ما يعين على الاستقامة

ما يعين على الاستقامة
ايضا فقرة من كتاب حقيقة الاسلام جوهر الدين الجزء الثاني

واذا سال مسلم نفسه لماذا يصعب على البعض التمسك بالدين ويثقل عليه في حين تجد اخر سعيد بالالتزام وهو مسرور به، سهل عليه لا يجد مشقة بل سعادة ومتعة ويهون عليه ويبحث عن معرفة ما هو واجب لفعله وما حرام لتركه واجتنابه.
ان ذلك بسبب التوحيد والايمان السليم يعينهم الله، وان من حقق التوحيد يمنّ عليه ربه بالاستقامة والالتزام ويقوي عزيمته ويدخل في قبلوبهم الايمان ونور الهداية.
واشار تعالى الى انه يهديهم بسبب ايمانهم اي بتوحيدهم كما في الاية: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ). 9 يونس. قال ابن جرير في تفسيره: يقول: يرشدهم ربهم بإيمانهم . وقال ايضا: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:  (يهديهم ربهم بإيمانهم) ، قال: يكون لهم نورًا يمشون به.
فالذي سهّل على هؤلاء الاستقامة انه التوحيد وذلك تأكيد من رب العبيد، حيث بين العزيز الحميد في كتابه المجيد: وتكفل الله ووعد من حقق التوحيد ان يهديه الى الحق والصراط المستقيم ويهون عليه العبادة والتمسك بالدين. والصراط المستقيم ويشمل ما امر الله بفعله وما نهى عن فعله او امر بتركه، قال تعالى في الاية 54 من سورة الحج: ( . . وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم). أي يهدي من وحدوا الى الصراط المستقيم، والذين امنوا يعني من حققوا الايمان أي بالتوحيد.
قال ابن كثير: أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم [ إلى ] الصراط المستقيم، الموصل إلى درجات الجنات ، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات.
فالذين امنوا تعني اهل التوحيد الذين حققوا الايمان ولم يشركوا به شيئا. واخلصوا في العبادة لله وحده.
وقال ابن كثير في تفسير الاية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون قال: أي : هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك ، له ، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة .
ثم ذكر رواية البخاري: عن علقمة، عن عبد الله قال : لما نزلت ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال أصحابه : وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت : ( إن الشرك لظلم عظيم.
وذكر ابن كثيير في قوله تعالى: فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ) أي : جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم. الى ان قال: ويهديهم إليه صراطا مستقيما ) أي : طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف. وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات.
فاهل التوحيد والتوكل يهديهم الله وييسر لهم الطاعة، وقرن تعالى الهداية بالاعتصام بالله كتمام للايمان وشرطا لذلك، أي من احتمى به وليس بغيره وتوكل عليه وليس على غيره قال تعالى: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا). 175 النساء.
فبعد ان ذكر صفاتهم بالاعتصام بالله وعد بادخالهم في رحمته ثم هدايتهم، وليس فقط هداية بغير بيان الى ماذا بل أشار بقوله تعالى: (اليه صراط مستقيما). اي الى السبيل المستقيم الموصل الى الله ورضوانه.
وقد بين تعالى ان من توكل على الله وحده فهو من حصلة له الهداية بصيغة الماضي، اي قد حصلت له الهداية، في قوله تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). 101 آل عمران
ومن وعده الحسن لعباده الذين حققوا الايمان قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ. .) 28 الحديد.
قال ابن كثير في التفسير: وقال سعيد بن جبير : قوله في اخره: (ويجعل لكم نورا تمشون به) يعني : هدى يتبصر به من العمى والجهالة. ورواه ابن جرير.
وقال تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ). 11 التغابن.
فاذا حقق العبد الايمان السليم واخلص لله اعانه الله وهداه الى سبل الخير ويسر وسهل له الاستقامة.
واشار تعالى انه يعطي اهل الايمان بالله قوة وجرأة ويؤيدهم بروح منه، قال تعالى: ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). 22 المجادلة.
قال القرطبي في التفسير ضمن الاقوال: وقال ابن جريج : بنور وإيمان وبرهان وهدى. وقيل : برحمة من الله. وقال بعضهم : أيدهم بجبريل عليه السلام.
واشار تعالى عن هدايته لاهل الايمان الى الحق حين يختلف الناس: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ. ) 213 البقرة.
فتحقيق الايمان يعني التوحيد والمعرفة الصحيحة بالله وعدهم بالهداية، وفي المقابل الذين لا يصدقون ويعرضون ويتجاهلون لا يعينهم على الهداية بسبب اعراضهم: قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). 104 النحل.
ذكر ابن كثير: يخبر تعالى أنه لا يهدي من أعرض عن ذكره وتغافل عما أنزله على رسوله، ولم يكن له قصد إلى الإيمان بما جاء من عند الله، فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله إلى الإيمان بآياته وما أرسل به رسله في الدنيا ، ولهم عذاب أليم موجع في الآخرة.
وقال ابن جرير الطبري: يقول تعالى إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته، فيصدّقون بما دلَّت عليه لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ يقول: لا يوفقهم الله لإصابة الحقّ، ولا يهديهم لسبيل الرشد في الدنيا.
ومن السعادة التي يشعر بها العبد المؤمن ذلك الرضى وطيب الحياة التي يعشيها هي نتيجة التوحيد وهو الايمان الصادق مع العمل الصالح فقد قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). 97 النحل.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سَمِيع، عن أبي الربيع، عن ابن عباس ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قال: الرزق الطيب في الدنيا.
والرزق الطيب ليس فقط بالمال الكثير فكم من له مال كثير وهو شقي فيه وسببا لتعبه ولا يجد له لذة وهناك من له قدر طعامه فقط وهو يشعر بسعادة وطمأنينة لان همه ان كيف يكون موقفه بين يدي ربه فيعطيه الله القناعة والشعور بالرضى، كما قال تعالى: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ). ثم وعد كل من كان بذلك فقال تعالى: ( ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). 8 البينة.
وما يفيد ان من تلك الحياة الطيبة في الدنيا ما يشير الى شقاء المعرضين في الدنيا قبل الاخرة قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا). 124 طه.
فالايمان الصحيح اي التوحيد ومعرفة الله تعين وييسر الله بها على العبد فيهون عليه الالتزام كما يسعده ويمتعه في الدارين.
ومما يعين على الاستقامة والحماية من الفتن وضعف الهمم، ان تقدم شي من الطاعات والاعمال الصالحة تقوي العزيمة وتحصن النفس من الضعف وذلك بعون الله، فما تفعل من العمل يعين على ما هو آت كما جاء في الحديث: بادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.  رواه مسلم من حديث ابي هريرة.
وكل مسلم يعلم الوعد والوعيد لكن الكثير منهم لا يكترث وكان الامر لا تعنيه، مع ان هذا التناسي على نفسه واهمالها، ومثله ومثل العابد كمثل الطالب الذي ينظر الى المستقبل وانه ان لم ينجح لا يجد حياة كريمة فيهتم بالمذاكرة والسهر والمراجعة حتى يفوز مستقبلا ويرتاح، واخر اثر اللحظة واللعب واهمل دروسه ففقد المستقبل وندم حيث لا ينفع الندم. فهذا التجاهل والتناسي فهو الترك عمدا مع العلم، هو الذي جاء فيه الوعيد، وقد صفه الله المنافقين بذلك في قاله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). 67 التوبة.
وحذرنا جميعا من ذلك حيث قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). 59 الحشر.  
وكي تحمي نفسك وتقوي ارادتها قدم ما يمكنك من الطاعات واستعن بالله تجد العاقبة والصلابة في الدين بعون الله تعالى انشاء الله.