما ورد نصه فيما اخرجه الزبير بن بكار في كتاب الانساب، قال العباس: ( قال اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكانى من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن بن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث).
فذلك توسل بدعاء المسلم للآخر سواء فرد او جماعة.
واما ما تأوله البعض على ما يخالف الشرع من توسل بذات العباس فهذا ينافي ما جاء في الواقعة وما ورد في الشرع الصريح الذي لم يصح حتى من ذات النبي صلى الله عليه وسلم، وانما التوسل به صلى الله عليه وسلم اما بدعائه او الايمان به وهذا بعمل الايمان، قال شيخ الاسلام في ج 1 ص 143: ( فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه‏.‏ وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد، باطناً وظاهراً، فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته، فى مشهده ومغيبه، لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق فى حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه، ولا بعذر من الأعذار‏.‏ ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وبطاعته‏.‏) انتهى.
وقال ص201: ( وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به فى كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته‏.‏ والتوسل به فى عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به، كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح‏.‏ وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة‏.‏ فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء:‏ فأحدهما‏:‏ هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته‏.‏ والثانى‏:‏ دعاؤه وشفاعته كما تقدم‏.‏ فهذان جائزان بإجماع المسلمين،).
وقال ص 202:( والثانى‏:‏ التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان فى حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته‏.‏ والثالث‏:‏ التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته، فهذا هو الذى لم تكن الصحابة يفعلونه فى الاستسقاء ونحوه، لا فى حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا فى شىء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شىء من ذلك فى أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عمن ليس قوله حجة، كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏ وهذا هو الذى قال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا‏:‏ لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد‏:‏ أسألك بحق أنبيائك‏.‏ قال أبو الحسين القدورى، فى كتابه الكبير فى الفقه المسمى بشرح الكرخى فى باب الكراهة‏:‏ وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبى حنيفة‏.‏ قال بشر بن الوليد‏:‏ حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة‏:‏ لا ينبغى لأحد أن يدعو الله إلا به‏.‏ وأكره أن يقول‏:‏ ‏"‏بمعاقد العز من عرشك‏"‏ أو ‏"‏بحق). انتهى.
ولم يكن قول عمر مجرد دعاء وانما كان ساعة حشد ينتظرون الدعاء للاستثغاء واكمل عمر بقوله: قم ياعباس فادعو الله لنا. وقد حدث الدعاء وشهده الناس وكان جماعي. اذا لم يكن توسل بذاته وانما كان بدعاء في صلاة الاستثغاء. ولم يقل عمر اللهم انا نسالك بجاه العباس وانما ذلك النوع المشروع من توسل دعاء حي قائم بيينهم يدعو الله لهم وهذا مشروع.
كما ان أي امر فيه اختلاف او شبهة يجب ان يرد الى الاصل وما هو ثابت من الشرع، فاذا كان احد تأويلات الحديث يخالف ما ثبت من الشرع لا يأوّل عليه. ولو كان التوسل بذات المسلم جائز لما ترك عمر التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم او ابو بكر الصديق رضي الله عنه، ولما قال كنا نتوسل اليك بنبيك، فلماذا الان لا يفعل ان كان بجاهه وذاته فهو لا يزال بتلك الجاه، لكن عمر يدرك ان ذلك كان بدعاءه في حياته ولا يجوز التوسل بالذات، فتوسل بدعاء حي مسلم صالح اخر موجود معهم، وقد خطب عمر خطبة الاستثغاء وعند الدعاء قدم العباس وكان لسان حاله يقول: فاذا كان نبيك الذي نتوسل بدعائه قد مات، فانا نقدم عمه الحي المسلم يدعوك لنا، فيجمع بين الدعاء والقرب منه صلى الله عليه وسلم بواحد من اهل بيته مسلم يدعو بما هو اصلا مشروع لاي واحد منهم.
وذكر صاحب فتح المجيد شرحا جيدا تقبل الله منه، ذكر ص 337: (والصحابة رضي الله عنهم، لا سيما أهل السوابق منهم كالخلفاء الراشدين، لم ينقل عن أحد منهم ولا عن غيره أنهم أنزلوا حاجتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، حتى في أوقات الجدب، كما وقع لعمر رضي الله عنه لما خرج ليستسقي بالناس خرج بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستسقي لأنه حي حاضر يدعو ربه فلو جاز أن يستسقي بأحد بعد وفاته لاستسقى عمر رضي الله عنه والسابقون الأولون بالنبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا يظهر الفرق بين الحي والميت، لأن المقصود من الحي دعاءه إذا كان حاضراً. فإنهم في الحقيقة إنما توجهوا إلى الله بطلب دعاء من يدعوه ويتضرع إليه، وهم يدعون ربهم، فمن تعدى المشروع إلى ما لا يشرع ضل وأضل. ولو كان دعاء الميت خيراً لكان الصحابة إليه أسبق وعليه أحرص، وبهم أليق، وبحقه أعلم وأقوم. فمن تمسك بكتاب الله نجا، ومن تركه واعتمد على عقله هلك). انتهى.
وسؤالك للخلق بالله، يعني فانك تشفع بالله عند الخلق فيقبلوا ذلك إجلالا لله تعالى. أي افعلوا ذلك او اتركوا الشي لاجل الله، لكن العكس لا يصح ان يكون المراد اشفع بكم او بفلان على الله أي اسال الله بفلان أي تقسم على الله بفلان وتستشفع به على الله ان يقبل الله لاجل جاه فلان. فهذا لا يليق بجلال الله تعالى.
وقد اشار الى ذلك صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد في باب: لا يشتشفع بالله على خلقه، وقال: ( قوله: باب، ( لا يستشفع بالله على خلقه). وذكر الحديث وسياق أبي داود في سننه أتم مما ذكره المصنف رحمه الله ولفظه : عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك، أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله. إن عرشه على سمواته لهكذاـ وقال بأصابعه مثل القبة عليه ـ وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب " قال ابن بشار في حديثه: " إن الله فوق عرشه فوق سماواته ".
قال الحافظ الذهبي: رواه أبو داود بإسناد حسن عنده في الرد على الجهمية من حديث محمد بن إسحاق بن يسار. انتهى.

ولكن اهل الزيغ والشبهات والتلبيس يتبعون ما تشابه منه، ويشرعون للناس دينا لم يأذن به الله. حيث لا يصح سؤال الله بذوات خلقه ولكن يسال الناس بالله.
واهل الزيغ يصرفون هذا الحدث الى معنى ثبت انه من ابواب الشرك والكفر، وهو يعني ان تقسم على الله بالمخلوق كما تقسم على المخلوق بالله. ولا يدركون ان المعنى يحملهم الى التعدي على حق الله، وبعضهم يعلم ذلك لكنه يضل الامة لانه في داخله عدو للتوحيد والسنة.
وحتى يتضح المعنى نناقش ذلك اللفظ:
فعندما استحلف شخص بالله اقول: أسألك بالله، فهذا اقسام عليه ليفعل، كانها تجبره وتخوفه بالله او تطلب منه تعظيمه لله ليفعل ما طلبته منه قسما بهذا العظيم، وبذات المعنى عندما تقول لله اسالك بفلان، فانت تقسم على الله بفلان ان يفعل الله الشي تعظيما لفلان او مهابة له (وسبحان الله)، فالسؤال لله بفلان هو قسم على الله جلا وعلا، وذلك لا يليق بجلال الله تعالى. فنحن نسال الناس بالله، ولا نسال الله بالناس، والفرق واضح. الا عند من تساوى عنده الخالق والمخلوق، وما قدروا الله حق قدره ان الله لقوي عزيز.
واما عن شبهات اخرى حول التوسل منها احاديث واقوال فهمها البعض خطأ او لم تصح نقف على بعضها لان البعض يرى ان عنده دليل ينافي هذه المعاني الا ان ذلك الدليل ليس سليم فيرد القول الصريح الى تلبيس لا يصح.
ومن ذلك حديث الاعمى: قال الامام أحمد‏:‏ حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر المدينى، سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف‏:‏ أن رجلا ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبى الله، ادع الله أن يعافينى، قال‏:‏ ‏"‏إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك‏"‏ قال‏:‏ لا، بل ادع الله لى، فأمره أن يتوضأ وأن يصلى ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏"‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى الله فى حاجتى هذه، فتقضى لى وتشفعنى فيه وتشفعه فى‏"‏ قال‏:‏ ففعل الرجل فبرئ.
فتأمل ياعبد الله ان هذا توسل بدعاء المسلم لاخيه المسلم كما ذكر سابقا من الاقسام الثلاثة الجائزة وليس‏ توسل بالذوات سواء احياء او اموات، فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو الله ان يعافيه، فلا تنسى طلبه للدعاء، ثم علمه النبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو هو ايضا للنبي صلى الله عليه وسلم، أي ايضا النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الدعاء من الاعمى ان يسال الله له ليقبل دعاء النبي عندما يدعوا للأعمى، فيصبح هو يتشفع للنبي عند ربه والنبي يتشفع له عنده ايضا، كما هو واضح في الحديث: وتشفعنى فيه وتشفعه في).
بل ويتضح اكثر بما قبله،: (اني اتوجه بك الى الله في حاجتي هذه فتقضى). أي لتدعوا الله لي ليقضي حاجتي.
فالخلاصة ان النبي يقول له ادعوا الله لي وادعوا الله لك.
وليس في ذلك توسل بالذات او الجاه وانما توسل بدعاء المسلم للمسلم.

واما النوع الثاني من التوسل الممنوع: منه: توسل بدعة:
وهو التوسل بحق الاخرين، فليس بكفر ولكن ليس بمشروع بل مبتدع والبدعة معصية وكبيرة، فالسابق توسل بذات الخلق وهو كفر، لكن هذا بحق الخلق، أي بثوابهم واجرهم وعملهم، وهو لا يجوز بعمل الاخرين لكن يجوز بعمله هو لان التوسل بالعمل من القسم الجائز،أي التوسل بعمل الشخص نفسه. اما بعمل الاخرين بدعة وفيه تلبيس من البعض بروايات ضعيفة وهو كما يلي:
جاء فى حديث ضعيف رواه أحمد ( وهو من ضعفه ورد عليه ) وابن ماجه، عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه عَلَّم الخارج إلى الصلاة أن يقول فى دعائه‏:‏ ‏"‏وأسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك‏"‏‏.‏
اولا الحديث كان راويه الامام احمد اكثر من تكلم فيه وضعّف واتهم الرواي بل وشيخه كما سياتي.
لكن حتى من احتمل صحته لم يرد به معنى التوسل بعمل الاخرين وانما حمله على جنس اخر بما اوجبه الله على نفسه للسائلين ويصبح توسل بصفة الله. وليس سؤال بهم كما يريد البعض.
وحتى عن تاويله على احتمال صحته يفسر بوجه يوافق الشرع، حيث يعبر على معنا اخر يراد به غير ما يريد التوسل البدعة، ومنهم شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قالSad فإن كان هذا صحيحاً فحق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو حق أوجبه على نفسه لهم، كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذى جعله سبباً لإجابة الدعاء كما فى قوله تعالى‏:‏ ‏{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 26‏]‏‏.‏ وكما يسأل بوعده؛ لأن وعده يقتضى إنجاز ما وعده، ). يفيد اذا اريد به غير توسل بعمل الاخرين ولكن توسل بصفات الله.
اما من أرادوا التوسل بحق الاخرين: أي عمل الاخرين كعمل الرسل او الصالحين فهذا سؤال لا يصح لان كل نفس بما كسبة رهينة ولا يجازا اخر بفعل غيره وقال تعالى: (وان ليس للانسان الا ما سعى). النجم. وكل عبد يتوسل بعمله هو وليس بعمل الاخرين.
اما الاقوال في ضعف ذلك الحديث وردت كثيرة ومنها:
وردت الاقوال حول الراوي عطية العوفي وشيخه الكلبي.
اما العوفي فقد عرّفه الامام الذهبي: هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي. أبو الحسن. حيث قال الذهبي في الميزان: تابعي شهير ضعيف. وقال في المغني: تابعي مشهور مجمع على ضعفه.
وقال عنه الامام أحمد: ضعيف الحديث (رقم 1306). كما قال أيضا: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنى بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد. قال الذهبي: يعني يوهم أنه الخدري.
(أي يوهم السامعين كانه يروي عن الصحابي ابي سعيد الخدري الا انه يروي عن ابي سعيد شيخه (الكلبي) الكذاب الشيعي السبئ).
وقال ابن حجر في طبقات المدلسين عن العوفي: تابعي معروف ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح.
واما شيخه (الكلبي) الذي رفضه لاجله الامام احمد هو من اشهر الوضّاعين الذين يضعون الحديث أي يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرفه ابن حجر في: تقريب التهذيب/ ج1:ص479 ( محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب ورمي بالرفض).
وقال البخاري ج1/ ص101/ التاريخ الكبير: محمد بن السائب أبو النضر الكلبي: تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي وقال لنا علي حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال قال لي الكلبي قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك فهو كذب .
وقال ابن حبان في المجروحين: ج2 / ص253، ( وكان الكلبي سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ من أولئك الذين يقولون إن عليا لم يمت وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة فيملؤها عدلا كما ملئت جورا وإن رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها .
و قال ابن الجوزي في الموضوعات 1 / 47 ) : والوضاعون خلق كثير فمن كبارهم وهب بن وهب القاضي، ومحمد بن السائب الكلبي، و محمد بن سعيد الشامي المصلوب. . . ).
وذكر عبد الله بن احمد بن حمبل عن أبيه قال كان سفيان الثوري يضعف حديثه عطية قال وسمعت أبي وذكر عطية العوفي قال هو ضعيف الحديث ثم قال بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير قال وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد وكان هشيم يضعف حديث عطية.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية ج1 ص 288 (وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفى عن أبى سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روى من طريق آخر وهو ضعيف أيضًا، ولفظه لا حجة فيه،).
فعطية مدلس وشيخه الكلبي قيل يضع الحديث فهذا الحديث لا تقوم به حجة فهو موضوع، وقد ذكرنا اقوال ثمانية من اهل العلم.
ونصل الى ان المعلوم عند اهل العلم ان التوسل بذوات المخلوقين لا يجوز بل هو شرك، والتوسل بحق الاخرين بدعة، وقد كان شرك اهل مكة من التوسل بذوات المخلوق امثال اللات الرجل الصالح كما كان سابقا ودا وسواع ويغوث ويعوق ونسرا اسماء لرجال صالحين ايضا، حيث ان مشركي مكة جادلوا بان من قدسوهم يتوسلون بهم الى الله وتقربوا بهم اليه، وقال الله تعالى عنهم: (. . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) 3 الزمر.
فانظر استثناءهم (الا) أي ليس لشيء غير التوسل بهم وشفاعتهم، لكن الله وصف ذلك بانه كفر حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار). أي هذا كذب على الشرع وفعل كفر.
كما يتضح في اية اخرى فيرد الله عليهم هل انتم اعلم من الله بما هو كفر او جائز. أي هل انتم تخبرون الله بما لا يعرف من الحرام والمشروع.
وقد قال تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ). 18 يونس.
ثم بين تعالى حال مشركين مكة في اية اخرى يشير على انهم يعرفون الله لكنهم لا يريدون وحده بل يصرّون على الذين يعظمونهم مع الله، وعندما يقرّ لهم بذلك يفرحوا وكأن عظمة زعماءهم في نفوسهم احب اليهم من الله. فقال الله عنهم: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ). 45 الزمر.
وليؤكد الله نهاية الموقف يصور لنا مشهد لحالهم يوم القيامة حيث يسألهم اين الشفعاء الذين تتوسلون بهم وجعلتموهم شركاء مع الله في شئونكم يخلصون ويساعدون بوسيلتهم وشفاعتهم، قال تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).94 الانعام.
ان ظن البعض بانهم يريدون وسطاء بينهم وبين الله فهو سوء ظن بالله، اذا كانت الوساطة لجلب نفع او دفع ضر فهذا هو المحظور، اما ان كانت لتبليغ الرسالة فهذا من الله لهم لتبليغ امره ونهيه فهو وسيط بيان وليس توسل، لكن من جهتهم لا وساطة الى الله. فالله معهم بلا واسطة.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية ج 1 / من ص 123 الى 126: ( وإن أراد بالواسطة‏:‏ أنه لابد من واسطة فى جلب المنافع، ودفع المضار، مثل‏:‏ أن يكون واسطة فى رزق العباد، ونصرهم، وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك، الذى كفر اللّه به المشركين، حيث اتخذوا من دون اللّه أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار‏.‏ لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها، حتى قال‏:‏ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 4‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏51‏]‏، وقال‏:‏ ‏{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 56، 57‏]‏، وقال‏:‏ ‏{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 22، 23‏]‏‏.‏ وقالت طائفة من السلف‏:‏ كان أقوام يدعون المسيح، والعزير، والملائكة‏:‏ فبين الله لهم أن الملائكة والأنبياء لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلا، وأنهم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}‏ ‏؟‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 79‏:‏ 80‏]‏، فبين سبحانه‏:‏ أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر‏.‏ فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}‏ ‏[‏الأنبياء 26‏:‏ 29‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 172‏]‏، وقال تعالى‏:‏ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 88 95‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله . . الى قوله: وقال‏:‏ ‏{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فلا راد لفضله}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 107‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 2‏]‏، . . الى قوله معترضا . . ( وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدى عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم، أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج‏.‏ فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادا‏.‏ وفى القرآن من الرد على هؤلاء، ما لم تتسع له هذه الفتوى‏.) انتهى ص 126.
فالتوسل من نوع الوساطة مع الله لا يجوز، وفي التوسل الغير شرعي نوع من الشفاعة المنفية، ومن الشفاعة نوع من التوسل، ولهذا التداخل نورد بعده تفصيل احكام الشفاعة، وقبل ان نورد المحظور منها المتداخل مع توسل المشركين نبين اولا احكام الشفاعة المشروعة ومعناها.

الشفاعـة واحكامها
والشفاعة: هي منة ربانية يرجوها كل المسلمين يكرم الله بها من يشاء، بل هي شفاعات عديدة منها الشفاعة الكبرى ستكون للنبي صلى الله عليه وسلم وشفاعات لعصاة الموحدين حتى لا يدخلون النار او للخروج منها، او شفاعات بين اهل الجنة وغيرها، وايضا شفاعات بدعية بل وشركية تخرج صاحبها من ملة الاسلام لانها تتعدى على حق الله، ويظنها البعض مشروعة وهي شائعة، ويجدر بنا توضيح كل الشفاعات وادلتها لاجل تحقيق المشروع منها والسلامة من الفهم السيئ الذي يفسد الدين.

الشفاعة لغة: الشفع ضد الوتر وهي جعل الوتر اثنين وتعني تثنية الطالب والانضمام اليه ليطلب معه اعانة له في الطلب، وبذلك تكون هي طلب الخير للغير، سواء لدفع ضر عنه او جلب مصلحة.
وبناء على ذلك تكون الشفاعة اصطلاحا: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب او تحصيل مطلوب للغير.
والشفاعة او الشفاعات هي واحدة من معتقدات اهل السنة والجماعة
والحقيقة العامة والهامة ان الشفاعة ملك لله وحده، يكرم بها من يشاء فيشفعه فيمن اراد الله ان يكرمهم بالنجاة من النار او دخول الجنة وغير ذلك كما سياتي، وليس للشافع قدرة ذاتية او تصرف في ان يدخل من يشاء او يخرج من يشاء، وليس مجرد رغبته ان يشفع يتحقق له ذلك، بل هي ملك لله وحده، فاذا اراد بعبد خير ورحمه هيئا له من يشفع فيه فيسأل ويطلب الاذن من الله فان شاء الله اذن والا فترد، فالامر لله، والشفاعة لله جميعا سواء اختيار الشافع او المشفع فيه كما قال تعالى: (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) وذلك ورد بعد ان وجه تعالى سؤالا لمن حددوا لانفسهم شفعاء يحمونهم من عذاب الله وكانهم يفعلون ما يشاءون فذكر ذلك كله في قوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون (. 43- 44 الزمر.
فاول ما يجب معرفته فيها ان الشفاعة لله يمنحها من يشاء، وليس للشفعاء من الرسل او الصالحين وعامة الشافعين ليس لهم ان يشفعوا في من يريدون الا ان يأذن الله لهم ويحققوا شروطها التي حان ان نقف عليها.
والشفاعة نوعان، شفاعة مثبتة ولها شروط، وشفاعة منفية، نقف عليها واحدة واحدة.
نبين ادلة الشفاعة المثبتة، ونبين ضلال الشفاعة المنفية، ومنها ما يرقي الى الشرك بالله فلنحذر ولندقق في ذلك ولا نأخذه الا بدليل من القرءان والسنة وعلى فهم سلف الامة الذين رووه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبسند صحيح حتى لا نتهاون في تحقيق الايمان.
القسم الاول الشفاعة المثبتة لها شرطان، ان يأذن الله للشافع، وان يرتضي الله المشفع فيه.
قال تعالى في الاذن للشافع: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). اية الكرسي 255 البقرة.
وقال تعالى: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ). 26 النجم.
وقال تعالى: ) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). 86 الزخرف.
فحصر تعالى الشفاعة في القرءان لمن شهد التوحيد بالحق أي لم ينقض شهادة لا اله الا الله وكان على ذلك حقيقة موحدا غير مشرك.
قال ابن كثير: هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عَلَى بَصِيرَة وَعِلْم فَإِنَّهُ تَنْفَع شَفَاعَته عِنْده بِإِذْنِهِ لَهُ.
وشهادة الحق اي ان يكون عالما بالتوحيد ولوازم شهادة لا اله الا الله، أي موحدا حقا لا يشرك بالله شيئا. ويكون هذا شرطا للشافع: ان يكون موحد لا يشرك بالله شيئا.
وشرط للمشفع فيه: ان يكون ايضا لا يشرك بالله شيئا، أي قوله لا اله الا الله بحق فيرتضي الله قوله لصدقه بالتوحيد، كما هو واضح في سياق الايات كقوله تعالى: (.وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ). 28 الأنبياء. فمن ارتضاهم الله من أصحاب الخطايا فيعطي الاذن للشفاعة فيهم، وليس كل من احب تابعا ينجيه من النار او يدخله الجنة.
وقال تعالى: (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا). 109 طه.
وايضا ورد في الحديث فى صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا.
فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي للذين لم يموتوا مشركين، أي كانوا موحدين، واما الشفاعة العامة لاهل الموقف ان ينتقلوا الى ارض الحساب وبعدها الى الجنة او النار.
وبهذا يسقط فهم العوام من ان شيوخهم يحجبونهم عن النار او يدخلونهم الجنة لمجرد ان اتبعوهم، ومع انهم اتباعهم على غير هدى من الله الا ان ظنهم في شفاعتهم بطريقة الجاهلية الاولى، يرون ان شيخ الطريقة يدخلهم الجنة، ومن قولهم ما اوردناه سابقا حيث قال بعضهم في اشعارهم:
مريدنا لا تخف اشرب وغنيي وافعل ما تشاء اترك وخلي
أي اشرب الخمر واترك العبادات وسوف ادخلك الجنة (هذا زعم شيخه)
لهذا تغنى بعض أتباعهم فرحا بإدخاله الجنة مع شربه الخمر وقال بالعامية:
عصاة تشرب الدكاي مع الصديق سديد الراي
والدكّاي نوع من الخمر ومع هذا شيخه يدخله الجنة مع ابو بكر الصديق (على زعمه الباطل) وهذا ما ننبه الى انه كفر بالله حيث انهم يزعمون التصرف في ملك الله وخلقه ويمنّون الأتباع ليعصون الله لأنهم يضمنون لهم الجنة.
ونجد ان النبي صلى الله عليه وسلم يبين ان الشفاعة لا تعني انتظاره ليدخلهم الجنة، مع ان له شفاعات على تلك الشروط لكنه اول من حذر اهل بيته من الاعتماد على قرابتهم منه وانه لا يغني عنهم من الله شيئا:
وروى ابي هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل: { وأنذر عشيرتك الأقربين }. قال : يا معشر قريش- أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا. الرقم .2753
وقال تعالى: ( . . وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ. . الاية) 18 فاطر.
بل بين صلى الله عليه وسلم ان المبتدعين تبعدهم الملائكة يوم القيامة رغم سعيه صلى الله عليه وسلم اولا لانقاذهم قبل ان يعرف علتهم وجاء في الحديث المشهور بعدة روايات منها: عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَSadإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي. رواه البخاري رقم 6212 / ومسلم 2290.
فالذي يشفع يجب ان يكون موحدا ثم ياذن الله له في الشفاعة، يعني حتى اذا كان موحدا لا يشفع تلقائيا من عنده ولكن حتى ياذن الله له اذا كان موحدا.
والمشفع فيه ايضا يجب ان يكون موحدا لا يشرك بالله شيئا ثم ياذن الله للشفاعة فيه، أي يقبل ان يشفعوا له فيكون خرج من النار او دخل الجنة باذن ربه ورحمته له، بعد ان رضي قوله وفعله، وليست الشفاعة للمشركين حتى لعم النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجه من النار كما ورد الاثر


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 12:55 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:45 pm

اما عن انواع الشفاعات المثبتة منها الشفاعة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم ثم شفاعته في اهل التوحيد من امته، منها ما رواه البخاري: (اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه، يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاع، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونني، فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل). فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن، وهو متوار في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك، فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه، فحدثناه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه، فقلنا: لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني، وهو جميع، منذ عشرين سنة ، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا، قلنا يا أبا سعيد فحدثنا: فضحك وقال: خلق الإنسان عجولا، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به، وقال: ( ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله). الرقم: 7510.
وعلم ان ذلك في من شهد بالحق وهم يعلمون، أي من قال لا اله الا الله يعتقد ما تتضمن من التوحيد والسلامة من الشرك كما بين الحديث: ( من مات لا يشرك به الله شيئا).
فهي في من حقق التوحيد ولم يقع في الشرك لكن لهم معاصي استحقوا بها العذاب فيخرجهم ربهم بالشفاعات المذكورة. واما من وقع في الشرك ولم يرجع بل مات عليه فلا شفاعة لمن اشرك ومات على ذلك.
والشفاعات عديدة منها ليتحول الناس من ارض المحشر الى ارض الحساب وهذه في حق كل الامم، ثم شفاعته في عصاة الموحدين من امته صلى الله عليه وسلم لمن اذن لهم الرحمن، لدخول الجنة او للخروج من النار ثم دخول الجنة.
ثم شفاعة الشهداء وغيرهم وكلها بتلك الشروط، فعلى العبد ان يضع نفسه في من يستحقها. لان من وقع في الشرك لا يستحقها.
ان بيان تلك الاحكام وافعال الجاهلية نريد منها تصحيح ممارسات بعض المسلمين الذين وقعوا في المنهي عنه من افعال الامم السابقة سواء في التوسل الغير مشروع او الشفاعة الغير مشروعة.
واذا تأملنا حكاية المشركون السابقين نجدها عند كثير من عوام المسلمين اليوم ومنها ما جاء في قوله تعالى: (. . وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) .94 الانعام.
نسمع كثيرا من حولنا القول: بان شيخ الطريقة يشفع في مريديه ويدخلهم الجنة، بل قالوا عند غياب الشيخ مات احد حواره فلما رجع قال: تغيّبني وتفعل مثل هذا فلا والله اذا ما جئت تنشر. أي تحيى فاحي تلميذه على زعمهم الباطل. وذلك ضلال اكبر من مسألة الشفاعة.
علما بان نبي الله نوح لم ينجي ابنه وهو من اولي العزم الخمس طلب من ربه بإشارات ومقدمات فقط حيث قال: (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ). يشير الى وعد الله له ولاهله. لكن الرب تعالى نهاه ان يسال لولده النجاة طالما هو اصر على شركه، فلم ينفعه جاه ابيه حيث قال تعالى: ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) 47 هود.
ان فرصة الشفاعة يسعى لها العبد بعمله ويتأهل لها ويرجوها من ربه. و لا يتكل على الشفعاء لنجاته.

من حكمة دين الاسلام:
انه جاء ليحقق لهم الحرية والكرامة والسعادة والمساواة ولا يسمح للبعض باستغلالهم واستعبادهم، ويريد ان يحرر الناس من الذل وعبادة البشر الى عبادة الله، قال تعالى: ( . . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ. . الاية) 157 الاعراف.
وان الرسل ما جاءوا ليقدسهم الناس او يتعالوا عليهم، بل ليسبقوهم الى التواضع مع الخلق لله والتذلل له. وبين تعالى ذلك جليا حتى لا يعظم الرسل فوق ما يستحقون الى درجة يعطوهم من حق الله فقال تعالى: (.. وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون). 80 آل عمران.
وهذا المشهد ينقلنا الى باب الغلو.
الغلو وتعريفه:
حيث يتضح المشهد اكثر وتشرح الاية ضمنه، فلما كان سبب ضلال الامم السابقة هو الغلو في الصالحين من البشر، ضرب الله الامثلة بالانبياء والملائكة، وانه لم يامر الناس بتقديسهم ولا ليرفعونهم فوق منزلتهم بل وصف ذلك التعظيم بانهم كفر، وسبقه في الاية بالوصف انه لا يحق لبشر اكرمه الله بالدين ان يستعبد الناس او يطلب منهم تعظيمه مع الله كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ). 79 آل عمران.
يشر الى انه ليس من شأن الرسل طلب الانكسار والتذلل من الناس لهم. او الركوع والسجود لهم، أي كما فعلتم بعلمائكم وتأليه بعض الرسل.
وذكر ابن كثير: قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِع الْقَرَظِيّ حِين اِجْتَمَعَتْ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْل نَجْرَان عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّد أَنْ نَعْبُدك كَمَا تَعْبُد النَّصَارَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَهْل نَجْرَان نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ الرَّئِيس: أَوَ ذَاكَ تُرِيد مِنَّا يَا مُحَمَّد وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ: فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلِّلِيهِ وَسَلَّمَ" مَعَاذ اللَّه أَنْ نَعْبُد غَيْر اللَّه أَوْ أَنْ نَأْمُر بِعِبَادَةِ غَيْر اللَّه مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي " أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمَا " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة - إِلَى قَوْله - بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " فَقَوْله " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه " أَيْ مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ آتَاهُ اللَّه الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالنُّبُوَّة أَنْ يَقُول لِلنَّاسِ اُعْبُدُونِي مِنْ دُون اللَّه أَيْ مَعَ اللَّه فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَصْلُح لِنَبِيٍّ وَلَا لِمُرْسَلٍ فَلَأَنْ لَا يَصْلُح لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس غَيْرهمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : لَا يَنْبَغِي هَذَا لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَأْمُر النَّاس بِعِبَادَتِهِ قَالَ : ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم كَانَ يَعْبُد بَعْضهمْ بَعْضًا يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب كَانُوا يَعْبُدُونَ أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " الْآيَة . وَفِي الْمُسْنَد وَالتِّرْمِذِيّ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا عَبَدُوهُمْ قَالَ " بَلَى إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ " فَالْجَهَلَة مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان وَمَشَايِخ الضَّلَال يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الذَّمّ وَالتَّوْبِيخ بِخِلَافِ الرُّسُل وَأَتْبَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِمَا يَأْمُر اللَّه بِهِ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُله الْكِرَام وَإِنَّمَا يَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُله الْكِرَام. فَالرُّسُل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ هُمْ السُّفَرَاء بَيْن اللَّه وَبَيْن خَلْقه فِي أَدَاء مَا حُمِّلُوهُ مِنْ الرِّسَالَة وَإِبْلَاغ الْأَمَانَة فَقَامُوا بِذَلِكَ أَتَمَّ الْقِيَام وَنَصَحُوا الْخَلْق وَبَلَّغُوهُمْ الْحَقّ وَقَوْله " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " أَيْ وَلَكِنْ يَقُول الرَّسُول لِلنَّاسِ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو رَزِين وَغَيْر وَاحِد أَيْ حُكَمَاء عُلَمَاء حُلَمَاء وَقَالَ الْحَسَن وَغَيْر وَاحِد : فُقَهَاء وَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا يَعْنِي أَهْل عِبَادَة وَأَهْل تَقْوَى . وَقَالَ الضَّحَّاك فِي قَوْله " بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " حَقّ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآن أَنْ يَكُون فَقِيهًا. تَعْلَمُونَ أَيْ تَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ وَقُرِئَ تُعَلِّمُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّعْلِيم " وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " تَحْفَظُونَ أَلْفَاظه.
واما الرسالة الموجهة في الاية التي تليها: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 80.
أي حتى أفضلكم وهم الرسل وايضا الملائكة المعصومين لم يشرع تعظيمهم الى درجة الغلو فكيف بغيرهم من العامة. ثم حكم على فعلهم وتعظيم بالكفر.
وقد ذكر ابن كثير: ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَا يَأْمُركُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا " أَيْ وَلَا يَأْمُركُمْ بِعِبَادَةِ أَحَد غَيْر اللَّه لَا نَبِيّ مُرْسَل وَلَا مَلَك مُقَرَّب " أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " أَيْ لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا مَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَة غَيْر اللَّه وَمَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَة غَيْر اللَّه فَقَدْ دَعَا إِلَى الْكُفْر وَالْأَنْبِيَاء إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت " الْآيَة وَقَالَ " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ " وَقَالَ إِخْبَارًا عَنْ الْمَلَائِكَة " وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّم كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ "انتهى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة السنية: فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها: الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة آخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم ، يقولون : ' 39 : 3 ' " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " ' 10 : 101 ' " ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " فبعث الله سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه ، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة . ا هـ .
وذلك كله من الغلو في الدين، وفي شيوخهم المعلمين كالاحبار والرهبان وايضا الرسل، فنقف على ما ذكر الله تعالى في ذلك.
قال تعالى في سورة النساء: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.)171.
والغلو: هو المبالغة في الشيء، وتجاوز الحد الطبيعي له. يعني تجاوز الحق، وحدود الشريعة المثبتة.
قال القرطبي: نَهَى عَنْ الْغُلُوّ. وَالْغُلُوّ التَّجَاوُز فِي الْحَدّ; وَمِنْهُ غَلَا السِّعْر يَغْلُو غَلَاء; وَغَلَا الرَّجُل فِي الْأَمْر غُلُوًّا, وَغَلَا بِالْجَارِيَةِ لَحْمُهَا وَعَظْمُهَا إِذَا أَسْرَعَتْ الشَّبَاب فَجَاوَزَتْ لِدَاتِهَا; وَيَعْنِي بِذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ غُلُوَّ الْيَهُود فِي عِيسَى حَتَّى قَذَفُوا مَرْيَم, وَغُلُوّ النَّصَارَى فِيهِ حَتَّى جَعَلُوهُ رَبًّا.
قال ابن جرير: الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: { يَا أَهْل الْكِتَاب}: يَا أَهْل الْإِنْجِيل مِنْ النَّصَارَى, { لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول: لَا تُجَاوِزُوا الْحَقّ فِي دِينكُمْ فَتُفَرِّطُوا فِيهِ , وَلَا تَقُولُوا فِي عِيسَى غَيْر الْحَقّ , فَإِنَّ قِيلكُمْ فِي عِيسَى إِنَّهُ اِبْن اللَّه قَوْل مِنْكُمْ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ, لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا, فَيَكُون عِيسَى أَوْ غَيْره مِنْ خَلْقه لَهُ اِبْنًا. { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَأَصْل الْغُلُوّ فِي كُلّ شَيْء: مُجَاوَزَة حَدّه الَّذِي هُوَ حَدّه, يُقَال مِنْهُ فِي الدِّين قَدْ غَلَا فَهُوَ يَغْلُو غُلُوًّا.
ذكر الامام البخاري في صحيحه: (كتاب الاعتصام بالسنة ) باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع )، لقوله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق ).
وقال الحافظ ابن حجر التعميق فهو بالمهمة وبتشديد الميم ثم قاف ومعنا التشديد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه. وقال: (وأما الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، وفيه معنى التعمق ).
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: ( وأصل ذلك أن خير الأشياء أوسطها، والغلو والتقصير مذموما، وذكر ابن جبر الطبري أنه من التوسط في الفعل، فإن المسلمين لم يقصروا في دينهم كاليهود، فإنهم قتلوا الأنبياء وبدلوا كتاب الله، ولم يغلوا كالنصارى، فإنهم زعموا أن عيسى ابن الله).
وجاء في الحديث لفظ: ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا. قال الإمام النووي في شرح الحديث: (المتنطعون ): أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
وذكر ابن كثير في سورة المائدة: قَالَ " يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ غَيْر الْحَقّ " أَيْ لَا تُجَاوِزُوا الْحَدّ فِي اِتِّبَاع الْحَقّ وَلَا تُطْرُوا مَنْ أُمِرْتُمْ بِتَعْظِيمِهِ فَتُبَالِغُوا فِيهِ حَتَّى تُخْرِجُوهُ عَنْ حَيِّز النُّبُوَّة إِلَى مَقَام الْإِلَهِيَّة كَمَا صَنَعْتُمْ فِي الْمَسِيح وَهُوَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء فَجَعَلْتُمُوهُ إِلَهًا مِنْ دُون اللَّه وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِاقْتِدَائِكُمْ بِشُيُوخِكُمْ شُيُوخ الضَّلَال الَّذِينَ هُمْ سَلَفكُمْ مِمَّنْ ضَلَّ قَدِيمًا " وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " أَيْ وَخَرَجُوا عَنْ طَرِيق الِاسْتِقَامَة وَالِاعْتِدَال إِلَى طَرِيق الْغَوَايَة وَالضَّلَال.

وجه اخر للغلو:
ان يتكلف العبد في العبادة ويزيد على ما جاء في الشرع رغبة في زيادة الاجر، لكن الشارع ينهى عن ذلك لانه لا يعبد الله الا بما شرع ، وذكرناه في تفصيل اخر في الاتباع وشهاة محمد رسول الله، ونرد هنا نص واحد رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله علية وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله علية وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلي الله علية وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر !.قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الأخر: وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر. وقال الأخر: وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!. فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم إليهم فقال: ( أنتم الذين قتلهم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فلي منى.
ومن الغلو:
تعظيم قبور الرسل او الصالحين والتبرك بها او الدعاء عندها بقصد التوسط بها او دعاءها مباشرة ويطلب من صاحب القبر قضاء الحاجات وتفريج الكربات فهذا شرك بالله، ولم يفعل ذلك الصحابة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. بل كان النهي الصريح ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم ان ترفع القبور.
روى الامام مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك.
وروى الامام مسلم عن جابر بن عبد الله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر. وأن يقعد عليه. وأن يبنى عليه.
وروى ايضا عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ).
وروى الامام مالك من حديث عطاء بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبرى وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
فاذا كان غضب الله اشتد لذلك الفعل وعلى قبور من؟ الرسل والانبياء! فهذا يعني ان فعل ذلك لغيرهم اولى بالمنع. والحديث يفيد عظم ذنب تعظيم القبور.
وروى البخاري: عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله.
وللشيخان: عن عائشة رضي الله عنهاـ قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال. وهو كذلك: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً.
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعاً: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد.
فهذا في من رفع القبور، اما من دعاها وطلب منها المدد واستغاث بها فهو شرك اكبر يخرج من دائرة الاسلام، كما سبق بيانه.
ان شرك الجاهلية الاولى كان في تعظيم الصالحين وغيرهم، لان هناك من المضلين الذين هدفهم هدم الدين من داخله فخدعوا الناس بانهم علماء ثم شرعوا لهم بدع وشرك جعلوا فيه صفات الله لبعض الخلق.

حوار في النار بين شيوخ الضلال واتباعهم
وقد بين تعالى الحوار بين المشركين ومن عظموهم وذلك في النار، ويفيد ان آلهة المشركين كان منهم بشر ادعوا صفات الله.
ثم حاولوا ان ينفوا وينكروا لكن اتباعهم ذكروا ما امروهم به وهو كالذي نراه عند الناس في مجتمعاتنا.
ونقف على ذلك الحوار في النار: قال تعالى: (. . وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْد رَبّهمْ يَرْجِع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْقَوْل يَقُول الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).31 سبأ.
أي انتم سبب ضلالنا دعوتونا للضلال. ورد الزعماء المشرعين: في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْد إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ). 32 سبأ.
أي انتم لم تسيروا على الخير سرتم خلفنا لانكم ترغبون في ذلك وحاولوا نفي الحقيقة من شدة حرجهم. لكن الاتباع صرحوا بشي وهو ما قصدناه هنا ليتذكره الناس. ان الزعماء المشرعين كانت لهم دعوات وفتاوى وتعاليم تدعوا اتباعهم لتعظيمهم الى درجة حملوا صفات الله، مثل انه يعلم الغيب او طلب منهم ان يدعوه ليفرج كربهم وغيره فحكا الله عنهم ذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَة لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). 31- 33 سبأ.
وقولهم (نجعل له اندادا) أي نجعل له مثله في صفاته، مثل علم الغيب او سميع الدعاء او يشفى المريض او يتوكلوا عليه. فهذا كله شرك فلنحذر من الغفلة التي تفوت ذلك . والنجاة هي في دراسة التوحيد والسنة.
وايضا على لسان المشركين بين ما سبب شركهم في الدنيا وذلك لمّا شاهد المشركون في النار زعماءهم الذين اشركوا بهم في الدنيا قالوا شي ذكره الله تعالى في سورة النحل 86: ( وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ).
فاعترفوا بان سبب شركهم هو: دعاءهم لهم من دون الله.
الى ان ذكر تعالى فعل زعماءهم بانه صدّ عن سبيل الله بل كفر لانه دعاء غير الله، حيث قال تعالى في تكملة الآيات: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ).88 النحل.
أي افسدوا دين الناس وأضلوهم باشياء لم يشرعها الله وابعدوهم عن الحق.
وهنا نزيد من بيان صفات المشركين الاوئل لمعرفة اسباب شركهم وما هي آلهتهم:
وقد كان مشركي مكة يقرون بدعاء الله لكن مع دعاء غيره من الصالحين، ويرفضون تركهم، فبين لهم في النار ان ذلك هو سبب دخولهم النار، فقال الله عنهم: ( ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ). 12.غافر.
الى ان طلب منا الاخلاص في الدعاء فقال: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ). 14. غافر.
كما يتضح على لسان المشركين احد اسباب شركهم وهو اتباعهم السادة والكبراء الذين شرعوا لهم البدع والشرك، وقال الله عنهم: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ).الاحزاب.
قال ابن كثير: قَرَأَ الْحَسَن: " سَادَاتِنَا " بِكَسْرِ التَّاء, جَمْع سَادَة. وَكَانَ فِي هَذَا زَجْر عَنْ التَّقْلِيد . وَالسَّادَة جَمْع السَّيِّد, وَهُوَ فَعَلَة, مِثْل كَتَبَة وَفَجَرَة. وَسَادَاتنَا جَمْع الْجَمْع. وَالسَّادَة وَالْكُبَرَاء بِمَعْنًى. وَقَالَ قَتَادَة: هُمْ الْمُطْعِمُونَ فِي غَزْوَة بَدْر. وَالْأَظْهَر الْعُمُوم فِي الْقَادَة وَالرُّؤَسَاء فِي الشِّرْك وَالضَّلَالَة, أَيْ أَطَعْنَاهُمْ فِي مَعْصِيَتك وَمَا دَعَوْنَا إِلَيْهِ.
والسادة في مجتمعاتنا عند اصحاب الطرق الصوفية عبارة مشهورة فهم من دعوهم للبدع وتعظيم القبور ودعاءها والاعتقاد في السادة. بل يقولون سيدي وستي، فاعلم ياعبد الله ان الطريق الحق هو تعظيم الله وليس تعظيم الخلق او يدعوا ليله ونهاره الى تمجيد البشر، والسبيل الذي قالوا عنه: فاضلونا السبيل: قال القرطبي: أَيْ عَنْ السَّبِيل وَهُوَ التَّوْحِيد.
اي سبيل الدعوة الى التوحيد والنهي عن نقيضه الشرك والبدع، فصاحب هذه الدعوة هو السبيل الذي ضل عنه اتباع السادة الذين قالوا فاضلونا السبيل.
كما بين تعالى في ما سبب ضلال المشركين في حوار في النار ذكره الله في القراءان وهو العليم بما سيكون منهم قال تعالى في سورة الشعراءSmile قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ* فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). 96 -103 الشعراء.
أي كانوا يساونهم بالله في بعض الصفات عندما يعتقدون ان شيوخهم يحيون الموتى او يعلمون الغيب او يشفي المريض ويقضي الحاجات ويدعونهم ويستغثون بهم فهذه مساواة لهم برب العالمين.
ومن شركهم ايضا:
التفرق في الدين:
وتفرقهم في الدين الى فرق واحزاب وطوائف دينية مع ان الدين واحد. فنهانا الله عن ذلك وبين ان بذلك اشركوا في جعل سبل موازية لسبيل الله، قال تعالى: ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). 31-32 الروم.
ويجب هنا معرفة علامات اشار الله لها منها (منبين اليه)، فيجب معرفة الانابة ومن هؤلاء المنيبين الذين امرنا ان نتبعهم حيث اشار تعالى الى اتباع سبيلهم، فعندما ذكر حقوق الوالدين وبرهما وامر بمصاحبتها ولم يامر باتباع سبيل الوالدين، بل امر باتباع سبيل من اناب اليه، حيث قال تعالى: ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ. . ).15 لقمان.
بمعنى يشير الى الدين اي لا تتابعهم فيه ولكن اتبع سبيل من اناب الي، ولتحقيق هذا الامر الرباني علينا ان نعرف من هم الذين انابوا اليه وامرنا بمتابعتهم، صفاتهم وافعالهم، لانهم المثال الذي نهج حقيقة الاسلام الذي نتحدث عنه.
صفات من سار على حقيقة الاسلام
هي صفات اهل الانابة الى الله واجتنبوا عبادة كل أنواع الطاغوت، فهم الذين دعا الله تعالى للاقتداء بهم حيث قال تعالى في سورة الزمر: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ). 18 الزمر.
فاولها اجتنبوا الطاغوت، والاجتناب اشد من الترك: أي عدم الاقتراب منه والبعد عن الوسائل التي تقرب او توصل الى الطاغوت بكل اشكاله. أي بعيدون عن من يعبد من دون الله سواء بشر او غيره سواء يدعى من دون الله او يشرّع او يدّعي علم الغيب. فمن هجر ذلك وتوكل على ربه اناب الى الله.
وهذه صفات اهل التوحيد، واولها اجتبنوا الطاغوت، أي: كل ما يعبد من دون الله. وكأن مسايرة الطاغوت تبعدهم عن الله فجعل في المقابل وانابوا الى الله.
والطواغيت هم كما روي عن الامام ابن القيم وغيره (الطواغيت ): كثيرون ورؤوسهم خمسة: الشيطان، ومن دعا الناس لعبادة نفسه، ومن عبد وهو راضي، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما انزل الله.
وقال ابن كثير: وَقَوْله " فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا اِنْفِصَامَ لَهَا وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " أَيْ مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَان مِنْ عِبَادَة كُلّ مَا يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه وَوَحَّدَ اللَّه فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ " فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " أَيْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْره وَاسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَة الْمُثْلَى وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم.
,قال الإمام ابن القيم: ( الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من: معبود، أو متبوع، أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أن طاعة لله.
ويقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: ( والطاغوت: عام في كل ما عبد من دون الله، فكل ما عُبد من دون الله، ورضي بالعبادة، من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت) اهـ
الدرر السنية 1 / 161.
قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين، رحمه الله: اسم الطاغوت يشمل: كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلالة يدعو إلى الباطل ويحسنه، ويشمل أيضا: كل ما نصبه الناس بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله، ويشمل أيضا: الكاهن والساحر وسدنة الأوثان.) اهـ
مجموعة التوحيد : 500
فعلمنا من صفات اهل الانابة: انهم هجروا الطاغوت واجتنبوه، والانابة الى الله بالرجوع اليه واللجوء في كل شيء، أي تركوا الاعتماد على غيره ثم اعتمدوا عليه وحده. ثم قال عنهم (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). أي لهم علم وتثبّت فلا يقبلون كل قول باطل، بل يتابعون الصواب الثابت بالادلة، ولهذه الصفة المعرفة والتثبت وصفهم الله تعالى اخر الاية بقوله : (وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).
فمن سياق الايات تتضح دعوته الى طريق اهل التوحيد أي البعيدون عن الطواغيت والباحثون في الاقوال حتى تنقيتها والعمل بما هو ثابت وصحيح، ووصفهم بالذين (هداهم الله وأولئك هم اولوا الالباب). اهل العقول واهل الدراية بالدين.
والطاغوت الاول ابليس معلوم انه العدو، لكن البعض يجعله اله اذا اطاعه كثيرا حتى اعرض عن دينه او يظن انه يخدمه، واما الطاغوت الذي دعا الناس لعبادته: فهو من يامر بالسجود له او على يده تقبيله للتقديس، او يدعو لدعاءه ومناداته لجلب نفع او دفع ضر، والاستعانة والاستغاثة به والاستعاذة او الحلف به او رجاءه سواء لخير الدينيا او الاخرة او يشرع لهم من الدين ما لم ياذن به الله ، كله يدخل في دعا لعبادته.
اما من عبد وهو راضي، وهو المتحايل يرضى بذلك الفعل ويقره وكانه يقول لم امرهم لكنه ما رفضه فهو راضي بان يدعوه ويستغيثوا به فهو من الطاغوت، واما من ادعى شيء من علم الغيب، وورد بيانه في من اتصف بشيء من صفات الله كعلم الغيب ويدخل فيها الدجالون ومن يخبر اتباعه بانه يعلم حاجاتهم ومشاكلهم قبل ان يخبروه. وربما واجههم بذكر بعضها مما يوحيه اليه الشيطان القرين.
واما من حكم بغير ما انزل الله، وهو ثلاثة احكام ليس المجال التوسع فيها وقد فصلنا فيها في كتاب اخر يرد على فهم المتطرفين والتكفريين لهذه المسالة، وهو ثلاثة حالات: الاصل المعني هنا وهو ان يحكم راضي وقابلا بحكم غير الله راغبا في ذلك، وهو مستطيع فيعدل عنه لغيره فهو طاغوت أي يكفر بذلك، وهذا ما فهمه خطا كثير من المتشددين حيث ضموا اليه الحالات الاخرى وهما الصنفان: كفر اصغر او ظلم اصغر او فسق اصغر، وهو لا يخرج من ملة الاسلام، وهو لمن فعل ذلك تساهلا لكنه مؤمن بانه الحق فهو عاص، كمن يشرب الخمر ولا يستحلها.
وقسم ثالث: هو المعذور في الحكم بغير ما انزل الله، لانه عاجزا عنه لاسباب او اكراه او اضطرار كما كان نبي الله يوسف عليه السلام حاكما وزيرا لا يمكنه فعل ذلك وحكم بما يمكنه الحكم به، وكذلك الحاكم الذي عليه تهديدات وضغوط قد لا يعلمها العامة، فهناك عذر في هذه الحالة ويقدر ذلك الفقهاء واهل الاجتهاد وليس عامة الدعاة والمتعجلين، ووسعنا الحديث فيه ضمن كاتب اخر باسم: (البؤر الإرهابية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، الفصل الثاني: ظاهرة التطرف والخوارج بين الفحص والعلاج).
فمن اجتنب كل هذه الطواغيت المعبودة من دون الله او يعتقد الناس فيها، وتحرر من أي عبودية لغيره الله فيتوكل على الله وحده هم من استمسك بالعروة الوثقى كلمة لا اله الا الله، أي هم من حققها كما قال تعالى في سورة البقرة: (.. فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا).256 .
وهذه الصفات أي ترك الطواغيت، والانابة الى الله، عليها اتباع السلف الصالح ودعاة التوحيد( المعتدلين وليس الادعياء المتطرفين)، اهل التوحيد الذين بنوا دعوتهم على التوحيد كاساس ونهوا عن الشرك والكفر والمعبودين من دون الله، لكن هذه السلفية لا تعني الادعياء الذي حملوا اسم السلفية وهم على نهج الخوارج والتكفريين الجدد، فلا تنخدعوا في بعض من ينتسبون الى منهج السلف ويزعمون السلفية وهم يخالفون حتى علماء مذهب اهل السنة، ويكفرون الناس بطريقة متعسفة فالسنة والسلفية منهم براء.
وسيرد لذلك تفاصيل اخرى في المنهج.
ومن تلك الصفات لاهل الانابة والايمان الصحيح الذين رغّب الله ان نكون منهم، والذين بشرهم بالجنة وبين انهم يخشونه، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ. ثم وصفهم ب: ( وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).
ثم وصفهم بالتوحيد وعدم الشرك حيث قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ). 58 المؤمنون.
فاهل الايمان الذين دعانا الله لان نكون منهم هم الذين لا يشركون بالله، كما ذكر تعالى صفات المؤمنين اهل الحق والانابة، فوصفهم بانهم لا يدعون غير الله، حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ) 68 الفرقان. الى ان بشرهم رقوله: (أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ). 75 الفرقان.
فايا كان المدعو الاخر فهو مع الله شرك لا يفعله من وحّد الله.
ومدخل للمنهج يجب على المسلم ان يوطن نفسه ويبحث ويطلع ويتابع اهل العلم المعتبرين، واما متابعة العامة على ما يفعلون فهذا تقليد أعمى والشارع امر باتباع الحق وليس التقليد ولا الظن. بل طريق التنقيح والتاكد من الصحة والتقيد بالسنة كما هو سبيل علماء الحديث والسنة.

التفريق بين مسلم سنة واهل السنة والجماعة
وهناك خلط بل غلط كبير عند العامة من المسلمين السنة اي غير الشيعة يزعمون انهم من اهل السنة والجماعة، في حين لا يلتزمون بالسنة ويمارسون البدع، لان هناك خلط وسوء فهم من العامة لمنهج اهل السنة والجماعة، وماذا تعني عبارة اهل السنة والجماعة.
وكانت الدعوة لجماعة اهل السنة في القرن الرابع والخامس من علماء خالفوا اغلب المسلمين وقالوا انكم ابتدعتم، حيث كان بين العامة خوارج ومعتزلة وقدرية ورافضة شيعة وجهمية ومتصوفة وغيرهم من فرق المسلمين، فدعا علماء السنة في زمانهم للاخذ بالسنة والاحتكام اليها فيما اختلفوا فيه من فهم القرءان، وما اشكل في السنة ينظر فيه بما فهمه الصحابة منها، وبينوا الموقف عند الخلاف وأوجبوا التقيد بالسنة، ودعوا لمخالفة كل تلك الفرق من عامة المسلمين، وعرفوا بأنفسهم باهل السنة، ثم اوجبوا ان يكون هؤلاء جماعة على السنة، وتتبنى ما كان عليه فهم الصحابة رضي الله عنهم، هنالك ظهر اسم: اهل السنة والجماعة. وكان على مرحلتين.
عرفوا اولا باهل السنة، عندما اشترطوا التقيد بالسنة، ثم دعوا الى الاجتماع لاهل السنة وان يتميزوا عن الفرق المبتدعة واوجبوا الجماعة على ذلك، فسموا باهل الجماعة، ثم اصبح التعريف بالصفتين اللتين اوجبوهما، ( اهل السنة والجماعة) تميزت عن عامة الفرق، حتى ان خليفة المسلمين على عصر الامام احمد لم يحسب من اهل السنة والجماعة، بل هو نفسه لم ينتسب اليهم، لانها في ذلك الزمان كانت عبارة اهل السنة والجماعة غريبة وشاذة، والعامة يخالفونها، بل عذّب اهل السنة في السجون لكثرة من يقول بخلق القرءان، القول الذي خالفه اهل السنة وحدهم، والعلماء غيرهم اقنعوا خليفة المسلمين بذلك، لكن ثبت اهل السنة حتى اتضح الامر ورجع الخلفاء عن رأيهم فيما بعد، وتابعهم الكثيرون.
ولان اهل السنة كانوا مراجع في العلم ومنهم الامام احمد، ثم جاء علماء الحديث من بعدهم وانتشر العلم، فاصبح اهل السنة هم القدوة، وقمعت البدعة، وقد كان سبق الاهتمام بالعلماء في فترة حكم بني العباس جمعوا العلماء واكرموهم واقاموا مكتبات في العراق وغيرها واحترموا العلماء واصبح طلّاب العلم يجمعون السنة، ثم في فترة الفاطميين عاد الجهل ونشروا التصوف بين السنة كخطوة تقربهم من الرافضة، ونشر افكار الحلوليين أي من يقولون بحلول الذات الالهية في العبد، وهي مدرسة صوفية، واخرين يقولون بوحدة الوجود، أي ان الكون كله أجزاء من الذات الإلهية ومجموع الوجود عندهم هو الله، وهم مدرسة صوفية أيضا، وكلا القولين باطل، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وبعدها ظهرت الدعوة مرة اخرى الى السنة، من المحديث والمجددين وعلماء الحديث وقبلهم كتب السنن حتى خلفتهم فئة اشتهرت بالسنة والجماعة وتابعهم شيخ الاسلام ابن تيمية، وتلاميذه ابن كثير وابن القيم والامام الذهبي، وقد كان كذلك الامام الشاطبي رحمهم الله جميعا. ثم تبعهم كثيرون.
ومع انهم في فترة فيها خلفاء للمسلمين على مذهب العامة، ويعملون معهم ويجاهدون معهم ويصلون معهم ولا يكفرونهم، الا انهم يدعون الى جماعة اهل السنة التي تتميز عن اهل البدع وعامة الناس كجماعة دعوة وطلاب علم وشيوخ للسنة. لان الخلفاء يومها اقرب الى العوام.
ومع هذا لم يخرجوا على الامام ولم يدعوا للخروج عليه، لان ذلك ليس من منهجهم ويرون انهم اما متأوّلون او جهلاء ورثوا البدع من عشرات السنين، فيعملون على دعوتهم من وقت لاخر، كما كان قبلهم الامام احمد رحمه الله لم يسمح بالخروج على الخليفة الذي يقول بخلق القرءان، وصبر ويدعو الى ان رجع ابن الخليفة وابطل ما حدث من والده، وهذا من فقه اهل السنة لا يريدون من دعوتهم مزاحمة سياسية او سلطة كما يفعل البعض اليوم، فالائمة دعاة توجيه يبيّنوا الحق ويعملوا به.
وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في عصره ينصح الخليفة أحيانا.
ثم وشى فيه علماء السوء الذين يريدون ابعاده عن الخليفة. فقالوا للخليفة انه يريد ملكك، فارسل اليه الخليفة وساله بلغني عنك كذا، فقال ابن تيمية ضمن ما قال: والله ان ملكك عندي لا يساوي جناح بعوضة، ( أي انا زاهد في ذلك وليس من اهتماماتي، بل همي اصلاح عقائد الناس ودعوتهم الى التوحيد لا اريد شي يشغلني عن ذلك). فرد عليه الخليفة: والله انك لصادق وان الذي وشى فيك لكاذب.
وهذا حال اكثر خلفاء المسلمين، فلا يزال فيهم خير، طالما فضل ان يكون خليفة للمسلمين، فان فيه خير ونزعة دينية، حتى ان كان له هوى او فساد شخصي لكنه محب للدين، فلا يخرج اهل السنة عليه بذلك. بل يبقون فرقة علمية دعوية تحمل العلم والسنة للعامة كمرجع معتدل، لاقامة الحجة وبيان المحجة أعذارا الى الله وتنفيذا لامره بالبيان.
واذا راجعتم كتب الفرق المتصوفة في القرون الوسطى فانهم لم ينتسبوا الى اهل السنة والجماعة في تلك القرون، ولم تتردد عندهم عبارة اهل السنة والجماعة بل يعرفون انها للتميز عنهم ويحاربونهم، اما اتباع التصوف اليوم ينستبون الى اهل السنة والجماعة جهلا منهم بان شيوخهم السابقين لم ينتسبوا لها، ولانها اشتهرت وظهرت فيما بعد فصار المشاع عند العلماء المرجعية اهل السنة، ثم لهم طرق تصّوف وطوائف فنشأت ازدواجية عندهم ولا يتابعون ذلك بعلم. لكن اهل السنة في تلك العصور يتمييزون عن الفرق الصوفية.
ان اهل السنة هم المستمسكون بالسنة المحاربون لكل محدث او بدعة، المتقيدون في عباداتهم وحياتهم بما صح في السنة والناهون عن البدع والشرك.
فهم طلبة علم شرعي سني يبحثون عن ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم ويقتدون بهم لانهم عاشوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفوا المراد من الآيات والاحاديث.
ومن صفات الذين على الدين الحق واهل الفلاح فقد وصفهم الله بعد الاتباع بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه كما في الاية : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ). الى ان قاله تعالى: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). 157 الأعراف.
فوصف اهل نصرته واتباعه بالمفلحين، مشيرا الى ان هذا هو الصنف الذي صدق في اتباعه.
فليس مجرد الانتساب للسنة ثم يفعل على هواه وعادات مجتمعه او لا يدافع عن سنة الرسول ويتغافل عنها، او لا يتقييد بها فهذا ليس سبيل اهل الحق والنجاة، فاهل الحق جمع فيهم تلك الصفات في الاية السابقة فراجعها وحض نفسك لتكون من اهلها وابحث عن من هم كذلك لتلزم جماعتهم فانها الفرقة الناجية الموعودة بالفلاح والجنة.
وتابع للمزيد ادناه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:48 pm

من حكمة دين الاسلام:
انه جاء ليحقق لهم الحرية والكرامة والسعادة والمساواة ولا يسمح للبعض باستغلالهم واستعبادهم، ويريد ان يحرر الناس من الذل وعبادة البشر الى عبادة الله، قال تعالى: ( . . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ. . الاية) 157 الاعراف.
وان الرسل ما جاءوا ليقدسهم الناس او يتعالوا عليهم، بل ليسبقوهم الى التواضع مع الخلق لله والتذلل له. وبين تعالى ذلك جليا حتى لا يعظم الرسل فوق ما يستحقون الى درجة يعطوهم من حق الله فقال تعالى: (.. وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون). 80 آل عمران.
وهذا المشهد ينقلنا الى باب الغلو.
الغلو وتعريفه:
حيث يتضح المشهد اكثر وتشرح الاية ضمنه، فلما كان سبب ضلال الامم السابقة هو الغلو في الصالحين من البشر، ضرب الله الامثلة بالانبياء والملائكة، وانه لم يامر الناس بتقديسهم ولا ليرفعونهم فوق منزلتهم بل وصف ذلك التعظيم بانهم كفر، وسبقه في الاية بالوصف انه لا يحق لبشر اكرمه الله بالدين ان يستعبد الناس او يطلب منهم تعظيمه مع الله كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ). 79 آل عمران.
يشر الى انه ليس من شأن الرسل طلب الانكسار والتذلل من الناس لهم. او الركوع والسجود لهم، أي كما فعلتم بعلمائكم وتأليه بعض الرسل.
وذكر ابن كثير: قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِع الْقَرَظِيّ حِين اِجْتَمَعَتْ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْل نَجْرَان عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّد أَنْ نَعْبُدك كَمَا تَعْبُد النَّصَارَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَهْل نَجْرَان نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ الرَّئِيس: أَوَ ذَاكَ تُرِيد مِنَّا يَا مُحَمَّد وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ: فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلِّلِيهِ وَسَلَّمَ" مَعَاذ اللَّه أَنْ نَعْبُد غَيْر اللَّه أَوْ أَنْ نَأْمُر بِعِبَادَةِ غَيْر اللَّه مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي " أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمَا " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة - إِلَى قَوْله - بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " فَقَوْله " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه " أَيْ مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ آتَاهُ اللَّه الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالنُّبُوَّة أَنْ يَقُول لِلنَّاسِ اُعْبُدُونِي مِنْ دُون اللَّه أَيْ مَعَ اللَّه فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَصْلُح لِنَبِيٍّ وَلَا لِمُرْسَلٍ فَلَأَنْ لَا يَصْلُح لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس غَيْرهمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : لَا يَنْبَغِي هَذَا لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَأْمُر النَّاس بِعِبَادَتِهِ قَالَ : ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم كَانَ يَعْبُد بَعْضهمْ بَعْضًا يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب كَانُوا يَعْبُدُونَ أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " الْآيَة . وَفِي الْمُسْنَد وَالتِّرْمِذِيّ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا عَبَدُوهُمْ قَالَ " بَلَى إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ " فَالْجَهَلَة مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان وَمَشَايِخ الضَّلَال يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الذَّمّ وَالتَّوْبِيخ بِخِلَافِ الرُّسُل وَأَتْبَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِمَا يَأْمُر اللَّه بِهِ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُله الْكِرَام وَإِنَّمَا يَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُله الْكِرَام. فَالرُّسُل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ هُمْ السُّفَرَاء بَيْن اللَّه وَبَيْن خَلْقه فِي أَدَاء مَا حُمِّلُوهُ مِنْ الرِّسَالَة وَإِبْلَاغ الْأَمَانَة فَقَامُوا بِذَلِكَ أَتَمَّ الْقِيَام وَنَصَحُوا الْخَلْق وَبَلَّغُوهُمْ الْحَقّ وَقَوْله " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " أَيْ وَلَكِنْ يَقُول الرَّسُول لِلنَّاسِ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو رَزِين وَغَيْر وَاحِد أَيْ حُكَمَاء عُلَمَاء حُلَمَاء وَقَالَ الْحَسَن وَغَيْر وَاحِد : فُقَهَاء وَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا يَعْنِي أَهْل عِبَادَة وَأَهْل تَقْوَى . وَقَالَ الضَّحَّاك فِي قَوْله " بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " حَقّ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآن أَنْ يَكُون فَقِيهًا. تَعْلَمُونَ أَيْ تَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ وَقُرِئَ تُعَلِّمُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّعْلِيم " وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " تَحْفَظُونَ أَلْفَاظه.
واما الرسالة الموجهة في الاية التي تليها: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 80.
أي حتى أفضلكم وهم الرسل وايضا الملائكة المعصومين لم يشرع تعظيمهم الى درجة الغلو فكيف بغيرهم من العامة. ثم حكم على فعلهم وتعظيم بالكفر.
وقد ذكر ابن كثير: ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَا يَأْمُركُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا " أَيْ وَلَا يَأْمُركُمْ بِعِبَادَةِ أَحَد غَيْر اللَّه لَا نَبِيّ مُرْسَل وَلَا مَلَك مُقَرَّب " أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " أَيْ لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا مَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَة غَيْر اللَّه وَمَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَة غَيْر اللَّه فَقَدْ دَعَا إِلَى الْكُفْر وَالْأَنْبِيَاء إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت " الْآيَة وَقَالَ " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ " وَقَالَ إِخْبَارًا عَنْ الْمَلَائِكَة " وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّم كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ "انتهى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة السنية: فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها: الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة آخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم ، يقولون : ' 39 : 3 ' " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " ' 10 : 101 ' " ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " فبعث الله سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه ، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة . ا هـ .
وذلك كله من الغلو في الدين، وفي شيوخهم المعلمين كالاحبار والرهبان وايضا الرسل، فنقف على ما ذكر الله تعالى في ذلك.
قال تعالى في سورة النساء: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.)171.
والغلو: هو المبالغة في الشيء، وتجاوز الحد الطبيعي له. يعني تجاوز الحق، وحدود الشريعة المثبتة.
قال القرطبي: نَهَى عَنْ الْغُلُوّ. وَالْغُلُوّ التَّجَاوُز فِي الْحَدّ; وَمِنْهُ غَلَا السِّعْر يَغْلُو غَلَاء; وَغَلَا الرَّجُل فِي الْأَمْر غُلُوًّا, وَغَلَا بِالْجَارِيَةِ لَحْمُهَا وَعَظْمُهَا إِذَا أَسْرَعَتْ الشَّبَاب فَجَاوَزَتْ لِدَاتِهَا; وَيَعْنِي بِذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ غُلُوَّ الْيَهُود فِي عِيسَى حَتَّى قَذَفُوا مَرْيَم, وَغُلُوّ النَّصَارَى فِيهِ حَتَّى جَعَلُوهُ رَبًّا.
قال ابن جرير: الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: { يَا أَهْل الْكِتَاب}: يَا أَهْل الْإِنْجِيل مِنْ النَّصَارَى, { لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول: لَا تُجَاوِزُوا الْحَقّ فِي دِينكُمْ فَتُفَرِّطُوا فِيهِ , وَلَا تَقُولُوا فِي عِيسَى غَيْر الْحَقّ , فَإِنَّ قِيلكُمْ فِي عِيسَى إِنَّهُ اِبْن اللَّه قَوْل مِنْكُمْ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ, لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا, فَيَكُون عِيسَى أَوْ غَيْره مِنْ خَلْقه لَهُ اِبْنًا. { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَأَصْل الْغُلُوّ فِي كُلّ شَيْء: مُجَاوَزَة حَدّه الَّذِي هُوَ حَدّه, يُقَال مِنْهُ فِي الدِّين قَدْ غَلَا فَهُوَ يَغْلُو غُلُوًّا.
ذكر الامام البخاري في صحيحه: (كتاب الاعتصام بالسنة ) باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع )، لقوله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق ).
وقال الحافظ ابن حجر التعميق فهو بالمهمة وبتشديد الميم ثم قاف ومعنا التشديد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه. وقال: (وأما الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، وفيه معنى التعمق ).
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: ( وأصل ذلك أن خير الأشياء أوسطها، والغلو والتقصير مذموما، وذكر ابن جبر الطبري أنه من التوسط في الفعل، فإن المسلمين لم يقصروا في دينهم كاليهود، فإنهم قتلوا الأنبياء وبدلوا كتاب الله، ولم يغلوا كالنصارى، فإنهم زعموا أن عيسى ابن الله).
وجاء في الحديث لفظ: ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا. قال الإمام النووي في شرح الحديث: (المتنطعون ): أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
وذكر ابن كثير في سورة المائدة: قَالَ " يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ غَيْر الْحَقّ " أَيْ لَا تُجَاوِزُوا الْحَدّ فِي اِتِّبَاع الْحَقّ وَلَا تُطْرُوا مَنْ أُمِرْتُمْ بِتَعْظِيمِهِ فَتُبَالِغُوا فِيهِ حَتَّى تُخْرِجُوهُ عَنْ حَيِّز النُّبُوَّة إِلَى مَقَام الْإِلَهِيَّة كَمَا صَنَعْتُمْ فِي الْمَسِيح وَهُوَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء فَجَعَلْتُمُوهُ إِلَهًا مِنْ دُون اللَّه وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِاقْتِدَائِكُمْ بِشُيُوخِكُمْ شُيُوخ الضَّلَال الَّذِينَ هُمْ سَلَفكُمْ مِمَّنْ ضَلَّ قَدِيمًا " وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " أَيْ وَخَرَجُوا عَنْ طَرِيق الِاسْتِقَامَة وَالِاعْتِدَال إِلَى طَرِيق الْغَوَايَة وَالضَّلَال.


وجه اخر للغلو:
ان يتكلف العبد في العبادة ويزيد على ما جاء في الشرع رغبة في زيادة الاجر، لكن الشارع ينهى عن ذلك لانه لا يعبد الله الا بما شرع ، وذكرناه في تفصيل اخر في الاتباع وشهاة محمد رسول الله، ونرد هنا نص واحد رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله علية وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله علية وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلي الله علية وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر !.قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الأخر: وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر. وقال الأخر: وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!. فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم إليهم فقال: ( أنتم الذين قتلهم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فلي منى.

ومن الغلو:
تعظيم قبور الرسل او الصالحين والتبرك بها او الدعاء عندها بقصد التوسط بها او دعاءها مباشرة ويطلب من صاحب القبر قضاء الحاجات وتفريج الكربات فهذا شرك بالله، ولم يفعل ذلك الصحابة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. بل كان النهي الصريح ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم ان ترفع القبور.
روى الامام مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك.
وروى الامام مسلم عن جابر بن عبد الله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر. وأن يقعد عليه. وأن يبنى عليه.
وروى ايضا عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ).
وروى الامام مالك من حديث عطاء بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبرى وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
فاذا كان غضب الله اشتد لذلك الفعل وعلى قبور من؟ الرسل والانبياء! فهذا يعني ان فعل ذلك لغيرهم اولى بالمنع. والحديث يفيد عظم ذنب تعظيم القبور.
وروى البخاري: عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله.
وللشيخان: عن عائشة رضي الله عنهاـ قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال. وهو كذلك: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً.
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعاً: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد.
فهذا في من رفع القبور، اما من دعاها وطلب منها المدد واستغاث بها فهو شرك اكبر يخرج من دائرة الاسلام، كما سبق بيانه.
ان شرك الجاهلية الاولى كان في تعظيم الصالحين وغيرهم، لان هناك من المضلين الذين هدفهم هدم الدين من داخله فخدعوا الناس بانهم علماء ثم شرعوا لهم بدع وشرك جعلوا فيه صفات الله لبعض الخلق.

حوار في النار بين شيوخ الضلال واتباعهم
وقد بين تعالى الحوار بين المشركين ومن عظموهم وذلك في النار، ويفيد ان آلهة المشركين كان منهم بشر ادعوا صفات الله.
ثم حاولوا ان ينفوا وينكروا لكن اتباعهم ذكروا ما امروهم به وهو كالذي نراه عند الناس في مجتمعاتنا.
ونقف على ذلك الحوار في النار: قال تعالى: (. . وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْد رَبّهمْ يَرْجِع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْقَوْل يَقُول الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).31 سبأ.
أي انتم سبب ضلالنا دعوتونا للضلال. ورد الزعماء المشرعين: في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْد إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ). 32 سبأ.
أي انتم لم تسيروا على الخير سرتم خلفنا لانكم ترغبون في ذلك وحاولوا نفي الحقيقة من شدة حرجهم. لكن الاتباع صرحوا بشي وهو ما قصدناه هنا ليتذكره الناس. ان الزعماء المشرعين كانت لهم دعوات وفتاوى وتعاليم تدعوا اتباعهم لتعظيمهم الى درجة حملوا صفات الله، مثل انه يعلم الغيب او طلب منهم ان يدعوه ليفرج كربهم وغيره فحكا الله عنهم ذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَة لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). 31- 33 سبأ.
وقولهم (نجعل له اندادا) أي نجعل له مثله في صفاته، مثل علم الغيب او سميع الدعاء او يشفى المريض او يتوكلوا عليه. فهذا كله شرك فلنحذر من الغفلة التي تفوت ذلك . والنجاة هي في دراسة التوحيد والسنة.
وايضا على لسان المشركين بين ما سبب شركهم في الدنيا وذلك لمّا شاهد المشركون في النار زعماءهم الذين اشركوا بهم في الدنيا قالوا شي ذكره الله تعالى في سورة النحل 86: ( وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ).
فاعترفوا بان سبب شركهم هو: دعاءهم لهم من دون الله.
الى ان ذكر تعالى فعل زعماءهم بانه صدّ عن سبيل الله بل كفر لانه دعاء غير الله، حيث قال تعالى في تكملة الآيات: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ).88 النحل.
أي افسدوا دين الناس وأضلوهم باشياء لم يشرعها الله وابعدوهم عن الحق.
وهنا نزيد من بيان صفات المشركين الاوئل لمعرفة اسباب شركهم وما هي آلهتهم:
وقد كان مشركي مكة يقرون بدعاء الله لكن مع دعاء غيره من الصالحين، ويرفضون تركهم، فبين لهم في النار ان ذلك هو سبب دخولهم النار، فقال الله عنهم: ( ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ). 12.غافر.
الى ان طلب منا الاخلاص في الدعاء فقال: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ). 14. غافر.
كما يتضح على لسان المشركين احد اسباب شركهم وهو اتباعهم السادة والكبراء الذين شرعوا لهم البدع والشرك، وقال الله عنهم: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ).الاحزاب.
قال ابن كثير: قَرَأَ الْحَسَن: " سَادَاتِنَا " بِكَسْرِ التَّاء, جَمْع سَادَة. وَكَانَ فِي هَذَا زَجْر عَنْ التَّقْلِيد . وَالسَّادَة جَمْع السَّيِّد, وَهُوَ فَعَلَة, مِثْل كَتَبَة وَفَجَرَة. وَسَادَاتنَا جَمْع الْجَمْع. وَالسَّادَة وَالْكُبَرَاء بِمَعْنًى. وَقَالَ قَتَادَة: هُمْ الْمُطْعِمُونَ فِي غَزْوَة بَدْر. وَالْأَظْهَر الْعُمُوم فِي الْقَادَة وَالرُّؤَسَاء فِي الشِّرْك وَالضَّلَالَة, أَيْ أَطَعْنَاهُمْ فِي مَعْصِيَتك وَمَا دَعَوْنَا إِلَيْهِ.
والسادة في مجتمعاتنا عند اصحاب الطرق الصوفية عبارة مشهورة فهم من دعوهم للبدع وتعظيم القبور ودعاءها والاعتقاد في السادة. بل يقولون سيدي وستي، فاعلم ياعبد الله ان الطريق الحق هو تعظيم الله وليس تعظيم الخلق او يدعوا ليله ونهاره الى تمجيد البشر، والسبيل الذي قالوا عنه: فاضلونا السبيل: قال القرطبي: أَيْ عَنْ السَّبِيل وَهُوَ التَّوْحِيد.
اي سبيل الدعوة الى التوحيد والنهي عن نقيضه الشرك والبدع، فصاحب هذه الدعوة هو السبيل الذي ضل عنه اتباع السادة الذين قالوا فاضلونا السبيل.
كما بين تعالى في ما سبب ضلال المشركين في حوار في النار ذكره الله في القراءان وهو العليم بما سيكون منهم قال تعالى في سورة الشعراءSmile قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ* فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). 96 -103 الشعراء.
أي كانوا يساونهم بالله في بعض الصفات عندما يعتقدون ان شيوخهم يحيون الموتى او يعلمون الغيب او يشفي المريض ويقضي الحاجات ويدعونهم ويستغثون بهم فهذه مساواة لهم برب العالمين.
ومن شركهم ايضا:
التفرق في الدين:
وتفرقهم في الدين الى فرق واحزاب وطوائف دينية مع ان الدين واحد. فنهانا الله عن ذلك وبين ان بذلك اشركوا في جعل سبل موازية لسبيل الله، قال تعالى: ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). 31-32 الروم.
ويجب هنا معرفة علامات اشار الله لها منها (منبين اليه)، فيجب معرفة الانابة ومن هؤلاء المنيبين الذين امرنا ان نتبعهم حيث اشار تعالى الى اتباع سبيلهم، فعندما ذكر حقوق الوالدين وبرهما وامر بمصاحبتها ولم يامر باتباع سبيل الوالدين، بل امر باتباع سبيل من اناب اليه، حيث قال تعالى: ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ. . ).15 لقمان.
بمعنى يشير الى الدين اي لا تتابعهم فيه ولكن اتبع سبيل من اناب الي، ولتحقيق هذا الامر الرباني علينا ان نعرف من هم الذين انابوا اليه وامرنا بمتابعتهم، صفاتهم وافعالهم، لانهم المثال الذي نهج حقيقة الاسلام الذي نتحدث عنه.

صفات من سار على حقيقة الاسلام
هي صفات اهل الانابة الى الله واجتنبوا عبادة كل أنواع الطاغوت، فهم الذين دعا الله تعالى للاقتداء بهم حيث قال تعالى في سورة الزمر: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ). 18 الزمر.
فاولها اجتنبوا الطاغوت، والاجتناب اشد من الترك: أي عدم الاقتراب منه والبعد عن الوسائل التي تقرب او توصل الى الطاغوت بكل اشكاله. أي بعيدون عن من يعبد من دون الله سواء بشر او غيره سواء يدعى من دون الله او يشرّع او يدّعي علم الغيب. فمن هجر ذلك وتوكل على ربه اناب الى الله.
وهذه صفات اهل التوحيد، واولها اجتبنوا الطاغوت، أي: كل ما يعبد من دون الله. وكأن مسايرة الطاغوت تبعدهم عن الله فجعل في المقابل وانابوا الى الله.
والطواغيت هم كما روي عن الامام ابن القيم وغيره (الطواغيت ): كثيرون ورؤوسهم خمسة: الشيطان، ومن دعا الناس لعبادة نفسه، ومن عبد وهو راضي، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما انزل الله.
وقال ابن كثير: وَقَوْله " فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا اِنْفِصَامَ لَهَا وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " أَيْ مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَان مِنْ عِبَادَة كُلّ مَا يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه وَوَحَّدَ اللَّه فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ " فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى " أَيْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْره وَاسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَة الْمُثْلَى وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم.
,قال الإمام ابن القيم: ( الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من: معبود، أو متبوع، أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أن طاعة لله.
ويقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: ( والطاغوت: عام في كل ما عبد من دون الله، فكل ما عُبد من دون الله، ورضي بالعبادة، من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت) اهـ
الدرر السنية 1 / 161.
قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين، رحمه الله: اسم الطاغوت يشمل: كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلالة يدعو إلى الباطل ويحسنه، ويشمل أيضا: كل ما نصبه الناس بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله، ويشمل أيضا: الكاهن والساحر وسدنة الأوثان.) اهـ
مجموعة التوحيد : 500
فعلمنا من صفات اهل الانابة: انهم هجروا الطاغوت واجتنبوه، والانابة الى الله بالرجوع اليه واللجوء في كل شيء، أي تركوا الاعتماد على غيره ثم اعتمدوا عليه وحده. ثم قال عنهم (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). أي لهم علم وتثبّت فلا يقبلون كل قول باطل، بل يتابعون الصواب الثابت بالادلة، ولهذه الصفة المعرفة والتثبت وصفهم الله تعالى اخر الاية بقوله : (وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).
فمن سياق الايات تتضح دعوته الى طريق اهل التوحيد أي البعيدون عن الطواغيت والباحثون في الاقوال حتى تنقيتها والعمل بما هو ثابت وصحيح، ووصفهم بالذين (هداهم الله وأولئك هم اولوا الالباب). اهل العقول واهل الدراية بالدين.
والطاغوت الاول ابليس معلوم انه العدو، لكن البعض يجعله اله اذا اطاعه كثيرا حتى اعرض عن دينه او يظن انه يخدمه، واما الطاغوت الذي دعا الناس لعبادته: فهو من يامر بالسجود له او على يده تقبيله للتقديس، او يدعو لدعاءه ومناداته لجلب نفع او دفع ضر، والاستعانة والاستغاثة به والاستعاذة او الحلف به او رجاءه سواء لخير الدينيا او الاخرة او يشرع لهم من الدين ما لم ياذن به الله ، كله يدخل في دعا لعبادته.
اما من عبد وهو راضي، وهو المتحايل يرضى بذلك الفعل ويقره وكانه يقول لم امرهم لكنه ما رفضه فهو راضي بان يدعوه ويستغيثوا به فهو من الطاغوت، واما من ادعى شيء من علم الغيب، وورد بيانه في من اتصف بشيء من صفات الله كعلم الغيب ويدخل فيها الدجالون ومن يخبر اتباعه بانه يعلم حاجاتهم ومشاكلهم قبل ان يخبروه. وربما واجههم بذكر بعضها مما يوحيه اليه الشيطان القرين.
واما من حكم بغير ما انزل الله، وهو ثلاثة احكام ليس المجال التوسع فيها وقد فصلنا فيها في كتاب اخر يرد على فهم المتطرفين والتكفريين لهذه المسالة، وهو ثلاثة حالات: الاصل المعني هنا وهو اذا يحكم راضي وقابلا بحكم غير الله راغبا في ذلك وهو مستطيع فيعدل عنه لغيره فهو طاغوت أي يكفر بذلك، وهذا ما فهمه خطا كثير من المتشددين حيث ضموا اليه الحالات الاخرى وهما الصنفان: كفر اصغر او ظلم اصغر او فسق اصغر، وهو لا يخرج من ملة الاسلام، وهو لمن فعل ذلك تساهلا لكنه مؤمن بانه الحق فهو عاص، كمن يشرب الخمر ولا يستحلها.
وقسم ثالث: هو المعذور في الحكم بغير ما انزل الله، لانه عاجزا عنه لاسباب او اكراه او اضطرار كما كان نبي الله يوسف عليه السلام حاكما وزيرا لا يمكنه فعل ذلك وحكم بما يمكنه الحكم به، وكذلك الحاكم الذي عليه تهديدات وضغوط قد لا يعلمها العامة، فهناك عذر في هذه الحالة ويقدر ذلك الفقهاء واهل الاجتهاد وليس عامة الدعاة والمتعجلين، ووسعنا الحديث فيه ضمن كاتب اخر باسم: (البؤر الإرهابية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، الفصل الثاني: ظاهرة التطرف والخوارج بين الفحص والعلاج).
فمن اجتنب كل هذه الطواغيت المعبودة من دون الله او يعتقد الناس فيها، وتحرر من أي عبودية لغيره الله فيتوكل على الله وحده هم من استمسك بالعروة الوثقى كلمة لا اله الا الله، أي هم من حققها كما قال تعالى في سورة البقرة: (.. فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا).256 .
وهذه الصفات أي ترك الطواغيت، والانابة الى الله، عليها اتباع السلف الصالح ودعاة التوحيد( المعتدلين وليس الادعياء المتطرفين)، اهل التوحيد الذين بنوا دعوتهم على التوحيد كاساس ونهوا عن الشرك والكفر والمعبودين من دون الله، لكن هذه السلفية لا تعني الادعياء الذي حملوا اسم السلفية وهم على نهج الخوارج والتكفريين الجدد، فلا تنخدعوا في بعض من ينتسبون الى منهج السلف ويزعمون السلفية وهم يخالفون حتى علماء مذهب اهل السنة، ويكفرون الناس بطريقة متعسفة فالسنة والسلفية منهم براء.
وسيرد لذلك تفاصيل اخرى في المنهج.
ومن تلك الصفات لاهل الانابة والايمان الصحيح الذين رغّب الله ان نكون منهم، والذين بشرهم بالجنة وبين انهم يخشونه، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ. ثم وصفهم ب: ( وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).
ثم تمام الاية وصفهم بالتوحيد وعدم الشرك حيث قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ). 58 المؤمنون.
فاهل الايمان الذين دعانا الله لان نكون منهم هم الذين لا يشركون بالله، كما ذكر تعالى صفات المؤمنين اهل الحق والانابة، فوصفهم بانهم لا يدعون غير الله، حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ) 68 الفرقان. الى ان بشرهم رقوله: (أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ). 75 الفرقان.
فايا كان المدعو الاخر من الخلق فهو مع الله شرك لا يفعله من وحّد الله.
ومدخل للمنهج يجب على المسلم ان يوطن نفسه ويبحث ويطلع ويتابع اهل العلم المعتبرين، واما متابعة العامة على ما يفعلون فهذا تقليد أعمى والشارع امر باتباع الحق وليس التقليد ولا الظن. بل طريق التنقيح والتاكد من الصحة والتقيد بالسنة كما هو سبيل علماء الحديث والسنة.



التفريق بين مسلم سنة واهل السنة والجماعة
وهناك خلط بل غلط كبير عند العامة من المسلمين السنة اي غير الشيعة يزعمون انهم من اهل السنة والجماعة، في حين لا يلتزمون بالسنة ويمارسون البدع، لان هناك خلط وسوء فهم من العامة لمنهج اهل السنة والجماعة، وماذا تعني عبارة اهل السنة والجماعة.
وكانت الدعوة لجماعة اهل السنة في القرن الرابع والخامس من علماء خالفوا اغلب المسلمين وقالوا انكم ابتدعتم، حيث كان بين العامة خوارج ومعتزلة وقدرية ورافضة شيعة وجهمية ومتصوفة وغيرهم من فرق المسلمين، فدعا علماء السنة في زمانهم للاخذ بالسنة والاحتكام اليها فيما اختلفوا فيه من فهم القرءان، وما اشكل في السنة ينظر فيه بما فهمه الصحابة منها، وبينوا الموقف عند الخلاف وأوجبوا التقيد بالسنة، ودعوا لمخالفة كل تلك الفرق من عامة المسلمين، وعرفوا بأنفسهم (اهل السنة)، (اي تلك الجماعة التي تدع للتقيد بالسنة وتوجب ذلك) ثم اوجبوا ان يكون هؤلاء جماعة على السنة تتميز عن عامة الفرق، وتتبنى ما كان عليه فهم الصحابة رضي الله عنهم، هنالك جمعت عليهم الصفتان ( السنة والجماعة) وظهر اسم: اهل السنة والجماعة. وكان على مرحلتين.
اي عرفوا اولا باهل السنة، عندما اشترطوا التقيد بالسنة، ثم دعوا الى الاجتماع لاهل السنة وان يتميزوا عن الفرق المبتدعة واوجبوا الجماعة على ذلك، فسموا باهل الجماعة، ثم اصبح التعريف بالصفتين اللتين اوجبوهما، ( اهل السنة والجماعة) وتميزت عن عامة الفرق، حتى ان خليفة المسلمين على عصر الامام احمد لم يحسب من اهل السنة والجماعة، بل هو نفسه لم ينتسب اليهم، لانها في ذلك الزمان كانت عبارة اهل السنة والجماعة غريبة وشاذة، والعامة يخالفونها، بل عذّب اهل السنة في السجون لكثرة من يقول بخلق القرءان، القول الذي خالفه اهل السنة وحدهم، والعلماء غيرهم اقنعوا خليفة المسلمين بذلك، لكن ثبت اهل السنة حتى اتضح الامر ورجع الخلفاء عن رأيهم فيما بعد، وتابعهم الكثيرون.
ولان اهل السنة كانوا مراجع في العلم ومنهم الامام احمد، ثم جاء علماء الحديث من بعدهم وانتشر العلم، فاصبح اهل السنة هم القدوة، وقمعت البدعة، وقد كان سبق الاهتمام بالعلماء في فترة حكم بني العباس جمعوا العلماء واكرموهم واقاموا مكتبات في العراق وغيرها واحترموا العلماء واصبح طلّاب العلم يجمعون السنة، ثم في فترة الفاطميين عاد الجهل ونشروا التصوف بين السنة كخطوة تقربهم من الرافضة، ونشر افكار الحلوليين أي من يقولون بحلول الذات الالهية في العبد، وهي مدرسة صوفية، واخرين يقولون بوحدة الوجود، أي ان الكون كله أجزاء من الذات الإلهية ومجموع الوجود عندهم هو الله، وهم مدرسة صوفية أيضا، وكلا القولين باطل، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وبعدها ظهرت الدعوة مرة اخرى الى السنة، من المحديث والمجددين وعلماء الحديث وقبلهم كتب السنن حتى خلفتهم فئة اشتهرت بالسنة والجماعة وتابعهم شيخ الاسلام ابن تيمية، وتلاميذه ابن كثير وابن القيم والامام الذهبي، وقد كان كذلك الامام الشاطبي رحمهم الله جميعا. ثم تبعهم كثيرون.
ومع انهم في فترة فيها خلفاء للمسلمين على مذهب العامة، ويعملون معهم ويجاهدون معهم ويصلون معهم ولا يكفرونهم، الا انهم يدعون الى جماعة اهل السنة التي تتميز عن اهل البدع وعامة الناس كجماعة دعوة وطلاب علم وشيوخ للسنة. لان الخلفاء يومها اقرب الى العوام.
ومع هذا لم يخرجوا على الامام ولم يدعوا للخروج عليه، لان ذلك ليس من منهجهم ويرون انهم اما متأوّلون او جهلاء ورثوا البدع من عشرات السنين، فيعملون على دعوتهم من وقت لاخر، كما كان قبلهم الامام احمد رحمه الله لم يسمح بالخروج على الخليفة الذي يقول بخلق القرءان، وصبر ويدعو الى ان رجع ابن الخليفة وابطل ما حدث من والده، وهذا من فقه اهل السنة لا يريدون من دعوتهم مزاحمة سياسية او سلطة كما يفعل البعض من المتاخرين، فالائمة دعاة توجيه يبيّنوا الحق ويعملوا به.
وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في عصره ينصح الخليفة أحيانا.
ثم وشى فيه علماء السوء الذين يريدون ابعاده عن الخليفة. فقالوا للخليفة انه يريد ملكك، فارسل اليه الخليفة وساله بلغني عنك كذا، فقال ابن تيمية ضمن ما قال: والله ان ملكك عندي لا يساوي جناح بعوضة، ( أي انا زاهد في ذلك وليس من اهتماماتي، بل همي اصلاح عقائد الناس ودعوتهم الى التوحيد لا اريد شي يشغلني عن ذلك). فرد عليه الخليفة: والله انك لصادق وان الذي وشى فيك لكاذب.
وهذا حال اكثر خلفاء المسلمين في عصرنا، فلا يزال فيهم خير، طالما فضل ان يكون خليفة للمسلمين، فان فيه خير ونزعة دينية، حتى ان كان له هوى او فساد شخصي لكنه محب للدين، فلا يخرج اهل السنة عليه بذلك. بل يبقون فرقة علمية دعوية تحمل العلم والسنة للعامة كمرجع معتدل، لاقامة الحجة وبيان المحجة أعذارا الى الله وتنفيذا لامره بالبيان.
واذا راجعتم كتب شيوخ الفرق المتصوفة في القرون الوسطى فانهم لم ينتسبوا الى اهل السنة والجماعة في تلك القرون، ولم تتردد عندهم عبارة اهل السنة والجماعة بل يعرفون انها للتميّز عنهم ويحاربونهم، اما اتباع التصوف المتخرين ينستبون الى اهل السنة والجماعة جهلا منهم بان شيوخهم السابقين لم ينتسبوا اليها، ولان عبارة اهل السنة والجماعة اشتهرت وظهرت فيما بعد فصار المشاع عند العلماء والعامة المرجعية اهل السنة، وهؤلاء العامة لهم طرق تصّوف وطوائف فنشأت ازدواجية عندهم ولا يتابعون ذلك بعلم. لكن اهل السنة في تلك العصور يتمييزون عن الفرق الصوفية.
ان اهل السنة هم المستمسكون بالسنة المحاربون لكل محدث او بدعة، المتقيدون في عباداتهم وحياتهم بما صح في السنة والناهون عن البدع والشرك.
فهم طلبة علم شرعي سني يبحثون عن ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم ويقتدون بهم لانهم عاشوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفوا المراد من الآيات والاحاديث.
ومن صفات الذين على الدين الحق واهل الفلاح فقد وصفهم الله بعد الاتباع بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه كما في الاية : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ). الى ان قاله تعالى: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). 157 الأعراف.
فوصف اهل نصرته واتباعه بالمفلحين، يشير الى ان هذا هو الصنف الذي صدق في اتباعه.
فليس مجرد الانتساب للسنة ثم يفعل على هواه وعادات مجتمعه او لا يدافع عن سنة الرسول ويتغافل عنها، او لا يتقييد بها فهذا ليس سبيل اهل الحق والنجاة، فاهل الحق جمع فيهم تلك الصفات في الاية السابقة فراجعها وحض نفسك لتكون من اهلها وابحث عن من هم كذلك لتلزم جماعتهم فانها الفرقة الناجية الموعودة بالفلاح والجنة.

واما فهم العامة للتصوف وجعلوهم هم اهل السنة فهذا فيه جهل بالواقع والعقيدة. لان اهل السنة غير عامة المسلمين بل هم فئة تتقيد بالسنة وتنهى عن البدع والتفرق في الدين والبقاء على الجماعة الاولى التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه.
وقد ورد عند الائمة عبارات استنكار على فئة الصوفية، منها ما قال القاضي عياض رحمه الله : قال المسيبي: كنا عند مالك وأصحابُه حوله ، فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية ، يأكلون كثيراً ، ثم يأخذون في القصائد ، ثم يقومون فيرقصون .
فقال مالك : الصبيان هم ؟ قال: لا .قال أمجانين ؟ قال: لا، قوم مشايخ . قال مالك : ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.
قال الرجل : يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله .
فقال أصحاب مالك للرجل: لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا ، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم. انتهى .2\53 ترتيب المدارك.
وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلا تصوف أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق. رواه البيهقي في مناقب الشافعي ( 2/ 207 ) بإسناد صحيح .
كما قال : مَا لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا. انهتى من تلبيس إبليس. (327).
وقال أيضا : صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ ، فَمَا انْتَفَعْتُ مِنْهُمْ إِلَّا بِكَلِمَتَيْنِ : سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ : الْوَقْتُ سَيْفٌ . فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَكَ. وَنَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ ، وَإِلَّا شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ. انتهى، مدارج السالكين 3\124.
وروي عن الإمام أحمد : قال عَنْ سري السقطي الصوفي: الشيخ المعروف بطيب المطعم . ثم حكى لَهُ عنه أنه قَالَ : إن اللَّه عز وجل لما خلق الحروف سجدت الباء . فَقَالَ : نفِّروا الناسَ عنه (أي : عن سري). انتهى . (تلبيس إبليس 152).
والسري السقطي رحمه الله كان معروفا بالزهد .والشاهد من كلامه ان من صدرت عنه زلة ينهى عنه حتى لا يضل الناس بزلاته.
كما نقل في تلبيس ابليس: عَن أحمد بْن حنبل أنه قَالَ : حذروا من الحارث - يعني المحاسبي - أشد التحذير، الحارث أصل البلية يعني فِي حوادث كلام جهم ، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إِلَى رأى جهم ، مَا زال مأوى أصحاب الكلام ، حارث بمنزلة الأسد المرابط : انظر أي يوم يثب على الناس. انتهى. 151 تلبيس إبليس.
وللتفريق بين ذكر مشايخ وصفوا بالتصوف والزهد سابقا وبين الطرق الصوفية من القرون الوسطى وبعدها، فعند ذكر البعض للتصوف كل منهم يشير الى زاهد متورع وغير المعنى الذي يشير اليه اصحاب الطرق الصوفية فيما بعد، فمن الاوئل من اراد به الزهد في الدنيا وليس كمن يريد به عقيدة الحلول او وحدة الوجود، ومن تحدثوا عن الزهد في القرن الرابع لم تكن لهم طرق صوفية وجماعات ولا اذكار خاصة بطريقة معينة، فكان بعض من زهد يقال عنه صوفي على اولئك، لكن انتسب الى التصوف من المتاخرين اي في العصور الوسطى وبعدهم فاضافوا بدع من عندهم وينسبون ذلك للتصوف، كما ينسب الشيعة اشياء لم تصدر من الامام على رضي الله عنه وحتى الخوارج ينتسبون للتوحيد والسلف ولكن يفعلون اشياء من ترتيبهم وتاصيلهم هم فليس هناك ماخذ او حرج على الذين انتسبوا اليهم من السلف ولكن الحرج على المتاخرين المبتدعة.
لهذا جاء متصوفة فيما بعد واحدثوا في الدين حتى الشرك والالحاد والحلول في ذات الله، تعالى الله عن ذلك، ثم اصبحوا طرق كل له ذكره وطريقته وحركاته واغلبه لا يوافق السنة، والصواب ان نبحث عن دليله الذي امر به في السنة والا فهو بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة.
والمسالة ليست على اسم التصوف ولكن الذي يفعله البعض من بدع او عقائد يقاس على الكتاب والسنة ولا يعني هذا انه يراه من الكتاب والسنة، وانما يجب ان يقوم عليه دليل ثابت لان الدين ما شرعه الله تعالى وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، والا لم يكن من الشرع، كما جاء في الحديث: من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد.
ومن اخذوا تشريعا من مشايخهم وليس فيه اذن من الله اي لم يامر به فقد وصف الله حالهم بان جعلوا لله شركاء في التشريع فاستنكر على فعلهم حيث قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ). حيث جعل الدين ما ياذن به الله، واي شعائر واذكار لم ياذن بها الشارع لم تصح ذكرا او عبادة.
كما وصف تفرقهم الى فرق وكل منها لها ذكرها الخاص وطريقتها وعباراتها الخاصة وصفهم بان ليسو على طريق النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).159 الانعام.
اما الخلاف في تفسير نص لم يصلهم فيه نص اخر يشرحه فهذا يكون في الاخبار والوعد والوعيد، اما العبادات توقيفية اما لك عليها ديل او تتوقف حتى تجد امر شرعيا حضك عليها ورغبك فيها.
واما تفرقهم في الدين وكل منهم اصبح له طقوسه واوراده وطريقة اداءه حتى تميزت جماعتهم عن الاخرين وعرفقت بشي معين بل وصلت ان يرد بعضهم على الاخر ويضلله، فهذا التفرق وصفه الله تعالى بالشرك كما قال تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32).الروم


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 1:18 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء يوليو 24, 2019 2:51 pm

السبيل الحق ومنهج وطريق اهل النجاة:
واضح في كتاب الله السبيل الذي يريده الله ويدعوا اليه أي طريق الحق والنجاة، فانه اشار اليه بوضوح لا يحتاج الى تاويل بل يحتاج الى تدبر واتباع، حيث اشار اليه كثيرا ومنه قوله تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).153 الانعام.
أي سبيل واحد وليس سبل وطرق، بل نهى عن الطرق والسبل العديدة، ولاحظ السبب في عبارة (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). أي الطرق تبعدكم عن سبيل الله المراد، وهذا هو المقصود، فاتبعوه، أي ينهى عن غيره ( ولا تتبعوا السبل). أي ان الطرق المتعددة في الدين تبعد عن سبيل الله، والحق واحد لا يتعدد، ولو كان العابد على حق لما فارقه، ومن خالفه لن يصل الى ذات الطريق الموصل الى النجاة والجنة. فكل سبيل له نهاية، والنهاية الموصلة الى النجاة واحدة.
فالثلاثة وسبعين سبيل او فرقة، فالواصل بسلام الى جنة الله منها واحد.
وكانت الدعوة الى الصراط المستقيم ضمن ما عرفت بالوصايا العشرة في القرءان بدأها بان لا تشركوا به شيئا وختم يامر بالصراط المستقيم وينهى عن السبل المتفرقة. من 151 – 153 الانعام.
فاهل طريق النجاة الموصل الى الجنة بسلام يحرصون على البعد عن الشرك ويحرصون على السبيل الذي قام على التوحيد.
الى ان اشار مرة اخرى بعد سبع ايات ووصف هذا الصراط المستقيم على طريقة إبراهيم الحنيفية البعيدة عن الشرك، حيث قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). 161 الانعام.
وتواصل الايات لبيان هذا السبيل اكثر وشرحه بجلاء وانه التوحيد، فاكمل الاية التي بعدها بقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).163 الانعام.
أي كل ما افعله في حياتي اقصد به وجه الله من غير شرك باي مخلوق في القصد او الانكسار لاني مسلم منقاد لله وحده.
فسبيل الله هو الحنيفية والتوحيد وعدم الشرك بالله. والنبي هو ما امر بتبليغه واول من اسلم بذلك.
فاكّد مرة اخرى ان كل عباداته وخضوعه ليس فيها شيء لغير الله بل كل حياته وحتى مماته يقصد بها وجه الله بلا شريك.
أي هو لا يذبح لغير الله ولا يسجد لغيره، ويشير بذلك لما يفعله اهل الضلال من الذبح لغير الله سواء لقبور صالحين او الجن او غيرهم، وانه لا يسجد لغير الله لان كل صلاته لله، ونسكي أي كل قربان وذبائح نسك يقصد به الوسيلة الى الله لا اصرفه الا لله. وعبارة ( بذلك امرت) يشير الى انها دعوته التي جاء بها وهو مأمور بذلك، ويعني من تبعني فهو ايضا مأمور بذلك ليهيئ كل منهم نفسه لقبول ذلك.
فالشرك عكس سبيل الله، وعلى المسلم ان يحرص على السلامة من الشرك ووسائله والبدع وتلبسيها ويتبع سبيل المؤمنين. اهل الحق والتوحيد، لان مفارقتهم هي إتّباع لغير سبيل المؤمنين وشاقق لسبيل الرسول، وقد توعد الله ذلك بجهنم حيث قال الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).115 النساء.
فليس كل مسلم يسير لوحده بل هم سويا والسبيل واحد، وقد اشار تعالى في موضع اخر ان طريقه الدعوة الى الله وان لا يكون من المشركين حيث قال تعالى أمرا رسوله: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). 108 يوسف.
والبصيرة العلم والمعرفة بالادلة والبينات ليس بالانقطاع في مكان يسبح من غير ان يتعلم اصول الدين واحكامه او يردد مدائح يذكر فيها المشايخ ليل نهار اكثر من ذكر الله ولا يعرف احكام الدين حتى يشيب يمدح في المشايخ ولا يعرف التوحيد.
فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحفظون الآيات ويتعلمون تفسيرها ثم يدعون الناس اليها، وليس انقطاع في الخلوات بالتسبيح، فهم علماء وطلبة علم طول حياتهم. كما ذكرت الايات: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
لم يقل هو وحده يدعو، بل قال: ومن اتبعني. فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم دعاة مثله، أي يعملون معه كدعاة كل حسب قدرته يتعلم ثم يبين لمن راى انه يحتاج لذلك، فكلهم دعاة، حتى ان المرأة تقاطع امير المؤمنين عمر رضي الله عنه وهو في المنبر حينما اراد ان يحدد مهور النساء حتى لا يبالغ البعض فيها فقال: لا تزيدوا مهور النساء على اربعمائة درهم: فقالت امرأة: وما ذلك لك يا عمر: قال ولم: قالت: لان الله تعالى يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا). فقال عمر: أخطأ عمر واصابت امراة.
فاتباعه صلى الله عليه وسلم على علم ولو قليل، فهم على طريق التعلم اقلها معرفة عقيدته والواجبات والحقوق التي عليه. فهم دعاة للتوحيد ومدافعين عن السنة كما هو مبين في شهادة محمد رسول الله.
ثم لا بد ان يكون اقامة الدين على نهج النبوة وليست لكل شخص او حزب وسيلته ومنهجه. بل جاء الدين متكامل وكيف يقام وينفذ موضح فيه، ونقف في هذه الفقرة التالية على منهج الاسلام في اقامة الدين.

المنهج النبوي لاقامة الدين:
وهو الطريقة والاسلوب والكيفية المتبعة لاقامة الدين. وليس كما يفعل البعض بالاوراد والاذكار بالالاف طول حياته منقطع مع نفسه فلم يتعلم ولم يعلم غيره ولم يسعى في نشر دينه ولم يدافع عنه.
وليس بالعنف والمظاهرات.
وليس بدعوة العوام للخروج للدعوة ثم العودة ذهاب وأياب بلا تعليم للأصول، ولا بالسكوت على اخطاءهم والشرك والبدع.
ولا بالانقلابات العسكرية او الوصول الى السلطة باي طريقة ثم يفرض على الناس الدين.
كل ذلك خطأ وليس سبيل المرسلين. حيث كل الرسل على نهج واحد ودين واحد فقط تختلف الشعائر والمناسك الا ان الدين واحد وعلى نهج الله القويم.

منهج الدعوة
فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم منهج متدرج في حين كان المجتمع المكي في جاهلية سواء القتل او الزنا والسلب والربا الى جانب الشرك وغيره. فهم في ضلال مبين. ورغم هذا اختار تعالى تربية المجتمع بالتدرج ولم يامر بترك كل ذلك في بداية الدعوة، ولكن يربيهم بالقران والسنة وتعليم اصول الدين وتوحيد الله وتعريفهم بربهم وتخويفهم من عقابه وترغيبهم فيما عنده فيحبوه ويطيعوه، فيصلح الفرد قبل ان يكون مجتمع، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). 2 الجمعة.
يعلم القرءان ويزكيهم بتعاليمه وذلك يعني اعداد الفرد، ولاحظ الاشارة الى انه مهما كان في ضلال مبين، ورغم ذلك فان هذه هي الوسيلة لهدايتهم واصلاحهم : وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
لان الشعوب التي تتبعه على قناعة وخوفا من الله تاتي مطيعة ومحبة له، ومنها يتكون مجتمعه المطيع ليبني به المجتمع السليم الذي يتحمل التكاليف والاحكام فيما بعد.
فمن اراد ان يبني بناءا عاليا وقويا فاول شيء يفعله هو اعداد اللبنات، لان اللبنات الرخوة او الهشة تؤدي الى الانهيار ولا تحمل صرحا قويا.
فاعداد اللبنات بالتربية هو الخطوة الأولى في بناء المجتمع المسلم القوي.
فبدا الاسلام باعداد الفرد وتربيته وتزكيته ليتحمل التكاليف وادارة المجتمع.
واما السبيل الى تقوية الايمان والارادة والالتزام بتعاليم الدين فذلك في الاستماع الى المواعظ والدروس في حلق العلم التي تزكي النفوس، التذكرة الحسنة فانها تحيي القلب الميت، وقد اشار الله تعالى لذلك في قوله: (فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). 55 الذاريات.
هناك عونا ربانيا يحدث للمؤمن عند سماع القرءان والسنة حتى لو كان من قبل يعرف ذلك، فعندما ترد عليه الموعظة مرة اخرى كأنها لاول مرة يسمعها ويرق قبله وتلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله، فيتجدد الايمان ويقوى اليقين ويتبصر طريقه ويثبت القلب على الحق، وقد ذكر تعالى ذلك في سرد سير الانبياء فقال تعالى: (كذلك لنثبت به فؤادك) 32 الفرقان.
ومن جهة اخرى هناك حماية ربانية جعلها الله للجماعة خاصة حلق العلم الشرعي، حيث يضعف فيها الشيطان ويقوى فيها الايمان، كما في الحديث الذي رواه الامام احمد ( 5/ 233) عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الشيطان ذئب الانسان، كذئب الغنم، يأخذ السيرة، والقاصية، والناحية، فإياكم والشيطان، وعليكم بالجماعة، والعامة، والمسجد ).
وهذا تحذير للمنفرد او المتنحي، اي المبتعد عن جماعة التوحيد والسنة، وبين له ان السلامة في جماعتهم ومجتمعهم.
ففي الجماعة تقوى الارادة ويحس الفرد منهم بالتقصير والرغبة في زيادة الطاعات بل يسعد ويفرح قلبه ويجد لذة للعبادة وتعلو الهمة، لا يدري ما الذي حدث عليه، وتتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الملائكة وتدعوا لهم، ثم انشاء الله غفر لهم وثبتهم وآتاهم سألهم.
كما ان الله امر بلزوم الجماعة كطاعة قائمة بذاتها كالصلاة والصيام، لزوم الجماعة واجب أي مرافقتهم وحضور مجالسهم من وقت لاخر، حتى النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بذلك في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ). 28 الكهف.
كما امر المؤمنين جميعا بمعية الصادقين في دينهم أي المتمسكين وليس المعرضين فقال تعالى: ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
119 التوبة.
فالحرص على لزوم مجتمع الطيبين الصالحين المصلحين، أي المتمسكين حيث وصفهم الله بالمصلحين في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). 170 الاعراف.
فاحرص ياعبد الله بان تصبر نفسك مع الطائعين الصادقين في دينهم، تجد هناك حصنا للنفس من الشيطان والهوى، وهو الموضع الذي دعانا الله للبقاء فيه والصبر معهم، حتى نلقاه مع الجماعة الصادقة. جماعة اهل العلم الشرعي وليست كل جماعة.
ونتابع المنهج، فاما الخيارات الاخرى في بناء المجتمع المسلم والدولة فقد عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ورفضها، ومنها عرضوا عليه ان يكون ملكا على اهل مكة، فعلى راي الحركين اليوم اصحاب الوصول لنشر الدين بالسلطة بان يصل للحكم ثم يستغل القوة والسلطان ويفرض عليهم دينه ودعوته. الا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يختار ذلك، لانه ليس مختارا للمنهج من عنده وانما هو من عند الله، حيث ارسل شريعة ومنهاجا لاقامتها.
حيث اشار تعالى الى ان الدين الذي شرّع كما هو دين الرسل السابقين وجعل لهم جميعا منهجا من عنده كما قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). 48 المائدة .
فهو صلى الله عليه وسلم يعمل بمنهج حدد له، بل وامر واضحا وجليا، انك تدعوا كما امرناك واستقم كما امرناك، كما قال تعالى: ( فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ). 15 الشورى.
وفي اية اخرى امر معه اتباعه، ليتضح ان الكل مامور وليس لاحد الخيار في كيفية اقامة الدين، قال تعالى: ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ).112 هود.
وقوله: ولا تطغوا. نهي واضح عن تجاوز ذلك بل التقيد بما ورد فقط.
والمنهج من شقين: الطريقة والسنة المتبعة او الكيفية لاقامة الدين. وهي التربية والتزكية والتدرج في ذلك، وهذا ما ذكرناه آنفا.
واما الشق الاخر هو: المادة او النصوص او الموضوعات التي يدعو لها، أي الى فكر او أي تعاليم تدرّس وتبلغ للمدعوين؟ وباي فكر يربي او يزكي هذا المجتمع؟.

مادة الدعوة وترتيبها:
أي تدعوهم الى ماذا؟ هل الى الحزب السياسي والانتخابات لاقامة الدين؟ ام الى المظاهرات والفوضى لاجل اقامة الدين؟ ام الى الانقلابات واستغلالها لفرض الدين؟ تدعوهم الى الاقتصاد ثم بعد المال ترجع الى الدين؟ وما مصير من مات هذه الاثناء ولم يعرف حقيقة الدين؟ وكان على شرك وبدعة لان البعض زعم ان السياسة او والتوحيد فيما بعد، خاصة في تجاربهم التي لم ترجع الى التوحيد حتى بعد عدة عقود في السلطة، ومات شيوخهم من دون دعوة الى التوحيد، بل كانوا يسخرون من اهل التوحيد الى درجة سخرون من دعوة نبي الله نوح ونبي الله يونس عليهما السلام.
لكن دعوة الله بيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ورد في السنن الصحاح بعد الكتاب، حيث روى البخاري ومسلم: عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب. فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله الا الله - وفى رواية: إلى أن يوحدوا الله - فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم. فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم. فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
فاساس الاسلام هو التوحيد ومتمثل في شهادة لا اله الا الله محمد رسول الله، سواء لمن يدخل في الاسلام، او مسلمين في عصور قل فيها العلم الشرعي عند العامة وانحرفت المجتماعات فالمربي والمجدد يبدأ بما بدا الله به، فيعلم اصول الدين وما تضمنته كلمة لا اله الا الله من نفي واثبات، ثم من عرف ذلك يعرّف بالتكاليف، وهي ايضا بالتدرج.
وهذه سنة الله في دعوته. اذن كانت الدعوة الى الله وليس لاحزابهم فقد قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون).25 الانبياء.
وكانه يبرر او يشير الى هذا الاختيار لماذا الدعوة تبدأ هكذا، فانه نهج الله في الرسالات والاديان من قبلك يا محمد فتحمل اعباءها.
وعندما حاولوا ان يستدرجوه الى شي اخف مبدئيا ويترك الحديث عن الالهة ولو لفترة سنة يجمعون فيها قرابين ثم العام القادم يسلموا، وكان حوار طول الليل، ومنها ان يبعد البسطاء امثال بلال الحبشي، دعاة التوحيد اثناء الحوار مع زعماء مكة، قال تعالى: ( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) 173 - 175 الاسراء.
فلا مساومة ولا تبديل لدعوة التوحيد لانه حق الله على العبيد، ولا يلتفت الداعي الى حظه من الدعوة ! مثال متى يمكّن له او يصل الى السلطة ويستمتع او يجمع مال، فهذا ليس منهج الله وليس الهدف حكم، بل ربما تكون الدعوة او الرسالة حتى تنتهي بلا حكم وبلا سلطة لان مراد الله هداية الناس الى التوحيد، فان حققوا التوحيد تجيء احكام الشرع والحدود.
كما بين تعالى ان اعراض المشركين عن هذا المنهج وكراهيتهم للتوحيد ونبذ الشرك ليس مبرر لتغييره: قال تعالى: ) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ). 35 الانعام.
كما حذر تعالى من أي تنازل عن بعض منهجه فقال محذرا: (.. وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ). 49 المائد.
فدعوة الله ودينه هو التوحيد وتنزيه الله ومعرفة كيف يعبد الله، لهذا سميت الدعوة الى الله، وليس كما يشغل البعض انفسهم بامور حزبية حتى اصبحت دعوتهم لانفسهم وحزبهم وليست لله بل مصالحهم مادة طغت حتى نسوا الدين الا قليلا وعند الهتافات السياسية الله اكبر الله اكبر، حتى لم تعد ذكر لله بل شعار سياسي لتخويف الاخرين، ومن هم الاخرين؟ هم المسلمون، يكبرون عليهم لمحاربتهم.
ومادة الدعوة وترتيبها هي الدعوة الى الاسلام الصحيح بدأ بالتوحيد ومحاربة الشرك والالحاد والتشكيك، ومحاربة البدع والمحدثات، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تصل الى نقض الاسلام مثال عبادة القبور والبشر وادعاء صفات الله، ووصف الله تعالى بما لا يليق به، والكهانة والسحر.
ثم تعريف الناس بالدين الحق تعريفهم بالله كما وصف نفسه وبما وصفه به رسوله. تعريفهم برسولهم وما يلزمهم من اتباعه لانه الهادي، وغيره الزيع والهلاك، ونهيهم عن مخالفته والبدع.
وتربية الافراد بتعاليم الدين وتزكيتهم ليكونوا لبنة صالحة في بناء المجتمع، والتدرج في التعليم، كما نزل الدين بالتدرج، وقد كان تحريم الخمر بالتدرج حتى بلغ الايمان قوة فامرهم باجتناب الخمر فنفذوا ما طلب منهم في يوم واحد، واراغوا الخمور في الشوارع حتى سالت مجاري.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل.
فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا :لا ندع الزنا أبدا.
فهي تعني ان التوحيد والتربية عليه ومعرفة الله أولا، والا لما اطاع الناس للدين.
وتمام الحديث: عن عائشة رضي الله عنها: جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير ؟ قالت: ويحك وما يضرك. قال: يا أم المؤمنين أريني مصحفك، قالت: لم ؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر }. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آي السورة .صحيح البخاري رقم 4993 .
وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في شأن التدرج في الدعوة: ( مجموع الفتاوى ج 20.ص 60) قوله: (فكذلك المجدد لدينه والمحي لسنته، لا يبلغ الا ما امكن علمه والعمل به، كما ان الداخل في الإسلام لا يمكنه حين دخوله ان يلغن جميع شرائعه، ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في اول الامر ان يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فانه لا يطيق ذلك، واذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال. واذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم وامير ان يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الامر والنهي، بما لا يمكن علمه وعمله الى وقت الامكان. كما عفى الرسول عما عفى عنه الى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب اقرار المحرمات وترك الواجبات. لان الوجوب والتحريم مشروط بامكان العلم والعمل.). انتهى.
وهذا في شان التحريم والعبادات الواجبة والتعاليم. اما توحيد الله فهو اصل الدين الذي يبدأ بتعلمه الى حين يقوى دينه، فبعد ذلك سيترك العبد ويفعل لاجل الله تعالى.
والتدرج هو اسلوب في الدعوة ويختلف من شخص لاخر ومجتمع لاخر حسبما هو فيه من العلم والمعرفة، ويؤخذ الدين بكامله وكل جوانبه لا نسقط منه شي، لكن لا نقدم خطوة لم تكن في وقتها المناسب، فالمبتدئ والتائب لا يؤمر بالدين كله بل الاولويات فيما تركه او فعله كفر، ويعرّف بربه ثم رسوله ودينه بدأ بالتوحيد، وكذلك المحرمات، ولا نقفز بهم الى (تعالوا نكوّن حكومة اسلامية ) كالمتعجلين على السلطة باسم الدين حتى اصبح دينهم وهمهم السلطة فتركوا لاجلها بعض الدين بل اصول الدين، وشوّهوا جمال الاسلام وكانوا سببا في صد الناس عنه او استدراج البعض لمحاربته لاجل مصالحهم التي زاحمهم عليها ادعياء الدعوة لكن دعوتهم ليست الى الله وانما الى السلطة والمال.
لان الدعوة الى الله هي التعريف بالله تنزيه وافراده بالعبادة وتقديره حق قدره وكيف يعبد ويوصف بما وصف به نفسه، وهذا برنامج دعوة التوحيد، فمن قال : ان التوحيد فيما بعد ان ياخذ السلطة فان هذا نهجه هو وليس منهج الله، بل ورأيناهم بعد ان وصلوا الى السلطة حاربوا التوحيد واهله وبنوا قبة على قبر يعبد من دون الله، ثم نكّلوا بمن يدعو الى التوحيد.
وكيف يدعو الى التوحيد من لم يدرسه، فهو منذ دخوله دعوته السياسية باسم الدين كان تنظيمه يقول التوحيد فيما بعد، فيما بعد، يريد يجمعهم لاجل الانتخابات فاصبح الكل فيما بعد، فلم يدرسوا التوحيد ولم يدعوهم شيوخهم اليه، فان فاقد الشي لن يعطيه.
وان تناولوا التوحيد هو اخف من سنن الوضوء خرجوا منه سريعا بل وشوّهوه. واغلب حديثهم في السياسة وملاحقة الحكومات في دول اخرى. ومات منهم الكثيرون ولم يدرسوا التوحيد بل على دجل وشرك وبدع فما حجتهم بين يدي الله في تاخير التوحيد بعد السلطة حتى مات من مات منهم بلا توحيد.
ان المواد العلمية لتعليم وتربية المجتمع، هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. في ابوب من العلم مرتبة، ودراسة السنة لانها المبين للقرءان كما قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل اليهم). 44 النحل.
وليس نهج الدعوة الاسلوب الحركي الذي نراه عند البعض حيث يخرجون الى الخلوات خارج المدينة او القرية فيجتمعون في حلقات بنين وبنات او قل رجال ونساء من غير محرم، يسمونها ليالي قمرية، وهي سمرية وليس دعوية، (وتحت القمر يحلو السمر)، وحتى عندما يجتمعون في المساجد واحيانا مع البنات وحلقات تعارف: (اخوكي في الله فلان: اختك في الله فلانة).
وليس من منهج السنة التربية بالاناشيد بل قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). أي القرءان والسنة. رغم ان في الصحابة شعراء لكنه ليس وسيلة يحفظونها لهم بل في وقت وضمن خطبة يلقي كلمات تحضهم على الحق او الاجتهاد والصبر.
وكان القاء وخطب بلا الحان ولا يرددونها باستمرار، خاصة هؤلاء الحركيون يلحنونها احيانا على اغاني مشهورة فلما خلص منها تناول الاغنية الاصل ويسعد بها لانه لم ينهى عن الغناء ولا الغزل.
بل من اناشيدهم عبارة شجن وليست دعوة. كما يقولون:
باسم الله ابداها تحياتي الي اختي الي ذاتي اليك عزيزتي انتي.
ان هذه تربية الحركيين المتطرفين والحركات الارهابية وليس تربية النبي صلى الله عليه وسلم.
ان تربية الطلاب بالاناشيد وصرفهم عن القراءن والسنة هي خصما من فرص تعلم السنة وعلم الأصول، لهذا كان نهجهم على سننهم هم وليس على سنته صلى الله عليه وسلم.
اما منهج الله هو تعليم الكتاب والسنة من اول يوم، والدعوة الى التوحيد من اول يوم سواء قبل الناس ذلك او رفضوه، وذلك منهج السنة واهلها أي المتمسكون بها.
وتابع المزيد عن اهل السنة والجماعة في هذه الفقرة:


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 1:23 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالجمعة سبتمبر 20, 2019 10:13 pm

موقف اهل السنة والجماعة عند الخلاف؟
هذه فقرة من كتابا لنا في جماعة اهل السنة منه الفقرة التالية:
واما عن السلف وهم الجماعة الاولى ومن تبعهم باحسان، فقد كانوا عند الخلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم يتابعون السواد الاعظم من اهل العلم في جماعة اهل السنة وليس جماعة العوام، وايضا ذلك عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشار لذلك الامام الشاطبي في كتابه الاعتصام فقال: (وذكر اسحاق بن راهويه مرفوعا: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله لم يكن يجمع امة محمد على ضلالة، فاذا رايتم الخلاف، فعليكم بالسواد الاعظم، فقال رجل: يا ابا يعقوب من السواد الاعظم؟ فقال: محمد بن اسلم واصحابه ومن معهم (يعني بهم الجماعة في زمانه) ثم قال سال رجل عبد الله بن المبارك: من السواد الاعظم؟ قال: ابو حمزة السكري، ثم قال اسحاق: في ذلك الزمان، ( يعني ابو حمزة ): وفي زماننا محمد بن اسلم ومن تبعه، ثم قال اسحاق: لو سال الجهال عن السواد الاعظم؟ لقالوا جماعة الناس. ولا يعلمون ان الجماعة عالم متمسك باثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ). ثم قال الشاطبي: ( فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن ان الجماعة هي الناس وان لم يكن فيهم عالم، وهو وهم العوام، لا فهم العلماء. فليثبت الموفق في هذه المنزلة قدمه، لئلا يضل عن سواء السبيل) انتهى.
وهذا في ان الجماعة لا يراد بها عامة المسلمين، وانما جماعة اهل العلم المذكورين ان اجتمعوا وصاروا جماعة فتلك الفرقة الناجية، فالسواد الاعظم منهم عند الخلاف هو المراد من الحديث، وان لم توجد جماعتهم في مكان ما الا اشخاص قلة فهم السواد الاعظم اذ ان الحق لا يوجد الا فيهم. وغيرهم من اهل الباطل لا يعتد بهم.
وفي كلام ألئك تاملات، فذكرهم لاناس بأسمائهم، يفيد جواز التصنيف عندهم، وان الجماعة الحقة هي التي على منهجها المذكورين من العلماء والمشايخ ومن تبعهم، كما انه يتحدث عن السواد الاعظم، بانه يمكن ان يكون في الموازنة مع العامة، وايضا يمكن ان يكون حتى داخل الجماعة المعنية اذا اختلف اهل السنة فيما بينهم في شيء، فكذلك يكون السواد الاعظم من بينهم. وقوله: (عليكم) يفيد توجيهه وامره بعدم اتباع القلة الشاذة من اهل العلم المخالفين لاكثر علماء السنة.
وبيّنا ذلك لان البعض يتوهم بان السواد الاعظم هم غالبية المسلمين عموما، الا ان الغالبية المعنية هنا: غالبية من اهل العلم من اهل السنة، اذ ان العوام لا يعتد بهم في احكام الشريعة، وهذه موازنة داخل مجتمع العلماء ولو كانوا ثلاثة. والمراد السواد الاعظم من العلماء في جماعة اهل السنة.
قال الامام الشاطبي في الاعتصام ص( 226): ( وذلك ان الجميع اتفقوا على اعتبار اهل العلم والاجتهاد سواء ضموا اليهم العوام او لا، فان لم يضموا العوام اليهم فلا اشكال اذ الاعتبار انما بالسواد الاعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذ عنهم فمات، فميتته جاهلية، وان ضموا اليهم العوام، فبحكم التبع لانهم غير عارفين بالشريعة، فلا بد من رجوعهم في دينهم الى العلماء، فانهم لو تمالئوا على العلماء فيما حدوا لهم ، لكانوا هم الغالب والسواد الاعظم في ظاهر الامر، لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول احد: ان اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وان العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل العكس، وان العلماء هم السواد الاعظم وان قلوا، والعوام هم المفارقون للجماعة، فان وافقوا فهو الواجب عليهم ). انتهى.
وايضا قال: ( واعلم ان الاجماع والجحة والسواد الاعظم، هو العالم صاحب الحق ولو كان وحده، وان خالفه اهل الارض )، وهذا لا يعني في حالة وجود الجماعة وهو معتزل لها كان لوحده الجماعة! وانما هذا فرض جدلي، أي حتى لو كان وحده اذا لم يكن هناك معه آخرين، كان هو الجماعة ايضا، لانه لم تكن هناك جماعة فكان هو ممثلها .
لكن ان خالفها وهي قائمة فهذا حكم اخر، وقدح في علمه فلم يكن ذلك العالم المعني بالجماعة ولو كان وحده، ويدل على هذا ما سياتي عن ابن القيم عن نعيم بن حماد، وكلام اسحاق.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في (ج 3 / 345 ): ( ولهذا وصف اهل السنة، بالجمهور الاكبر والسواد الاعظم ، اما الفرق الباقية فانهم اهل الشذوذ والتفرق والبدع والاهواء .. الخ ) .انتهى .
فكل من خرج على جماعة اهل السنة فهو جزء من تلك الفرق المبتدعة.
وقال ايضا في منهاج السنة ( ج3 /ص4 ): ( فاذا كان وصف الفرقة الناجية: اتباع الصحابة على عهد رسول الله وذلك شعار السنة والجماعة، كانت الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة، والسنة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو واصحابه في عهده، وامرهم به، او اقرهم عليه، او فعله هو. والجماعة، هم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، خارجون عن الجماعة، وقد برأ الله نبيه منهم، فعلم ان هذا وصف اهل السنة والجماعة، لا وصف الرافضة، وان هذا الحديث وصف الفرقة الناجية، اتباع سنته التي كان عليها هو واصحابه، وبلزوم جماعة المسلمين ). انتهى.
فقد اشار شيخ الاسلام الى شيئين احدها اتباع السنة ليكون من اهلها حقيقة، والاخر لزوم جماعتها ليكون من اهلها حقيقة، فمن ترك احد الاصلين لم يكن من اهل السنة والجماعة لان الجماعة من الاجتماع.
وقال شيخ الاسلام في ( 3 /368 ): ( ولهذا امتاز اهل الحق من هذه الامة والسنة والجماعة: عن اهل الباطل الذين يزعمون انهم يتبعون الكتاب، ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين، فان الله امر في كتابه باتباع سنة رسوله ولزوم سبيله، وامر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف ) الى قوله ( ص 369 ): ( وهذا الصراط المستقيم: هو دين الله الاسلام المحض وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو السنة والجماعة، فان السنة المحضة هي دين الاسلام المحض، فان النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه وجوه متعددة رواها اهل السنن والاسانيد كالامام احمد وابي داود والترمذي وغيرهم، أنه قال: ( ستفترق هذه الامة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة، وهي الجماعة ) وفي رواية ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). وهذه الفرقة الناجية ( اهل السنة ) ( وهم وسط النحل) انتهى.
تتحسس في السياق والاستشهاد وذكر الفرق ثم الفرقة الناجية، انه يريد الدعوة لتلك الفرقة التي قال عنها "الجماعة"، ومما يبين انه يريد الاجتماع والترابط ما جاء في ( ص 409 ): ( وقد نهى الله في كتابه عن التفرق والتشتت وامر بالاعتصام بحبله. فهذا موضع يجب على المؤمن ان يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله ) انتهى.
وهنا رواية طويلة وثرة بين اجلاء من شيوخ السنة، تتضمن عدة وجوه في الجماعة تصلح للاستدلال في كل فقراتها، منها موقع الجماعة بين عامة المسلمين، وذلك ما جاء في اعلام الموقعين، للعلامة الامام ابن القيم رحمه الله، ( ص 397 ): (واعلم ان الاجماع والحجة والسواد الاعظم، هو العالم صاحب الحق ولو كان وحده، وان خالفه اهل الارض " قال عمرو بن ميمون الاودي: صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده افقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فان يد الله مع الجماعة. ثم سمعته يوما من الايام يقول: سيولى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فانها نافلة، قال: قلت يا اصحاب محمد ما ادري ما تحدثون، قال: وما ذلك؟ قلت تامرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول لي صلي الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة؛ قال: يا عمر بن ميمون قد كنت اظنك من افقه اهل هذه القرية، اتدري ما الجماعة؟ قلت: لا؛ قال: ان جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة. الجماعة؛ ما وافق الحق وان كنت وحدك؛ وفي لفظ: فضرب على فخذي وقال: ويحك ان جمهور الناس فارقوا الجماعة، وان الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى ". انتهى .
ومنه يتضح ان مصطلح الجماعة لا يراد به غالبية المسلمين وانما من وافق منهم تلك الجماعة الاولى، سواء كانوا جماعة او فرد ان لم يكن معه اخر فهو او هم تلك الفرقة التي على الحق، فمن كان على ذلك الحق بما فيه وجوب الجماعة كان منها، والا فلا. فان كانت الجماعة قائمة فلا مبرر لتاسيس فرقة غيرها وان أخطأت في الاجتهاد. كما هو حديث ابن مسعود:
وقول ابن مسعود السابق: ما وافق الحق وان كنت وحدك، لا يعني الواحد المفارق للجماعة المعتزل لها مع وجودها، وانما للذي لم يجد جماعة في مجتمع ما وكان وحده، واشارة: ما وافق الحق، تعنى الذين على الحق، فان فرض كان واحد فهو ايضا تلك الجماعة.
واحيانا الاشارة للجماعة في منهجها واحيانا في تجمعها وطائفتها، ولما كان لا مفر من الجماعة، فحتى حينما كان وحده امره بان يكون تلك الجماعة اعترافا بها واحياء لها.
وايضا ذكر ابن القيم: وقال نعيم بن حماد: " اذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل ان تفسد، وان كنت وحدك، فأنك انت الجماعة حينئذ " ذكره البيهقي وغيره.
وهذا يراد به المعتقد الذي قامت عليه الجماعة. وقال ابن القيم ايضا: (وقال بعض ائمة الحديث وقد ذكر له السواد الاعظم، فقال: اتدري ما السواد الاعظم؟ هم محمد بن اسلم الطوسي واصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الاعظم والحجة هم الجمهور، وجعلوهم عيارا على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكرا، لقلة اهله، وتفرقهم في الاعصار الامصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرفوا المختلفون ان الشاذ ما خالف الحق وان كان الناس كلهم عليه - الا واحدا منهم - فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن الامام احمد بن حنبل الا نفرا يسيرا، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ، والمفتون، والخليفة واتباعه كلهم، هم الشاذون، وكان الامام احمد وحده هو الجماعة، ولما لم يحتمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يامير المؤمنين، اتكون انت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل، واحمد وحده على الحق؟ فلم يسع علمه لذلك؛ فأخذه بالسياط، والعقوبة، بعد الحبس الطويل. فلا اله الا الله، ما اشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المهيع لاهل السنة والجماعة، حتى يلقون ربهم، مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم، (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). ولا حول ولا قوة الا بالله ). انتهى.
وذكر الشاطبي: ( وسال ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم فاجاب بان قال: ابو بكر وعمر، قال: فلم يزل يحسب حتى انتهى الى محمد بن ثابت، والحسن بن واقد ). انتهى.
فيشير الى أسماء معينة من صفوة اهل العلم، وكانما غيرهم لا يمثل الجماعة الحقة ولو كانوا عامة الناس، لوقوعهم في البدع ومخالفة السنة ومخالفة الجماعة الحقة.
وقال الشاطبي: ( وتارة نسبت الي مخالفة السنة والجماعة بناء على ان الجماعة التي امر باتباعها، ما عليه العوام، ولم يعلموا ان الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه والتابعون لهم باحسان).
كما قال: (فلا تجتمع الفرق كلها - على كثرتها - على مخالفة السنة بل لا بد ان تثبت جماعة اهل السنة حتى ياتي امر الله ).
فانظر في ذكره اهل السنة قال: ‎( جماعة اهل السنة ) لانهم فرقة وطائفة وجماعة يشار لها بالبنان، واسماء اهلها حتى يتميز الحق عن الباطل فيقصده من يريده. كما ذكر الشاطبي ما يفيد انه يريد الجماعة قوله: (الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب ولا سنة، ولا قياس انما تكون الغفلة في الفرقة). انتهى.
وفي القول اهل الجماعة، كلمة ( اهل ) تعني: اولى الناس بتلك الجماعة المعنية. واحق الناس بها لانهم اتبعوها حقيقة.
وغيرهم انما يدعيها، وأهلها هم من اتبع منهجها، كقوله تعالى: (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ).
ولما كانوا في عصر التابعين من اصولهم الايمان بوجوب لزوم الجماعة، حيث بدأ الخروج من جماعة المسلمين مثال الخوارج والمعتزلة ثم الرافضة، ثم في عصر تابع التابعين زاد التفرق ثم بعدهم تفرعت كل فئة من الفرقة المفارقة الى عدة جماعات، فظهرت الدعوة من اهل العلم الى التقيد بالسنة، وبعد القرون الثلاثة اصبحت الفرق المنحرفة تنشر افكار اكثر بعيدا عن المنهج الحق ونشروا بدعا ومحدثات يخشى منها على اصول الدين، فدعى العلماء الى التمييز بالسنة والاجتماع عليها، واشتهروا بها لتميزهم عن عامة المسلمين المبتدعة، ولا يرون ان العامة من تلك الجماعة، لانهم خالفوها ولم يؤمنوا بوجوب الجماعة، لذا دعى اولئك المتمسكون بالسنة الى الجماعة المتميزة المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة )، حتى صار امر الدعوة للجماعة مشهورا عنهم، فصار لهم وصفا فعرفوا: باهل الجماعة.
كما اشتهروا بالاهتمام بالسنة ووجوب اتباعها في كل شيء، ويرون ان العامة ليسوا على السنة، لانهم يزعمونها فيفعلون بعضها ولا يلتزمون بها ، واما ألئك المتمسكون يلتزمون بها في كل شيء، فعرفوا ( باهل السنة)، فصارت لهم صفتان يذكروا احيانا باهل السنة، واحيانا باهل الجماعة، واحيانا معا: ( اهل السنة والجماعة). فصار ذلك الاسم لمن اوجبوا الالتزام بالسنة واوجبوا التميز بجماعتهم عن الفرق الاخرى.
ان الدعوة للسنة والجماعة ليست حركة حديثة وانما هي دعوة اهل العلم منذ عصر تابع التابعين ونهاية القرون الثلاثة الخيرة، وكلما بعد الناس عن عصر النبوة زادت الاهمية في الدعوة لها ولزومها، فقد قال فيها مشاهير اهل العلم والسنة امثال عبد الله بن المبارك، واسحاق بن راهويه، ثم امام اهل السنة والجماعة الامام احمد بن حنبل رحمهم الله جميعا، ونعيم بن حماد، والامام ابن بطة.
فبعد ان كثرت البدع وزادت الفرقة واستغرب الناس الجماعة وشعائرها السنية، فرأى الامام ابن بطة ضرورة جمع كتابا يبين لطالب الحق والعلم وجوب الجماعة والمنهج الذي تكون عليه فكتب فيها رسالة اسمها: ( الابانة عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرق المذمومة )، وعرفت بالابانة الكبرى، وله الابانة الصغرى .
كما كتب فيها امام اهل السنة والجماعة في القرن الرابع، الامام ابو محمد الحسن بن علي خلف البربهاري، وقد عرف عصره بكثرة البدع وغربة الاسلام (في ذلك الزمان فكيف بنا الان) وعرف عصره بالدعوة لغير سبيل الحق والجماعة مع غربة اهل الحق في ديارهم فألف كتابا اسمه ( شرح السنة ) وجاء منه في (ص 40 و 41) : ( وكان الامر مستقيما حتى كانت الطبقة الرابعة زمن خلافة فلان، انقلب الزمان، وتغير الناس جدا، وفشت البدع، وكثر الدعاء الى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحنة في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد من اصحابه. ودعوا الى الفرقة، وقد نهى الله عزّ وجلّ عن الفرقة، وكفر بعضهم بعضا، وكل دعا الى رأيه والى تكفير من خالفه، فضل الجهال الرعاع ومن لا علم له، واطمعوا الناس شيئا من امر الدنيا، وخوفوهم عقاب الدنيا ، فأتبعهم الخلق على خوف في دينهم، ورغبة في دنياهم، فصارت السنة واهل الكتاب مكتومين، وظهرت البدعة وفشت، وحملوا قدرة الرب وآياته، واحكامه وامره ونهيه على عقولهم وآرائهم فما وافق عقولهم قبلوا، وما خالف عقولهم ردوه، فصار الاسلام غريبا والسنة غريبة واهل السنة غرباء في جوف ديارهم). انتهى.
ذلك الواقع ما يدفع اهل السنة والجماعة لبيان سبيل الحق وجماعته المتميزة عن الفرق الضالة، وان يجمعوا اهل الإسلام المحض كما كانوا قبل ان يفترق المسلمون.
فهم يرون وجوب اتباع السنة، ووجوب الاجتماع عليها، أي ان يكونوا جماعة على السنة، فمن لم يرى وجوب الجماعة، او التقيد بالسنة في كل شيء فليس من اهل السنة والجماعة، وان كان من عوام المسلمين وفرقهم الاخرى، والتي وصفها صلى الله عليه وسلم بالهلاك، أي عدم السلامة من العذاب على اقله، ومنهم من هو في الضلال البعيد حسب بدعته.
والهلاك المذكور في الحديث درجات، منه مثل الوعيد لاهل الكبائر، ومنه ما هو اشد، ويصل الى الشرك المخرج من الملة.
اما ترك الجماعة فهو من بدع الخوارج، لكن اهل السنة من اصولهم ان يكونوا جماعة متميزة، ظاهرين على الحق، وذلك للوجوب.
ويتضح خطأ فهم العوام اذ يرون ان من هو ليس شيعي يعني من اهل السنة والجماعة، فالصواب هو مسلم سني أي غير شيعي، لكن عبارة اهل السنة والجماعة يراد بها تلك المدرسة السنية التي ظهرت لها الدعوة بعد القرون الثلاثة المذكرة سابقا ومنهم الامام احمد بن حمبل وغيره ومن تبعهم اليوم من الذين لا يفعلون شيء في حياتهم الا بالسنة لانهم اوجبوا التقييد بها فسميوا بها لكن المعرضون عن السنة هم من عامة المسلمين الغافلين، وليس الدجالين والكهان والسحرة من اهل السنة وان كان اسمه محمد، وليس المبتدع والطائف بالقبور من اهل السنة، بل هم من اهل البدع والفرق الاسلامية الاثنين وسبعين المذكورة غير الفرقة الناجية الثالثة والسبعين وهي المتقيدة بالسنة وعلى ما كان عليه المتبوع صاحب السنة.
ولا يطلق اسم اهل السنة والجماعة عند علماء السنة الا على من سلك منهج السنة وجماعتها التي وصفت بالفرقة الناجية التي احيت السنة بعد اندثارها والتزمت بها في كل شئونها، والجماعة هي الفئة الملتزمة بها او حتى فردا كان على منهجها فهو منها.
وجاء في الحديث المشهور: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"، قيل ومن هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس. اخرجه الامام احمد وابنه عبد الله في المسند 1/ 184، وابو يعلي في المسند 2/ 99/ رقم 756، ولمسلم دون ذكر: من هم الغرباء.
ورواه الترمذي عن عمر بن عوف المزني وجاء في اخره: ( فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي).
واذا راجعنا سيرة السابقين لم يقل احد من شيوخ الفرق الصوفية انه من اهل السنة، وربما يتعجب البعض لكن عليكم بالبحث، هل قال ابن عربي انه من اهل السنة؟ ام هل قال ابا يزيد البسطامي انه من اهل السنة ؟ وهل قال ابن الفارض انه من اهل السنة ؟ . بل روي عنه وبائن في اشعاره انه من اهل عقيدة وحدة الوجود وايضا عقيدة الحلول. وتلك خلافا لمعتقد اهل السنة والجماعة بل يراها اهل السنة من الكفر والخوض في ذات الله جل وعلا، حيث يرى اهل الاتحاد ان المخلوقات جزءا من ذات الله وان مجموع الوجود عندهم هو الله.
وهناك فرق ولبس اذا قال البعض هو على الكتاب والسنة، وبين ان يقول من اهل السنة والجماعة، فالكل على زعم او مظنة الكتاب والسنة لكن جماعة اهل السنة هم الفئة او الطائفة التي تقيدت بالسنة ولم تخوض في التاويلات او تتابع العقائد التي لم ترد بها السنة الصحيحة.
ان عبارة اهل السنة والجماعة في تلك الفترة كانت شاذة وغريبة يهرب منها اغلب الناس من القرن الرابع وحتى السابع، وكانت فئة قليلة في عصر الامام احمد معه على اسم اهل السنة، واما الغالبية تقول بخلق القرءان، وهو قول خلاف عقيدة اهل السنة والجماعة.
لكن فيما بعد اشتهر علماء اهل السنة وخاصة في فترة شيخ الاسلام ابن تيمية.
ثم ثلاميذه الامام الذهبي وابن كثير وابن القيم وغيرهم رحمهم الله، فاصبح لعلماء اهل السنة شهرة طغت على الاخرين، فكان العامة عالة على كتبهم فصنعت مزاجا عاما الكل ينتسب اليهم حتى لو خالفهم بجهل، ثم في عصور الاستعمار التركي ثم من بعدهم انتشر الجهل والتصوف فسلك الناس سبلا تخالف عقيدة ومنهج اهل السنة ويظنون انهم منهم.
الا ان اهل السنة والجماعة لا تجد فيهم عقائد الطرق الصوفية ولا اذكارهم، وحتى تقف على الحقيقة بلا تقليد راجع كتب مشايخ اهل السنة والجماعة هل تجد فيهم عقيدة طريقة واحدة من هذه الطرق؟ بل هم على نهج سلف الامة والفرقة الناجية.
ولا يعني هذا تكفير الاخرين، ولكن ليسو على نهج السنة، والبعد متفاوت كل منهم حسب ما خالف فيه المحجة البيضاء سواء من عصاة اهل القبلة او ضلال بعيد او مبتدع او اهل البغي والفجور، فهل تقول هؤلاء من اهل السنة والجماعة؟. بل نقول لشارب الخمر مسلم من اهل الوعيد بالعذاب وتحت المشيئة ان شاء عذبه وانشاء غفر له. ولكن ليس من اهل السنة بل مسلم سني اي ليس شيعي، واما اهل السنة هم القائمون عليها العاملون بها وسلوكهم، واما سلوك المسلم العاصي فاعل الكبائر نقول من اهل القبلة ومسلم عاصي وليس هو من صفاة اهل الفرقة الناجية حتى يتوب.
وهل نقول لمن عبد القبور وطاف بها وتمسح بترابها وذبح عليها وتوكل عليها وطلب منها الشفاء او قضاء الحاجات واستغاث باهل القبور فهل نقول انه من اهل السنة ؟ لا بل هذا شرك اكبر يخرج من الملة فكيف نصف به اهل السنة.
وهل من عمل بالسحر وادعى علم الغيب وقال انه يخلق ويحي الموتى ويميت فهل نقول انه من اهل السنة والجماعة ؟. كلا.
وهل من قال انه تسقط عنه التكاليف او الصلاة فهل هو من اهل السنة والجماعة ؟ كلا .
اذن عبارة اهل السنة تعني صنف من المسلمين تركوا الكبائر وفعلوا المستطاع من الواجبات وسلكوا سبيل الفرقة الناجية وتقيدوا بالسنة في سلوكهم ومنهجهم وكل حياتهم حتى اشتهروا بذلك ولزموا الجماعة القائمة بتلك الصفات.
فهذا سبيلها واما قبول العمل من الافراد فعلمه عند الله وهو لا يضيع اجر من احسن عملا.
وتبقى عبارة اهل السنة والجماعة لفرقة من بين فرق المسلمين الثلاثة وسبعين التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: كلها في النار الا واحدة وهي الجماعة.
وفي عبارة من رواية الترمذي ( فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما افسد الناس من سنتي). ورواية اخرى منها: فطوبى للغرباء"، قيل ومن هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس. اخرجه الامام احمد.
وتلك صفات اهل السنة والجماعة الذين هم متمسكون بتعاليم الدين وعلى نهج السلف الصالح. لوصفه صلى الله عليه وسلم: ( ما انا عليه وصحابتي الان).
وليس المنهج الصحيح ان يجعل الشخص نفسه سائبا هائما بلا هوية او انتماء، بل يوطن نفسه وعلى الصواب بعد علم واطلاع، وفي ذات الوقت لا ينتمي الى منهج منحرف او متطرف ولا ان يشرّع من عنده او جماعته حتى يصبحوا احزاب دينية كل له ورده وذكره وشعائرهم الخاصة حتى اصبح الدين احزابا دينية كل حزب بما لديهم فرحون، مع العلم يحتمل الدين الخلاف في الراي ولكن ليس ان يجعل اصولا غير اصول الدين حتى تتناقض مع الاصل.
اما التفرق في الدين الى جماعات في العقيدة وصفه الله في القرءان بالشرك لانه تشريع مع الله. كما ورد في قوله تعالى: ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون). 31- 32 الروم.
فيجب ان يعلم المسلم ان دينه توحيد الله والبعد عن الشرك، والاية التي سبقتها تشير الى التوجه حيث قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا).
والحنيفية هي الميول والانحراف والبعد عن الشرك ميلا للتوحيد وحرصا عليه، تفيد مداومة الحرص على الهرب من كل ما هو يوصل الى الشرك فهو دائم الحرص والحذر والميل عن الشرك. قال ابن كثير: (حُنَفَاء لِلَّهِ " أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين مُنْحَرِفِينَ عَنْ الْبَاطِل قَصْدًا إِلَى الْحَقّ وَلِهَذَا قَالَ " غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ). التفسير.
فهو دائما يتحرى السلامة من الشرك مائلا عنه حرصا على تحقيق التوحيد.
ثم تواصل الاية: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا).
أي التوحيد هو الفكر والتوجه الذي زرع في نفس الانسان من بطن امه وقبله في عالم الذر يوم ان خلق آدم، فليس جديد ولا ابتدعته فرقة، وانما هو الاصل في البشرية فطرهم عليه أي خلقهم كذلك موحدين وما يحدث لهم من شرك او كفر هو من تربية ابويه او مجتمعه. ثم تواصل الاية: (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ). يشير ايضا الى انه الاصل ودين الله الاسلام والتوحيد لم يتبدل ويحذر بذلك من تبديله بأن من غيّر ذلك فهو مبدل لدين الله.
ثم تواصل الاية لتعلم ما هي حقيقة الدين قال تعالى: (ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). 30 الروم.
فهو احسن الدين وافضله واقيمه، يا عبد الله الا تريد الدين القيم، بل سأل تعالى عن أي دين احسن من هذه الحنيفية التي عليها ابراهيم حيث قال تعالى: ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا)). النساء 125.
وانظر ايضا اشارته تعالى الى ملة ابراهيم حنيفا. أي ملة التوحيد مائلا عن الشرك دائم الحذر منه. ولانه تكلم عن قيمة دين الحنيفية ختم مشيرا لقيمة الحنيفية حيث جعل شيخ هذه الحنيفية نبيه ابراهيم عليه السلام جعله خليل الله. فاي دين او مذهب يرقي صاحبه كذلك.
وتقدير الايات ترغيبا في الحنيفية ان تكونوا عليها بعيدا عن الشرك كما كان نبيه إبراهيم عليه السلام.
وقد اشار نبي الله يوسف عليه السلام اشار الى ان الدين القيم هو التوحيد وذلك عندما ناقش اصحابه في السجن حول عقائدهم وشرك قومهم ثم اشار الى قيمة دين التوحيد والحنيفية، فتامل وبتريث وهدى وصبر تامل حكايته وما يشير اليه، حيث قال تعالى عنه: ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ). 39 – 40 يوسف.
اقول فهذه دعوة التوحيد. ثم بين تعالى ان الخلاف في هذه الامور ليس الفصل فيه من عند الناس بل الله هو من يحكم ويفصل في هذا الامر أي لا تلتفتوا لما يقول الآباء وانما بما يحكم الله حيث قال تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).
ثم اشار الى حكمه ومراده من خلقه، وهو من عنوان هذا الكتاب، قال تعالى في تمام الاية: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
توحيد صريح ثم يؤكد ما سقنا لاجله الفقرة الاخيرة وهو قيمة دين الحنيفية والتوحيد الذي ساقه فختم الاية على لسان يوسف حاكيا لاصحابه: (ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). 40 يوسف.
وتأمل قوله: اكثر الناس لا يعلمون. أي اغلب الناس يجهلون هذه الحقيقة ولا يدرون حقيقة دين الله وان المراد هو التوحيد وتنزيه الله عن الشركاء والنظراء، وان يكون وحده المعبود.
فاعلم يا عبد الله ان المطلوب من العباد هو التوحيد وتنزيه الله عز وجل. اما الشعائر هي الوسائل لتحقيق ذلك المقصد.
وتجدر الاشارة هنا لفائدة وهي: ان يوسف عليه السلام وهو في السجن وسئل عن تفسير رؤيا الا انه جعل الاولوية لحديثه عن التوحيد وعن ما يعبد آباءهم محذرا عن الشرك ثم عاد بعد ذلك للاجابة على السؤال كما انه لم يتحدث في السياسة مع انه سجن ظلما فلم يدعوهم للعمل ضد السلطة ولا محاولة انقلاب ولا حتى حزب للعمل ضد السلطان. ولكنه دعاهم الى التوحيد وحذر من الشرك، وعندما خرج اكرمه الله بتمكين من رغبة السلطان وثقته فيه لانه علم عدم طمعه في منافسته.
وبعد هذا برز همه في دعائه حيث ختمه بالحرص على خاتمة الاسلام بقوله: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). والمعلوم انهم لم يؤمنوا له حتى توفاه الله.
وقد بدأنا هذه الفقرة بالحديث عن التفرق في الدين فنكمل بقوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). 159 الانعام.
يفيد ليس التفرق في الدين مجرد معصية كالكبائر ولكنه امرا اكبر حيث برأ الله رسوله ممن فعل التفرق في الدين، وانهم ليسوا من فرقته وانت يا محمد لست منهم في شي. أي حتى ما فعلوه من شريعة محمد مردود عليهم، لان عبارة شيء، أي لم يبقى لك فيهم أي علاقة.
فاحذر يا عبد الله من الفرق الدينية والتحزب في الدين، والزم منهج السنة وهي الفرقة التي استثناها وهي طريق الحق فتعرف عليها واجتهد في معرفتها، فغيرها في خطأ او ضلال لان الحق واحد لا يتعدد.
فمن تبنى التوحيد وابتعد عن الشرك وحاربه وعمل بالسنة فهو على منهج الله الذي اشار اليه وحذر من مفارقته ومشاققته او مشاققة جماعة الصحابة التي كانت على ذلك فهو طريق واحد توعّد الله من خالفه بجهنم في قوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).115 النساء.
وقد اشار تعالى الى الملل السابقة انهم اتبعوا ما وجدوا من الآباء وتعصبوا له فلم يسمعوا للحق ويتدبروه انهم معرضون، ويذكر ذلك محذرا ما صنعوا ومبينا ضرر التعصب قال تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ). 170 البقرة.
أي عندما يدعوهم الى التوحيد وترك دعاء الاموات وألآلهة تعصبوا واصروا على ما ورثوه من الآباء. ثم سأل، حتى لو كان الاباء ليس لديهم علم ولا دليل تتابعهم؟.
ثم يصف حالهم في الاية التي بعدها: بان حالهم هذا مثل البهائم التي ترعى فلا تعرف الا نداء من الراعي بلا وعي حتى لمصلحتها قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).171 البقرة
كما بين احد اسباب شركهم قال تعالىSad إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِين).
67-74 الصافات.
فالمتابعة للآباء بغير حق او دليل فانها توقع في الضلال، فعلى العبد ان يبحث عن الصواب بالادلة الشرعية حتى لا يكون على خطأ ويحسب نفسه مهتدي.
وقد اشار تعالى لكيفية حماية النفس من الزلل فامر بمعية اهل الدين الحق الصادقين فيه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). 119 التوبة.
وامر باتباع اهل الانابة أي التوحيد في قوله تعالى: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ). لقمان 15 .
فحقيقة الاسلام، أمور متكاملة، منها معرفة الله بعلم وطاعته، ومعرفة الرسول وطاعته عن معرفة بلوازم ذلك، ومتابعة اهل الحق ولزوم جماعتهم حتى يتحصن بها من الفتن والخطأ، حيث يجد النصح عن علم في الجماعة، والانقياد لاوامر الله ورسوله.
المنهج الصواب تجاه غير المسلمين
ان الموقف الديني من الاخرين اي غير المسلمين يجب ان يكون لمصلحة الدين ومددل عليه من الدين، وقطعا ذلك سيكون سلاما وسليم، الا ان اكثر ما نراه من مواقف تجاه غير المسلمين من جهة الجماعات المتطرفة، لا نجدها لمصلحة الدين بل لا تهدف حتى لذلك، وانما هي مواقف سياسية ومتطرفة في اسلوبها ومنهجها، وهي اعلامية اكثر من دعوية، أي لاظهار مواقف للاتباعهم العوام ولتلميع الداعية المنحرف وتسويقه لقيادة ألئك العوام والمبتدئين في الدعوة، ونعايش ونشاهد موضة دعاة السياسة باسم الدين نجد عندهم موضة الهجوم على الغرب، ويعنون بها الدول الغربية وخاصة امريكا، ويسعدون كثير بذلك وينظر اليه بانه داعية مفوّه وكلما سجن كثيرا كان عندهم هو الافضل، وعند حصولهم على سلطة يقدمون لها ألئك المساجين، في حين انهم يثيرون شغبا، ولم يسجن لان معتقده يخالف ما عليه السلطة. وانما للاسباب الامنية والتهريج والفوضى.
وحتى عندما تقام لهم سلطة في بلد ما فانهم يؤذون الناس اكثر ممن سبقهم بل التعذيب سلوكهم والإقصاء منهجهم وألأوحادية مقصدهم والحرية عدوتهم، ولا حياة كريمة لغيرهم الا بالهجرة الى ذلك الغرب الذي ينتقدونه، فكان الغرب يوفر السلام وحماية حقوق الانسان، حتى لهم عندما يتركون بلادهم يهربون الى الغرب، فيحميهم نسبة لمبادئهم في الحرية وحقوق الانسان.
واذا قيّمنا الغرب الذي يعنون مثلا امريكا واوربا، ان غالبهم على الدين المسيحي، واهل المسيحية رسم الله لنا طريقا للمعاملة الحسنة معهم، فلنقف على ذلك حيث ارشدنا تعالى للاستعطاف والبر لهم، وذكر الروابط الفكرية والعقدية معهم لنذكرها لهم وان رسولكم عيسى عليه السلام وغيره من الرسل محل احترامنا بل من الايمان عندنا، ثم دلنا ماذا نقول لهم في الاية 136 البقرة: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وخص اهل الكتاب ايضا بعبارة فيها لين وبيان لاصل الدعوة وليس لطلب مواقف من برامج سياسية وانما عقيدة التوحيد حيث قال تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).64 آل عمران.

ان المطلوب تجاه غير المسلمين هو دعوتهم بل حصر ذلك في البلاغ فقط بقوله (انما ) اداة الحصر: ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ). 40 الرعد.
واذا نظرنا الى الملايين المتطرفة في عدة بلدان وجهدها السياسي والعنف والقتل والمظاهرات وحرق الاعلام الغربية وغيره، وقارناه مع دعوتهم لهم للدين نجد ان الدعوة عندهم لا تساوي 1% من جهدهم والاموال التي تصرف في العنف سواء اللفظي او غيره، وذلك لان المتطرفين مطلبهم ليس الدين، وانما صراع سياسي يريدون منه ارباحا اكثر مما استثمروه في التطرف والارهاب.
ان كثيرا من الدعوات اصبحت شركات استثمارية ومافيا تقتل وتموّل لتحصد المال والوصول الى السلطة وليس لنشر الدين، وليس هنا المجال للتوسع في اخطاء التطرف السياسية والامنية فقد افردت لذلك كتاب من فصلين حول ظواهر التطرف والارهاب.
ونتأمل كيف دعانا ربنا الى توفير الامن للمدعو حتى لو كان من المشركين
وهم ابعد من اهل الكتاب، او جهال المسلمين الذين يعنف عليهم التطرف.
حيث قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ) 6 التوبة.
امنحه الامان حتى يعلم حقيقة ما يريد الله منهم، ولم يقل اما قبل ذلك والا فاقتله، وانما قال: ( ثم ابلغه مامنه). أي ثم دعه يذهب امنا كما كان.
واما الحالات التي يشرع فيها جهاد الطلب غير موجودة الان في الدول التي يشير اليها رموز التطرف، لان الاخرين مع عدم اسلامهم اذا لم يمنعوا الناس من الإسلام، او يجبروهم على الكفر فلا يصح محاربتهم. لقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) 39 الانفال. أي عندما يكون هناك منع للناس ان يدخلوا الدين او يجبروهم قسرا لتركه فيكون منعهم بالقوة حتى لا يكون هناك اجبار للناس على ترك الاسلام، او منعهم بالقوة من الدخول فيه، أي فتنتهم عن دينهم لتركه قصرا. بمعنى اذا لم تكن فتنة لردهم عن دينهم فلا يشرع قتال، وذلك نادرا في اقلية يمكن معالجتها، بل العالم حتى غير المسلم يستنكر ذلك ويعمل الناس على حمايتهم وليس الحرب العالمية التي يكون ضحاياها اكثر ممن تعرضوا للفتنة.
فاذا كان عامة الناس احرار فيما يدينون فلا تقاتل غير المسلمين طالما لم يجبروهم على تكر الدين. بل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وخاصة اهل الكتاب اوصانا للاحسان بهم في النقاش حيث قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقال تعالى: ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين). 8 الممتحنة.
دعانا الله للبر والعدل مع غير المسلمين الذين لم يقاتلوننا، ووعد بمحبة من يفعل ذلك، فلماذا العنف والتشنج.
اذا لا حاجة لنا ولا مصلحة دينية في الصراع مع الدول الغربية ولا الشرقية كما يقول المتطرفون، ولا صراع مع امريكا ولا روسيا ولا غيرها، ليس هناك حاليا مبررا لمحاربة غير المسلمين، ونعلم كثيرا ممن كان في بلده غافل وجاهل بالدين، وهاجر من بلده المسلم بسبب الحروب واستقر في تلك الدول الغربية فتعلم الدين الاسلامي هناك من الاقلية المسلمة والجاليات ورجع الى بلده ملتزما بل وبعضهم حتى متشدد، لان تلك الدول لم تمنعهم من الدين او التعليم الديني، فلماذا افتعال الازمات معهم باسم الدين. بل فيها المساجد ترفع الاذان بمكبرات الصوت. بل مراكز إسلامية للتوعية.
وان كانت هناك ازمات في بلدان اخرى لهم فيها موقف لم يسرهم فعليهم معالجة الازمة من غير جرها الى بلدانهم الاسلامية مباشرة وبسبب تشنجات المتطرفين.
ان الدعوة هي للمجتمعات عامة وليس خاصة للحكومات، حتى فرعون وقومه عندما دعاهم موسى عليه السلام فطلب منهم ان يخلّوا بينهم وبين عامة الناس، قال الله عنه: ( أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ). 18 الدخان.
أي خلي بيني وبين الشعب واترك لي عامة الناس لأخاطبهم ولا تمنعهم مما يختارون. فمن وجد الحرية في التواصل مع الشعب فلا حاجة له في الصراع مع السلطة.
ان حرية الدعوة مكفولة لشعوب تلك الدول الغربية والشرقية اليوم لا يمنع شخص ان يسلم، نعم هناك ربما مضايقات احيانا من البعض لكنها ليست منع كلي او اكراه، وهذا يحصل حتى في بعض بلاد المسلمين، وربما بسبب التخوف من ظاهرة الحركات المتطرفة التي شوهت صورة الاسلام والمسلمين، لكن مسموح بالانتساب الى الاسلام بل وبناء المساجد، فهذه لا تعتبر حتى دار حرب، لان الفرد حر في اختيار دينه عندهم، لكن عجز ادعياء الدين من المناقشة والدعوة السلمية، ثم رغبتهم في الصراع مع غير المسلمين كورقة سياسية يستخدمونها في بلدانهم لحشد التأييد بانهم يصارعون اعداء الاسلام على زعمهم، ولسان حالهم يقولون للناس: تعالوا ايها الشعب لمساندتنا ضد اعداء الاسلام، ويجمعون المال مع التأييد، وذلك الخطاب للاستهلاك المحلي ليجدون بها مظهر الممثل للدين والمدافع عنه، لزعم انهم هم البديل المحلي. وليس لهداية تلك البلدان غير المسلمة.
ان النزاع المفتعل مع غير المسلمين صنعته تصرفات الدعاة المنحرفون، بل ان الحرية التي يجدها المسلمون في الدول الغربية لا نجدها في كثير من الدول الاسلامية، كما هو في ايران عصر حكم الرافضة ولا في سوريا عهد الاسد ولا ليبيا في عهد حكم القذافي ولا العراق في عهد صدام حسين وغيرها من الدول الدكتاتورية ولو في ثياب اسلامية في فترة قيادة المتطرفين.
ان الدين الاسلامي دخل اغلب الدول بالمخالطة الحسنة من التجار والسياح ودعاة من تلك البلدان رجعوا اليها فدعوا قومهم بلسان المشفق عليهم فاستجاب الكثيرون، واظهار سماحة الدين وعقلانيته وأيات الله الكونية والعلوم التي تفيد بانه من عند الله، جعل الناس يدخلونه بقناعة.
ان دين الله جاء بالسلام ثم جعل بصمة يجب ان تكون ظاهره على المسلم والمؤمن. في قوله صلى الله عليه وسلم: المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لسانِهِ ويَدِهِ، والمُؤمِنُ مَن أمِنَهُ الناسُ علَى دِمائِهِم وأموالِهِم.
من رواية ابي هريرة سنن الترمذي. حسن صحيح رقم 2627.
فقال (آمنه الناس) ولم يقل المسلمين بل كل الناس حتى غير المسلمين يأمنوه، وقد جاء باللين والرفق حتى بالحيوان، وحتى صيد الحيوان البري اذا لم يكن للاكل لا يصح قتله، وجاء الدين بمكارم الاخلاق، وحماية النفس والمال والعرض والارض والدين، وذلك لا ترفضه النفس السوية وان خالفته لكن في داخلها تجده يدعو الى الاحترام، وربما تقتنع به يوما من الايام.
والى غير المسلمين وكذلك المبتدئين اقول لمن يريدون التعرف على هذا الدين الاسلامي: ان لا يظنوا ان المتطرفين والمتشددين يقدمون الدين الصحيح، او يمثلون الامة الاسلامية، بل ما يفعلونه من العنف هو من سلوكهم الشاذ المخالف لحكمة ومقاصد الدين، وعلى الذين يريدون معرفة حقيقة الدين ان يبذلوا جهدهم في الاطلاع والبحث لمعرفة الدين الصحيح واصوله، فانه ليس نشاطا حزبيا ليحمل الناس الى السلطة، وانما هو لمعرفة الله ودينه والإخلاص له، وان لا نجعل له شريك من الخلق في العبادة ولا الظن بان البشر يرزقون او يفعلون في ملكه شيء، ثم بين لنا كيفية التعامل مع الرب جلا وعلا، ثم يؤدبنا حتى فيما بيننا. ومعاملاتنا، بذلك تعمر الارض بسلام وعلى امل لقاء الله وهو راضي عن العبد ليسعد في حياته الاخرة. فلا اله الا الله كما قالت جميع الرسل، ولا شريك له في شيء من ملكه ولا عبادته ولا مثيل في صفاته.
واكد تعالى ان من حقق التوحيد فانه هو الذي يثمر عدلا واحسانا واصلاحا
في الأرض، وخير على من حوله حيث شبه كلمة التوحيد (لا اله الا الله) عند المؤمن كشجرة النخيل التي تثمر وتؤتي رطبا في كل حين حيث قال تعالى: (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)24. إبراهيم. فهي مثل لكلمة التوحيد لا اله الا الله، من حققها اثمرت خيرا: (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). 24 إبراهيم.
فالتوحيد يثمر احسانا وعدلا وخيرا كثيرا، وليس في موسم معين بل قال: (كُلَّ حِينٍ). فهو على الدوام مفيد لغيره، محسن اليهم رحيما بهم عادلا خلوقا لا يظلم، بل بعيد عن الرذال والفحش ومساوئ الاخلاق، حريصا على نفع الاخرين كل الاخرين حتى غير المسلمين يحسن اليهم.
وهذا ما امر الله به وليس ذلك الإرهاب والعنف والقسوة، وقد بين تعالى انه امر بالعدل والاحسان، وكله خير حيث، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). 91 – 91 النحل.
هذه من ثمار وحِكم ما جاء الإسلام به، واما التوسع في تفاصيل أخرى تشمل الحديث عن المزيد في التوحيد وصفات الله عزّ وجل وملخص عقيدة اهل السنة والجماعة وغيرها في الجزء الثاني انشاء الله، ولا حول ولا قوة الا بالله.
والشكر له على نعمه. والحمد لله رب العالمين.
ايها القارئ الكريم لا تنساني من صالح دعاءك.


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 1:28 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأحد سبتمبر 22, 2019 6:17 pm



عدل سابقا من قبل Admin في الأربعاء فبراير 12, 2020 5:29 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالجمعة ديسمبر 06, 2019 7:19 pm

والمزيد في الجزء الثاني للكتاب


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد فبراير 02, 2020 1:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالسبت ديسمبر 07, 2019 2:49 pm

وان كان القارئ الكريم له مشاركة في الموضوع فليرسلها لنشرها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأحد فبراير 02, 2020 1:12 pm

وكانت هذه الطبعة الثانية للجزء الاول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأربعاء مارس 18, 2020 6:28 pm

تمت اضافة الطبعة الثالثة الى موقع الصفوة للتحميل مجانا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالسبت أبريل 11, 2020 9:23 pm

والطبعة الجديدة على وشك الانتهاء انشاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالثلاثاء مايو 19, 2020 1:52 pm

وان كان لكم تعليق او اضافة فمرحبا بكم واضافتكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالسبت مايو 30, 2020 8:16 am

و لا تنسونا من صالح دعاءكم


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد مايو 31, 2020 7:55 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالأحد مايو 31, 2020 7:54 pm

ونرجو ترجمته الى لغات اخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 8:18 pm

الدين يحتاج الى رعاية وحرص من العبد حتى لا يلبس فيه الشيطان لذا يوصي نبي الله يعقوب عليه السلام بنيه : (فلا تموتن الا وانتم مسلمون)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالثلاثاء سبتمبر 22, 2020 7:37 am

لا يدري العبد ما بقي من حياته فليسارع طاعة الله وتجديد إيمانه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالإثنين مايو 17, 2021 6:03 pm

ويربط البعض خطا بين الاسلام ومنهج المتطرفين، لكن اذا عرفوا حقيقة الاسلام فانه العدل والاحسان ورحة للعالمين، فلنعرف الناس على الحقيقة وعلى الاقل تؤدون امانة تبليغ الرسالة وسوف تسالون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالسبت سبتمبر 04, 2021 7:29 pm

ان الغفلة والتناسي للدين يحذر الانسان ان يعاقب عليه بان لا يرجع اليه بعد ان بلغته نعمت الدين وذلك كعقوبة في تحذيره تعالى: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). 19 الحشر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
Admin
Admin



المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 20/07/2019

كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول   كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول Emptyالجمعة مارس 25, 2022 5:50 pm

والمطلوب من المسلم الانقياد وليس فقط مجرد التلفظ بالاسلام قال تعالى: ( فَلَهُ أسْلِمُوا ) اي: فاخضعوا بالطاعة, وله فذلوا بالإقرار بالعبودية. ثم اردف بقوله تعالى: ( وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) اي: المذعنين له بالعبودية, المنيبين إليه بالتوبة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://truthislam.ahlamontada.com
 
كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين، الجزء الاول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب حقيقة الاسلام وجوهر الدين. الجزء الثاني
» من لا يحب الدين ويرى العلمانية، هم اصناف
» سرقة الدين ومحاربته اكبر من سرقة قوتك والسلطة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حقيقة الاسلام وجوهر الدين :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: